المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (((حكايات الف ليله وليله كامله)))


اميرة عبد الدايم
10-02-2015, 11:53 PM
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/GfuOd5u_n5m2PNuuKW7ZUw--/YXBwaWQ9bWti/http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQn5v9EdysSJ5FI9VLmnI6QRRG9D53Aj UdCO0eCEF8Inma_APlVrmHbubDh (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/GfuOd5u_n5m2PNuuKW7ZUw--/YXBwaWQ9bWti/http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQn5v9EdysSJ5FI9VLmnI6QRRG9D53Aj UdCO0eCEF8Inma_APlVrmHbubDh)


حكايات الملك شهريار وأخيه الملك شاه الزمان




حكي والله أعلم أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم له ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار وكان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم ، ولم يزل الأمر مستقيماً في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح .
لم يزالا على هذه الحالة إلى أن اشتاق الكبير إلى أخيه الصغير فأمر وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه بالسمع والطاعة وتجهز وأخرج خيامه وبغاله وخدمه وأعوانه وأقام وزيره حاكماً في بلاده وخرج طالباً بلاد أخيه .
فلما كان في نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد ، فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه : إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة ، ثم أنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته وساعته وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه ففرح أخيه بقدومه ثم خرج إليه ولاقاه وسلم عليه ففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد واصفر لونه وضعف جسمه ، فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أن ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك .
ثم أنه قال له في بعض الأيام : يا أخي أنا في باطني جرح ، ولم يخبره بما رأى من زوجته ، فقال : إني أريد أن تسافر معي إلى الصيد والقنص لعله ينشرح صدرك فأبى ذلك فسافر أخوه وحده إلى الصيد .
وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه فنظروا وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً وامرأة أخيه تمشي بينهم وهي غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم ، وإذا بامرأة الملك قالت : يا مسعود ، فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري ، ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى النهار .
فلما رأى أخو الملك فقال : والله إن بليتي أخف من هذه البلية ، وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال : هذا أعظم مما جرى لي ، ولم يزل في أكل وشرب .
وبعد هذا جاء أخوه من السفر فسلما على بعضهما ، ونظر الملك شهريار إلى أخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه واحمر وجهه وصار يأكل بشهية بعدما كان قليل الأكل، فتعجب من ذلك وقال : يا أخي ، كنت أراك مصفر الوجه والآن قد رد إليك لونك فأخبرني بحالك ، فقال له : أما تغير لوني فأذكره لك واعف عني إخبارك برد لوني ، فقال له : أخبرني أولاً بتغير لونك وضعفك حتى أسمعه .
فقال له : يا أخي ، إنك لما أرسلت وزيرك إلي يطلبني للحضور بين يديك جهزت حالي وقد بررت من مدينتي ، ثم أني تذكرت الخرزة التي أعطيتها لك في قصري فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد أسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت عليك وأنا متفكر في هذا الأمر ، فهذا سبب تغير لوني وضعفي ، وأما رد لوني فاعف عني من أن أذكره لك .
فلما سمع أخوه كلامه قال له : أقسمت عليك بالله أن تخبرني بسبب رد لونك ، فأعاد عليه جميع ما رآه فقال شهريار لأخيه شاه زمان : اجعل أنك مسافر للصيد والقنص واختف عندي وأنت تشاهد ذلك وتحققه عيناك ، فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر والخيام إلى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم أنه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل علي أحد ، ثم أنه تنكر وخرج مختفياً إلى القصر الذي فيه أخوه وجلس في الشباك المطل على البستان ساعة من الزمان وإذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال أخوه واستمروا كذلك إلى العصر .
فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه وقال لأخيه شاه زمان : قم بنا نسافر إلى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لأحد مثلنا أو لا فيكون موتنا خير من حياتنا ، فأجابه لذلك .
ثم أنهما خرجا من باب سري في القصر ولم يزالا مسافرين أياماً وليالي إلى أن وصلا إلى شجرة في وسط مرج عندها عين بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان . فلما كان بعد ساعة مضت من النهار وإذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه عمود أسود صاعد إلى السماء وهو قاصد تلك المرجة ، فلما رأيا ذلك خافا وطلعا إلى أعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينظران ماذا يكون الخبر ، وإذا بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر على رأسه صندوق فطلع إلى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بهية كأنها الشمس المضيئة كما قال الشاعر :
أشرقت في الدجى فلاح النهار ............ واستنارت بنورها الأسحـار
من سناها الشموس تشرق لما ............ تنبدي وتنجـلـي الأقـمـار
تسجد الكـائنـات بـين يديها ............ حين تبدو وتهتـك الأسـتـار
وإذا أومضت بروق حمـاهـا ............ هطلت بالمدامع الأمـطـار
قال : فلما نظر إليها الجني قال : يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك ليلة عرسك أريد أن أنام قليلاً ، ثم أن الجني وضع رأسه على ركبتيها ونام فرفعت رأسها إلى أعلى الشجرة فرأت الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت رأس الجني من فوق ركبتيها ووضعته على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة انزلا ولا تخافا من هذا العفريت فقالا لها : بالله عليك أن تسامحينا من هذا الأمر ، فقالت لهما : بالله عليكما أن تنزلا وإلا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة ، فخافا ونزلا إليها فقامت لهما ، فمن خوفهما قال الملك شهريار لأخيه الملك شاه زمان : يا أخي افعل ما أمرتك به فقال : لا أفعل حتى تفعل أنت قبلي ، وأخذا يتغامزان على فقالت لهما ما أراكما تتغامزان فإن لم تتقدما وتفعلا وإلا نبهت عليكما العفريت ، فمن خوفهما من الجني فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما أقفا وأخرجت لهما من جيبها كيساً وأخرجت لهما منه عقداً فيه خمسمائة وسبعون خاتماً ، فقالت لهما : أتدرون ما هذه ? فقالا لها : لا ندري فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما أنتما الاثنان الأخران فأعطاها من يديهما خاتمين فقالت لهما أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ، ويعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمر لم يغلبها شيء كما قال بعضهم :
لا تأمنن إلى النـسـاء ............ ولا تثق بعهـودهـن
فرضاؤهن وسخطهن ............ معلق بفـروجـهـن
بيدين وداً كـاذبـــاً ............ والغدر حشو ثيابهـن
بحديث يوسف فاعتبر ............ متحذراً من كيدهـن
أو ما تـرى إبـلـيس ............ أخرج آدماً من أجلهن
فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما : إذا كان هذا عفريتاً وجرى له أعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا ، ثم أنهما انصرفا من ساعتهما ورجعا إلى مدينة الملك شهريار ودخلا قصره ، ثم أنه رمى عنق زوجته وكذلك أعناق الجواري والعبيد ، وصار الملك شهريار كلما يأخذ بنتاً بكراً يزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها ، ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات فضجت الناس وهربت ببناتها ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطء .
ثم أن الملك أمر الوزير أن يأتيه بنت على جري عادته ، فخرج الوزير وفتش فلم يجد بنتاً فتوجه إلى منزله وهو غضبان مقهور خايف على نفسه من الملك ، وكان الوزير له بنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء وقد واعتدال ، الكبيرة اسمها شهرزاد والصغيرة اسمها دنيازاد ، وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين وأخبار الأمم الماضيين ، قيل أنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لأبيها : مالي أراك متغيراً حامل الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعراً :
قل لمن يحمل همـاً ............ إن هـمـاً لا يدوم
مثل ما يفنى السرور ............ هكذا تفنى الهمـوم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول إلى الآخر مع الملك فقالت له : بالله يا أبت زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن من بين يديه ، فقال لها : بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبداً ، فقالت له : لا بد من ذلك فقال : أخشى عليك أن يحصل لكي ما حصل الحمار والثور مع صاحب الزرع ، فقالت له : وما الذي جرى لهما يا أبت ?




https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-02-2015, 11:54 PM
قال : اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة وأولاد وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير وكان مسكن ذلك التاجر الأرياف وكان عنده في داره حمار وثور فأتى يوماً الثور إلى مكان الحمار فوجده منكوساً مرشوشاً وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل وهو راقد مستريح ، وفي بعض الأوقات ركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله ، فلما كان في بعض الأيام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار : هنيئاً لك ذلك ، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلاً ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع وأنا دائماً للحرث .
فقال له الحمار : إذا خرجت إلى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا تقم ولو ضربوك فإن قمت فارقد ثانياً فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف وامتنع عن الأكل والشرب يوماً أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح من التعب والجهد ، وكان التاجر يسمع كلامهما ، فلما جاء السواق إلى الثور بعلفه أكل منه شيئاً يسيراً فأصبح السواق يأخذ الثور إلى الحرث فوجده ضعيفاً فقال له التاجر : خذ الحمار وحرثه مكانه اليوم كله ، فلما رجع آخر النهار شكره الثور على تفضلاته حيه أراحه من التعب في ذلك اليوم فلم يرد عليه الحمار جواباً وندم أشد الندامة ، فلما رجع كان ثاني يوم جاء المزارع وأخذ الحمار وحرثه إلى آخر النهار فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف فتأمله الثور وشكره ومجده فقال له الحمار : أعلم أني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول : إن لم يقم الثور من موضعه فأعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعاً وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام .
فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم ، ثم أن الثور أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه ، كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما ، فلما طلع النهار وخرج التاجر وزوجه إلى دار البقر وجلسا فجاء السواق وأخذ الثور وخرج ، فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه وظرط وبرطع ، فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه .
فقالت له زوجته : من أي شيء تضحك ، فقال لها : شيء رأيته وسمعته ولا أقدر أن أبيح به فأموت ، فقالت له : لا بد أن تخبرني بذلك وما سبب ضحكك ولو كنت تموت ، فقال لها : ما أقدر أن أبوح به خوفاً من الموت ، فقالت له : أنت لم تضحك إلا علي ، ثم أنها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام إلى أن غلبت عليه ، فتحير أحضر أولاده وأرسل أحضر القاضي والشهود وأراد أن يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت لأنه كان يحبها محبة عظيمة لأنها بنت عمه وأم أولاده وكان عمر من العمر مائة وعشرين سنة .
ثم أنه أرسل وأحضر جميع أهلها وأهل جارته وقال لهم حكايته وأنه متى قال لأحد على سره مات ، فقال لها جميع الناس ممن حضر : بالله عليك اتركي هذا الأمر لئلا يموت زوجك أبو أولادك ، فقالت لهم : لا أرجع عنه حتى يقول لي ولو يموت ، فسكتوا عنها ، ثم أن التاجر قام من عندهم وتوجه إلى دار الدواب ليتوضأ ثم يرجع يقول لهم ويموت .
وكان عنده ديك تحته خمسون دجاجة ، وكان عنده كلب ، فسمع التاجر الكلب وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له : أنت فرحان وصاحبنا رايح يموت ، فقال الديك للكلب : وكيف ذلك الأمر ? فأعاد الكلب عليه القصة فقال له الديك : والله إن صاحبنا قليل العقل ، أنا لي خمسون زوجة أرضي هذه وأغضب هذه وهو ما له إلا زوجة واحدة ولا يعرف صلاح أمره معها ، فما له لا يأخذ لها بعضاً من عيدان التوت ثم يدخل إلى حجرتها ويضربها حتى تموت أو تتوب ولا تعود تسأله عن شيء .
قال : فلما سمع التاجر كلام الديك وهو يخاطب الكلب رجع إلى عقله وعزم على ضربها ، ثم قال الوزير لابنته شهرزاد ربما فعل بك مثل ما فعل التاجر بزوجته ، فقالت له : ما فعل ? قال : دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت وخبأها داخل الحجرة وقال لها : تعالي داخل الحجرة حتى أقول لك ولا ينظرني أحد ثم أموت ، فدخلت معه ، ثم أنه قفل باب الحجرة عليهما ونزل عليها بالضرب إلى أن أغمي عليها ، فقالت له : تبت ، ثم أنها قبلت يديه ورجليه وتابت وخرجت وإياه وفرح الجماعة وأهلها وقعدوا في أسر الأحوال إلى الممات .
فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له : لا بد من ذلك ، فجهزها وطلع إلى الملك شهريار وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها : إذا توجهت إلى الملك أرسلت أطلبك فإذا جئت عندي ورأيت الملك قضى حاجته مني قولي يا أختي حدثينا حديثاً غريباً نقطع به السهر وأنا أحدثك حديثاً يكون فيه الخلاص إن شاء الله .
ثم أن أباها الوزير طلع بها إلى الملك فلما رآه فرح وقال : أتيت بحاجتي فقال : نعم ، فلما أراد أن يدخل عليها بكت ، فقال لها : ما بك ? فقالت : أيها الملك إن لي أختاً صغيرة أريد أن أودعها ، فأرسلها الملك إليها فجاءت إلى أختها وعانقتها وجلست تحت السرير فقام الملك وأخذ بكارتها ثم جلسوا يتحدثون ، فقالت لها أختها الصغيرة : بالله عليك يا أختي حدثينا حديثاً نقطع به سهر ليلتنا فقالت : حباً وكرامة إن أذن الملك المهذب ، فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق ففرح بسماع الحديث .

اميرة عبد الدايم
10-02-2015, 11:55 PM
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/1RFr6CH25t7Rs.AxU.N1hg--/YXBwaWQ9bWti/http://img.t555t.com/imgcache/175000.jpg (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/1RFr6CH25t7Rs.AxU.N1hg--/YXBwaWQ9bWti/http://img.t555t.com/imgcache/175000.jpg)


حكاية التاجر مع العفريت



الليلة الأولى

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد ، أنه كان تاجر من التجار ، كثير المال والمعاملات في البلاد قد ركب يوماً وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه وأكل كسرة كانت معه وتمرة ، فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف ، فدنا من ذلك التاجر وقال له : قم حتى أقتلك مثل ما قتلت ولدي .
فقال له التاجر : كيف قتلت ولدك ?
قال له : لما أكلت التمرة ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضي عليه ومات من ساعته .
فقال التاجر للعفريت : أعلم أيها العفريت أني على دين ولي مال كثير وأولاد وزوجة وعندي رهون فدعني أذهب إلى بيتي وأعطي كل ذي حق حقه ثم أعود إليك ، ولك علي عهد وميثاق أني أعود إليك فتفعل بي ما تريد والله على ما أقول وكيل .
فاستوثق منه الجني وأطلقه فرجع إلى بلده وقضى جميع تعلقاته وأوصل الحقوق إلى أهلها وأعلم زوجته وأولاده بما جرى له فبكوا وكذلك جميع أهله ونساءه وأولاده وأوصى وقعد عندهم إلى تمام السنة ثم توجه وأخذ كفنه تحت إبطه وودع أهله وجيرانه وجميع أهله وخرج رغماً عن أنفه وأقيم عليه العياط والصراخ فمشى إلى أن وصل إلى ذلك البستان وكان ذلك اليوم أول السنة الجديدة فبينما هو جالس يبكي على ما يحصل له وإذا بشيخ كبير قد أقبل عليه ومعه غزالة مسلسلة فسلم على هذا التاجر وحياه وقال له : ما سبب جلوسك في هذا المكان وأنت منفرد وهو مأوى الجن ?
فأخبره التاجر بما جرى له مع ذلك العفريت وبسبب قعوده في هذا المكان فتعجب الشيخ صاحب الغزالة وقال : والله يا أخي ما دينك إلا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر ثم أنه جلس بجانبه وقال والله يا أخي لا أبرح من عندك حتى أنظر ما يجري لك مع ذلك العفريت .
ثم أنه جلس عنده يتحدث معه فغشي على ذلك التاجر وحصل له الخوف والفزع والغم الشديد والفكر المزيد وصاحب الغزالة بجانبه فإذا بشيخ ثان قد أقبل عليهما ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب السود ، فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجان فأخبراه بالقصة من أولها إلى آخرها فلم يستقر به الجلوس حتى أقبل عليهم شيخ ثالث ومعه بغلة زرزورية فسلم عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان فأخبروه بالقصة من أولها إلى آخرها وبينما كذلك إذا بغبرة هاجت وزوبعة عظيمة قد أقبلت من وسط تلك البرية فانكشفت الغبرة وإذا بذلك الجني وبيده سيف مسلول وعيونه ترمي بالشرر فأتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم وقال له : قم أقتلك مثل ما قتلت ولدي وحشاشة كبدي .
فانتحب ذلك التاجر وبكى وأعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل والنحيب فانتبه منهم الشيخ الأول وهو صاحب الغزالة وقبل يد ذلك العفريت وقال له : يا أيها الجني وتاج ملوك الجان إذا حكيت لك حكايتي مع هذه الغزالة ورأيتها عجيبة ، أتهب لي ثلث دم هذا التاجر ?
قال : نعم يا أيها الشيخ ، إذا أنت حكيت لي الحكاية ورأيتها عجيبة وهبت لك ثلث دمه .
فقال ذلك الشيخ الأول : اعلم يا أيها العفريت أن هذه الغزالة هي بنت عمي ومن لحمي ودمي وكنت تزوجت بها وهي صغيرة السن وأقمت معها نحو ثلاثين سنة فلم أرزق منها بولد فأخذت لي سرية فرزقت منها بولد ذكر كأنه البدر إذا بدا بعينين مليحتين وحاجبين مزججين وأعضاء كاملة فكبر شيئاً فشيئاً إلى أن صار ابن خمس عشرة سنة فطرأت لي سفرة إلى بعض المدائن فسافرت بمتجر عظيم وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلمت السحر والكهانة من صغرها فسحرت ذلك الولد عجلاً وسحرت الجارية أمه بقرة وسلمتها إلى الراعي ، ثم جئت أنا بعد مدة طويلة من السفر فسألت عن ولدي وعن أمه فقالت لي جاريتك ماتت وابنك هرب ولم أعلم أين راح فجلست مدة سنة وأنا حزين القلب باكي العين إلى أن جاء عيد الضحية فأرسلت إلى الراعي أن يخصني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة فشمرت ثيابي وأخذت السكين بيدي وتهيأت لذبحها فصاحت وبكت بكاء شديداً فقمت عنها وأمرت ذلك الراعي فذبحها وسلخها فلم يجد فيها شحماً ولا لحماً غير جلد وعظم فندمت على ذبحها حيث لا ينفعني الندم وأعطيتها للراعي وقلت له : ائتني بعجل سمين فأتاني بولدي المسحور عجلاً فلما رآني ذلك العجل قطع حبله وجاءني وتمرغ علي وولول وبكى فأخذتني الرأفة عليه وقلت للراعي ائتني ببقرة ودع هذا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
فقالت لها أختها : ما أطيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه .
فقالت : وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك .
فقال الملك في نفسه : والله ما أقتلها حتى أسمع بقية حديثها .
ثم أنهم باتوا تلك الليلة إلى الصباح متعانقين فخرج الملك إلى محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت إبطه ثم حكم الملك وولي وعزل إلى آخر النهار ولم يخبر الوزير بشيء من ذلك فتعجب الوزير غاية العجب ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار قصره .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-02-2015, 11:56 PM
الليلة الثانية

قالت دنيازاد لأختها شهرزاد : يا أختي أتممي لنا حديثك الذي هو حديث التاجر والجني .
قالت حباً وكرامة إن أذن لي الملك ، في ذلك .
فقال لها الملك : احكي .

