اميرة عبد الدايم
09-14-2015, 02:18 PM
رسالة مقدّمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه
إعداد
د.صالح بن محمد الفوزان
إشراف
أ.د. مساعد بن قاسم الفالح
الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة
د. جمال عبد الرحيم جمعة
استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر
العام الجامعي: 1427هـ
المُقَدّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد …
فإن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفضل هيئة وأكمل صورة، وأودع فيه غريزة حب التزين والتجمل، وما زال ذلك دأب الإنسان على مر العصور منذ خلقه الله تعالى خاصة المرأة لطبيعتها الأنثوية التي تتطلب عنايةً بالتزين والتجمل.
ومع التقدم العلمي في شتى المجالات ومنها المجال الطبي بقيت هذه الرغبة تراود الإنسان سيّما مع التطور السريع في مجال الجراحة الطبية، حيث أصبحت الجراحة التجميلية الحديثة بمجالاتها المختلفة أحد أهم فروع الجراحة الطبية، وصارت مقصداً للراغبين في الحُسْن والجمال من الجنسين، وأصبح الكثيرون يؤمُّون مراكز الجراحة التجميلية التي انتشرت بصورة مذهلة.
ومع الإقبال الواسع على هذه المراكز والمستشفيات المتخصصة تبرز الحاجة لدراسة هذه العمليات التجميلية وبيان حكمها حلاً أو حرمةً، حيث إن الكثير منها جراحات مستجدة لم يتم طرحها على بساط البحث الفقهي، فالموضوع يُعد إحدى النوازل الفقهية في هذا العصر.
ومن هنا فقد رأيت ـ بعد الاستخارة والاستشارة ـ أن يكون ذلك موضوعاً للبحث الذي أتقدم به لنيل درجة الدكتوراه، وجعلته بعنوان: (الجراحة التجميلية ـ دراسة فقهية).
أهمية الموضوع وأهداف بحثه
تتجلّى أهمية الموضوع في عدد من الجوانب منها ما يلي:
1ـ أن هذا الموضوع يتعلق بناحية غريزية عند الإنسان، وهي حب التزين والتجمل، وهذه الغريزة أسهم الانفتاح الإعلامي المعاصر في تأجيجها، وذلك من خلال الاطلاع على هذه المستجدات الطبية في وسائل الإعلام، فضلاً عما يظهر على هذه الوسائل من صور لرجال أو نساء يتم تجميلهم واختيارهم بعناية، فينشأ لدى بعض المشاهدين رغبة في تقليدهم في المظهر من خلال الجراحات التجميلية الحديثة، فالموضوع يمس قضيةً مهمةً في حياة الناس.
2ـ أن هذا الموضوع يمثل إحدى النوازل المعاصرة المتجددة باستمرار، حيث استجد الكثير من الجراحات الحديثة التي لم يتناولها الفقهاء المتقدمون، بل إن منها ما استجد في السنوات الأخيرة مما لم يتم طرقه حتى في الدراسات المعاصرة التي تناولت بعض أجزاء الموضوع.
3ـ أن الجراحة التجميلية من الجراحات المتشعبة ؛ إذ يندرج تحتها كثير من الإجراءات التي تختلف في حقيقتها الطبية وأحكامها الشرعية، وتندرج ضمن أكثر من تخصص طبي كالجراحة، والجلدية، والعظام، والأسنان، والمسالك البولية والتناسلية، وجراحة النساء والولادة.
وبإزاء اختلاف هذه الجراحات لا يكفي مجرد الضوابط العامة والقواعد الكلية والفتاوى المقتضبة، بل لا بد من دراستها بشكل طبي مفصَّل، ثم بيان حكمها الشرعي بعد تصورها من الناحية الطبية.
4ـ انتشار المستشفيات والمراكز المتخصصة في الجراحة التجميلية والإقبال الكبير على هذه المراكز، خاصة مع الدعايات والإعلانات المتكررة الداعية لزيارة هذه المراكز وإجراء الجراحات التجميلية للتخلص من العيوب والتشوهات والظهور بمظهر حَسَن مع الغفلة عن الحكم الشرعي لهذه الجراحات إما لعدم ظهوره أو للجهل به.
5ـ عدم معرفة كثير من الأطباء والجراحين بالأحكام الشرعية لهذه الجراحات، إذ يعتمدون على الاجتهاد الشخصي، وربما يلجأ بعضهم إلى القوانين الطبية لبعض الدول الغربية التي تنظم هذه الأعمال ولو كانت مخالفةً للشريعة الإسلامية ؛ ولذا لحظت ترحيب كثير من الأطباء بطرح هذا الموضوع من الناحية الفقهية لما يحسون به من حرج عند إجراء بعض الجراحات.
أما أهداف البحث فيمكن إجمالها فيما يلي:
1ـ بيان الحكم الشرعي لإجراء الجراحات التجميلية المُدرجة في خطّة البحث حلاً أو حرمةً.
2ـ وضع الضوابط والقواعد العامة التي يمكن تطبيقها على ما يستجد من جراحات تجميلية؛ إذ لا يخفى أن هذا المجال لا يزال في تقدم وتجدد دائم، ولا يمكن أن تغطي الأبحاث العلمية التطبيقاتِ المستجدةَ لهذا المجال، فلا بد من العناية بالضوابط والقواعد الفقهية لتكون منطلقاً للحكم على ما يستجد من جراحات.
أسباب اختيار الموضوع
من أسباب اختيار هذا الموضوع ما يلي:
1ـ أهمية هذا الموضوع الذي يُعدّ نازلةً فقهيّةً متجددةً تحتاج إلى دراسة وافية، بالإضافة إلى كثرة مراكز الجراحة التجميلية وشدة الإقبال عليها مع عدم إدراك أحكامها الشرعية ، كما سبق في أهمية الموضوع.
