المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرون نصيحة لأختي قبل الزواج -18


المشرف العام
06-08-2015, 09:15 AM
النصيحة الثامنة عشرة

كيف تتصرفين في حال غضبه؟

لا غرابة أن يحدث منكِ أو في بيتكِ ما يُغضب الزوج، ولكن الجدير بكِ معرفة الطريق الأسلم للتخفيف من غضبه، فكم من مشكلة بدأت يسيرة، يشتعل بسببها غضبُ الزوج، فتزيد الزوجة نار الغضب إضراماً حتى تنتهي المشكلة بما لا يُحْمد من فراقٍ وطلاق.

وقد شهدتُ عند شيخي الإمام العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مجالسه من الفصل في قضايا طلاقٍ سببها يضحك ويبكي في آنٍ واحد.
أما الضحك فمن تفاهة سبب المشكلة، وأما البكاء فمن ألم ما أرى من ندم الزوج وحسرته بل ربما بكائه عندما يتحقق من بينونة زوجته منه، وتحقق طلاقها منه.
والسبب مشكلة يسيرة، لو وافقت من الاثنين عقلاً راجحاً، وتصرفاً حكيماً، لما آلت النتيجة إلى هذا الحد.

فعليك بأمورٍ لا ينبغي أن تفارق ذهنكِ عند غضبه:

الأول: املكي نفسكِ عند ذلك ولا تقابلي الغضب بالغضب، ومهما تكلم أو فعل حال غضبه، فأنتِ الأقوى والأشد إن ملكتِ نفسك عن ثورة الغضب، وذلك لما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ) ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إِنَّما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب (.

والثاني: الغضب قد يكون من الشيطان ومكره، فإن استطعتِ أن تلقنيه بلطفٍ التعوذ من الشيطان فحسنٌ.
وذلك لما روى البخاري ومسلم عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: اسْتَبَّ رجلان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده، فبينما أحدهما يَسُب صاحبه مغضَبا قد احمرَّ وجهُه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ) إِني لأعلمُ كلمة لو قَالها لذهبَ عنه الذي يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم (.

والثالث: إن تيسر لكِ أن تغيّري من حاله بجلوس بعد قيام، أو اضطجاع بعد جلوس، أو انتقالٍ من مكانٍ إلى مكان، فهو تصرفٌ حسن، طاردٌ للغضب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ) إِذا غضب أحدُكم وهو قائم فلْيجلسْ فإن ذهب عنه الغضب، وإِلا فليضطجع ( أخرجه أبو داود.
وإن تمكنتِ بلطفٍ أن تطلبي منه أن يتوضأ أو يشرب بعض الماء فحسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ) إِن الغضبَ مِن الشيطان، وإِن الشيطان خُلق من النار، وإِنما تُطفأ النارُ بالماء، فإِذا غَضِبَ أحدُكم فليتوضأ ( أخرجه أبو داود.

والرابع: بادريه بالعذر عن نفسكِ إن كان الخطأ منك، ولا تتأخري في الاعتراف بالخطأ والاعتذار له، فإن هذا يعجّل بإطفاء نار الفتنة أول توقدها.

والخامس: إذا طال غضبه، فأظهري له من نفسكِ ما تعلمين أنه يحبه من خدمةٍ ولباس، فإنّ بعض النساء وإن لم تقابل غضب الزوج بالكلام إلا إنها تقابله بسوء العشرة، وفساد الخدمة، ولسان الحال أحياناً أشد ضرراً من لسان المقال، بل لسان المقال قد يكون واضح المراد، بينما لسان الحال قد يجعل الشيطان يلعب بأفكار زوجك، فيحسِبُ لكل تصرفٍ منكِ حساباً سلبياً يحمله على قصد معارضته وعدم اعتباره، فكوني حذرة من هذه المداخل.

والسادس: إنْ رأيتِ أنَّ وقوفك أمامه يزيد من إثارة غضبه، أو خشيتِ أن تتصرفي أو تتكلمي بما لا يليق، فانصرفي من أمامه.
أما إن كان هذا يزيد من إثارة غضبه، ويرى أن انصرافكِ استخفافٌ به، فلا تغادريه حتى ينتهي من كلامه.
وإن احتاج الأمر إلى أن تتكلمي فتكلمي بأدبٍ ولطفٍ، وجمّلي كلامك بعبارات تخفّف من الغضب، وتطفئ اللهب، كقولكِ: حفظك الله، الله يرعاك، حفظك الله لي، أبقاك الله لي، يا حبيبي ونحوه مما يليق بالعاقلة قوله.

فإن استخف الشيطان عقله، وتسلّط على لسانه، وتكلم بكلامٍ خارجٍ عن ميدان الأدب من سب وشتم ونحوه، فلا تقابليه بالمثل، وإنما عليك مقابلته بكظيم الغيظ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (آل عمران:134).

ومقابلتك له بذلك فيها من الفوائد العائدة لك الشيء الكثير، ومنها:

الفوز بتأييد جنود الرحمن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قال له رجلٌ: يا رسولَ الله، إِن لي قرابة، أصلِهُم ويقطعونني، وأُحْسِن إِليهم ويُسيئُون إِليَّ، وأحلُم عنهم، ويجهلون عليَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ) لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولن يزال معك من الله ظهير عليهم ما دُمتَ على ذلك ( أخرجه مسلم.

ومنها: أن التزامك الأدب، وصيانة اللسان من الوقوع في ساقط الكلام انتصارٌ لك بالسلامة من كلّ ما يخدش سمعك قبل سمعه، ويحدوك في ذلك قول الشاعر:

يخاطبني السفيه بكلّ قبحٍ

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلماً

كعودٍ زاده الإحراق طيبا

قال أبو الوفاء بن عقيل: ( أمّا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَالْحَسَنَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَبِيحِ لِيَزُولَ الشَّرُّ فَلَيْسَ بِمُنَافِقٍ لَكِنَّهُ يَسْتَصْلِحُ أَلَا تَسْمَعُ إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ فَهَذَا اكْتِسَابُ اسْتِمَالَةٍ، وَدَفْعُ عَدَاوَةٍ، وَإِطْفَاءٌ لِنِيرَانِ الْحَقَائِدِ، وَاسْتِنْمَاءُ الْوُدِّ وَإِصْلَاحُ الْعَقَائِدِ، فَهَذَا طِبُّ الْمَوَدَّاتِ وَاكْتِسَابُ الرِّجَالِ ).
فعليك بالحلم في مثل هذه المواطن فإن عوائده عظيمة.

قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية": ( قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: إنَّمَا يُعْرَفُ الْحِلْمُ سَاعَةَ الْغَضَب، وَكَانَ يَقُول: أَوَّلُ الْغَضَبِ جُنُون وَآخِره نَدَم.

وَلَا يُقَوَّمُ الْغَضَب بِذُلِّ الِاعْتِذَار وَرُبَّمَا كَانَ الْعَطَب فِي الْغَضَب.

وَقِيلَ لِلشَّعْبِيِّ لِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ السَّرِيعُ الْغَضَب سَرِيع الْفَيْئَة وَيَكُونُ بَطِيءُ الْغَضَب بَطِيءَ الْفَيْئَة؟، قَالَ: لِأَنَّ الْغَضَب كَالنَّارِ فَأَسْرَعُهَا وُقُودًا أَسْرَعُهَا خُمُودًا).

ومن فوائد التزامك الأدب حال غضبه: اعترافه لك بالفضل وحسن الأدب بعد ذهاب إعصار غضبه. وفي الجملة كلما قابلتِ نار الغضب بماء الحكمة كان أدوم لحياة أسرية سعيدة.