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، ذو الرأي الرشيد أنه لما رأى بكاء العجل حن قلبه إليه وقال للراعي : ابق هذا العجل بين البهائم .
كل ذلك والجني يتعجب من حكاية ذلك الكلام العجيب ثم قال صاحب الغزالة : يا سيد ملوك الجان كل ذلك جرى وابنة عمي هذه الغزالة تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فإنه سمين ، فلم يهن علي أن أذبحه وأمرت الراعي أن يأخذه وتوجه به ، ففي ثاني يوم وأنا جالس وإذا بالراعي أقبل علي وقال : يا سيدي إني أقول شيئاً تسر به ولي البشارة .
فقلت : نعم .
فقال : أيها التاجر إن لي بنتاً كانت تعلمت السحر في صغرها من امرأة عجوز كانت عندنا ، فلما كنا بالأمس وأعطيتني العجل دخلت به عليها فنظرت إليه ابنتي وغطت وجهها وبكت ثم إنها ضحكت وقالت : يا أبي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الأجانب .
فقلت لها : وأين الرجال الأجانب ولماذا بكيت وضحكت ?
فقالت لي : أن هذا العجل الذي معك ابن سيدي التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة أبيه هو وأمه فهذا سبب ضحكي وأما سبب بكائي فمن أجل أمه حيث ذبحها أبوه .
فتعجبت من ذلك غاية العجب وما صدقت بطلوع الصباح حتى جئت إليك لأعلمك فلما سمعت أيها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه وأنا سكران من غير مدام من كثرة الفرح والسرور والذي حصل لي إلى أن أتيت إلى داره فرحبت بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم إن العجل جاء إلي وتمرغ علي فقلت لابنة الراعي : أحق ما تقولينه عن ذلك العجل ?
قالت : نعم يا سيدي إيه ابنك وحشاشة كبدك .
فقلت لها : أيها الصبية إن أنت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد أبيك من المواشي والأموال .
فتبسمت وقالت : يا سيدي ليس لي رغبة في المال إلا بشرطين :
الأول : أن تزوجني به .
والثاني : أن أسر من سحرته وأحبسها وإلا فلست آمن مكرها .
فلما سمعت أيها الجني كلام بنت الراعي قلت : ولك فوق جميع ما تحت يد أبيك من الأموال زيادة وأما بنت عمي فدمها لك مباح .
فلما سمعت كلامي أخذت طاسة وملأتها ماء ثم أنها عزمت عليها ورشت بها العجل وقالت : إن كان الله خلقك عجلاً فدم على هذه الصفة ولا تتغير وإن كنت مسحوراً فعد إلى خلقتك الأولى بإذن الله تعالى .
وإذا به انتفض ثم صار إنساناً فوقعت عليه وقلت له : بالله عليك احك لي جميع ما صنعت بك وبأمك بنت عمي فحكى لي جميع ما جرى لهما فقلت : يا ولدي قد قيض الله لك من خلصك وخلص حقك ثم إني أيها الجني زوجته ابنة الراعي ثم أنها سحرت ابنة عمي هذه الغزالة وجئت إلى هنا فرأيت هؤلاء الجماعة فسألتهم عن حالهم فأخبروني بما جرى لهذا التاجر فجلست لأنظر ما يكون وهذا حديثي فقال الجني : هذا حديث عجيب وقد وهبت لك ثلث دمه .
فعند ذلك تقدم الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين وقال له : اعلم يا سيد ملوك الجان أن هاتين الكلبتين أخوتي وأنا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا ثلاثة آلاف دينار ففتحت دكاناً أبيع فيه وأشتري وسافر أخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة مع القوافل ثم أتى وما معه شيء فقلت له : يا أخي أما أشرت عليك بعدم السفر ?
فبكى وقال : يا أخي قدر الله عز وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست أملك شيئاً فأخذته وطلعت به إلى الدكان ثم ذهبت به إلى الحمام وألبسته حلة من الملابس الفاخرة وأكلت أنا وإياه وقلت له : يا أخي إني أحسب ربح دكاني من السنة إلى السنة ثم أقسمه دون رأس المال بيني وبينك ثم إني عملت حساب الدكان من بربح مالي فوجدته ألفي دينار فحمدت الله عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه شطرين وأقمنا مع بعضنا أياماً ثم إن أخوتي طلبوا السفر أيضاً وأرادوا أن أسافر معهم فلم أرض وقلت لهم : أي شيء كسبتم من سفركم حتى أكسب أنا ? فألحوا علي ولم أطعهم بل أقمنا في دكاكيننا نبيع ونشتري سنة كاملة وهم يعرضون علي السفر وأنا لم أرض حتى مضت ست سنوات كوامل .
ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم : يا أخوتي إننا نحسب ما عندنا من المال فحسبناه فإذا هو ستة آلاف دينار فقلت : ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا أصابنا أمر ويأخذ كل واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا : نعم الرأي فأخذت المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار . وأما الثلاثة آلاف الأخرى فأعطيت كل واحد منهم ألف دينار وجهزنا بضائع واكترينا مركباً ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا فربحنا في الدينار عشرة دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع فقبلت يدي وقالت : يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما ?
قلت : نعم إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازيني .
فقالت : يا سيدي تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي معروفاً لأني ممن يصنع معه المعروف والإحسان ، ويجازي عليهما ولا يغرنك حالي .
فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله عز وجل ، فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأقبلت عليها وأكرمتها ثم سافرنا وقد أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلاً ولا نهاراً أو اشتغلت بها عن إخوتي ، فغاروا مني وحسدوني على مالي وكثرة بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه ، وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وقالوا : نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فجاؤوني وأنا نايم بجانب زوجتي ورموني في البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت إلي عند الصباح ، وقالت لي : أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله تعالى ، واعلم أني جنية رأيتك فحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق ، وقد غضبت على إخوتك ولا بد أن أقتلهم .
فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك إخوتي فلا ينبغي ثم حكيت لها ما جرى لي معهم من أول الزمان إلى آخره .
فلما سمعت كلامي قالت : أنا في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم وأهلكهم . فقلت لها : بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول : يا محسناً لمن أساء كفي المسيء فعله ، وهم إخوتي على كل حال .
قالت لا بد من قتلهم ، فاستعطفتها ثم أنها حملتني وطارت ، فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت الأرض وفتحت دكاني بعد ما سلمت على الناس واشتريت بضائع ، فلما كان الليل ، دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها ، فلما رأياني قاما إلي وبكيا وتعلقا بي ، فلم أشعر إلا وزوجتي قالت : هؤلاء إخوتك .
فقلت : من فعل بهم هذا الفعل .
قالت : أنا أرسلت إلى أختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد عشر سنوات . فجئت وأنا سائر إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر سنوات ، في هذا الحال ، فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له فأردت أن لا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه وهذه قصتي .
قال الجني : إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته .
فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة ، وقال للجني أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الاثنين ، وتهب لي باقي دمه وجنايته .
فقال الجني : نعم .
فقال الشيخ : أيها السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة ، ثم قضيت سفري وجئت إليها في الليل فرأيت عبد أسود راقد معها في الفراش وهما في كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت وقامت إلي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني ، وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلباً فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائراً ، حتى وصلت دكان جزار فتقدمت وصرت آكل من العظام ، فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني فقالت : أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به .
فقال أبوها : أين الرجل .
قالت : إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه .
فلما سمع أبوها كلامها قال : بالله عليك يا بنتي خلصيه .
فأخذت كوزاً فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلاً وقالت : اخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى ، فصرت إلى صورتي الأولى فقبلت يدها وقلت لها : أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني قليلاً من الماء ، وقالت إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء ، وقلت اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئيس ملوك الجان ، ثم التفت إليها وقال : أصحيح هذا فهزت رأسها وقالت بالإشارة نعم هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دمه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
فقالت لها أختها : يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه .
فقالت : أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك .
فقال الملك في نفسه : والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب .
ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح ، فخرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان فحكم الملك وولى وعزل ونهى وأمر إلى آخر النهار ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار إلى قصره .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:16 AM
الليلة الثالثة


حكاية الصياد مع العفريت




قالت لها أختها دنيا زاد : يا أختي أتمي لنا حديثك .
فقالت : حباً وكرامة .


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم وهنوه بالسلامة ورجع كل واحد إلى بلده وما هذه بأعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك :
وما حكاية الصياد ?
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صياد وكان طاعناً في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم أنه خرج يوماً من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط معطفه وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتداً وربطها فيه ثم عرى وغطس في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حماراً ميتاً فلما رأى ذلك حزن وقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول :
يا خائضاً في ظلام الله والهـلـكة ........ أقصر عنك فليس الرزق بالحركة
ثم أن الصياد لما رأى الحمار ميت خلصه من الشبكة وعصرها ، فلما فرغ من عصرها نشرها وبعد ذلك نزل البحر ، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس ، ثم عالج إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيراً كبيراً ، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف وأنشد قول الشاعر :
يا حـرقة الـدهـر كــفـــي ........ إن لـم تـكـفـي فـعـفـــي
فلا يحـظــى أعـــطـــي ........ ولا يصـنـعـه كـــفـــي
خرجـت أطـلــب رزقـــي ........ وجـدت رزقـي تــوفـــي
كم جاهل في ظهور وعالم متخفي
ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر :
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ........ ولا قلم يجدي عليك ولا خـط
ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثاً ، ثم أنه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها أشتبكت في الأرض فقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله .
فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البحر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان .
فلما رآه الصياد فرح وقال :
هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهباً .
ثم أنه حركه فوجده ثقيلاً فقال :
لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه وأدخره في الخرج ثم أبيعه في سوق النحاس .
ثم أنه أخرج سكينا ، وعالج في الرصاص إلى أن فكه من القمقم وحطه على الأرض وهزه لينكت ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان ، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتاً رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري ، وفم كالمغارة ، وأسنان كالحجارة ، ومناخير كالإبريق ، وعينين كالسراجين ، أشعث أغبر .
فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه ، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال :
لا إله إلا الله سليمان نبي الله .
ثم قال العفريت : يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولاً ولا أعصي لك أمراً .
فقال له الصياد : أيها المارد أتقول سليمان نبي الله ، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة ، ونحن في آخر الزمان فما قصتك ، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم .
فلما سمع المارد كلام الصياد قال : لا إله إلا الله أبشر يا صياد .
فقال الصياد : بماذا تبشرني .
فقال : بقتلك في هذه الساعة أشر القتلات .
قال الصياد : تستحق على هذه البشارة يا قيم العفاريت زوال الستر عنك ، يا بعيد لأي شيء تقتلني وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر ، وأطلعتك إلى البر .
فقال العفريت : تمن علي أي موتة تموتها ، وأي قتلة تقتلها .
فقال الصياد : ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك .
فقال العفريت : اسمع حكايتي يا صياد .
قال الصياد : قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي .
قال : اعلم أني من الجن المارقين ، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهاً وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم ، وأمر الجن فحملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد ، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض ، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضباً شديداً وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت .
فلما سمع الصياد كلام العفريت قال : يا الله العجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام .
ثم قال الصياد للعفريت ، اعف عن قتلي يعف الله عنك ، ولا تهلكني ، يسلط الله عليك ، من يهلكك .
فقال : لا بد من قتلك ، فتمن علي أي موتة تموتها .
فلما تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال : اعف عني إكراماً لما أعتقتك . فقال العفريت : وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني .
فقال الصياد : يا شيخ العفاريت هل أصنع معك مليح ، فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال :
فعلنا جميلاً قابـلـونـا بـضـده ........ وهذا لعمري من فعال الفواجـر
ومن يفعل المعروف مع غير أهله ........ يجازى كما جوزي مجير أم عامر
فلما سمع العفريت كلامه قال : لا تطمع فلا بد من موتك.
فقال الصياد : هذا جني ، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً وها أنا أدبر أمراً في هلاكه ، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه .
ثم قال للعفريت : هل صممت على قتلي .
قال : نعم .
فقال له : بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه .
ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال : اسأل وأوجز . فقال له : كيف كنت في هذا القمقم ، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك .
فقال له العفريت : وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه .
فقال الصياد : لا أصدق أبداً حتى أنظرك فيه بعيني .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .



https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:18 AM
تكملة حكاية الصياد مع العفريت
وبداية حكاية الملك يونان والحكيم رويان

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/AHY9qs7dV88auXEfs7rDFQ--/YXBwaWQ9bWti/http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRTqXJ4Y15ISXcZyxyA70b9L2NgjL6eT KwLi0iW8hmvCyE0EZUYxg (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/AHY9qs7dV88auXEfs7rDFQ--/YXBwaWQ9bWti/http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRTqXJ4Y15ISXcZyxyA70b9L2NgjL6eT KwLi0iW8hmvCyE0EZUYxg)