2ـ أن هذا الموضوع لم يُفْرد بالبحث المفصل لأحكامه في رسالة علمية متخصصة في حد علمي، وما كُتِب فيه لا يعدو أن يكون إشارات إجمالية أو مسائل متفرقة، وهذه الكتابات لم تفِ بجوانب الموضوع، فضلاً عن أن بعضها قديم لم يواكب ما استجد من جراحات.
3ـ أن طبيعة هذا الموضوع التجدد المستمر، فلا بد من مواكبة ما استجد من مجالات الجراحة التجميلية وبيان حكمه الشرعي ليكون في متناول أيدي الجراحين والمختصين في إجراء هذه العمليات، خاصة أن بعض هذه الجراحات دخل مجال التطبيق الفعلي في السنوات القليلة الماضية فقط.
4ـ أن بحث مثل هذا الموضوع يشتمل على الكثير من المسائل والقواعد والأصول الفقهية وبيان مقاصد الشارع الحكيم، وذلك مما يفيد الباحث ويثري معلوماته الشرعية.
خطّة البحث
تشمل خطّة البحث مقدّمةً وتمهيداً وأربعة أبواب وخاتمة[1] (http://almutakhasses.com/vb/#_edn1)
منهج البحث
يتبين هذا المنهج فيما يلي:
1-أصوّر المسألة المراد بحثُها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها ليتضح المقصود من دراستها.
2-إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق أذكر حكمها بدليله، مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة.
3-إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف أتّبع ما يلي:
· تحرير محل الخلاف، إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف وبعضها محل اتفاق.
· ب- ذكر الأقوال في المسألة وبيان من قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتجاهات الفقهية.
· الاقتصار على المذاهب الفقهية المعتبرة مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، و إذا لم أقف على المسألة في مذهب ما أسلك بها مسلك التخريج قدر الإمكان، أما في المسائل الفقهية المستجدة فإني أذكر الأقوال منسوبةً إلى قائليها من المجامع الفقهية والهيئات الشرعية ودور الإفتاء و العلماء والباحثين.
· توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه.
· استقصاء أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يُجاَب به عنها، علماً بأنني أصدِّر المناقشة أو الإجابة بلفظ (نوقش) أو (أجيب) إذا كانت منقولةً، أما إذا كانت من عندي فإنني أصدِّرها بلفظ (يمكن أن يُناقش) أو (يمكن أن يُجاب).
· الترجيح مع بيان سببه، وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت.
4-الاعتماد على أمهات المصادر و المراجع الأصيلة في التحرير والتوثيق والتخريج و الجمع، وقد أثبت الإحالة إلى هذه المصادر والمراجع في الحاشية، علماً بأنني أصدِّر الإحالة بلفظ (انظر) عند أخذ الفكرة العامة من المرجع دون نقل مفصّل منه.
5-التركيز على موضوع البحث و تجنب الاستطراد.
6-العناية بضرب الأمثلة خاصة الواقعية.
7- تجنب ذكر الأقوال الشاذة.
8-العناية بدراسة ما جدّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.
9- ترقيم الآيات وبيان سورها.
10- تخريج الأحاديث و بيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها، مع الاكتفاء بالتخريج إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما.
11- تخريج الآثار من مصادرها الأصيلة، والحكم عليها.
12- التعريف بالمصطلحات وشرح الغريب.
13- العناية بقواعد اللغة العربية والإملاء وعلامات الترقيم.
14- تكون الخاتمة عبارة عن ملخص للرسالة يعطي فكرة موجزة عمّا تضمنته الرسالة، مع إبراز أهم النتائج والتوصيات.
15- الترجمة للأعلام غير المشهورين.
16- إتباع الرسالة ببعض الفهارس الفنية، وهي:
· فهرس الآيات القرآنية.
· فهرس الأحاديث و الآثار.
· فهرس القواعد الأصولية والفقهية.
· فهرس المصطلحات.
· فهرس الأعلام
· ثبت المصادر والمراجع.
· قائمة اللقاءات الطبية.
· فهرس الموضوعات.
ويتناول البحث قضية الجراحة التجميلية وحكمها الفقهي حلاً أو حرمة، ونظراً لأن هذا الموضوع يتصل بالمجال الطبي ؛ فلا بد من عرضه وتصويره وبيان مجالاته من الوجهة الطبية، ولا يكفي الأخذ بالمفاهيم الشائعة عن الجراحة التجميلية مما قد يقصرها في نطاق ضيق ؛ ذلك أن مجالات هذه الجراحة وفق المفهوم الطبي المعاصر أوسع مما يظنه كثير من الناس.
وحتى يكون البحث شاملاً في العرض الطبي لهذه النازلة فقد سلكت الطرق التالية لجمع أطرافه الطبية:
1ـ استشرت كثيراً من الأطباء الاستشاريين في مجال الجراحة التجميلية وما يتصل بها من تخصصات أخرى، وحرصت عند عرض كل جراحة على الالتقاء بالطبيب المختص وتوثيق ما يصدر عنه من معلومات، مع الرجوع في بعض الجراحات إلى أكثر من طبيب رغبةً في مزيد من التحرّي خاصة في ظل ندرة المراجع المكتوبة، وقد راجعت في سبيل ذلك عدة مستشفيات حكومية، بالإضافة إلى عدد من العيادات والمستشفيات والمراكز الطبية الخاصة في مدينة الرياض.
2ـ زرت عدة مواقع طبية على الإنترنت حول الجراحة التجميلية ، وهي عبارة عن مواقع لمراكز طبية أو جمعيات جراحة التجميل العالمية والعربية سواءً أكانت باللغة العربية أم كانت باللغة الإنجليزية عن طريق برامج ومواقع خاصة للترجمة.
