المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من آداب معاملة الزوج لزوجته ج1


المشرف العام
06-08-2015, 08:03 AM
من نعم الله - سبحانه وتعالى - علينا نعمة الزواج الذي جعله من آياته للمتفكرين في خلقه - سبحانه وتعالى - فقال عزّ من قائل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الروم آية: 21).
وبعث لنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا وهاديا ومبشرا ونذيرا, وجعله قدوة لنا في التمسك بالآداب والقيم في الالتزام بمنهج الله تعالى, حيث قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ (سورة الأحزاب آية:21).
وكان - عليه الصلاة والسلام - خير نبي لخير أمة, وخير قائدٍ لجنوده, وخير زوجٍ لزوجاته, وخير مربٍّ لأولاده صلوات ربي وسلامه عليه, حيث علم الأزواج كيف تكون العشرة الطيبة فقال: ) خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي (.
وكان هو نفسه - صلى الله عليه وسلم - مثال الزوج الصالح, فقد كان رحيما بزوجاته, عليما بطبائعهن, مقدرا ومراعيا لحاجاتهن, كبنات حواء, فلم يكن عنيفا ولا قاسيا ولا جبارا ولا متسلطا, بل كان الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والقلب الرحيم, العطوف الشفيق, كريم النفس والأخلاق, ولن تفي هذه الأسطر في بيان كيفية حياته, وحسن عشرته مع زوجاته, ولكن كانت هذه المقدمة مدخلا لذكر جملة من الآداب, أهديها للأزواج؛ للرقي بتعاملهم مع زوجاتهم, والتي تحوي في طياتها شيئا من وصايا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولمن أراد مزيدا من الإفادة ففي كتب السيرة النبوية الشيء الكثير, أسأل الله أن أكون قد وفقت في اختياري وطرحي.

1. حسن العشرة: قال الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (سورة النساء آية: 19) وكلمة ((عسى)) التي للرجاء تجعل الأمل في الصبر على أخطاء الزوجة موضع رضا الله الذي يجعل الرجاء في تعويضه عن الصبر كثيرا, وقد روى ابن ماجه والترمذي من حديث عمر بن الأحوص الجشمي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع: ) استوصوا بالنساء, ألا إن لكم على نسائكم حقا, ولنسائكم عليكم حقا, فحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن, وحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون, ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون (.
والعواني: جمع عانية, وهي الأسيرة, شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة في دخولها تحت عصمة الرجل بالأسيرة. وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ) خيركم خيركم لأهله (. وفي الصحيح قال - عليه الصلاة والسلام -: ) لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا رضي منها آخر (. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره, واستوصوا بالنساء خيرا, فإنهن خلقن من ضلعٍ أعوج, وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه, فإن ذهبت تقيمه كسرته, وإن تركته لم يزل أعوج, فاستوصوا بالنساء خيرا (. والنبي بهذا التصوير يختصر على الرجل الطريق الطويل الشاق في محاولة تقويم المرأة المثل الأعلى الذي يمكن أن يتم في الرجل. إن شجرة الورد جميلة بشوكها. والذي يطلب شجرة ورد بلا شوك عابث غبي, والذي يزعم أن شوك شجرة الورد يجعلها قبيحةً لا تصلح للاستمتاع بها مختل المزاج منحرف الطبع, والمرأة ضعيفة, والضعف يحتمي بالشوك كالوردة ضعيفة تحتمي بالشوك.

ومكلف الأيام ضد طباعها

متطلب في الماء جذوة نار
وقد حكى الله في سورة التحريم ما لقيه نبينا - عليه الصلاة والسلام - من تعنت أزواجه, ومتاعب الضرائر ما بلغ الذروة, حتى نزلت آيات السماء تردعهن: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ (سورة التحريم آية: 5).

فلا بد - إذن - من الصبر على جنوحهن, ولنا في رسول الله أسوة حسنة: فقد كانت أزواجه يراجعنه في الكلام, وتهجره الواحدة منهن إلى الليل, ولا أصوغ بذلك فعلهن - رضي الله عنهن - أجمعين, وأدعو إلى تقليده, وإنما أبين موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - معهن وكيف كان يصبر على أذاهنّ - صلوات ربي وسلامه عليه - وأدعو الأزواج الكرماء إلى التأسي به.