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لا أصدقك أبداً حتى أنظرك بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخاناً صاعداً إلى الجو ، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلا ً، حتى استكمل الدخان داخل القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت ، وقال له : تمن علي أي موتة تموتها لأرميك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتاً وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت يخبره بينها .
فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه وسجن أحقر العفاريت وأقذرها وأصغرها ، ثم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر ، فقال له العفريت :
لا .. لا .
فقال الصياد : لا بد .. لا بد .
فلطف المارد كلامه وخضع وقال :
ما تريد أن تصنع بي يا صياد .
قال : ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة ، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك .
فقال العفريت : افتح لي حتى أحسن إليك .
فقال له الصياد : تكذب يا ملعون ، أنا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان .
فقال العفريت : وما شأن وزير الملك يونان والحكيم رويان وما قصتهما .
قال الصياد : اعلم أيها العفريت ، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس وأرض رومان ملك يقال له الملك يونان وكان ذا مال وجنود وبأس وأعوان من سائر الأجناس ، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الأطباء والحكماء ولم ينفعه منه شرب أدوية ولا سفوف ولا دهان ولم يقدر أحد من الأطباء أن يداويه .
وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم رويان وكان عرفاً بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالماً بأصول حكمتها وقواعد أمورها من منفعتها ومضرتها .
عالماً بخواص النباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافعة فقد عرف علم الفلاسفة وجاز جميع العلوم الطبية وغيرها ، ثم إن الحكيم لما دخل المدينة وأقام بها أيام قلائل سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد عجزت عن مداواته الأطباء وأهل العلوم .
فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولاً ، فلما أصبح الصباح لبس أفخر ثيابه ودخل على الملك يونان وقبل الأرض ودعا له بدوام العز والنعم وأحسن ما به تكلم وأعلمه بنفسه فقال :
أيها الملك ، بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وأن كثيراً من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله وها أنا أداويك أيها الملك ولا أسقيك دواء ولا أدهنك بدهن .
فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له : كيف تفعل ، فو الله لو برأتني أغنيك لولد الولد وأنعم عليك ، ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي .
ثم أنه خلع عليه وأحسن إليه وقال له أتبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان ?
قال : نعم أبرئك بلا مشقة في جسدك .
فتعجب الملك غاية العجب ثم قال له : أيها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في أي الأوقات وفي أي الأيام ، فأسرع يا ولدي .
قال له : سمعاً وطاعة .
ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتاً حط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم استخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجاناً وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمعرفته .
فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك في اليوم الثاني ودخل عليه وقبل الأرض بين يديه وأمره أن يركب إلى الميدان وأن يلعب بالكرة والصولجان وكان معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة ، فما استقر بين الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم رويان وناوله الصولجان وقال له :
خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسدك فإذا عرقت وأثر الدواء فيك فارجع إلى قصرك وادخل الحمام واغتسل ونم فقد برئت والسلام .
فعند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان ، وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى له الدواء من القبضة .
وعرف الحكيم رويان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره وأن يدخل الحمام من ساعته ، فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن يخلو له الحمام فأخلوه له ، وتسارعت الفراشون وتسابقت المماليك وأعدوا للملك قماشه ودخل الحمام واغتسل غسيلاً جيداً ولبس ثيابه داخل الحمام ثم خرج منه .
ولما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئاً من البرص وصار جسده نقياً مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح ، فلما أصبح الصباح دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخلت عليه الحجاب وأكابر الدولة .
هذا ما كان من أمر الملك يونان ، وأما ما كان من أمر الحكيم رويان فإنه رجع إلى داره وبات ، فلما أصبح الصباح طلع إلى الملك واستأذن عليه فأذن له في الدخول فدخل وقبل الأرض بين يديه وأشار إلى الملك بهذه الأبيات :
زهت الفصاحة إذا ادعيت لها أبـاً ........ وإذا دعت يوماً سواك لهـا أبـى
يا صاحب الوجـه الـذي أنـواره ........ تمحوا من الخطب الكريه غياهبا
ما زال وجهك مشرقاً متـهـلـلاً ........ فلا ترى وجه الزمان مقطـبـا
أوليتني من فضلك المنن الـتـي ........ فعلت بنا فعل السحاب مع الربـا
وصرفت جل الملا في طلب العلا ........ حتى بلغت من الزمان مـآربـا
فلما فرغ من شعره نهض الملك قائماً على قدميه وعانقه وأجلسه بجانبه وخلع عليه الخلع السنية ، وإذا بموائد الطعام قد مدت فأكل صحبته وما زال عنده ينادمه طول نهاره .
فلما أقبل الليل أعطى الحكيم ألفي دينار غير الخلع والهدايا وأركبه جواده وانصرف إلى داره والملك يونان يتعجب من صنعه ويقول :
هذا داواني من ظاهر جسدي ولم يدهنني بدهان ، فو الله ما هذه إلا حكمة بالغة ، فيجب علي لهذا الرجل الإنعام والإكرام وأن أتخذه جليساً وأنيساً مدى الزمان . وبات الملك يونان مسروراً فرحاً بصحة جسمه وخلاصه من مرضه .
فلما أصبح الملك وجلس على كرسيه ووقفت أرباب دولته وجلست الأمراء والوزراء على يمينه ويساره ثم طلب الحكيم رويان فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه فقام الملك وأجلسه بجانبه وأكل معه وحياه وخلع عليه وأعطاه ، ولم يزل يتحدث معه إلى أن أقبل الليل فرسم له بخمس خلع وألف دينار ، ثم انصرف الحكيم إلى داره وهو شاكر للملك .
فلما أصبح الصباح خرج الملك إلى الديوان وقد أحدقت به الأمراء والوزراء والحجاب ، وكان له وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت . فلما رأى ذلك الوزير أن الملك قرب الحكيم رويان وأعطاه هذه الأنعام حسده عليه وأضمر له الشر كما قيل في المعنى :
ما خلا جسد من حسد .
وقيل في المعنى : الظلم كمين في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه .
ثم أن الوزير تقدم إلى الملك يونان وقبل الأرض بين يديه وقال له :
يا ملك العصر والأوان ، أنت الذي شمل الناس إحسانك ولك عندي نصيحة عظيمة فإن أخفيتها عنك أكون ولد زنا ، فإن أمرتني أن أبديها أبديتها لك .
فقال الملك وقد أزعجه كلام الوزير : وما نصيحتك ?
فقال : أيها الملك الجليل ، قد قالت القدماء من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحب ، وقد رأيت الملك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد أحسن إليه وأكرمه غاية الإكرام وقربه غاية القرب ، وأنا أخشى على الملك من ذلك .
فانزعج الملك وتغير لونه وقال له : من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه ? فقال له : أيها الملك إن كنت نائماً فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم رويان .
فقال له الملك : إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني بشيء قبضته بيدي وأبراني من مرضي الذي عجز فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان في الدنيا غرباً وشرقا ً، فكيف أنت تقول عليه هذا المقال وأنا من هذا اليوم أرتب له الجوامك والجرايات وأعمل له في كل شهر ألف دينار ولو قاسمته في ملكي وإن كان قليلاً عليه . وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسداً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
فقالت لها أختها : يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه .
فقالت لها : وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقاني الملك . فقال الملك في نفسه : والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه حديث عجيب . ثم أنهم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح . ثم خرج الملك إلى محل حكمه واحتبك الديوان فحجم وولى وأمر ونهى إلى آخر النهار ، ثم انفض الديوان فدخل الملك قصره وأقبل الليل .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:19 AM
تكملة حكاية الملك يونان والحكيم رويان
وعوده إلى حكاية الصياد مع العفريت


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره :
أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما ندم السندباد على قتل البازي .
فقال الوزير : وكيف كان ذلك ?
فقال الملك : ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس يحب الفرجة والتنزه والصيد والقنص وكان له بازي رباه ولا يفارقه ليلاً ولا نهاراً ويبيت طوال الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها .
فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول : يا ملك الزمان هذا أوان الخروج إلى الصيد .
فاستعد الملك للخروج وأخذ البازي على يده وساروا إلى أن وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد إذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال الملك :
كل من فاتت الغزالة من جهته قتلته ، فضيقوا عليها حلقة الصيد .
وإذا بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدرها كأنها تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى البر .
فالتفت الملك إلى المعسكر فرآهم يتغامزون عليه ، فقال : يا وزيري ماذا يقول العساكر .
فقال : يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل .
فقال الملك : وحياة رأسي لأتبعنها حتى أجيء بها .
ثم طلع الملك في أثر الغزالة ولم يزل وراءها وصار البازي يلطشها على عينها إلى أن أعماها ودوخها فسحب الملك دبوساً وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وعلقها في قربوس السرج . وكانت ساعة حر وكان المكان قفراً لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان .
فالتفت الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن ، وكان الملك لابساً في كفه جلداً فأخذ الطاسة في رقبة البازي وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه وإذا بالبازي لطش الطاسة فقلبها ، فأخذ الملك الطاسة ثانياً ، وملأها وظن أن البازي عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانياً وقلبها فغضب الملك من البازي وأخذ الطاسة ثالثاً وقدمها للحصان فقلبها البازي بجناحه فقال الملك :
الله يخيبك يا أشأم الطيور وأحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم ضرب البازي بالسيف فرمى أجنحته .
فصار البازي يقيم رأسه ويقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك عينه فرأى فوق الشجرة حية والذي يسيل سمها فندم الملك على قص أجنحة البازي ثم قام وركب حصانه وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسي والبازي على يده فشهق البازي ومات فصاح الملك حزناً وأسفاً على قتل البازي ، حيث خلصه من الهلاك ، هذا ما كان من حديث الملك السندباد .
فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له : أيها الملك العظيم الشأن وما الذي فعلته من الضرورة ورأيت منه سوء إنما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك ، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيراً ، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يوماً من الأيام ، إلى الصيد والقنص وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعاً فنظر إلى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك ، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية ، وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق وهي تبكي فقال لها ابن الملك من أنت :
قالت : بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس ، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت حائرة .
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر دابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية :
يا سيد أريد أن أزيل ضرورة .
فأنزلها إلى الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به ، فإذا هي غولة وهي تقول لأولادها :
يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين .
فقالوا لها : أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا .
فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له :
ما بالك خائفاً .
فقال لها : أن لي عدواً ، وأنا خائف منه .
فقالت الغولة إنك تقول أنا ابن الملك .
قال لها : نعم .
قالت له : مالك لا تعطي عدوك شيئاً من المال ، فترضيه به .
فقال لها : أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف منه ، وأنا رجل مظلوم .
فقالت له : إن كنت مظلوماً كما تزعم فاستعن بالله عليه بأنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه .
فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال : يا من يجيب دعوة المضطر ، إذا دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني ، إنك على ما تشاء قدير .
فلما سمعت الغولة دعاءه ، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه ، وحدثه بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح القتلات ، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر في هلاكك ، أما ترى أنه أبراك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك ، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً .
فقال الملك يونان : صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح ، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوساً في طلب هلاكي ، وإذا كان أبرأني بشيء أمسكته بيدي فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه .
ثم إن الملك يونان قال لوزيره : أيها الوزير كيف العمل فيه .
فقال له الوزير : أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه ، فإن حضر فاضرب عنقه فتكفي شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك .
فقال الملك يونان : صدقت أيها الوزير .
ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم ، فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدره الرحمن كما قال بعضهم في المعنى :
يا خائفاً من دهـره كـن آمـنـاً ........ وكل الأمور إلى الذي بسط الثرى
إن المـقـدر كـان لا يمـحـى ........ ولك الأمان من الذي مـا قـدرا
وأنشد الحكيم مخاطباً قول الشاعر :
إذا لم أقم يوماً لحقك بـالـشـكـر ........ فقل لي إن أعددت نظمي مع النثر
لقد جددت لي قبل السؤال بأنـعـم ........ أتتني بلا مطل لـديك ولا عـذر
فمالي لا أعطي ثنـاءك حـقـه ........ وأثني على علياك السر والجهر
سأشكر ما أوليتني من صـنـائع ........ يخف لها فمي وإن أثقلت ظهري
فلما حضر الحكيم رويان قال له الملك : أتعلم لماذا أحضرتك ؟
فقال الحكيم : لا يعلم الغيب إلا الله تعالى .
فقال له الملك : أحضرتك لأقتلك وأعدمك روحك .
فتعجب الحكيم رويان من تلك المقالة غاية العجب ، وقال : أيها الملك لماذا تقتلني ? وأي ذنب بدا مني ؟
فقال له الملك : قد قيل لي إنك جاسوس وقد أتيت لتقتلني وها أنا أقتلك قبل أن تقتلني .
ثم إن الملك صاح على السياف ، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار ، وأرحنا من شره ، فقال الحكيم :
أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله .
ثم أنه كرر عليه القول مثلما قلت لك أيها العفريت وأنت لا تدعي بل تريد قتلي فقال الملك يونان للحكيم رويان :
إني لا آمن إلا أن أقتلك فإنك برأتني بشيء أمسكته بيدي فلا آمن أن تقتلني بشيء أشمه أو غير ذلك .
فقال الحكيم : أيها الملك أهذا جزائي منك ، تقابل المليح بالقبيح .
فقال الملك : لا بد من قتلك من غير مهلة .
فلما تحقق الحكيم أن الملك قاتله لا محالة بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله ، كما قيل في المعنى :
ميمونة من سمات العقل عارية ........ لكن أبوها من الألباب قد خلقا
لم يمش من يابس يوماً ولا وحل ........ إلا بنور هداه تقى الـزلـقـا
بعد ذلك تقدم السياف وغمي عينيه وشهر سيفه وقال ائذن والحكيم يبكي ويقول للملك :
أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله ، وأنشد قول الشاعر :
نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلـحـوا ....... فأوقعني نصـحي بـدار هـوان
فإن عشت فلم أنصح وإن مت فأزلي ....... ذوي النصح من بعدي بك لـسان
ثم إن الحكيم قال للملك : أيكون هذا جزائي منك ، فتجازيني مجازاة التمساح .
قال الملك : وما حكاية التمساح .
فقال الحكيم : لا يمكنني أن أقولها ، وأنا في هذا الحال فبالله عليك أبقني يبقيك الله .
ثم إن الحكيم بكى بكاء شديداً فقام بعض خواص الملك وقال : أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم ، لأننا ما رأيناه فعل معك ذنباً إلا أبراك من مرضك الذي أعيا الأطباء والحكماء .
فقال لهم الملك : لم تعرفوا سبب قتلي لهذا الحكيم وذلك لأني إن أبقيته فأنا هالك لا محالة ومن أبرأني من المرض الذي كان بي بشيء أمسكته بيدي فيمكنه أن يقتلني بشيء أشمه ، فأنا أخاف أن يقتلني ويأخذ علي جعالة لأنه ربما كان جاسوساً وما جاء إلا ليقتلني فلا بد من قتله وبعد ذلك آمن على نفسي .
فقال الحكيم : أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله .
فلما تحقق الحكيم أيها العفريت أن الملك قاتله لا محالة قال له :
أيها الملك إن كان ولا بد من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلص نفسي وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني وأهب كتب الطب وعندي كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية تدخره في خزانتك .
فقال الملك للحكيم : وما هذا الكتاب .
قال : فيه شيء لا يحصى وأقل ما فيه من الأسرار إذا قطعت رأسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاث أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإن الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما سألتها عنه .
فتعجب الملك غاية العجب واهتز من الطرب وقال له أيها الحكيم : وهل إذا قطعت رأسك تكلمت .
فقال : نعم أيها الملك وهذا أمر عجيب .
ثم أن الملك أرسله مع المحافظة عليه ، فنزل الحكيم إلى داره وقضى أشغاله في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني طلع الحكيم إلى الديوان وطلعت الأمراء والوزراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة جميعاً وصار الديوان كزهر البستان وإذا بالحكيم دخل الديوان ، ووقف قدام الملك ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور ، وجلس وقال :
ائتوني بطبق .
فأتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال : أيها الملك خذ هذا الكتاب ولا تعمل به ، حتى تقطع رأسي فإذا قطعتها فاجعلها في ذلك الطبق وأمر بكبسها على ذلك الذرور فإذا فعلت ذلك فإن دمها ينقطع ، ثم افتح الكتاب .
ففتحه الملك فوجده ملصوقاً فحط إصبعه في فمه وبله بريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق ما ينفتح إلا بجهد ، ففتح الملك ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك :
أيها الحكيم ما فيه شيء مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن إلا قليلاً من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فإن الكتاب كان مسموماً فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد قال :
سرى في السم .
فأنشد الحكيم رويان يقول :
تحكموا فاستطالوا في حكومتهـم ........ وعن قليل كان الحكم لـم يكـن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى ........ عليهم الدهر بالآفات والمـحـن
وأصبحوا ولسان الحال يشـدهـم ........ هذا بذاك ولا عتب على الزمـن
فلما فرغ رويان الحكيم من كلامه سقط الملك ميتاً لوقته ، فاعلم أيها العفريت أن الملك يونان لو أبقى الحكيم رويان لأبقاه الله ، ولكن أبى وطلب قتله فقتله الله وأنت أيها العفريت لو أبقيتني لأبقاك الله .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
فقالت لها أختها دنيازاد : ما أحلى حديثك .
فقالت : وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك .
وباتوا الليلة في نعيم وسرور إلى الصباح ، ثم أطلع الملك إلى الديوان ولما انفض الديوان دخل قصره واجتمع بأهله .




https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:20 AM
تكملة حكاية الصياد مع العفريت

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال :
للعفريت لو أبقيتني كنت أبقيتك ، لكن ما أردت إلا قتلي فأنا أقتلك محبوساً في هذا القمقم ، وألقيك في هذا البحر .
ثم صرخ المارد وقال : بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وأبقني كرماً ولا تؤاخذني بعملي ، فإذا كنت أنا مسيئاً كن أنت محسناً ، وفي الأمثال السائرة :
يا محسناً لمن أساء كفي المسيء فعله ولا تعمل عمل أمامة مع عاتكة .
قال الصياد : وما شأنهما .
فقال العفريت : ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه وأنا أحدثك بشأنهما .
فقال الصياد : لا بد من إلقائك في البحر ولا سبيل إلى إخراجك منه فإني كنت أستعطفك وأتضرع إليك وأنت لا تريد إلا قتلي من غير ذنب استوجبته منك ، ولا فعلت معك سوءاً قط ولم أفعل معك إلا خيراً ، لكوني أخرجتك من السجن ، فلما فعلت معي ذلك ، علمت أنك رديء الأصل ، واعلم أنني ما رميتك في هذا البحر ، إلا لأجل أن كل من أطلعك أخبره بخبرك ، وأحذره منك فيرميك فيه ثانياً فتقيم في هذا البحر إلى آخر الزمان حتى ترى أنواع العذاب .
فقال العفريت : أطلقني فهذا وقت المروءات وأنا أعاهدك أني لم أسؤك أبداً بل أنفعك بشيء يغنيك دائماً .
فأخذ الصياد عليه العهد أنه إذا أطلقه لا يؤذيه أبداً بل يعمل معه الجميل فلما استوثق منه بالإيمان والعهود وحلفه باسم الله الأعظم فتح له الصياد فتصاعد الدخان حتى خرج وتكامل فصار عفريتاً مشوه الخلقة ورفس القمقم في البحر .
فلما رأى الصياد أنه رمى القمقم في البحر أيقن بالهلاك وبال في ثيابه ، وقال : هذه ليست علامة خير ، ثم أنه قوى قلبه وقال :
أيها العفريت قال الله تعالى : وأوفوا العهد ، إن العهد كان مسؤولاً وأنت قد عاهدتني وحلفت أنك لا تغدر بي فإن غدرت بي يجرك الله فإنه غيور يمهل ولا يهمل ، وأنا قلت لك مثل ما قاله الحكيم رويان للملك يونان أبقني يبقيك الله .
فضحك العفريت ومشى قدامه ، وقال أيها الصياد اتبعني فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية متسعة وإذا في وسطها بركة ماء ، فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح الشبكة ويصطاد ، فنظر الصياد إلى البركة ، وإذا بهذا السمك ألواناً ، الأبيض والأحمر والأزرق والأصفر ، فتعجب الصياد من ذلك ثم أنه طرح شبكته وجذبها فوجد فيها أربع سمكات ، كل سمكة بلون ، فلما رآها الصياد فرح .
فقال له العفريت : ادخل بها إلى السلطان وقدمها إليه ، فإنه يعطيك ما يغنيك وبالله أقبل عذري فإنني في هذا الوقت لم أعرف طريقاً وأنا في هذا البحر مدة ألف وثمانمائة عام ، ما رأيت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة ولا تصطد منها كل يوم إلا مرة واحدة واستودعتك الله .
ثم دق الأرض بقدميه فانشقت وابتلعته ومضى الصياد إلى المدينة متعجب مما جرى له مع هذا العفريت ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بماجور ثم ملأه ماء وحط فيه السمك فاختبط السمك من داخل المأجور في الماء ثم حمل المأجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت .
فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم له السمك تعجب الملك غاية العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه الصياد لأنه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلاً ، فقال : ألقوا هذا السمك للجارية الطباخة .
وكانت هذه الجارية قد أهداها له ملك الروم منذ ثلاثة أيام وهو لم يجربها في طبيخ فأمرها الوزير أن تقليه ، وقال لها :
يا جارية إن الملك يقول لك ما ادخرت دمعتي إلا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبيخك فإن السلطان جاء إليه واحد بهدية .
ثم رجع الوزير بعدما أوصاها فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها فأخذها الصياد في حجره وتوجه إلى منزله لزوجته ، وهو فرحان مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه هذا ما كان من أمر الصياد .
وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته ، في الطاجن ثم إنها تركت السمك حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني ، وإذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت منها صبية رشيقة القد أسيلة الخد كاملة الوصف كحيلة الطرف بوجه مليح وقد رجيح لابسة كوفية من خز أزرق وفي أذنيها حلق وفي معاصمها أساور وفي أصابعها خواتيم بالفصوص المثمنة وفي يدها قضيب من الخيزران فغرزت القضيب في الطاجن وقالت : يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم .
فلما رأت الجارية هذا غشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانياً وثالثاً فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال :
نعم ... نعم ، ثم قال جميعه هذا البيت :
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا ........ وإن خرجت فإنا قد تكافـينـا
فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحمت حائط المطبخ ثم أقامت الجارية فرأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود ، فقالت تلك الجارية : من أول غزوته حصل كسر عصبته .
فبينما هي تعاتب نفسها ، وإذا بالوزير واقف على رأسها ، وقال لها هاتي السمك للسلطان فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال أنه أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه ، فقال له أيها الصياد لا بد أن تجيب لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً .
فخرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها وإذا بأربع سمكات ، فأخذها وجاء بها إلى الوزير ، فدخل بها الوزير إلى الجارية وقال لها قومي اقليها قدامي ، حتى أرى هذه القضية فقامت الجارية أصلحت السمك ، ووضعته في الطاجن على النار فما استقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد انشقت ، والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت :
يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم .
فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت هذا البيت :
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا ........ وإن هجرت فإنا قد تكافـينـا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:21 AM
تكملة حكاية الصياد مع العفريت


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه لما تكلم السمك قلبت الصبية الطاجن بالقضيب وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط ، فعند ذلك قام الوزير وقال :
هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك .
ثم أنه تقدم إلى الملك وأخبره بما جرى قدامه فقال :
لا بد أن أنظر بعيني .
فأرسل إلى الصياد وأمره أن يأتي بأربع سمكات مثل الأول وأمهله ثلاثة أيام . فذهب الصياد إلى البركة وأتاه بالسمك في الحال ، فأمر الملك أن يعطوه أربعمائة دينار ، ثم التفت الملك إلى الوزير وقال له :
سو أنت السمك هنا قدامي .
فقال الوزير : سمعاً وطاعة .
فأحضر الطاجن ورمى فيه السمك بعد أن نظفه ثم قلبه وإذا بالحائط قد انشق وخرج منه عبد أسود كأنه ثور من الثيران أو من قوم عاد وفي يده قرع من شجرة خضراء وقال بكلام فصيح مزعج :
يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم ?
فرفع السمك رأسه من الطاجن وقال : نعم وأنشد هذا البيت :
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا ........ وإن هجرت فإنا قد تكافـينـا
ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه بالفرع إلى أن صار فحماً أسود ، ثم ذهب العبد من حيث أتى ، فلما غاب العبد عن أعينهم قال الملك :
هذا أمر لا يمكن السكوت عنه ، ولا بد أن هذا السمك له شأن غريب .
فأمر بإحضار الصياد ، فلما حضر قال له :
من أين هذا السمك .
فقال له : من بركة بين أربع جبال وراء هذا الجبل الذي بظاهر مدينتك .
فالتفت الملك إلى الصياد وقال له : مسيرة كم يوم .
قال له : يا مولانا السلطان مسيرة نصف ساعة .
فتعجب السلطان وأمر بخروج العسكر من وقته مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت وساروا إلى أن طلعوا الجبل ونزلوا منه إلى برية متسعة لم يروها مدة أعمارهم والسلطان وجميع العسكر يتعجبون من تلك البرية التي نظروها بين أربع جبال والسمك فيها على أربعة ألوان أبيض وأحمر وأصفر وأزرق .
فوقف الملك متعجباً وقال للعسكر ولمن حضر : هل أحد منكم رأى هذه البركة في هذا المكان .
فقالوا كلهم : لا .
فقال الملك : والله لا أدخل مدينتي ولا أجلس على تخت ملكي حتى أعرف حقيقة هذه البركة وسمكها .
ثم أمر الناس بالنزول حول هذه الجبال فنزلوا ، ثم دعا بالوزير وكان وزيراً عاقلاً عالماً بالأمور ، فلما حضر بين يديه قال له :
إني أردت أن أعمل شيئاً فأخبرك به وذلك أنه خطر ببالي أن أنفرد بنفسي في هذه الليلة وأبحث عن خبر هذه البركة وسمكها ، فاجلس على باب خيمتي وقل للأمراء والوزراء والحجاب أن السلطان متشوش وأمرني أن لا أؤذن لأحد في الدخول عليه ولا تعلم أحد بقصدي .
فلم يقدر الوزير على مخالفته ، ثم أن الملك غير حالته وتقلد سيفه وانسل من بينهم ومشى بقية ليله إلى الصباح ، فلم يزل سائراً حتى اشتد عليه الحر فاستراح ثم مشى بقية يومه وليلته الثانية إلى الصباح فلاح له سواد من بعد ففرح وقال :
لعلي أجد من يخبرني بقضية البركة وسمكها ، فلما قرب من السواد وجده قصراً مبنياً بالحجارة السود مصفحاً بالحديد وأحد شقي بابه مفتوح والآخر مغلق .
ففرح الملك ووقف على الباب ودق دقاً لطيفاً فلم يسمع جواباً ، فدق ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً ، فدق رابعاً دقاً مزعجاً فلم يجبه أحد ، فقال :
لا بد أنه خالي .
فشجع نفسه ودخل من باب القصر إلى دهليز ثم صرخ وقال : يا أهل القصر إني رجل غريب وعابر سبيل ، هل عندكم شيء من الزاد ?
وأعاد القول ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً ، فقوي قلبه وثبت نفسه ودخل من الدهليز إلى وسط القصر فلم يجد فيه أحد ، غير أنه مفروش وفي وسطه فسقية عليها أربع سباع من الذهب تلقي الماء من أفواهها كالدر والجواهر وفي دائره طيور وعلى ذلك القصر شبكة تمنعها من الطلوع ، فتعجب من ذاك وتأسف حيث لم ير فيه أحد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك والجبال والقصر ، ثم جلس بين الأبواب يتفكر وإذا هو بأنين من كبد حزين فسمعه يترنم بهذا الشعر :
لما خفيت ضنى ووجدي قد ظهر ........ والنوم من عيني تبدل بالسهـر
ناديت وجداً قد تزايد بي الفكـر ........ يا وجد لا تبقى علـي ولا تـذر
ها مهجتي بين المشقة والخطر
فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائماً وقصد جهته فوجد ستراً مسبولاً على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شاباً جالساً على سرير مرتفع عن الأرض مقدار ذراع ، وهو شاب مليح بقد رجيح ولسان فصيح وجبين أزهر وخداً أحمر وشامة على كرسي خده كترس من عنبر كما قال الشاعر :
ومهفهف من شعره وجبـينـه ........ مشت الورى في ظلمة وضياء
ما أبصرت عيناك أحسن منظر ........ فيما يرى من سـائر الأشـياء
كالشامة الخضراء فوق الوجنة ........ الحمراء تحت المقلة السـوداء
ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس وعليه قباء حرير بطراز من ذهب لكن عليه أثر الحزن ، فرد السلام على الملك وقال له :
يا سيدي اعذرني عن عدم القيام .
فقال الملك : أيها الشاب أخبرني عن هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك فيه وما سبب بكائك ?
فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء شديداً ، فتعجب الملك وقال :
ما يبكيك أيها الشاب ?
فقال : كيف لا أبكي وهذه حالتي .
ومد يده إلى أذياله فإذا نصفه التحتاني إلى قدميه حجر ومن صرته إلى شعر رأسه بشر .
ثم قال الشاب : اعلم أيها الملك أن لهذا أمراً عجيباً لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر ، وذلك يا سيدي أنه كان والدي ملك هذه المدينة وكان اسمع محمود الجزائر السود وصاحب هذه الجبال الأربعة أقام في الملك سبعين عاماً ثم توفي والدي وتسلطنت بعده وتزوجت بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى تراني ، فمكثت في عصمتي خمس سنين إلى أن ذهبت يوماً إلى الحمام فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعاماً لأجل العشاء ، ثم دخلت هذا القصر ونمت في الموضع الذي أنا فيه وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهي فجلست واحدة عند رأسي والأخرى عند رجلي وقد قلقت لغيابها ولم يأخذني نوم غير أن عيني مغمضة ونفسي يقظانة .
فسمعت التي عند رأسي تقول للتي عند رجلي يا مسعودة إن سيدنا مسكين شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة .
فقالت الأخرى : لعن الله النساء الزانيات ولكن مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة تبيت في غير فراشه .
فقالت التي عند رأسي : إن سيدنا مغفل حيث لم يسأل عنها .
فقالت الأخرى : ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها أو هي تخليه باختياره بل تعمل له عملاً في قدح الشراب الذي يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج فينام ولم يشعر بما يجري ولم يعلم أين تذهب ولا بما تصنع لأنها بعدما تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده فتغيب إلى الفجر وتأتي إليه وتبخره عند أنفه بشيء فيستيقظ من منامه .
فلما سمعت كلام الجواري صار الضيا في وجهي ظلاماً وما صدقت أن الليل اقبل وجاءت بنت عمي من الحمام فمدا السماط وأكلنا وجلسنا ساعة زمنية نتنادم كالعادة ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام فناولتني الكأس فراوغت عنه وجعلت أشربه مثل عادتي ودلقته في عبي ورقدت في الوقت والساعة وإذا بها قالت :
نم ليتك لم تقم ، والله كرهتك وكرهت صورتك وملت نفسي من عشرتك .
ثم قامت ولبست أفخر ثيابها وتبخرت وتقلدت سيفاً وفتحت باب القصر وخرجت .
فقمت وتبعتها حتى خرجت وشقت في أسواق المدينة إلى أن انتهت إلى أبواب المدينة فتكلمت بكلام لا أفهمه فتساقطت الأقفال وانفتحت الأبواب وخرجت وأنا خلفها وهي لا تشعر حتى انتهت إلى ما بين الكيمان وأتت حصناً فيه قبة مبنية بطين لها باب فدخلته هي وصعدت أنا على سطح القبة وأشرفت عليها اذا بها قد دخلت على عبد أسود إحدى شفتيه غطاء وشفته الثانية وطاء وشفاهه تلقط الرمل من الحصى وهي مبتلي وراقد على قليل من قش القصب فقبلت الأرض بين يديه .
فرفع ذلك العبد رأسه إليها وقال لها : ويلك ما سبب قعودك إلى هذه الساعة كان عندنا السودان وشربوا الشراب وصار كل واحد بعشيقته وأنا ما رضيت أن أشرب من شأنك .
فقالت : يا سيدي وحبيب قلبي أما تعلم أني متزوجة بابن عمي وأنا أكره النظر في صورته وأبغض نفسي في صحبته ، ولولا أني أخشى على خاطرك لكنت جعلت المدينة خراباً يصبح فيها البوم والغراب وأنقل حجارتها إلى جبل قاف .
فقال العبد : تكذبين يا عاهرة وأنا أحلف وحق فتوة السودان وإلا تكون مروءتنا مروءة البيضان ، إن بقيت تقعدي إلى هذا الوقت من هذا اليوم لا أصاحبك ولا أضع جسدي على جسدك ، يا خائنة تغيبين علي من أجل شهوتك يا منتنة يا أخت البيضان .
قال الملك : فلما سمعت كلامها وأنا أنظر بعيني ما جرى بينهما صارت الدنيا في وجهي ظلاماً ولم أعرف روحي في أي موضع وصارت بنت عمي واقفة تبكي إليه وتتدلل بين يديه وتقول له :
يا حبيبي وثمرة فؤادي ما أحد غيرك بقي لي فإن طردتني يا ويلي ، يا حبيبي يا نور عيني .
وما زالت تبكي وتضرع له حتى رضي عليها ففرحت قامت وقلعت ثيابها وقالت له :
يا سيدي هل عندك ما تأكله جاريتك .
فقال لها : اكشفي اللقان فإن تحتها عظام فيران مطبوخة فكليها وقرمشيها وقومي لهذه القوارة تجدين فيها بوظة فاشربيها .
فقامت وأكلت وشربت وغسلت يديها ، وجاءت فرقدت مع العبد على قش القصب وتعرت ودخلت معه تحت الهدمة والشرايط فلما نظرت هذه الفعال التي فعلتها بنت عمي وهممت أن أقتل الإثنين فضربت العبد أولاً على رقبته فظننت أنه قضي عليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
فلما أصبح الصباح دخل الملك إلى محل الحكم واحتبك الديوان إلى آخر النهار ، ثم طلع الملك قصره فقالت لها أختها دنيازاد : تممي لنا حديثك .
قالت : حباً وكرامة .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:22 AM
تكملة حكاية الصياد مع العفريت




قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أن الشاب المسحور قال للملك :
لما ضربت العبد لأقطع رأسه قطعت الحلقوم والجلد واللحم فظننت أني قتلته فشخر شخيراً عالياً فتحركت بنت عمي وقامت بعد ذهابي فأخذت السيف وردته إلى موضعه وأتيت المدينة ودخلت القصر ورقدت في فراشي إلى الصباح ، ورأيت بنت عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن وقالت :
يا ابن عمي لا تلمني فيما أفعله ، فإنه بلغني أن والدتي توفيت وأن والدي قتل في الجهاد ، وأن أخوي أحدهما مات ملسوعاً والآخر رديماً فيحق لي أن أبكي وأحزن .
فلما سمعت كلامها سكت عنها وقلت لها : افعلي ما بدا لك فإني لا أخالفك .
فمكثت في حزن وبكاء وعددي سنة كاملة من الحول إلى الحول ، وبعد السنة قالت لي :
أريد أن أبني في قصرك مدفناً مثل القبة وأنفرد فيه بالأحزان أسميه بيت الأحزان .
فقلت لها : افعلي ما بدا لك .
فبنت لها بيتاً للحزن في وسطه قبة ومدفناً مثل الضريح ثم نقلت العبد وأنزلته فيه وهو ضعيف جداً لا ينفعها بنافعة لكنه يشرب الشراب ، ومن اليوم الذي جرحته فيه ما يتكلم إلا أنه حي لأن أجله لم يفرغ فصارت كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشياً وتبكي عنده ، وتعدد عليه وتسقيه الشراب والمساليق ولم تزل على هذه الحالة صباحاً ومساء إلى ثاني سنة وأنا أطول بالي عليها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام ، على غفلة فوجدتها تبكي وتلطم وجهها وتقول هذه الأبيات :
عدمت وجودي في الورى بعد بعدكم ........ فإن فـؤادي لا يحـب سـواكـم
خذوا كرماً جسمي إلى أني ترتمـوا ........ وأين حللتم فادفنـونـي حـداكـم
وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم ........ أنين عظامي عند صوت نـداكـم
فلما فرغت من شعرها قلت لها وسيفي مسلول في يدي :
هذا كلام الخائنات اللاتي يسكرن المعشره ، ولا يحفظن الصحة .
وأردت أن أضربها فرفعت يدي في الهواء فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرح العبد ثم وقعت على قدميها وتكلمت بكلام لا أفهمه ، وقالت جعل الله بسحري نصفك حجراً ونصفك الآخر بشراً ، فصرت كما ترى وبقيت لا أقوم ولا أقعد ولا أنا ميت ولا أنا حي .
فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الأسواق والغبطان وكانت مدينتنا أربعة أصناف مسلمين ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكاً ، فالأبيض مسلمون والأحمر مجوس والأزرق نصارى والأصفر يهود وسحرت الجزائر الأربعة جبال وأحاطتها بالبركة ، ثم إنها كل يوم تعذبني ، وتضربني بسوط من الجلد مائة ضربة حتى يسيل الدم ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوباً من الشعر على نصفي الفوقاني ثم أن الشاب بكى وأنشد :
صبراً لحكمك يا إله الـقـضـا ........ أنا صابر إن كان فيه لك الرضا
قد ضقت بالأسر الذي قد نابنـي ........ فوسباني آل النبي المرتـضـى
فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب وقال له : أيها الشاب زدتني هماً على همي .
ثم قال له : وأين تلك المرأة .
قال : في المدفن الذي فيه العبد راقد في القبة وهي تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء إلى وتجردني من ثيابي وتضربني بالسوط مئة ضربة وأنا أبكي وأصيح ولم يكن في حركة حتى أدفعها عن نفسي ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى العبد بالشراب والمسلوقة بكرة النهار .
قال الملك : والله يا فتى لأفعلن معك معروفاً أذكر به وجميلاً يؤرخونه سيراً من بعدي .
ثم جلس الملك يتحدث معه إلى أن أقبل الليل ثم قام الملك وصبر إلى أن جاء وقت السحر فتجرد من ثيابه وتقلد سيفه ونهض إلى المحل الذي فيه العبد فنظر إلى الشمع والقناديل ورأى البخور والأدهان ثم قصد العبد وضربه فقتله ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر ، ثم نزل ولبس ثياب العبد وهو داخل القبة والسيف معه مسلول في طوله ، فبعد ساعة أتت العاهرة الساحرة وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه وأخذت سوطاً ، وضربته فقال :
آه يكفيني ما أنا فيه فارحميني .
فقالت : هل كنت أنت رحمتني وأبقيت لي معشوق .
ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت إلى العبد ومعها قدح الشراب وطاسة المسلوقة ودخلت عليه القبة وبكت وولولت وقالت :
يا سيدي كلمني يا سيدي حدثني وأنشدت تقول :
فإلى متى هذا التجنب والـجـفـا ........ إن الذي فعل الغرام لقد كـفـى
كم قد تطيل الهجر لي معتـمـداً ........ إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
ثم إنها بكت وقالت : يا سيدي كلمني وحدثني .
فخفض صوته ، وعوج لسانه وتكلم بكلام السودان وقال :
آه لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما سمعت كلامه صرخت من الفرح وغشي عليها ثم إنها استفاقت وقالت :
لعل سيدي صحيح .
فخفض صوته بضعف وقال : يا عاهرة أنت لا تستحقي أن أكلمك .
قالت : ما سبب ذلك .
قال : سببه أنك طول النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ ويستغيث حتى أحرمتيني النوم من العشاء إلى الصباح ، ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو عليك حتى أقلقني صوته ولولا هذا لكنت تعافيت فهذا الذي منعني عن جوابك .
فقالت : عن إذنك أخلصه مما هو فيه .
فقال لها : خلصيه وأريحينا .
فقالت : سمعاً وطاعة .
ثم قامت وخرجت من القبة إلى القصر وأخذت طاسة ملأتها ماء ثم تكلمت عليها فصار الماء يغلي بالقدر ثم رشته منها وقالت :
بحق ما تلوته أن تخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى .
فانتفض الشاب وقام على قدميه ، وفرح بخلاصه وقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قالت له : اخرج ولا ترجع إلى هنا وإلا قتلتك وصرخت في وجهه .
فخرج من بين يديها وعادت إلى القبة ونزلت وقالت :
يا سيدي اخرج إلي حتى أنظرك .
فقال لها بكلام ضعيف : أي شيء فعلتيه ، أرحتيني من الفرع ولم تريحيني من الأصل .
فقالت يا حبيبي وما هو الأصل قال : أهل هذه المدينة والأربع جزائر كل ليلة ، إذا انتصف الليل يرفع السمك رأسه ويدعو علي وعليك فهو سبب منع العافية عن جسمي ، فخلصيهم وتعالي خذي بيدي وأقيميني ، فقد توجهت إلى العافية .
فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه العبد ، قالت له وهي فرحة :
يا سيدي على رأسي وعيني بسم الله .
ثم نهضت وقامت وهي مسرورة تجري وخرجت إلى البركة وأخذت من مائها قليلاً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:23 AM
تكملة حكاية الصياد مع العفريت
وبداية حكاية الحمال مع البنات






قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية الساحرة ، لما أخذت شيئاً من هذه البركة وتكلمت عليه بكلام لا يفهم تحرك السمك ، ورفع رأسه وصار آدميين في الحال ، وانفك السحر عن أهل المدينة وأصبحت عامرة والأسواق منصوبة ، وصار كل واحد في صناعته وانقلبت الجبال جزائر ، كما كانت ثم أن الصبية الساحرة رجعت إلى الملك في الحال وهي تظن أنه العبد ، وقالت :
يا حبيبي ناولني يدك الكريمة أقبلها .
فقال الملك بكلام خفي : تقربي مني .
فدنت منه وقد أخذ صارمه وطعنها به في صدرها حتى خرج من ظهرها ثم ضربها فشقها نصفين وخرج فوجد الشاب المسحور واقفاً في انتظاره فهنأه بالسلامة وقبل الشاب يده وشكره فقال له الملك :
تقعد مدينتك أن تجيء معي إلى مدينتي ?
فقال الشاب : يا ملك الزمان أتدري ما بينك وبين مدينتك ?
فقال : يومان ونصف .
فعند ذلك قال له الشاب : إن كنت نائماً فاستيقظ إن بينك وبين مدينتك سنة للمجد وما أتيت في يومين ونصف إلا لأن المدينة كانت مسحورة وأنا أيها الملك لا أفارقك لحظة عين .
ففرح الملك بقوله ثم قال : الحمد لله الذي من علي بك فأنت ولدي لأني طول عمري لم أرزق ولداً .
ثم تعانقا وفرحا فرحاً شديداً ، ثم مشيا حتى وصلا إلى القصر وأخبر الملك الذي كان مسحوراً أرباب دولته أنه مسافر إلى الحج الشريف فهيئوا له جميع ما يحتاج إليه ثم توجه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب على مدينته حيث غاب عنها سنة .
ثم سافر ومعه خمسون مملوكاً ومعه الهدايا ، ولم يزالا مسافرين ليلاً ونهاراً سنة كاملة حتى أقبلا على مدينة السلطان .
فخرج الوزير والعساكر بعدما قطعوا الرجاء منه وأقبلت العساكر وقبلت الأرض بين يديه وهنؤه بالسلامة فدخل وجلس على الكرسي ثم أقبل على الوزير وأعلمه بكل ما جرى على الشاب ، فلما سمع الوزير ما جرى على الشاب هنأه بالسلامة .
ولما استقر الحال أنعم السلطان على أناس كثيرون ، ثم قال للوزير علي بالصياد الذي أتى بالسمك فأرسل إلى ذلك الصياد الذي كان سبباً لخلاص أهل المدينة فأحضره وخلع عليه وسأله عن حاله وهل له أولاد فأخبره أن له ابناً وبنتين فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى ، وأخذ الملك الإبن عنده وجعله خازندارا ، ثم أرسل الوزير إلى مدينة الشاب التي هي الجزائر السود وقلده سلطنتها وأرسل معه الخمسين مملوكا الذين جاؤوا معه وكثيراً من الخلع لسائر الأمراء . فقبل الوزير يديه وخرج مسافرا واستقر السلطان والشاب . وأما الصياد فإنه قد صار أغنى أهل زمانه وبناته زوجات الملوك إلى أن أتاهم الممات ، وما هذا بأعجب مما جرى للحمال .
فإنه كان إنسان من مدينة بغداد وكان حمالاً ، فبينما هو في السوق يوماً منا الأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيتاه من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان وهي ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف ، وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها :
هات قفصك واتبعني .
فحمل الحمال القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل له رجل نصراني ، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته في القفص وقالت له : احمله واتبعني .
فقال الحمال : هذا والله نهار مبارك .
ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً شامياً وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وبنو فراده شقياً وخياراً نيلياً وليموناً مصرياً وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت له : احمل .
فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له : اقطع عشرة أرطال لحمة .
فقطع لها ، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له : احمل يا حمال .
فحمل وتبعها ، ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت للحمال : احمل واتبعني .
فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني واشترت طبقاً وملأته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وأمشاط وأصابع ولقيمات القاضي ووضعت جميع أنواع الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص .
فقال الحمال : لو أعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه هذه الأشياء .
فتبسمت ، ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وخلافه وأخذت قدراً من السكر وأخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً وأخذت شمعاً اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال : احمل قفصك واتبعني .
فحمل القفص وتبعها إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي عالية البنيان مشيدة الأركان بابها صنع من الأبنوس مصفح بصفائح الذهب الأحمر ، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا بالباب انفتح بشقتيه .
فنظر الحمال إلى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة النهد ذات حسن وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق .
فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه ، ثم قال :
ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار .
فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال : مرحبا .
وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر وأثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات ، وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية منا الأطلس الأحمر ومن داخله صبية بعيون بابلية وقامة ألفية ووجه يخجل الشمس المضيئة ، فكأنها بعض الكواكب الدرية أو عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر :
من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد ........ أضحى القياس به زوراً وبهتانـا
الغصن أحسن ما تلقاه مكتـسـبـاً ........ وأنت أحسن ما تلقـاه إنـسانـا
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في وسط القاعة عند أختيها وقالت :
ما وقوفهم ، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين .
فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه ، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن له :
توجه يا حمال .
فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان فلم ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال .
ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج ، فقالت له الصبية :
ما بالك لا تروح ? هل أنت استقللت الأجرة .
والتفتت إلى أختها وقالت لها : أعطيه ديناراً آخر .
فقال الحمال : والله يا سيداتي إن أجرتي نصفان ، وما استقللت الأجرة وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن رابع ، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال كما قال الشاعر :
انظر إلى أربع عندي قد اجتمعت ........ جنك وعود وقانون ومـزمـار
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً وللأسرار كاتماً .
فقلن له : نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه ، وقد قرأنا في الأخبار شعراً :
صن عن سواك السر لا تودعنه ........ من أودع السر فقد ضـيعـه
فلما سمع الحمال كلامهن قال : وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب وطالعت التواريخ ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر :
لا يكتم السر إلا كل ذي ثـقة ........ والسر عند خيار الناس مكتوم
السر عندي في بيت له غلـق ........ ضاعت الفاتحة والباب مختوم
فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما أبداه من الكلام قلن له :
أنت تعلم أننا غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به ، فنحن لا ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح الملاح .
فقالت صاحبة الدار : وإذا كانت بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة .
وقالت البوابة إن يكن معك شيء رح بلا شيء .
فقالت الدلالة : يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه .
ففرح الحمال وقال : والله ما استفتحت بالدراهم إلا منكن .
فقلن له اجلس على الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت الخضرة على جانب البحر وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت وجلست هي وأختها وجلس الحمال بينهن وهو يظن أنه في المنام .
ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم .
فلما تحكم الشراب معهم قامت البوابة وتجردت من ثيابها ثم رمت نفسها في تلك البحيرة ولعبت في الماء وأخذت الماء في فمها وبخت الحمال ثم قامت الثانية وخلعت ثيابها ورمت نفسها في تلك البحيرة وعملت مثل الأولى ثم قامت الثالثة وخلعت ثيابها ونزلت تلك البحيرة وفعلت مثل من قبلها ثم بعد ساعة قام الحمال ونزع ثيابه ونزل البحيرة وهو يسبح في الماء وغسل مثل ما غسلن ، وأخذوا في اللهو سوياً وفعل المعاصي والفحشاء و..


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:25 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت دنيازاد لأختها شهرزاد : يا أختي أتمي لنا حديثك .
قالت : حباً وكرامة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنهن لم يزلن يتضاحكن ويتلاعبن حتى استلقين على ظهورهن ثم عادوا إلى منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم فقلن للحمال :
توجه وأرنا عرض أكتافك .
فقال الحمال : والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن ، دعونا نصل الليل بالنهار وكل منا يروح في حال سبيله .
فقالت الدلالة : بحياتي عندكن تدعنه ينام عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف .
فقلن له : تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت الحكم ومهما رأيته لا تسأل عنه ولا عن سببه .
فقال : نعم .
فقلن : قم واقرأ ما على الباب مكتوباً .
فقام إلى الباب فوجد مكتوباً عليه بماء الذهب : لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك .
فقال الحمال : اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني .
ثم قامت الدلالة وجهزت لهم مأكولاً ثم أوقدوا الشمع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم سمعوا دق الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت وقالت :
كمل صفاؤنا في هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من أعجب الاتفاق ، وهم ناس غرباء قد حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة ، فإن دخلوا نضحك عليهم .
ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا :
لها دعيهم يدخلون واشترطي عليهم أن لا يتكلموا في ما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم .
ففرحت وزاحت ثم عادت ومعها الثلاثة العور ذقونهم محلوقة وشواربهم مبرومة ممشوقة وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه ظنوا أنه منهم وقالوا :
هو صعلوك مثلنا يؤانسنا .
فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم : اقعدوا بلا فضول أما قرأتم ما على الباب .
فضحك البنات وقلن لبعضهن : إننا نضحك على الصعاليك والحمال .
ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون والبوابة تسقيهم .
ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك : يا إخواننا هل معكم حكاية أو نادرة تسلوننا بها .
فدبت فيهم الحرارة وطلبوا آلات اللهو فأحضرت لهم البوابة دف موصلياً وعوداً عراقياً وجنكاً عجمياً فقام الصعاليك واقفين وأخذ واحد منهم الدف ، وأخذ واحد العود ، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت عال . فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب ، فقامت البوابة لتنظر من بالباب وكان السبب في دق الباب أن في تلك الليلة نزل هارون الرشيد لينظر ويسمع ما يتجدد من الأخبار هو وجعفر وزيره وسياف نقمته ، وكان من عادته أن يتنكر في صفة التجار .
فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك الدار فسمعوا آلات الملاهي فقال الوزير جعفر :
هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم ونخشى أن يصيبنا منهم شر .
فقال هارون الرشيد : لابد من دخولنا وأريد أن نتحايل حتى ندخل عليهم .
فقال جعفر : سمعاً وطاعة .
ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب ، فقال لها :
يا سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن نازلون في خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم لنا طعاماً فأكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة ، ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب .
فنظرت البوابة إليهم فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا لها : أدخليهم .
فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا : ندخل بإذنك .
قالت : ادخلوا .
فدخل الخليفة وجعفر ومسرور فلما أتتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن :
مرحباً وأهلاً وسهلاً بضيوفنا ، ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا ما لا يرضيكم .
قالوا : نعم .
وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة إلى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عور العين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى البنات وما هم فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب ، واستمر في المنادمة والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال :
أنا حاج وانعزل عنهم .
فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها بمطية من الصيني وسكبت فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة وقال في نفسه :
لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير .
ثم اشتغلوا بمنادمتهم ، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم ، ثم أخذت بيد الدلالة وقالت :
يا أختي قومي بمقتضى ديننا .
فقالت لها : نعم .
فعند ذلك قامت البوابة وأطلعت الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت وسط القاعة ونادين الحمال وقلن له :
ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من أهل الدار .
فقام الحمال وشد أوسطه وقال : ما تردن فلن تقف مكانك .
ثم قامت الدلالة وقالت للحمال : ساعدني .
فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن معصميها وأخذت سوطاً وقالت للحمال :
قوم كلبه منهما .
فجرها في الجنزير وقدمها والكلبة تبكي وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب على رأسها والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال :
ردها وهات التالية .
فجاء بها وفعلت بها مثل ما فعلت بالأولى .
فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها ، فقال له بالإشارة اسكت ، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها :
قومي لقضاء ما عليك .
قالت : نعم .
ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة وقالت للبوابة والدلالة :
ائتيا بما عندكما .
فأما البوابة فإنها صعدت على سرير بجانبها وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعاً وأخرجت منه كيساً من الأطلس بأهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت الكيس وأخرجت منه عوداً وأصلحت أوتاره وأنشدت هذه الأبيات :
ردوا على جفني النوم الذي سلـبـا ........ وخبروني بعـقـلـي آية ذهـبـا
علمت لما رضيت الحب مـنـزلة ........ إن المنام على جفني قد غصـبـا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما ........ أغواك قلت اطلبوا من لحظة السببا
إني له عن دمي المسفوك معتـذر ........ أقول حملته في سفكـه تـعـبـا
ألقى بمرآة فكري شمس صورته ........ فعكسها شب في أحشائي اللهبـا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد ........ أجرى بقيته في ثغـره شـنـبـا
ماذا ترى في محب ما ذكرت لـه ........ إلا شكى أو بكى أو حن أو أطربا
يرى خيالك في المـاء الـذلال إذا ........ رام الشراب فيروى وهو ما شربا
وأنشدت أيضاً :
سكرت من لحظه لا من مدامته ........ ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف سلتني بل سوالفـه ........ وما الشمل شلتني بل شمائلـه
فلما سمعت الصبية ذلك ، قالت :
طيبك الله .
ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض مغشياً عليها ، فلما انكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت إليها بحلة وألبستها إياها ، فقال الخليفة لجعفر :
أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر الضرب ، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين .
فقال جعفر : يا مولانا قد شرطوا علينا شرطاً وهو أن لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا .
ثم قامت الدلالة فأخذت العود وأسندته إلى نهدها ، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول :
إن شكونا الهوى فمـاذا تـقـول ........ أو تلفنا شوقاً فماذا الـسـبـيل
أو بعثنا رسلاً نتـرجـم عـنـا ........ ما يؤدي شكوى المحب رسـول
أو صبرنا فما لنـا مـن بـقـاء ........ بعد فقد الأحـبـاب إلا قـلـيل
ليس إلا تـأسـفـاً ثـم حـزنـاً ........ ودموعاً على الخـدود تـسـيل
أيها الغائبون عن لمـح عـينـي ........ وعم في الفؤاد منـي حـلـول
هل حفظتم لدى الهوى عهد صب ........ ليس عنه مدى الزمـان يحـول
أم نسيتم على التبـاعـد صـبا ........ شفه فبكم الضنى والـنـحـول
وإذا الحشر ضمنـا أتـمـنـى ........ من لدن وبنا حسـابـاً يطـول
فلما سمعت المرأة الثانية شعر الدلالة شقت ثيابها كما فعلت الأولى ، وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها ، فقامت الدلالة وألبستها حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة :
غني لي لا في ديني فما بقي غير هذا الصوت .
فأصلحت الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات :
فإلى متى هذا الصدود وذا الجفـا ........ فلقد جوى من أدمعي ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي معتـمـداً ........ إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
لو أنصف الدهر الخؤون لعاشـق ........ ما كان يوم العواذل منـصـفـا
فلمن أبوح بصبوتي يا قـاتـلـي ........ يا خيبة الشاكي إذا فقـد الـوفـا
ويزيد وجدي في هواك تلـهـفـاً ........ فمتى وعدت ولا رأيتك مخلـفـا
يا مسلمون خذوا بـنـار مـتـيم ........ ألف الشهادة لديه طرف ما غفـا
أيحل في شرع الغرام تـذلـلـي ........ ويكون غيري بالوصال مشرفـا
ولقد كلفت بحبـكـم مـتـلـذذاً ........ وغدا عذولي في الهوى متكلفـا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع ، مثل من قبلها فقال الصعاليك :
ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان ، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب .
فالتفت الخليفة إليهم وقال لهم : لم ذلك .
قالوا : قد اشتغل سرنا بهذا الأمر .
فقال الخليفة : أما أنتم من هذا البيت .
قالوا : لا ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم .
فقال الحمال : والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه .
فقال الجميع : نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً واتفق الجميع على ذلك .
فقال جعفر : ما هذا رأي سديد دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا ، شرطاً فنوفي به ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله .
ثم إنه غمز الخليفة وقال : ما بقي غير ساعة ، وفي غد تحضرهن بين يديك ، فتسألهن عن قصتهن .
فأبى الخليفة وقال : لم يبق لي صبر عن خبرهن وقد كثر بينهن القيل والقال
ثم قالوا : ومن يسألهن .
فقال بعضهم : الحمال .
ثم قال لهم النساء : يا جماعة في أي شيء تتكلمون .
فقال الحمال لصاحبة البيت : يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به أن تخبرينا عن حال الكلبتين ، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين ، وتقبليهما وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام .
فقالت صاحبة المكان للجماعة : ما يقوله عنكم .
فقال الجميع : نعم .
إلا جعفر فإنه سكت .
فلما سمعت الصبية كلامهم قالت : والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا ، الأذية البالغة ، وتقدم لنا أننا شرطنا عليكم أن من تكلم فيما لا يعنيه ، سمع ما لا يرضيه أما كفا أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب لكم وإنما الذنب لمن أوصلكم إلينا .
ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث ضربات وقالت عجلوا .
وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بأيديهم سيوف مسلولة وقالت :
كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض .
ففعلوا وقالوا : أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم .
فقالت : أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم .
فقال الحمال : بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب الغير فإن الجميع أخطأوا ، ودخلوا في الذنب ، إلا أنا والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لأخربوها ، ثم أنشد يقول :
ما أحسن الغفران من قادر ........ لا سيما عن غير ذي ناصر
بحرمة الود الذي بـينـنـا ........ لا تقتلي الأول بـالآخـر
فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .



https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:26 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما ضحكت بعد غيظها ، أقبلت على الجماعة وقالت :
أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولولا أنتم أعزاء .
فقال الخليفة : ويلك يا جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا .
فقال جعفر : من بعض ما نستحق .
فقال له الخليفة : لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهم له وقت .
ثم أن الصبية أقبلت على الصعاليك ، وقالت لهم : هل أنتم أخوة ؟
فقالوا : لا والله ما نحن إلا فقراء الحجام .
فقالت لواحد منهم : هل أنت ولدت أعور ؟
فقال : لا والله وإنما جرى لي أمر غريب حيت تلفت عيني ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على أفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر .
فسألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم قالوا : أن كل منا من بلد وأن حديثنا عجيب وأمرنا غريب .
فالتفتت الصبية لهم ، وقالت : كل واحد منكم يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا ثم يملس على رأسه ويروح إلى حال سبيله .
فأول من تقدم الحمال ، فقال : يا سيدتي أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى وهذا حديثي والسلام .
فقالت له : ملس على رأسك وروح .
فقال : والله ما أروح حتى أسمع حديث رفقائي .
فتقدم الصعلوك الأول وقال لها : يا سيدتي ، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني أن والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً على مدينة أخرى واتفق أن أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي ، ثم مضت سنون وأعوام ، وأيام حتى كبرنا وكنت أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهر عديدة فزرته مرة فأكرمني غاية الإكرام وذبح لي الأغنام وروق لي المدام وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي :
يا ابن عمي إن لي عندك حاجة مهمة .
فاستوثق مني بالإيمان العظام ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً ، ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغاً عظيماً .
فالتفت إلي والمرأة خلفه ، وقال : خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة الفلانية .
ووصفها لي فعرفتها وقال : ادخل بها التربة وانتظرني هناك .
فلم يمكني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي حلفته فأخذت المرأة وسرت إلى أن دخلت التربة أنا وإياها فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم إنه أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط التربة ففكه ونقض أحجاره إلى ناحية التربة ، ثم حفر بالقدوم في الأرض ، حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود .
لم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها : دونك وما تختارين به .
فنزلت المرأة على ذلك السلم ، ثم التفت إلي وقال : يا ابن عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف وهذا الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا فتح جديد وتطيينه عتق لأن لي سنة كاملة ، وأنا أعمل فيه ، وما يعلم به إلا الله وهذه حاجتي عندك .
ثم قال لي : لا أوحش الله منك ، يا ابن عمي .
ثم نزل على السلم .
فلما غاب عني قمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما كان ثم رجعت إلى قصر عمي ، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت معه حيث لا ينفع الندم .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:27 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية :
ثم خرجت إلى المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم أهتد إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي من حيث لا أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً ، إلى الصباح فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي ، وندمت على سماعي منه وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة ، ولازمت التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً .
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن فلم أجد فرجاً دون أن سافرت ، ورجعت عليه ، فساعة وصولي إلى مدينة أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب إني ابن سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ، ولحقني منهم خوف زائد ، فقلت في نفسي يا ترى أجرى على والدي وصرت أسأل الذين كنفوني عن سبب ذلك فلم يردوا علي جواباً .
ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي ، إن أباك قد غدر به الزمان وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك ، فأخذوني وأنا غائب عن الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما تمثلت بين يدي الوزير الذي قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة وسبب تلك العداوة أني كنت مولعاً بضرب البندقية فاتفق أني كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك ، فأردت أن أضرب الطير وإذا بالبندقية أخطأت عين الوزير ، فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر :
دع الأقدار تفعل ما تـشـاء ........ وطب نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء ........ فإن الشيء ليس له بـقـاء
وكما قال الآخر :
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا ........ ومن كتب عليه خطاً مشاهـا
ومن كانت منـيتـه بـأرض ........ فليس يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك : فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي كان ملك المدينة فهذا سبب العداوة التي بيني وبينه فلما وقفت قدامه ، وأنا مكتف أمر فضرب عنقي فقلت :
أتقتلني بغير ذنب ؟
فقال : أي ذنب أعظم من هذا ؟
وأشار إلى عينه المتلفة ، فقلت له : فعلت ذلك خطأ .
فقال : إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمداً .
ثم قال : قدموه بين يدي .
فقدموني بين يديه ، فمد إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت من ذلك الوقت أعور كما تروني ، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف :
تسلم هذا وأشهر حسامك ، وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه للوحوش تأكله .
فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة ، وأخرجني من الصندوق وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني فبكيت وأنشدت هذه الأبيات :
جعلتكموا درعاً حصيناً لتمنعوا ........ سهام العدا عني فكنتم نصالها
وكنت أرجي عند كل مـلـمة ........ تخص يميني أن تكون شمالها
دعوا قصة العذال عني بمعزل ........ وخلوا العدا ترمي إلي نبالهـا
إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا ........ فكونوا سكوتاً لا عليها ولا لها
وأنشدت أيضاً هذه الأبيات :
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً ........ فكانوها ولكن لـلأعـادي
رحلتهم سهامـاً صـائبـات ........ فكانوا ولكن فـي فـؤادي
وقالوا قد سعينا كل سـعـي ........ لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري وكان سياف أبي ولي عليه إحسان ، قال :
يا سيدي كيف أفعل وأنا عبد مأمور .
ثم قال لي : فر بعمرك ولا تعد إلى هذه المدينة فتهلك وتهلكني معك كما قال الشاعر :
ونفسك فر بها إن خفت ضيماً ........ وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واحد أرضـاً بـأرض ........ ونفسك لم تجد نفساً سواهـا
عجبت لمن يعيش بـدار ذل ........ وأرض الله واسعة فـلاهـا
وما غلظت رقاب الأسد حتى ........ بأنفسها تولت ما عـنـاهـا
فلما قال ذلك قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي من القتل ، وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي ، وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال :
لقد زدتني هماً على همي وغماً على غمي ، فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى له ولم يخبرني أحد بخبره .
وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال :
يا ولدي قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولأبيك ، غماً على غمي ، ولكن يا ولدي بعينك ولا بروحك .
ثم إنه لم يمكني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه ، وقال :
أرني التربة .
فقلت : والله يا عمي لم أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها .
ثم ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة ، ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة ، فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان طلع علينا فغشي أبصارنا ، فقال عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم مشينا وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صار فحماً أسود وهما متعانقان كأنهما ألقيا في جب نار ، فلما نظر عمي بصق في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:28 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية والجماعة والخليفة وجعفر يستمعون الكلام ، ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد كالفحم الأسود فتعجبت من ضربه وحزنت على ابن عمي حيث صار هو والصبية فحماً أسود ثم قلت :
بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك ، فقد اشتغل سري وخاطري بما قد جرى لولدك وكيف صار هو والصبية فحماً أسود ما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال .
فقال : يا ابن أخي إن ولدي هذا كان من صغره مولعاً بحب أخته وكنت أنهاه عنها وأقول في نفسي إنهما صغيران فلما كبر أوقع بينهما القبيح وسمعت بذلك ولم أصدق ولكن زجرته زجراً بليغاً وقلت له أحذر من هذه الفعال القبيحة التي لم يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك وإلا نبقى بين الملوك بالعار والنقصان إلى الممات وتشيع أخبارنا مع الركبان وإياك أن تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك وأقتلك ثم حجبته عنها وحجبتها عنه وكانت الخبيثة تحبه محبة عظيمة وقد تمكن الشيطان منها .
فلما رآني حجبته فعل هذا المكان الذي تحت الأرض الخفية . ونقل فيه المأكول كما تراه واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى إلى هذا المكان فغار عليه وعليها الحق سبحانه وتعالى وأحرقهما ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
ثم بكى وبكيت معه وقال لي : أنت ولدي عوضاً عنه .
ثم أني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي وأخذ مكانه وتلف عيني ، وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة .
فبكيت ثم أننا صعدنا ورددنا الطابق والتراب ، وعملنا القبر كما كان ، ثم رجعنا إلى منزلنا فلم يستقر بيننا جلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت الأبطال وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف الخبر فسأل الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العسكر والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة وأهل المدينة لم يكن لهم طاقة بهم فسلموا إليه فقلت في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني .
وتراكمت الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف العمل فإن ظهرت عرفني أهل المدينة ، وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة وقصدت هذه المدينة والسلام لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين حتى أحكي له قصتي ، وما جرى لي فوصلت إلى هذه المدينة في هذه الليلة ، فوقفت حائراً ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقف .
فسلمت عليه وقلت له : أنا غريب أيضاً ، فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا وسلم علينا ، وقال : أنا غريب ، فقلنا له : ونحن غريبان فمشينا وقد هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم ، وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني .
فقالت الصبية : ملس على رأسك وروح .
فقال لها : لا أروح حتى أسمع خبر غيري فتعجبوا من حديثه .
فقال الخليفة لجعفر : والله أنا ما رأيت مثل الذي جرى لهذا الصعلوك .
ثم تقدم الصعلوك الثاني وقبل الأرض وقال :
يا سيدتي أنا ما ولدت أعور ، وإنما لي حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر ، فأنا ملك ابن ملك وقرأت القرآن على سبع روايات وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت علم النجوم وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني فعظم حظي عند سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر الملوك .
فسمع بي ملك الهند فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا وتحفاً تصلح للملوك فجهزني أبي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى البر وأخرجنا حبالاً كانت معنا في المركب وحملنا عشرة جمال هدايا ومشينا قليلاً وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارساً وهم ليوث وعوانس فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق فلما رأونا ونحن نفر قليل ومعنا عشرة أجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين أيديهم نحونا .
فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم : نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا تؤذونا .
فقالوا : نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه .
ثم إنهم قتلوا بعض الغلمان وهرب الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلت عنا العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب ، وكنت عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع النهار ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع بورده .
ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت حالتي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي وباسطني عن سبب غربتي فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى آخره ، فاغتم لأجلي وقال :
يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك المدينة لأنه أكبر أعداء أبيك وله عنده ثأر .
ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي وتحادثت معه في الليل وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء ، فأقمت عنده ثلاثة أيام ، ثم قال لي :
أما تعرف صنعة تكسب بها ؟
فقلت له : إني فقيه طالب علم كاتب حاسب .
فقال : إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة غير المال .
فقلت : والله لا أدري شيئاً غير الذي ذكرته لك .
فقال : شد وسطك وخذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك .
ثم اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم علي ، فخرجت معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار فأكلت ببعضه وأبقيت بعضه ، ودمت على هذا الحال مدة سنة .
ثم بعد السنة ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها ، فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة ، وأتيت شجرة وحفرت حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب وإذا هي في طابق من خشب فكشفته فبان تحت سلم فنزلت إلى أسفل السلم فرأيت باباً فدخلته فرأيت قصراً محكم البنيان فوجدت فيه صبية كالدرة السنية تنفي إلى القلب كل هم وغم وبلية .
فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال فنظرت علي وقالت لي :
أنت أنسي أم جني ؟
فقلت لها : إنسي .
فقالت : ومن أوصلك إلى هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة ، ما رأيت فيه إنسياً أبداً .
فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها : يا سيدتي أوصلني الله إلى منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر .
فصعب عليها حالي وبكت وقالت : أنا الأخرى أعلمك بقصتي فاعلم أني بنت ملك أقصى الهند صاحب جزيرة الآبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجوس بن إبليس فطار بي إلى هذا المكان ونقل فيه كل ما أحتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب ، في كل عشرة أيام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني إذا عرضت لي حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على القبة فما ارفع يدي حتى أراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم أربعة أيام وبقي له ستة أيام حتى يأتي فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام ، ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم .
فقلت : نعم .
ففرحت ثم نهضت على أقدامها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر وانتهت بي إلى حمام لطيف ظريف فلما رأيته خلعت ثيابي وخلعت ثيابها ، ودخلت فجلست على مرتبة وأجلستني معها وأتت بسكر ممسك وسقتني ، ثم قدمت لي مأكولاً وتحادثنا ثم قالت لي :
نم واسترح فإنك تعبان .
فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي ، وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا نتحادث ساعة ، ثم قالت :
والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إلي ثم أنشدت :
لو علمنا مجيئكم لفـرشـنـا ........ مهجة القلب أو سواد العيون
وفرشنا خدودنا والتـقـينـا ........ لكون المسير فوق الجفـون
فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي ، وذهب عني همي وغمي ، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل ، فبت معها ليلة ما رأيت مثلها في عمري وأصبحنا مسرورين فقلت لها :
هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني .
فضحكت وقالت : اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك .
فقلت وقد غلب علي الغرام : فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما سمعت كلامي أنشدت :
يا طالباً للفراق مـهـلاً ........ بحيلة قد كفى اشتـياق
اصبر فطبع الزمان غدر ........ وآخر الصحبة الفـراق
فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:29 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية :
يا سيدتي لما رفست القبة رفساً قويا ً، قالت لي المرأة :
أن العفريت قد وصل إلينا أما حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه .
فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي ، فلما طلعت درجتين التفت لأنظرهما فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ومنظر شنيع ، وقال :
ما هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما مصيبتك .
فقالت : ما أصابني شيء غير أن صدري ضاق ، فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت على القبة .
فقال لها العفريت : يا فاجرة .
ونظر في القصر يميناً وشمالاً فرأى النعل والفأس فقال لها : ما هذه إلا متاع الإنس من جاء إليك .
فقالت : ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك .
فقال العفريت : هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة .
ثم أنه أعراها ، وصلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي لها معه خمسة وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً ، فقلت هذا البيت :
إذا ما أتاك الدهر يوماً بنـكـبة ........ فيوم ترى يسراً ويوم ترى عسرا
ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته من أجلي على مقالي النار وهو لي في الانتظار فقال لي :
بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره فالحمد لله على سلامتك .
فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي ، وجعلت أتفكر فيما جرى لي وألوم نفسي على رفسي هذه القبة وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي :
في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين وقال لهم أني خرجت وقت آذان المؤذن ، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم أعلم لمن هما فدلوني على صاحبها ، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه واشكره وخذ فأسك ونعلك .
فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا بأرض محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها :
إن كنت جرجريس من ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل .
ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في الأرض وأنا لا أعلم بنفسي ، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية عارية والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع .
فأخذها العفريت وقال لها : يا عاهرة هذا عشيقك .
فنظرت إلي وقالت له : لا أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة .
فقال لها العفريت : أهذه العقوبة ولم تقري .
فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه .
فقال لها العفريت : إن كنت لا تعرفينه ، فخذي هذا السيف واضربي عنقه .
فأخذت السيف وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي فنهضت وغمرتني وقالت :
أنت الذي فعلت هذا كله .
فأشرت لها أن هذا وقت العفو ولسان حالي يقول :
يترجم طرفي عن لساني لتعلمـوا ........ ويبدو لكم ما كان في صدري يكتم
ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم ........ خرست وطرفي بالهوى يتكـلـم
تشير لنا عما تقول بـطـرفـهـا ........ وأرمي إليها بالبنان فـتـفـهـم
حواجبنا تقضي الحوائج بـينـنـا ........ فنحن سكوت والهوى يتـكـلـم
فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها ، فناولني العفريت السيف وقال لي :
اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك .
فقلت : نعم .
وأخذت السيف وتقدمت نشاط ورفعت يدي ، فقالت لي بحاجبها :
أنا ما قصرت في حقك .
فهملت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي ، وقلت :
أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد ، إذا كانت امرأة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري ، فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من الموت كأس الردى .
فقال العفريت : أنتما بينكما مودة .
أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها ، ثم ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي بعينيها فرآها العفريت فقال لها :
وقد زنيت بعينك .
ثم ضربها فقطع رأسها ، والتفت إلي وقال :
يا آنسي نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها ، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها ، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي . فلما تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها ، ولكن لا بد أني إما اخليك في عافية فتمن علي أي ضرر .
فرحت يا سيدتي غاية الفرح وطمعت في العفريت وقلت له : وما أتمناه عليك .
قال : تمن علي أي صورة اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد .
فقلت له وقد طمعت أنه يعفو عني : والله إن عفوت عني يعفو الله عنك ، بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذيك .
وتضرعت إليه غاية التضرع ، وبقيت بين يديه ، وقلت له : أنا رجل مظلوم .
فقال لي : لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك فلا تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه .
ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا حتى كأنها قصعة ماء ، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه وتكلم وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد .
فمنذ ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه الصورة القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وعلمت أن الزمان ليس لأحد وانحدرت من أعلى الجبل إلى أسفله وسافرت مدة شهر ، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح ، فوقفت ساعة وإذا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر ، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر وسرت إلى أن أتيت وسط المركب .
فقال واحد منهم : أخرجوا هذا المشؤوم من المركب ، وقال واحد منهم : نقتله ، وقال آخر : اقتله بهذا السيف .
فأمسكت طرف السيف وبكيت ، وسالت دموعي فحن علي الريس وقال لهم :
يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في جواري فلا أحد يعرض له ولا يشوش عليه .
ثم أن الريس صار يحسن إلي ومهما تكلم به أفهمه وأقضي حوائجه وأخدمه في المركب .
وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوماً فرسينا على مدينة عظيمة ، وفيها عالم كثير لا يحصى عددهم إلا الله تعالى فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنوا التجار بالسلامة ، وقالوا :
إن ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه سطرا .
فقمت وأنا في صورة القرد وخطفت الدرج من أيديهم ، فخافوا أني أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس :
دعوه يكتب فإن لخبط الكتابة طردناه عنا وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم منه .
ثم أخذ القلم واستمديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر :
لقد كتب الدهر فضل الكرام ........ وفضلك للآن لايحـسـب
فلا أيتم الله منـك الـورى ........ لأنك للفضل نـعـم الأب
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين :
وما من كاتب إلاسيفـنـى ........ ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء ........ يسرك في القيامة أن تراه
وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين :
إذا فتحت دواة العز والـنـعـم ........ فاجعل مدادك من جود ومن كرم
واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً ........ بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك ، فلما تأمل الملك ما في ذلك الدرج لم يعجبه خط أحد إلا خطي ، فقال لأصحابه :
توجهوا إلى صاحب هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين يدي .
فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال :
كيف آمركم بأمر فتضحكون علي .
فقالوا : أيها الملك ما نضحك على كلامك ، بل الذي كتب هذا الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع ريس المركب .
فتعجب الملك من كلامهم واهتز من الطرب ، وقال : أريد أن أشتري هذا القرد .
ثم بعث رسلاً إلى المركب ومعهم البغلة والحلة وقال :
لابد أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا به .
فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني الحلة فاندهش الخلائق وصاروا يتفرجون علي ، فلما طلعوا بي للملك ورأيته قبلت الأرض ثلاث مرات فأمرني بالجلوس ، فجلست على ركبتي ، فتعجب الحاضرون من أدبي وكان الملك أكثرهم تعجباً ثم أن الملك أمر الخلق بالإنصراف فانصرفوا ، ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا ، ثم أمر الملك بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار إلي الملك أن كل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات وجلست آكل معه وقد ارتفعت السفرة وذهبت فغسلت يدي وأخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين :
أتاجر الضأن ترياق من العلـل ........ وأصحن الحلو فيها منتهى أملي
يا لهف قلبي على مد السماط إذا ........ ماجت كنافته بالسمن والعسـل
ثم قمت وجلست بعيداً أنتظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال :
هذا يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب .
ثم قدم للملك شطرنج ، فقال لي الملك : أتلعب ؟
قلت برأسي : نعم .
فتقدمت وصففت الشطرنج ولعبت معه مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال :
لو كان هذا آدميا لفاق أهل زمانه .
ثم قال لخادمه : إذهب إلى سيدتك وقل لها : كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب .
فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك ، فلما نظرت إلي غطت وجهها ، وقالت :
يا أبي كيف طاب على خاطرك أن ترسل إلي فيراني الرجال الأجانب .
فقال : يا بنتي ما عندك سوى المملوك الصغير والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن تغطين وجهك .
فقالت : إن هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار ، صاحب جزائر الأبنوس الداخلة وهو مسحور وسحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس ، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس وهذا الذي تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل . فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي وقال : أحق ما تقول عنك .
فقلت برأسي : نعم .
وبكيت فقال الملك : لبنته من أين عرفت أنه مسحور ؟
فقالت : يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر ، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه ، أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكا في وسطه . فقال أبوها : بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب ، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله وزيري لأنه شاب ظريف لبيب .
فقالت له : حباً وكرامة .
ثم أخذت بيدها سكينا ، وعملت دائرة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:30 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية :
يا سيدتي ، ثم أن بنت الملك أخذت بيدها سكيناً مكتوباً عليها أسماء عبرانية ، وخطت بها دائرة في وسط وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما ، لا يفهم ، فبعد ساعة أظلمت علينا جهات القصر ، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة بأيد كالمداري ورجلين كالصواري وعينين كمشعلين يوقدان ناراً ، ففزعنا منه . فقالت بنت الملك :
لا أهلاً بك ولا سهلاً .
فقال العفريت وهو في صورة أسد : يا خائنة كيف خنت اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر .
فقالت له : يا لعين ومن أين لك يمين .
فقال العفريت : خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح فاه وهجم على الصبية .
فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها ، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفاً ماضياً وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين ، فصارت رأسه عقرباً ، وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب ، فتقاتلا قتالاً شديداً ، ثم انقلب العقرب عقاباً فانقلبت الحية نسراً وصارت وراء العقاب واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطاً أسود ، فانقلبت الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة زمانية وتقاتلا قتالاً شديداً فرأى القط نفسه مغلوباً فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك الرمانة في بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر المقدر ، دارت حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول ، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن القصر قد انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء فانقلب الديك حماراً كبيراً ونزل خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا صراخا عالياً فارتجفنا .
وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه ناراً ومن عينيه ومنخريه ناراً ودخاناً وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفاً على أنفسنا من الحريق فما شعرنا إلا العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الديوان ونفخ في وجوهنا بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضاً فأصابنا الشرر منها ومنه ، فأما شررها فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني فأتلفتها وأنا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه ووقفت أسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجائنا من الحياة .
فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول : الله أكبر الله أكبر قد فتح ربي ونصر وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر .
وإذا بالقائل بنت الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد ، ثم جاءت الصبية وقالت إلحقوني بطاسة ماء فجاؤوا بها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت :
أخلص بحق الحق وبحق إسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى .
فصرت بشراً كما كنت أولاً ولكن تلفت عيني . فقالت الصبية :
النار يا والدي .
ثم أنها لم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .
ثم نظرنا إليها فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رماداً ولكن حكم الله لا يرد . فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما جرى لإبنته مع العفريت فعظمت مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة أيام .
ثم إن الملك أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع والقناديل وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض السلطان مرضاً أشرف منه على الموت واستمر مرضه شهراً وعادت إليه العافية فطلبني وقال لي :
يا فتى قد قضينا زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئنا فأقبلت علينا الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي لسببها صرنا في حالة العدم ، فأولاً عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانياً جرى لي من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها ، فاخرج يا ولدي من بلدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك ، فاخرج بسلام .
فخرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه ، وخطر على قلبي ما جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالماً منهم ومشيت شهراً وتذكرت دخولي في المدينة واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعد أن كان عازماً على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدأ إلى المنتهى فحمدت الله وقلت :
بعيني ولا بروحي .
ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل يوم أبكي وأتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني ، وكلما أتذكر ما جرى لي أبكي وأنشد هذه الأبيات :
تحيرت والرحمن لاشك في أمري ........ وحلت بي الأحزان من حيث لا أدري
سأصبر حتى يعلم الصـبر أنـني ........ صبرت على شيء أمر من الصبـر
وما أحسن الصبر الجميل مع التقى ........ وما قدر المولى على خلقه يجـري
سرائر سري ترجمـان سـريرتي ........ إذا مات سر السر سرك في سـري
ولو أن ما بي بالجبـال لـهدمت ........ وبالنار أطفأهـا والـريح لـم يسـر
ومن قال أن الـدهر فـيه حلاوة ........ فلا بد من يوم أمـر مـن الـمـر
ثم سافرت الأقطار ووردت الأمصار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل إلى أمير المؤمنين وأخبره بما جرى ، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول واقفاً متحيراً فقلت : السلام عليك وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل علينا وقال : السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا : ونحن غريبان وقد وصلنا هذه الليلة المباركة .
فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد فساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني .
فقالت له : إن كانت حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال سبيلك .
فقال : لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي .
فتقدم الصعلوك الثالث وقال :
أيتها السيدة الجليلة ما قصتي مثل قصتهما بل قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي وذلك أني كنت ملكاً ابن ملك ، ومات والدي وأخذت الملك من بعده وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر وكانت مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال . فأردت أن أتفرج على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت عشرين يوماً .
ففي ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح الفجر فهدأ الريح وسكن البحر حتى أشرقت الشمس ، ثم أننا أشرفنا على جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله فأكلنا ثم أقمنا يومين وسافرنا عشرين يوماً فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس البحر فقلنا للناطور :
انظر البحر بتأمل .
فطلع على الصاري ثم نزل الناطور وقال للريس : رأيت عن يميني سمكاً على وجه الماء ونظرت إلى وسط البحر فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض .
فلما سمع الريس كلام الناطور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس :
ابشروا بهلاكنا جميعاً ولا يسلم منا أحد .
وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على أنفسنا فقلت :
أيها الريس أخبرنا بما رأى الناطور .
فقال : يا سيدي أعلم أننا تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم يهدأ الريح إلا بكرة النهار ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد عشر يوماً من تلك الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس وتجرنا المياه غصباً إلى جهته ، فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لأن الله وضع حجر مغناطيس سراً وهو أن جميع الحديد يذهب إليه وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه إلا الله تعالى حتى أنه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك الجبل ويلي ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معمودة على عشرة أعمدة وفوق القبة فارس على فرس من نحاس وفي يد ذلك الفارس رمح من النحاس ومعلق في صدر الفارس لوح من رصاص منقوش عليه أسماء وطلاسم فيها أيها الملك ما دام هذا الفارس راكباً على هذه الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعاً ويلتصق جميع الحديد الذي في المركب بالجبل وما الخلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس .
ثم إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع صاحبه . فلما جاء الصباح قربنا من تلك الجبل وساقتنا المياه إليه غصباً ، فلما صارت المياه تحته انفتحت وفرت المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله في آخر النهار وتمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن أكثرنا غرق والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الأرياح أدهشتهم .
وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي وبلوتي ، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والموج إلى جبل فأصبت طريقاً متطرفاً إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت الله تعالى .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:31 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثالث قال للصبية والجماعة مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم :
ثم أني سميت الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت سالماً على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكراً لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة ، فسمعت قائلاً يقول :
يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك ، فاحفر تحت رجليك قوساً من نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشاً عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس ، وادفنه في موضعه ، فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل ، ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء إليك وفي يده مجذاف ، فاركب معه ولا تسم الله تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا غنما يتم لك إن لم تسم الله .
ثم استيقظت من نومي ، وقمت بنشاط وقصدت الماء ، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصاً من النحاس صدره لوح من الرصاص ، منقوش بأسماء وطلاسم ، فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى جزائر السلامة ففرحت فرحاً عظيماً ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة ، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق البر ، فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض وبت .
فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة ، والبحر محيط بها ، فقلت في نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا متفكر في أمري أتمنى الموت إذ نظرت مركباً فيها ناس ، فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه ، ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب .
ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم ، شيخ كبير هرم قد عمر زمناً طويلاً وأضعفه الدهر ، حتى صار فانياً ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس حلة الكمال حتى أنه يضرب بحسنه الأمثال وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق ونزلوا فيه ، وغابوا عن عيني . فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم ، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره فوجدت شيئاً نظيفاً ووجدت بستاناً وثانياً إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر . ورأيت بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان ، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرساً مسرجاً ملجماً مربوطاً ففككته وركبته فطار بي إلى حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا :
لا مرحبا بك .
فقلت لهم : أتقبلوني أجلس عندكم .
فقالوا : والله لا تجلس عندنا .
فخرجت من عندهم حزين القلب باكي العين ، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحلقت ذقني وصرت صعلوكاً فوجدت هذين الإثنين العورين فسلمت عليهما وقلت لهما : أنا غريب ، فقالا : ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني ، وحلق ذقني .
فقالت له : أمسح على رأسك وروح .
فقال : لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء .
ثم أن الصبية التفتت إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم : أخبروني بخبركم .
فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت :
وهبت بعضكم لبعض .
فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك :
يا جماعة إلى أين تذهبون ؟
فقالوا : ما ندري أين نذهب .
فقال لهم الخليفة : سيروا وبيتوا عندنا .
وقال لجعفر : خذهم وأحضرهم لي غداً ، حتى ننظر ما يكون .
فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة .
ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة ، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك ، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأسنار .
والتفت لهن جعفر وقال لهن :
قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد ، فلا تخبرنه إلا حقاً .
فلما سمع الصبايا كلام جعفر ، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت :
يا أمير المؤمنين أن لي حديثاً لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:32 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن كبيرة الصبايا ، لما تقدمت بين يدي أمير المؤمنين وقالت :
إن لي حديثاً عجيباً وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سناً فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من أزواجهما هيأ متجراً واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم ، وتركوني فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال ، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين .
فلما رأيتهما ذهلت عنهما ولم أعرفهما ثم إني لما عرفتهما ، قلت لهما :
ما هذا الحال ؟
فقالتا : يا أختاه إن الكلام لا يفيد الآن ، وقد جرى القلم بما حكم الله .
فأرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة وقلت لهما :
يا أختي أنتما الكبيرة وأنا الصغيرة وأنتم عوض عن أبي وأمي والإرث الذي ناسي معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء .
وأحسنت إليهما غاية الإحسان فمكثا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي :
أن الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه .
فقلت لهما : يا أختي لم تريا في الزواج خيراً فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد اخترتما الزواج .
فلم يقبلا كلامي ، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجهما وأخذ ما كان معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عاريتين واعتذرتا وقالتا :
لا تؤاخذينا ، فأنت أصغر منا سناً وأكمل عقلاً ، وما بقينا نذكر الزواج أبداً .
فقلت : مرحباً بكما يا أختي ما عندي أعز منكما .
وقبلتهما وزدتهما إكراماً ولم تزل على هذه الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركباً إلى البصرة ، فجهزت مركباً كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه في المركب وقلت :
يا أختي هل لكما أن تقعدوا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي .
فقالتا : نسافر معك فإنا لا نطيق فراقك .
فأخذتهما وسافرنا ، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئاً ينفعنا .
ولم نزل مسافرين أياماً وليالي ، فتاهت بنا المركب وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب بحراً غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة ، وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس :
ما إسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها ؟
فقال : والله لا أعلم ولا رأيتها قط ، ولا سلكت عمري هذا البحر ، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا .
وغاب ساعة ، ثم جاءنا وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطاً حجارة سوداء ، فاندهشنا من ذلك ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب ، وتفرقنا في شوارع المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش . وأما أنا فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالساً وعنده حجابه ونوابه ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك وجدته جالساً على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفاً حوله خمسون مملوكاً بين أنواع الحرير ، وفي أيديهم السيوف مجردة .
فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة الحريم ، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقوداً وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر أسود ووجدت باباً مفتوحاً فدخلته ووجدت فيه سلماً بسبع درج فصعدته ، فرأيت مكاناً مرخماً مفروشاً بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من المرمر مرصعاً بالدر والجواهر ونظرت نوراً لامعاً في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير ، وهي تضيء كالشمعة ، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يجعل الناظر يحير . فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعاً موقدة فقلت في نفسي : لابد أن أحداً أوقد هذه الشموع ، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعاً غيره وصرت أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال ، واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت شيئاً من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق .
فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحاً فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له :
أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي .
فتبسم وقال : أخبريني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألينه عنه .
فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك ، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة فقال :
أمهليني .
ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات :
رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه ........ قد المليح يمـيس فـي بـرديه
وأمـد زحـل ســواد ذوائب ........ والمسك هادي الخال في خديه
وغدت من المريخ حمرة خـده ........ والقوس يرمي النبل من جفنيه
وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه ........ وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه
فغدا المنجم حائراً مـمـا أرى ........ والأرض باس الأرض بين يديه
فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له :
يا مولاي أخبرني عما سألتك .
فقال سمعاً وطاعة .
أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخاً حجراً وأما الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوساً يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي السعادة ، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على دينه .
فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال : خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا وأحسني تربيته وقومي بخدمته .
فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي :
يا ولدي أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك .
فكتمته عنه ولم أزل على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم .
فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا منادياً ينادي بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول :
يا أهل المدينة أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار .
فحصل عند أهل المدينة فزع واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له :
ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه فاندهشنا من شدة هوله .
فقال لهم لا يهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن دينكم .
فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر لهم ثانياً فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع الفجر ، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري ، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني .
فعند ذلك قلت له : أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علماً وفقهاً وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان ، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سبباً في إطلاعنا على هذه الأمور وكان النصيب في إجتماعنا .
ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:33 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحس الشاب للتوجه معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما هي فيه من الفرح ، ثم قالت :
فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك .
فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي .
ثم نزلنا المركب وأنا بغاية الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي :
يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن ؟
فقلت لهما : قصدي أن اتخذه بعلاً .
ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت : يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئاً فلا تخالفني فيه .
فقال سمعاً وطاعة .
ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما : يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما .
فقالتا : نعم ما فعلت .
ولكنهما أضمرتا لي الشر ، ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت لنا أبنيتها ، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا والغلام ورمتانا في البحر ، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء . وأما أنا فكنت من السالمين ، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت طريقاً فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب .
فأخذتني الشفقة عليها فقعدت إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة ، فلما أفقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها :
من أنت وما شانك ؟
فقالت : ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت عدوي ، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه إلا أنت ، فلما نجيتيني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود ، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما ، وأما الشاب فإنه غرق .
ثم حمتلني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء ، ثم أن الحية قالت لي :
وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما .
فقلت : سمعاً وطاعة .
فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما .
فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية :
وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك ؟
فقالت : يا أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالاً كثيراً ، فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار ، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر :
عجوز النحس إبليس يراها ........ تعلمه الخديعة من سكوت
تقود من السياسة ألف بغل ........ إذا انفردوا بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت :
أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى .
ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت :
سمعاً وطاعة .
فقالت : جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك .
ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت :
يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك .
فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزاً مفروشاً بالبسط معلقاً فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقاً فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لي :
مرحباً وأهلاً وسهلاً يا أختي آنستيني وجبرت خاطري وأنشدت تقول :
لو تعلم الدار من زارها فرحـت ........ واستبشرت ثم باست موضع القدم
وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة ........ أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم
ثم جلست وقالت :
يا أختي أن لي أخاً وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني وقد أحبك قلبه حباً شديداً وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب .
فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية :
سمعاً وطاعة .
ففرحت وصفقت بيدها وفتحت باباً ، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر :
قد زاد حسناً تبارك الـلـه ........ جل الذي صاغـه وسـواه
قد حاز كل الجمال منفـرداً ........ كل الورى في جماله تهواه
قد كتب الحسن فوق وجنتيه ........ أشهد أن لا مليح سـواه
فلما نظرت إليه مال قلبي له ثم جاء وجلس وإذا بالقاضي قد دخل ومعه أربعة شهود فسلموا وجلسوا ، ثم أنهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت الشاب إلي وقال :
ليلتنا مباركة .
ثم قال : يا سيدتي أني شارط عليك شرطاً .
فقلت : يا سيدي وما الشرط ؟
فقام وأحضر لي مصحفاً وقال : احلفي لي أنك لا تختاري أحداً غيري ولا تميلي إليه .
فحلفت له على ذلك ففرح فرحاً شديداً وعانقني فأخذت محبته بمجامح قلبي وقدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل .
فأخذني ونام معي على الفراش وبتنا في عناق إلى الصباح ، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر ، ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر استأذنته في أن أسير إلى السوق وأشتري بعض قماش فأذن لي في الرواح ، فلبست ثيابي وأخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي :
هذا ولد صغير مات أبوه وخلف مالاً كثيراً .
ثم قالت له : هات أعز ما عندك من القماش لهذه الصبية .
فقال لها : سمعاً وطاعة .
فصارت العجوز تثني عليه فقلت : ما لنا حاجة بثنائك عليه لأن مرادنا أن نأخذ حاجتنا منه ونعود إلى منزلنا .
فأخرج لنا ما طلبناه وأعطيناه الدراهم فأبى أن يأخذ شيئاً وقال :
هذه ضيافتكما اليوم عندي .
فقلت للعجوز : إن لم يأخذ الدراهم أعطه قماشه .
فقال : والله لا آخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة واحدة فإنها عندي أحسن من ما في دكاني .
فقالت العجوز : ما الذي يفيدك من القبلة ؟
ثم قالت : يا بنتي قد سمعت ما قال هذا الشاب وما يصيبك شيء إن أخذ منك قبلة وتأخذين ما تطلبينه .
فقلت لها : أما تعرفين أني حالفة .
فقالت : دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء وتأخذين هذه الدراهم .
ولازالت تحسن لي الأمر حتى أدخلت رأسي في الجراب ورضيت بذلك ثم إني غطيت عيني وداريت بطرف إزاري من الناس وحط فمه تحت إزاري على خدي فما أن قبلني حتى عضني عضة قوية ، حتى قطع اللحم من خدي فغشي علي ثم آخذتني العجوز في حضنها .
فلما أفقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن ، وتقول :
ما دفع الله كان أعظم .
ثم قالت لي : قومي بنا إلى البيت وأعملي نفسك ضعيفة وأنا أجيء إليك بدواء تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعاً .
فبعد ساعة قمت من مكاني وأنا في غاية الفكر واشتداد الخوف ، فمشيت حتى وصلت إلى البيت وأظهرت حالة المرض وإذا بزوجي داخل وقال :
ما الذي أصابك يا سيدتي في هذا الخروج ؟
فقلت له : ما أنا طيبة .
فنظر إلي وقال لي : ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم ؟
فقلت : لما استأذنتك وخرجت في هذا النهار لأشتري القماش زاحمني جمل حامل حطباً فشرط نقابي وجرح خدي كما ترى فإن الطريق ضيق في هذه المدينة .
فقال : غداً أروح للحاكم وأشكوا له فيشنق كل حطاب في المدينة .
فقلت : بالله عليك لا تتحمل خطيئة أحد فإني ركبت حماراً نفر بي فوقعت على الأرض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني .
فقال : غدا أطلع لجعفر البرمكي وأحكي له الحكاية فيقتل كل حَمار في هذه المدينة .
فقلت : هل أنت تقتل الناس كلهم بسببي وهذا الذي جرى لي بقضاء الله وقدره .
فقال : لابد من ذلك .
وشدد علي ونهض قائماً وصاح صيحة عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي ورموني في وسط الدار ثم أمر عبداً منهم أن يمسكني من أكتافي ، ويجلس على رأسي وأمر الثاني أن يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال :
يا سيدي أضربها بالسيف فأقسمها نصفين وكل واحد يأخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فيأكلها السمك وهذا جزاء من يخون الإيمان المودة وأنشد هذا الشعر :
إذا كان لي فيمن أحب مـشـارك ........ منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي
وقلت لها يا نفس موتـي كـريهة ........ فلا خير في حب يكون مع الضـد
ثم قال للعبد : اضربها يا سعد .
فجرد السيف وقال : اذكري الشهادة وتذكري ما كان لك من الحوائج واوصي .
ثم رفعت رأسي ونظرت إلى حالي وكيف صرت في الذل بعد العز فجرت عبرتي وبكيت أنشدت هذه الأبيات :
أقمتم فؤادي في الهوى وقعدتـم ........ وأسهرتم جفني القريح ونمـتـم
ومنزلكم بين الفؤاد ونـاظـري ........ فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم
وعاهدتموني أن تقيموا على الوفا ........ فلما تملكتم فـؤادي غـدرتـم
ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفـي ........ أأنتم صروف الحادثات أمنـتـم
سألتكم بالله أن مت فاكتبـوا ........ على لوح قبري أن هذا متيم
لعل شجياً عارفاً لوعة الهوى ........ يمر على قبر المحب فيرحم
فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظاً على غيظه وأنشد هذين البيتين :
تركت حبيب القلب لاعن ملانة ........ ولكن جنى ذنباً يؤدي إلى الترك
إذا ارى شريكاً في المحبة بيننـا ........ وإيمان قلبي لا يميل إلى الشرك
فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته ، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على أقدام الشاب وقبلتها وقالت :
يا ولدي بحق تربيتي لك تعفو عن هذه الصبية فإنها ما فعلت ذنباً يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها .
ثم بكت العجوز ، ولم تزل تلح عليه حتى قال :
عفوت عنها ، ولكن لابد لي أن أعمل فيها أثراً يظهر عليها بقية عمرها .
ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب ، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقاً . ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني في بيتي ، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة بالمقارع ، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت ، ثم جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيماً ولم أعلم سبب ذلك فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي .
فقالت : من ذا الذي من نكبات الزمان سلم ، الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة .
ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه من المصالح على جري علاتها ، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين يديك وهذه حكايتنا .
فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في خزانته .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:35 AM
تكمله حكاية الحمال مع البنات