3ـ زرت بعض الهيئات الطبية المختصة كالهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي تنظم اختبارات الزمالة الطبية في المملكة، كما تقوم بوضع هيكل عام لكل تخصص طبي وما يندرج تحته من موضوعات، ومن هذه التخصصات الجراحة التجميلية.
4ـ قرأت في عدة كتب طبية باللغة العربية حول الجراحة العامة والجراحة التجميلية رغم قلتها، كما استفدت من بعض المراجع الإنجليزية عن طريق ترجمتها.
5ـ حضرت بعض العمليات التجميلية مع بعض الأطباء، حيث استغرق بعضها حوالي ثلاث ساعات، وحرصت على التحقق من مظهر موضع الجراحة قبل العملية وبعدها، مع متابعة بعض الحالات للوقوف على الأبعاد الاجتماعية والنفسية لهذه الجراحات.
ومن خلال ما سبق تكون لدي تصور طبي كافٍ عن الجراحة التجميلية ومجالاتها، مع التحقق في كل جراحة من دوافع إجرائها والمضاعفات التي قد تنشأ عنها، والبدائل الأخرى غير الجراحة.
وقد اشتهر في المجال الطبي تقسيم الجراحة التجميلية إلى قسمين رئيسين:
1ـ الجراحة التجميلية التحسينية (cosmetic surgery).
2ـ الجراحة التجميلية التقويمية (plastic and reconstructive surgery).
وعلى الرغم من هذا التقسيم إلا أنه ينبغي أن يُلحظ تداخل هذين النوعين في بعض الأحيان، ففي العضو الواحد قد تكون بعض الجراحات التجميلية تحسينيةً وقد تكون تقويميةً، بل الجراحة الواحدة قد تكون تحسينية من جهة وتقويمية من جهة أخرى، ومع ذلك فإن هذا التقسيم يعطي تصوراً كافياً عن أنواع الجراحة التجميلية وتخصصاتها.
وقد انطلقت من هذا التقسيم في عرض الموضوع، فبالإضافة للباب التمهيدي أفردت باباً للجراحة التجميلية التحسينية وآخر للتقويمية، ثم أفردت جراحات تغيير الجنس بباب مستقل نظراً لأهميتها ولخصوصية الأعضاء الجنسية في كثير من الأحكام الشرعية رغم أن أكثر هذه الجراحات يندرج ضمن الجراحة التقويمية.
وفي كل باب سأتناول بالتفصيل كل إجراء جراحي بالوصف الطبي ثم بيان حكمه الفقهي حلاً أو حرمةً انطلاقاً من تصوره الطبي واستناداً لبعض القواعد والنصوص الشرعية.
ونظراً لأنني وضعت الخطّة انطلاقاً من الواقع الطبي لهذه الجراحات فإن القاريء قد يلحظ في بعض مسائل البحث تشابهاً في الأحكام الفقهية، ويمكن رد ذلك إلى ما يلي:
أ ـ أن هذا طابع الأبحاث الفقهية التي تتناول القضايا الطبية المعاصرة ؛ إذ تنطلق هذه الأبحاث من الواقع الطبي الذي يفرز عدداً من الحالات المختلفة عند عرضها الطبي، لكن أحكامها الفقهية قد تكون متشابهةً، ولا يمكن تحاشي ذلك إلا بإعداد الخطّة بناءً على الحكم الفقهي، وهذا سيؤدي إلى استباق بعض الأحكام قبل تصوير المسائل الواقعة، كما قد يؤدي إلى اقتضاب الحكم وعدم ظهور انطباقه على كل واقعة بشكل مستقل.
ب ـ أن هذه الأحكام المتشابهة ليست متطابقةً تماماً ؛ إذ يمكن ملاحظة بعض الفروق بينها، كما أن بيان انطباق الحكم الفقهي على خصوص هذه الجراحة بما يحيط بها من دوافع وتقنيات طبية ومضاعفات صحيّة يحتاج إلى تخصيص كل جراحة ببيان الحكم، وهذا سيفوت لو تم إجمال الحكم لجميع الجراحات.
ج ـ أن من أهم الشرائح التي يستهدفها البحث الأطباء والمرضى وغيرهم من أفراد المجتمع غير المتخصّصين، وهؤلاء لا يكفي بالنسبة لهم مجرد حكم عام تدخل فيه جراحات تجميلية متعدّدة، بل يحتاجون إلى النصِّ على حكم كل جراحة تجميلية بشكل صريح، وقد أكَّد ذلك غير واحد من الأطباء الذين التقيتهم عند جمع المادة الطبية للبحث.
الصعوبات التي واجهت الباحث
اعترضني عند إعداد هذا البحث بعض العقبات والصعوبات، إلا أن الله عزَّ وجلَّ أعانني على تخطيها وتجاوزها حتى خرج هذا البحث في صورته الحاليَّة، ومن أبرز هذه العقبات:
1ـ أن البحث يتعلّق بنازلةٍ طبية متجدِّدة باستمرار، وهذا يعني ندرة المراجع المكتوبة، حيث اضطررت لجمع أطراف الموضوع عبر قنوات غير معهودة في الأبحاث الفقهية كمواقع الإنترنت والالتقاء بالأطباء وزيارة المستشفيات.
2ـ أن أكثر المراجع الطبية للموضوع كان باللغة الإنجليزية، مما اضطرني لترجمة بعضها بالتعاون مع المشرف الطبي وبعض الأطباء الآخرين، وكان ذلك يأخذ بعض الوقت.
3ـ أن أخذ تصوّرٍ كافٍ عن الموضوع كان يستدعي زياراتٍ ميدانيةً للعيادات والمراكز الطبية المتخصصة ولقاءاتٍ متعددّةً بالأطباء وجراحي التجميل، وقد كان تنسيق هذه الزيارات واللقاءات أمراً شاقاً لارتباط الأطباء وازدحام برامجهم اليومية.
شكر وتقدير
لا بد من رد الفضل لأهله، والاعتراف لصاحب الإحسان بإحسانه، ولصاحب الجميل بجميله، فترك ذلك ضرب من ضروب الجحود.
وأول الشكر وآخره، ومبدأ الحمد ومنتهاه، هو لوليِّ الحَمْد ومستحقه، خالقي ورازقي ومولاي عزَّ وجلَّ، ذي المنن الجزيلة والنعم العظيمة والآلاء الجسيمة، حيث وفَّقني لطلب العلم الشرعي، ويسَّر لي إتمام الدراسة وإعداد هذا البحث، فله سبحانه وتعالى الحمد والشكر، حَمْداً لا منتهى لحدِّه، وشكراً لا مبلغ لأمَدِه.
ثم الشكر لوالديَّ الكريمين، فقد كان فضلهما عليَّ عظيماً، حيث حملا رسالة تربيتي على الأخلاق الفاضلة وتنشئتي على حب العلم وأهله، فأسأل الله تعالى أن يرحمهما كما ربياني صغيراً، وأن يبارك لهما في أعمالهما وأعمارهما وذريتهما.
ثم أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا الصرح العلمي الشامخ الذي تشرَّفت بالانتساب إليه، والشكر موصول لكلية الشريعة ومنسوبيها، حيث تفضَّلوا بقبولي طالباً في الدراسات العليا، وتكرموا بالموافقة على تسجيل هذا الموضوع، وقبلوا الإشراف عليه ومناقشته، وأخص بالذكر قسم الفقه ومنسوبيه من العلماء الأفاضل الذين نهلت من علومهم، وأفدت من سيرهم وآدابهم، فأسأل الله أن يجزيهم عني خير الجزاء.
كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشكر الجزيل لفضيلة المشرف على هذا البحث الأستاذ الدكتور مساعد بن قاسم الفالح الذي وسعني بحلمه وأخلاقه، ولم يبخل عليَّ بإسداء النصح وإبداء الملاحظة رغم كثرة مشاغله وارتباطاته العلمية والعملية، فأسأل الله أن يجزيه عني خير الجزاء.
كما أشكر الدكتور جمال عبد الرحيم جمعة استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر المشرف الطبي على هذا البحث، فقد أفدت منه كثيراً في الجانب الطبي للموضوع من خلال تزويدي ببعض المراجع والمعلومات المستجدّة فضلاً عن قراءة البحث وتصويب ما يحتاج إلى تصويب.
ولأصحاب الفضيلة المناقشين الكرام أقدِّم الشكر على ما أمضوا من وقت وبذلوا من جهد في سبيل قراءة هذا البحث لتقويمه وتسديده، وأسأل الله أن ينفعني بما يقدمونه من ملحوظات وتوجيهات.
ثم أُزْجي الشكر الوافر والثناء العاطر إلى كل من أعانني في إعداد هذا البحث بأي جهد من تقديم فكرة أو إبداء ملحوظة أو إعارة كتاب من المشايخ والباحثين والأطباء والعيادات والمراكز الطبية.
ثم إن هذا جهد المُقِلّ، لا أزعم أني بلغت فيه درجة الكمال، فالكمال لله وحده، لكنني بذلت فيه ما استطعته من مجهود، فما كان فيه من صواب فمن الله، وله الحمد والشكر، وما كان فيه غير ذلك فمني، والله يغفر لي، وحسبي أني كنت حريصاً على الصواب جاهداً في تحصيله والوصول إليه.
وختاماً أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وأن يجعله في موازين حسناتي، وأن يغفر لي ما كان فيه من نقص وخلل أو تقصير وزلل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخاتمة
وبَعْدُ فهذا أوان ختام هذا البحث الذي أحمد الله تعالى على ما مَنَّ به من إتمامه، وفيما يلي أشير بإيجاز إلى أبرز نتائجه، بالإضافة إلى التوصيات التي خرجت بها بعد معايشة الموضوع مدّة ليست بالقليلة.
أولاً: نتائج البحث
1ـ التجميل هو التصرُّف في البدن بما يؤول إلى البهاء والحسن في مظهره الخارجي، ويرادفه التزيين والتحسين، والتعديل جزء منه، وهو إما أن يكون بالجراحة (وهذا هو المقصود في هذا البحث) أو بغيرها.
2ـ أصل التجميل مشروع في الجملة، لكن أحكامه تتفاوت بحسب القصد منه، مع ضبطه بضوابط شرعية عامة وخاصة.
3ـ الجراحة التجميلية هي: ((إجْراءٌ طِبِّيٌ جِراحِيٌ يَسْتَهْدِفُ تحْسِينَ مَظْهَرِ أو وَظِيْفَةِ أَعْضاءِ الجِسْمِ الظَّاهِرَة)).
4ـ تُعد الجراحة التجميلية من الفروع المهمة في المجال الطبي الجراحي، ورغم أنها قديمة النشأة، إلا أنها تطوّرت كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أسهمت بعض المستجدات في هذا التطوّر كاستخدام المجهر (الميكروسكوب) وأشعة الليزر وترقيع الجسم من مصادر متعددة.
5ـ لهذه الجراحة دوافع كثيرة من أشهرها علاج التشوّهات الخَلْقية والطارئة والرغبة في تحسين مظهر أو وظيفة بعض الأعضاء، ومحاولة تجديد الشباب وإخفاء آثار الشيخوخة فضلاً عن الدافع النفسي والخوف من المظهر غير المقبول اجتماعياً.
6ـ للجراحة التجميلية في المجال الطبي قسمان رئيسان:
· الجراحة التجميلية التحسينية (cosmetic surgery).
· الجراحة التجميلية التقويمية(plastic and reconstructive surgery).
وقد أضفت الجراحات المتعلقة بالأعضاء الجنسية كقسم ثالث لما لها من خصوصية شرعية واجتماعية وطبية.
إعداد
د.صالح بن محمد الفوزان
إشراف
أ.د. مساعد بن قاسم الفالح
الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة
د. جمال عبد الرحيم جمعة
استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر
العام الجامعي: 1427هـ
المُقَدّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد …
فإن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفضل هيئة وأكمل صورة، وأودع فيه غريزة حب التزين والتجمل، وما زال ذلك دأب الإنسان على مر العصور منذ خلقه الله تعالى خاصة المرأة لطبيعتها الأنثوية التي تتطلب عنايةً بالتزين والتجمل.
ومع التقدم العلمي في شتى المجالات ومنها المجال الطبي بقيت هذه الرغبة تراود الإنسان سيّما مع التطور السريع في مجال الجراحة الطبية، حيث أصبحت الجراحة التجميلية الحديثة بمجالاتها المختلفة أحد أهم فروع الجراحة الطبية، وصارت مقصداً للراغبين في الحُسْن والجمال من الجنسين، وأصبح الكثيرون يؤمُّون مراكز الجراحة التجميلية التي انتشرت بصورة مذهلة.
ومع الإقبال الواسع على هذه المراكز والمستشفيات المتخصصة تبرز الحاجة لدراسة هذه العمليات التجميلية وبيان حكمها حلاً أو حرمةً، حيث إن الكثير منها جراحات مستجدة لم يتم طرحها على بساط البحث الفقهي، فالموضوع يُعد إحدى النوازل الفقهية في هذا العصر.
ومن هنا فقد رأيت ـ بعد الاستخارة والاستشارة ـ أن يكون ذلك موضوعاً للبحث الذي أتقدم به لنيل درجة الدكتوراه، وجعلته بعنوان: (الجراحة التجميلية ـ دراسة فقهية).
أهمية الموضوع وأهداف بحثه
تتجلّى أهمية الموضوع في عدد من الجوانب منها ما يلي:
1ـ أن هذا الموضوع يتعلق بناحية غريزية عند الإنسان، وهي حب التزين والتجمل، وهذه الغريزة أسهم الانفتاح الإعلامي المعاصر في تأجيجها، وذلك من خلال الاطلاع على هذه المستجدات الطبية في وسائل الإعلام، فضلاً عما يظهر على هذه الوسائل من صور لرجال أو نساء يتم تجميلهم واختيارهم بعناية، فينشأ لدى بعض المشاهدين رغبة في تقليدهم في المظهر من خلال الجراحات التجميلية الحديثة، فالموضوع يمس قضيةً مهمةً في حياة الناس.
2ـ أن هذا الموضوع يمثل إحدى النوازل المعاصرة المتجددة باستمرار، حيث استجد الكثير من الجراحات الحديثة التي لم يتناولها الفقهاء المتقدمون، بل إن منها ما استجد في السنوات الأخيرة مما لم يتم طرقه حتى في الدراسات المعاصرة التي تناولت بعض أجزاء الموضوع.
3ـ أن الجراحة التجميلية من الجراحات المتشعبة ؛ إذ يندرج تحتها كثير من الإجراءات التي تختلف في حقيقتها الطبية وأحكامها الشرعية، وتندرج ضمن أكثر من تخصص طبي كالجراحة، والجلدية، والعظام، والأسنان، والمسالك البولية والتناسلية، وجراحة النساء والولادة.
وبإزاء اختلاف هذه الجراحات لا يكفي مجرد الضوابط العامة والقواعد الكلية والفتاوى المقتضبة، بل لا بد من دراستها بشكل طبي مفصَّل، ثم بيان حكمها الشرعي بعد تصورها من الناحية الطبية.
4ـ انتشار المستشفيات والمراكز المتخصصة في الجراحة التجميلية والإقبال الكبير على هذه المراكز، خاصة مع الدعايات والإعلانات المتكررة الداعية لزيارة هذه المراكز وإجراء الجراحات التجميلية للتخلص من العيوب والتشوهات والظهور بمظهر حَسَن مع الغفلة عن الحكم الشرعي لهذه الجراحات إما لعدم ظهوره أو للجهل به.
5ـ عدم معرفة كثير من الأطباء والجراحين بالأحكام الشرعية لهذه الجراحات، إذ يعتمدون على الاجتهاد الشخصي، وربما يلجأ بعضهم إلى القوانين الطبية لبعض الدول الغربية التي تنظم هذه الأعمال ولو كانت مخالفةً للشريعة الإسلامية ؛ ولذا لحظت ترحيب كثير من الأطباء بطرح هذا الموضوع من الناحية الفقهية لما يحسون به من حرج عند إجراء بعض الجراحات.
أما أهداف البحث فيمكن إجمالها فيما يلي:
1ـ بيان الحكم الشرعي لإجراء الجراحات التجميلية المُدرجة في خطّة البحث حلاً أو حرمةً.
2ـ وضع الضوابط والقواعد العامة التي يمكن تطبيقها على ما يستجد من جراحات تجميلية؛ إذ لا يخفى أن هذا المجال لا يزال في تقدم وتجدد دائم، ولا يمكن أن تغطي الأبحاث العلمية التطبيقاتِ المستجدةَ لهذا المجال، فلا بد من العناية بالضوابط والقواعد الفقهية لتكون منطلقاً للحكم على ما يستجد من جراحات.
أسباب اختيار الموضوع
من أسباب اختيار هذا الموضوع ما يلي:
1ـ أهمية هذا الموضوع الذي يُعدّ نازلةً فقهيّةً متجددةً تحتاج إلى دراسة وافية، بالإضافة إلى كثرة مراكز الجراحة التجميلية وشدة الإقبال عليها مع عدم إدراك أحكامها الشرعية ، كما سبق في أهمية الموضوع.
2ـ أن هذا الموضوع لم يُفْرد بالبحث المفصل لأحكامه في رسالة علمية متخصصة في حد علمي، وما كُتِب فيه لا يعدو أن يكون إشارات إجمالية أو مسائل متفرقة، وهذه الكتابات لم تفِ بجوانب الموضوع، فضلاً عن أن بعضها قديم لم يواكب ما استجد من جراحات.
3ـ أن طبيعة هذا الموضوع التجدد المستمر، فلا بد من مواكبة ما استجد من مجالات الجراحة التجميلية وبيان حكمه الشرعي ليكون في متناول أيدي الجراحين والمختصين في إجراء هذه العمليات، خاصة أن بعض هذه الجراحات دخل مجال التطبيق الفعلي في السنوات القليلة الماضية فقط.
4ـ أن بحث مثل هذا الموضوع يشتمل على الكثير من المسائل والقواعد والأصول الفقهية وبيان مقاصد الشارع الحكيم، وذلك مما يفيد الباحث ويثري معلوماته الشرعية.
خطّة البحث
تشمل خطّة البحث مقدّمةً وتمهيداً وأربعة أبواب وخاتمة[1] (http://almutakhasses.com/vb/#_edn1)
منهج البحث
يتبين هذا المنهج فيما يلي:
1-أصوّر المسألة المراد بحثُها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها ليتضح المقصود من دراستها.
2-إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق أذكر حكمها بدليله، مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة.
3-إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف أتّبع ما يلي:
· تحرير محل الخلاف، إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف وبعضها محل اتفاق.
· ب- ذكر الأقوال في المسألة وبيان من قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتجاهات الفقهية.
· الاقتصار على المذاهب الفقهية المعتبرة مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، و إذا لم أقف على المسألة في مذهب ما أسلك بها مسلك التخريج قدر الإمكان، أما في المسائل الفقهية المستجدة فإني أذكر الأقوال منسوبةً إلى قائليها من المجامع الفقهية والهيئات الشرعية ودور الإفتاء و العلماء والباحثين.
· توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه.
· استقصاء أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يُجاَب به عنها، علماً بأنني أصدِّر المناقشة أو الإجابة بلفظ (نوقش) أو (أجيب) إذا كانت منقولةً، أما إذا كانت من عندي فإنني أصدِّرها بلفظ (يمكن أن يُناقش) أو (يمكن أن يُجاب).
· الترجيح مع بيان سببه، وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت.
4-الاعتماد على أمهات المصادر و المراجع الأصيلة في التحرير والتوثيق والتخريج و الجمع، وقد أثبت الإحالة إلى هذه المصادر والمراجع في الحاشية، علماً بأنني أصدِّر الإحالة بلفظ (انظر) عند أخذ الفكرة العامة من المرجع دون نقل مفصّل منه.
5-التركيز على موضوع البحث و تجنب الاستطراد.
6-العناية بضرب الأمثلة خاصة الواقعية.
7- تجنب ذكر الأقوال الشاذة.
8-العناية بدراسة ما جدّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.
9- ترقيم الآيات وبيان سورها.
10- تخريج الأحاديث و بيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها، مع الاكتفاء بالتخريج إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما.
11- تخريج الآثار من مصادرها الأصيلة، والحكم عليها.
12- التعريف بالمصطلحات وشرح الغريب.
13- العناية بقواعد اللغة العربية والإملاء وعلامات الترقيم.
14- تكون الخاتمة عبارة عن ملخص للرسالة يعطي فكرة موجزة عمّا تضمنته الرسالة، مع إبراز أهم النتائج والتوصيات.
15- الترجمة للأعلام غير المشهورين.
16- إتباع الرسالة ببعض الفهارس الفنية، وهي:
· فهرس الآيات القرآنية.
· فهرس الأحاديث و الآثار.
· فهرس القواعد الأصولية والفقهية.
· فهرس المصطلحات.
· فهرس الأعلام
· ثبت المصادر والمراجع.
· قائمة اللقاءات الطبية.
· فهرس الموضوعات.
ويتناول البحث قضية الجراحة التجميلية وحكمها الفقهي حلاً أو حرمة، ونظراً لأن هذا الموضوع يتصل بالمجال الطبي ؛ فلا بد من عرضه وتصويره وبيان مجالاته من الوجهة الطبية، ولا يكفي الأخذ بالمفاهيم الشائعة عن الجراحة التجميلية مما قد يقصرها في نطاق ضيق ؛ ذلك أن مجالات هذه الجراحة وفق المفهوم الطبي المعاصر أوسع مما يظنه كثير من الناس.
وحتى يكون البحث شاملاً في العرض الطبي لهذه النازلة فقد سلكت الطرق التالية لجمع أطرافه الطبية:
1ـ استشرت كثيراً من الأطباء الاستشاريين في مجال الجراحة التجميلية وما يتصل بها من تخصصات أخرى، وحرصت عند عرض كل جراحة على الالتقاء بالطبيب المختص وتوثيق ما يصدر عنه من معلومات، مع الرجوع في بعض الجراحات إلى أكثر من طبيب رغبةً في مزيد من التحرّي خاصة في ظل ندرة المراجع المكتوبة، وقد راجعت في سبيل ذلك عدة مستشفيات حكومية، بالإضافة إلى عدد من العيادات والمستشفيات والمراكز الطبية الخاصة في مدينة الرياض.
2ـ زرت عدة مواقع طبية على الإنترنت حول الجراحة التجميلية ، وهي عبارة عن مواقع لمراكز طبية أو جمعيات جراحة التجميل العالمية والعربية سواءً أكانت باللغة العربية أم كانت باللغة الإنجليزية عن طريق برامج ومواقع خاصة للترجمة.
3ـ زرت بعض الهيئات الطبية المختصة كالهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي تنظم اختبارات الزمالة الطبية في المملكة، كما تقوم بوضع هيكل عام لكل تخصص طبي وما يندرج تحته من موضوعات، ومن هذه التخصصات الجراحة التجميلية.
4ـ قرأت في عدة كتب طبية باللغة العربية حول الجراحة العامة والجراحة التجميلية رغم قلتها، كما استفدت من بعض المراجع الإنجليزية عن طريق ترجمتها.
5ـ حضرت بعض العمليات التجميلية مع بعض الأطباء، حيث استغرق بعضها حوالي ثلاث ساعات، وحرصت على التحقق من مظهر موضع الجراحة قبل العملية وبعدها، مع متابعة بعض الحالات للوقوف على الأبعاد الاجتماعية والنفسية لهذه الجراحات.
ومن خلال ما سبق تكون لدي تصور طبي كافٍ عن الجراحة التجميلية ومجالاتها، مع التحقق في كل جراحة من دوافع إجرائها والمضاعفات التي قد تنشأ عنها، والبدائل الأخرى غير الجراحة.
وقد اشتهر في المجال الطبي تقسيم الجراحة التجميلية إلى قسمين رئيسين:
1ـ الجراحة التجميلية التحسينية (cosmetic surgery).
2ـ الجراحة التجميلية التقويمية (plastic and reconstructive surgery).
وعلى الرغم من هذا التقسيم إلا أنه ينبغي أن يُلحظ تداخل هذين النوعين في بعض الأحيان، ففي العضو الواحد قد تكون بعض الجراحات التجميلية تحسينيةً وقد تكون تقويميةً، بل الجراحة الواحدة قد تكون تحسينية من جهة وتقويمية من جهة أخرى، ومع ذلك فإن هذا التقسيم يعطي تصوراً كافياً عن أنواع الجراحة التجميلية وتخصصاتها.
وقد انطلقت من هذا التقسيم في عرض الموضوع، فبالإضافة للباب التمهيدي أفردت باباً للجراحة التجميلية التحسينية وآخر للتقويمية، ثم أفردت جراحات تغيير الجنس بباب مستقل نظراً لأهميتها ولخصوصية الأعضاء الجنسية في كثير من الأحكام الشرعية رغم أن أكثر هذه الجراحات يندرج ضمن الجراحة التقويمية.
وفي كل باب سأتناول بالتفصيل كل إجراء جراحي بالوصف الطبي ثم بيان حكمه الفقهي حلاً أو حرمةً انطلاقاً من تصوره الطبي واستناداً لبعض القواعد والنصوص الشرعية.
ونظراً لأنني وضعت الخطّة انطلاقاً من الواقع الطبي لهذه الجراحات فإن القاريء قد يلحظ في بعض مسائل البحث تشابهاً في الأحكام الفقهية، ويمكن رد ذلك إلى ما يلي:
أ ـ أن هذا طابع الأبحاث الفقهية التي تتناول القضايا الطبية المعاصرة ؛ إذ تنطلق هذه الأبحاث من الواقع الطبي الذي يفرز عدداً من الحالات المختلفة عند عرضها الطبي، لكن أحكامها الفقهية قد تكون متشابهةً، ولا يمكن تحاشي ذلك إلا بإعداد الخطّة بناءً على الحكم الفقهي، وهذا سيؤدي إلى استباق بعض الأحكام قبل تصوير المسائل الواقعة، كما قد يؤدي إلى اقتضاب الحكم وعدم ظهور انطباقه على كل واقعة بشكل مستقل.
ب ـ أن هذه الأحكام المتشابهة ليست متطابقةً تماماً ؛ إذ يمكن ملاحظة بعض الفروق بينها، كما أن بيان انطباق الحكم الفقهي على خصوص هذه الجراحة بما يحيط بها من دوافع وتقنيات طبية ومضاعفات صحيّة يحتاج إلى تخصيص كل جراحة ببيان الحكم، وهذا سيفوت لو تم إجمال الحكم لجميع الجراحات.
ج ـ أن من أهم الشرائح التي يستهدفها البحث الأطباء والمرضى وغيرهم من أفراد المجتمع غير المتخصّصين، وهؤلاء لا يكفي بالنسبة لهم مجرد حكم عام تدخل فيه جراحات تجميلية متعدّدة، بل يحتاجون إلى النصِّ على حكم كل جراحة تجميلية بشكل صريح، وقد أكَّد ذلك غير واحد من الأطباء الذين التقيتهم عند جمع المادة الطبية للبحث.
الصعوبات التي واجهت الباحث
اعترضني عند إعداد هذا البحث بعض العقبات والصعوبات، إلا أن الله عزَّ وجلَّ أعانني على تخطيها وتجاوزها حتى خرج هذا البحث في صورته الحاليَّة، ومن أبرز هذه العقبات:
1ـ أن البحث يتعلّق بنازلةٍ طبية متجدِّدة باستمرار، وهذا يعني ندرة المراجع المكتوبة، حيث اضطررت لجمع أطراف الموضوع عبر قنوات غير معهودة في الأبحاث الفقهية كمواقع الإنترنت والالتقاء بالأطباء وزيارة المستشفيات.
2ـ أن أكثر المراجع الطبية للموضوع كان باللغة الإنجليزية، مما اضطرني لترجمة بعضها بالتعاون مع المشرف الطبي وبعض الأطباء الآخرين، وكان ذلك يأخذ بعض الوقت.
3ـ أن أخذ تصوّرٍ كافٍ عن الموضوع كان يستدعي زياراتٍ ميدانيةً للعيادات والمراكز الطبية المتخصصة ولقاءاتٍ متعددّةً بالأطباء وجراحي التجميل، وقد كان تنسيق هذه الزيارات واللقاءات أمراً شاقاً لارتباط الأطباء وازدحام برامجهم اليومية.