2. المداعبة والملاطفة: فذلك يزرع الحب في القلب, وإمتاعها باللهو البريء الذي يروح عن نفسها: برحلةٍ إلى مكان ما أو طلعة سمر, أو مشاركتها مشاهدة حفل خالٍ مما يغضب الله, وكم في المتاحف من متعة وثقافة, وكم في الريف وحقوله من مشهد رائع, ودعوة للإيمان بالله: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ (سورة الأعلى آية: 4 - 5).
والتفكر في عظمة الخالق وعجيب خلقه, وإبداع صنعه, من خلال زيارة لحديقة الحيوان للتأمل في مخلوقاته, أو برحلة إلى البر بعيدا عن ضجة وصخب المدينة؛ ليتسنى التأمل الذي به يلهج اللسان قائلا: سبحان الله سبحان الله.

هذا على شرط ألا يتبسط في الدعابة ولين الخلق إلى حدٍّ يُفسد خلقها, ويسقط هيبته بالكلية عندها, بل لا بد من مراعاة الاعتدال والتوسط, فكما أنه لا يصلح له أن يظلمهن ويقسو عليهن, كذلك لا يجوز له أن ينقاد لهن انقيادا كاملا, ويملكهن زمامه في كل شيء, وفي الحديث: ) ألا هلكت الرجال حين أطاعوا النساء (.

3. أن يكون معتدل الغيرة بمعنى: أنه لا يتغافل عن الأمور التي تخشى مغبتها ويصعب علاجها إذا أهملت, فلا يسكت على تقصير في واجب, أو ميل إلى هوى سوء, أو تلبس بمنكر؛ فإن اعتياد هذه الأشياء منها وسكوته عليها مما يؤدي إلى استمرائها على المنكر, فيصبح لها خلقا يصعب علاجه, فإن يسكت بعد ذلك يسكت على منكر, وإن ينكر فإنما يحاول الشقاق والقطيعة, فلا بد من الوقاية التي تقطع العلة قبل وقوعها, وتوقف الداء قبل سريانه, ولهذا يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (سورة التحريم آية: 6).
قال الذهبي في الكبائر: أي أدبوهم وعلموهم ومروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصية الله كما يجب عليكم ذلك في حق أنفسكم, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث, والرجلة من النساء, ومدمن الخمر، فقالوا: يا رسول الله، أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله، قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: التي تشبّه بالرجال (.

ومن الحرص على عفاف الرجال وبخاصة الشباب, وعلى نفس الزوج من أن يلتهب بالغيرة: ما عليه المحافظات من بناتنا وأخواتنا المسلمات, حين يحرصن ألا يُوجِدن في غرفة الاستقبال, أو المكان الذي ينام فيه الضيف أي آثار من خصائص استعمال المرأة ولبسها.... ويقظتها لدورة المياه حين يطلبها الضيف إذ تكون نظيفة من ثيابها الخاصة, كما هي نظيفة من الأدران, وحرصهن كذلك على ألا تنشر الثياب, وبخاصة الملابس الداخلية لهن في مكان واضح يجتمع في مواجهته الشباب, وإن مثل هذا التصرف دليل على بقية الحس الإسلامي المرهف, ومظهر للعفاف والطهر.

والغيرة المشروعة (مشروطة بألا تنساق في تيار الظن الذي يدفع إلى المبالغة في الريبة والتجسس وسوء الظن) ومحاولة التعنت في استطلاع بواطن الأمور, فإن ذلك مما يفسد العشرة, وينكد الحياة, ويؤدي إلى قطع الصلة, وذلك مما يبغضه الله ويكرهه, ولا أفضل من إشعار الرجل زوجته بالثقة, والتحاشي عما يخدشها, قال عليه الصلاة والسلام: ) إن من الغيرة غيرة يبغضها الله - عز وجل - وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة (.