المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أدب السؤال


المشرف العام
04-07-2015, 09:36 PM
من أدب السؤال


1- لا تسأل عما لا تحتاجه :
قال أحمد بن حيان القطيع: دخلت على أبي عبد الله ، فقلت: أتوضأ بماء النورة ؟ فقال: ما أحب ذلك .فقلت: أتوضأ بماء الباقلاء ؟قال : ما أحب ذلك .قال: ثم قمت ، فتعلق بثوبي ، وقال: أيش تقول إذا دخلت المسجد ؟فسكت .فقال: أيش تقول: إذا خرجت من المسجد ؟فسكت.فقال: اذهب فتعلم هذا .اهـ
قلت:يعني الإمام ـ رحمه الله ـ أنك تركت ما فيه سنة ثابتة ، وتحتاجه كل يوم مرارا ، وجئت تسأل عما قد لا تحتاجه أبدا ، وليس فيه أثر !.
يحكى أن الأمير ابن طولون أراد أن يؤدّب ولده، وكان الولد أكولاً نهماً ؛ فأرسل الوزيرَ في ساعة من الليل, وقال له: ائتني به فوراً , ولا تسمح له بأكل شيء قبل أن تشخصه إليّ، ذهب الوزير, وقال للولد: أجب الأمير، قال أمهلني قليلاً لآكل، قال: أجب الأمير فوراً على هيئتك الآن، وذهب الولد، فجلس في قاعة انتظار حتى طال به الجلوس واشتد به الجوع، قال والده: أدخلوه الغرفة ؛ فدخل ووجد على الخوان ألواناً من الأطعمة اليسيرة التي نسميها (مقبّلات) الجرجير والبقول والسلطات وما شابه، فوقع عليها أكلاً حتى شبع وهدأت نفسه، ثم أمر الأمير أن يؤذن للولد على مائدة من أجود أنواع الأطعمة مما لذ وطاب من الوجبات الرئيسة، وعليها الأمير ووزراؤه وحاشيته، فأكلوا وانقبض الولد.. سأله أبوه: لماذا لا تأكل؟ قال: قد شبعت، ولم أعلم أن ثمة طعاماً آخر هو ألذ وأطيب. قال الأمير: إنما أحضرتك لألقنك درساً في حياتك، ليس لك إلا بطن واحد, فإذا ملأته بالبقول والأطعمة الأولية؛ لم تجد نفسك في الطعام الذي هو أكثر نفعاً وأعظم لذة، وهكذا إذا ملأت وقتك بالأمور الصغيرة ضاق عن جلائل الأعمال وفضائلها.

2- لا تجعل السؤال يكشف عن جهلك :
قال أبو نعيم في الحلية 9/117:حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن أحمد بن موسى الخياط ـ بالرملة ـ وعلي ، عن الربيع: قال سمعت الشافعي يقول: ما نظر الناس إلى شيء هم دونه إلا بسطوا ألسنتهم فيه.
قلت: صدق ـ رحمه الله ـ وهذا اليوم في الناس كثير.
رفع رجلٌ من العامة ببغداد إلى بعض ولاتها على جار له أنّه يتزندق ،فسأله الوالي عن قوله الذي نسبه به إلى الزندقة ،فقال :هو مرجى قدرىّ ناصبيّ رافضى ،من الخوارج ،يبغض معاوية بن الخطاّب الذي قتل علىّ بن العاص.فقال له ذلك الوالي :ما أدرى على أي شيء أحسدك ?أعلى علمك بالمقالات ،أم على بصرك بالأنساب.
كان الوجيه وهو : المبارك بن المبارك الضرير النحوي قد التزم سماحة الأخلاق ، وسعة الصدر ، فكان لا يغضب من شيء ، ولم يره أحد قط حردان ، وشاع ذلك عنه ، وبلغ ذلك بعض الحرفاء ، فقال: ليس له من يغضبه ، ولو أغضب لما غضب ، وخاطروه على أن يغضبه ، فجاءه ، فسلم عليه ، ثم سأله عن مسألة نحوية ، فأجابه الشيخ بأحسن جواب ، ودله على محجة الصواب .
فقال له: أخطأت ، فأعاد الشيخ الجواب بألطف من ذلك الخطاب ، وسهل طريقته ، وبين له حقيقته .
فقال له: أخطأت أيها الشيخ ، والعجب ممن يزعم أنك تعرف النحو ، ويهتدي بك في العلوم ، وهذا مبلغ معرفتك ، فلاطفه ، وقال: له يا بني لعلك لم تفهم الجواب ، وإن أحببت أن أعيد القول عليك بأبين من الأول فعلت .
قال له:كذبت ! لقد فهمت ما قلت ، ولكن لجهلك تحسب أنني لم أفهم .
فقال له الشيخ: وهو يضحك قد عرفت مرادك ، ووقفت على مقصودك ، وما أراك إلا وقد غُلبت ، فأد ما بايعت عليه ، فلست بالذي تغضبني أبدا ،وبعد يا بني : فقد قيل إن بقة جلست على ظهر فيل ، فلما أرادت أن تطير قالت له: استمسك فإني أريد الطيران ! فقال لها الفيل: والله يا هذه ما أحسست بك لما جلست ، فكيف أستمسك إذا أنت طرت !والله يا ولدي ما تحسن أن تسأل ، ولا تفهم الجواب ، فكيف أستاء منك .معجم الأدباء 5/44 .
دخل رجل المسجد عليه سمت الوقار والهيبة يوحي مظهره انه من كبار العلماء وكان ابو حنيفة جالسا يمد رجليه ، فضم رجليه احتراما للرجل .فسأله الرجل : يا أبا حنيفة متى يفطر الصائم ؟!!قال : عند غروب الشمس .قال : وان لم تغرب إلى منتصف الليل ؟!!فابتسم أبو حنيفة وقال : آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه !!!.
دخل رجل على الشعبي وهو في المسجد ومعه امرأته فقال : أيكم الشعبي ؟!!!فقال الشعبي : هذه . وأشار إلى امرأته !!.