شكر وتقدير
لا بد من رد الفضل لأهله، والاعتراف لصاحب الإحسان بإحسانه، ولصاحب الجميل بجميله، فترك ذلك ضرب من ضروب الجحود.
وأول الشكر وآخره، ومبدأ الحمد ومنتهاه، هو لوليِّ الحَمْد ومستحقه، خالقي ورازقي ومولاي عزَّ وجلَّ، ذي المنن الجزيلة والنعم العظيمة والآلاء الجسيمة، حيث وفَّقني لطلب العلم الشرعي، ويسَّر لي إتمام الدراسة وإعداد هذا البحث، فله سبحانه وتعالى الحمد والشكر، حَمْداً لا منتهى لحدِّه، وشكراً لا مبلغ لأمَدِه.
ثم الشكر لوالديَّ الكريمين، فقد كان فضلهما عليَّ عظيماً، حيث حملا رسالة تربيتي على الأخلاق الفاضلة وتنشئتي على حب العلم وأهله، فأسأل الله تعالى أن يرحمهما كما ربياني صغيراً، وأن يبارك لهما في أعمالهما وأعمارهما وذريتهما.
ثم أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا الصرح العلمي الشامخ الذي تشرَّفت بالانتساب إليه، والشكر موصول لكلية الشريعة ومنسوبيها، حيث تفضَّلوا بقبولي طالباً في الدراسات العليا، وتكرموا بالموافقة على تسجيل هذا الموضوع، وقبلوا الإشراف عليه ومناقشته، وأخص بالذكر قسم الفقه ومنسوبيه من العلماء الأفاضل الذين نهلت من علومهم، وأفدت من سيرهم وآدابهم، فأسأل الله أن يجزيهم عني خير الجزاء.
كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشكر الجزيل لفضيلة المشرف على هذا البحث الأستاذ الدكتور مساعد بن قاسم الفالح الذي وسعني بحلمه وأخلاقه، ولم يبخل عليَّ بإسداء النصح وإبداء الملاحظة رغم كثرة مشاغله وارتباطاته العلمية والعملية، فأسأل الله أن يجزيه عني خير الجزاء.
كما أشكر الدكتور جمال عبد الرحيم جمعة استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر المشرف الطبي على هذا البحث، فقد أفدت منه كثيراً في الجانب الطبي للموضوع من خلال تزويدي ببعض المراجع والمعلومات المستجدّة فضلاً عن قراءة البحث وتصويب ما يحتاج إلى تصويب.
ولأصحاب الفضيلة المناقشين الكرام أقدِّم الشكر على ما أمضوا من وقت وبذلوا من جهد في سبيل قراءة هذا البحث لتقويمه وتسديده، وأسأل الله أن ينفعني بما يقدمونه من ملحوظات وتوجيهات.
ثم أُزْجي الشكر الوافر والثناء العاطر إلى كل من أعانني في إعداد هذا البحث بأي جهد من تقديم فكرة أو إبداء ملحوظة أو إعارة كتاب من المشايخ والباحثين والأطباء والعيادات والمراكز الطبية.
ثم إن هذا جهد المُقِلّ، لا أزعم أني بلغت فيه درجة الكمال، فالكمال لله وحده، لكنني بذلت فيه ما استطعته من مجهود، فما كان فيه من صواب فمن الله، وله الحمد والشكر، وما كان فيه غير ذلك فمني، والله يغفر لي، وحسبي أني كنت حريصاً على الصواب جاهداً في تحصيله والوصول إليه.
وختاماً أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وأن يجعله في موازين حسناتي، وأن يغفر لي ما كان فيه من نقص وخلل أو تقصير وزلل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخاتمة
وبَعْدُ فهذا أوان ختام هذا البحث الذي أحمد الله تعالى على ما مَنَّ به من إتمامه، وفيما يلي أشير بإيجاز إلى أبرز نتائجه، بالإضافة إلى التوصيات التي خرجت بها بعد معايشة الموضوع مدّة ليست بالقليلة.
أولاً: نتائج البحث
1ـ التجميل هو التصرُّف في البدن بما يؤول إلى البهاء والحسن في مظهره الخارجي، ويرادفه التزيين والتحسين، والتعديل جزء منه، وهو إما أن يكون بالجراحة (وهذا هو المقصود في هذا البحث) أو بغيرها.
2ـ أصل التجميل مشروع في الجملة، لكن أحكامه تتفاوت بحسب القصد منه، مع ضبطه بضوابط شرعية عامة وخاصة.
3ـ الجراحة التجميلية هي: ((إجْراءٌ طِبِّيٌ جِراحِيٌ يَسْتَهْدِفُ تحْسِينَ مَظْهَرِ أو وَظِيْفَةِ أَعْضاءِ الجِسْمِ الظَّاهِرَة)).
4ـ تُعد الجراحة التجميلية من الفروع المهمة في المجال الطبي الجراحي، ورغم أنها قديمة النشأة، إلا أنها تطوّرت كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أسهمت بعض المستجدات في هذا التطوّر كاستخدام المجهر (الميكروسكوب) وأشعة الليزر وترقيع الجسم من مصادر متعددة.
5ـ لهذه الجراحة دوافع كثيرة من أشهرها علاج التشوّهات الخَلْقية والطارئة والرغبة في تحسين مظهر أو وظيفة بعض الأعضاء، ومحاولة تجديد الشباب وإخفاء آثار الشيخوخة فضلاً عن الدافع النفسي والخوف من المظهر غير المقبول اجتماعياً.
6ـ للجراحة التجميلية في المجال الطبي قسمان رئيسان:
· الجراحة التجميلية التحسينية (cosmetic surgery).
· الجراحة التجميلية التقويمية(plastic and reconstructive surgery).
وقد أضفت الجراحات المتعلقة بالأعضاء الجنسية كقسم ثالث لما لها من خصوصية شرعية واجتماعية وطبية.