3- إرشاد السائل لما هو أولى :
عن أبي ثور قال: كنت من أصحاب محمد بن الحسن ، فلما قدم الشافعي علينا جئت إلى مجلسه شبه المستهزئ ، فسألته عن مسألة من الدور ، فلم يجبني ، وقال: كيف ترفع يديك في الصلاة ؟ فقلت: هكذا .فقال: أخطأت .فقلت: هكذا .فقال: أخطأت .فقلت: وكيف أصنع ؟قال: حدثني سفيان [عن الزهري] عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم \" كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا ركع وإذا رفع \".قال أبو ثور : فوقع في قلبي من ذلك ، فجعلت أزيد في المجيء إلى الشافعي ، وأقصر من الاختلاف إلى محمد بن الحسن ، فقال: أجل الحق معه ؟قال: وكيف ذلك ؟قال قلت: كيف ترفع يديك في الصلاة ، فأجابني نحو ما أخبرت الشافعي ، فقلت: أخطأت .فقال: كيف أصنع ؟فقلت: حدثني الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه ، إذا ركع ، وإذا رفع \". قال أبو ثور : فلما كان بعد شهر ، وعلم الشافعي أني قد لزمته للتعلم منه ،قال: يا أبا ثور مسألتك في الدور ، وإنما منعني أن أجيبك يومئذ ، لأنك كنت متعنتا.اهـ .قلت: من فوائده الإعراض عن إجابة المتعنت ، وتبيين جهله لنفسه ، وإرشاده لما هو أولى .في الآداب الشرعية 2/72.< br /> قال المروذي قال أبو عبد الله: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟فقلت له: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا ؟!.
قال أبو نعيم في الحلية 9/124:حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم ثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: كل ما قلت لكم ، فلم تشهد عليه عقولكم ، وتقبله ، وتراه حقا فلا تقبلوه فإن العقول مضطرة إلى قبول الحق.
في معرفة الثقات للعجلي ص201:الإمام عبد الرحمن بن مهدي قال له رجل: يا أبا سعيد لو قيل لك: أدخل الجنة بلا حساب ، ولا يكون لك رياسة ؟ أو قيل لك: يكون لك رياسة الدنيا وأمرك إلى الله أيهما أحب إليك ؟ فقال له: بالله اسكت .ما أجمل الجواب ! ، وما أكثر الأسئلة التي تحتاج لمثله.

4- لا تسأل العالم عن عمله :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والفقيه قد يفعل شيئا على العادة ، و إذا قيل له: هذا من الدين ؟ لم يمكنه أن يقول ذلك ، ولهذا قال بعض السلف: لا تنظر إلى عمل الفقيه ، ولكن سله يصدقك .الاستغاثة في الرد على البكري ص335.
وقال العلامة الشاطبي: وأن الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة حتى يتثبت فيه ، ويسأل عن حكمه إذ لعل المُعْتَمَد على عمله يعمل على خلاف السنة ، ولذلك قيل :لا تنظر إلى عمل العالم ، ولكن سله يصدقك .وقال أيضا: العالم قد يعمل ، وينص على قبح عمله ! ، ولذلك قالوا : لا تنظر إلى عمل العالم ولكن سله يصدقك. الاعتصام 3/109و4/181.
وقال الخليل بن أحمد :
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ** ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

5- أكثر من سؤال أهل العلم :
وقال ابن حزم في مراتب العلوم ص77 [ضمن مجموع رسائله ج4]: [في وصايا لطالب العلم].. وسكنى حاضرة فيها العلم ، ولقاء المتنازعين ، وحضور المتناظرين فبهذا تلوح الحقائق ، فليس من تكلم عن نفسه وما يعتقده ، كمن تكلم عن غيره ، ليست الثكلى كالنائحة المستأجرة ، ومن لم يسمع إلا من عالم واحد أوشك أن لا يحصل على طائل ، وكان كمن يشرب من بئر واحدة ، ولعله اختار الملح المكدر ، وقد ترك العذب ، ومع اعتراك الأقران ومعارضتهم يلوح الباطل من الحق ، ولا بد ، فمن طلبه كما ذكرنا أوشك أن ينجح مطلبه ، وأن لا ينفق سعيه ، وأن يحصل في المدة اليسيرة على الفائدة العظيمة ، ومن تعدى هذه الطريقة كثر تعبه ، وقلت منفعته .