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى :
هل عندك خبر بالعفريتة التي سحرت أختيك .
قالت : يا أمير المؤمنين إنها أعطتني شيئاً من شعرها ، وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئاً فأحضر إليك عاجلاً ولو كنت خلف جبل قاف .
فقال الخليفة : أحضري لي الشعر .
فأحضرته الصبية فأخذه الخليفة ، وأحرق منه شيئاً فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر وسمعوا دوياً وصلصلة وإذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت :
السلام عليكم يا خليفة الله .
فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
فقالت : أعلم أن هذه الصبية صنعت معي جميلاً ولا أقدر أن أكافئها عليه فهي أنقذتني من الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني أنتقم منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها ، وإن أردت خلاصهما ، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من المسلمين .
فقال لها : خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة ، وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها .
فقالت العفريتة : يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك .
ثم إن العفريتة أخذت طاسة من الماء وعزمت عليها ، ورشت وجه الكلبتين ، وقالت لهما :
عودا إلى صورتكما الأولى البشرية .
فعادتا صبيتين سبحان خالقهما ، ثم قالت :
يا أمير المؤمنين أن الذي ضرب الصبية ، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها ، وحكت له العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال :
الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين على يدي .
ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك الثلاثة ، وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة كلبتين ، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكاً وعملهم حجاباً عنده وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد الصبية المضروبة لولده الأمين وأعطاها مالاً كثيراً وأمر أن تبنى الدار أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج بالدلالة ورقد في تلك الليلة معها .
فلما أصبح أفرد لها بيتاً وجواري يخدمنها ورتب لها راتباً ، وشيد لها قصراً ثم قال لجعفر ليلة من الليالي :
أني أريد أن ننزل في هذه الليلة إلى المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد عزلناه .
فقال جعفر ومسرور : نعم .
وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق ، فرأوا شيخاً كبيراً على رأسه شبكة وقفة وفي يده عصا وهو ماش على مهله ، ثم إن الخليفة تقدم إليه وقال له :
يا شيخ ما حرفتك ؟
قال : يا سيدي صياد وعندي عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي شيئاً أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت . فقال له الخليفة : هل لك أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل ما طلع اشتريته منك بمائة دينار .
ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال : على رأسي أرجع معكم .
ثم أن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر عليها ، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلاً فأعطى الصياد مائة دينار وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر وأوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص محيطة بصوت أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة .
فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده والتفت إلى جعفر وقال :
يا كلب الوزراء أتقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها وأقتله .
وقال لجعفر : وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن لم تأتيني بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمك .
واغتاظ الخليفة ، فقال جعفر : أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك .
ثم خرج جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه : من أعرف من قتل هذه الصبية حتى أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقاً بذمتي ولا أدري ما أصنع .
ثم إن جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له :
أين قاتل الصبية ؟
قال جعفر : يا أمير المؤمنين أنا لا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها .
فاغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر منادياً ينادي في شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه على باب قصر الخليفة ليخرج ليتفرج .
فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه وأوقفهم تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق يتباكون على جعفر وعلى أولاد عمه . فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي الأثواب يمشي بين الناس مسرعاً إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له :
سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء ، أنا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق ، فاقتلني فيها واقتص مني .
فلما سمع جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب .
فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال :
أيها الوزير لا تصدق كلام هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني .
فقال الشاب : أيها الوزير ، إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي قتلتها فاقتص مني .
فقال الشيخ : يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية إلا أنا ، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني .
فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال :
يا أمير المؤمنين قد حضر قاتل الصبية .
فقال الخليفة : أين هو ؟
فقال : إن هذا الشاب يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل . فنظر الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال : من منكما قتل هذه الصبية .
فقال الشاب : ما قتلتها إلا أنا .
وقال الشيخ : ما قتلها إلا أنا .
فقال الخليفة لجعفر : خذ الإثنين واصلبهما .
فقال جعفر : إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم .
فقال الشاب : وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه أمارة قتلها .
ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال :
وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني .
فقال الشاب : أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها شيئاً ، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضاً شديداً فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت :
إني أريد شيئاً قبل دخول الحمام لأني أشتهيه .
فقلت لها : وما هو ؟
فقالت : إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض منها عضة .
فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني خولي كبير فسألته عن التفاح فقال :
يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند خولي يدخره للخليفة .
فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي وسافرت يوماً ليلاً ونهاراً في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات إشتريتها من خولي البصرة بثلاثة دنانير ، ثم إني دخلت وناولتها إياها فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها ، ولم تزل في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي .
فبينما أنا جالس في وسط النهار وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له :
من أين هذه التفاحة حتى آخذ مثلها ؟
فضحك وقال : أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائباً وجئت فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة .
فلما سمعت كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت لها : أين التفاحة الثالثة ؟
فقالت : لا أدري ولا أعرف أين ذهبت .
فتحققت قول العبد وقمت وأخذت سكيناً وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي .
فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصاً لها فإني خائف من مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في أمه .
فقلت له : ما يبكيك ؟
فقال : إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي :
من أين جاءتك هذه ؟
فقلت له : هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة .
فلما سمعت كلام الولد علمت أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت ظلماً ثم إني بكيت بكاءً شديداً وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها ، فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني .
فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال :
والله لا أقتل إلا العبد الخبيث .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:36 AM
تكملة حكاية الحمال مع البنات
وبداية حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد لأن الشاب معذور ، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له :
أحضر لي هذا العبد الخبيث الذي كان سبباً في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضاً عنه .
فنزل يبكي ويقول : من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني ، والله ما بقيت أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء .
ثم أقام في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا برسول الخليفة أتى إليه وقال له :
أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم تحضر العبد .
فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده فلما فرغ من التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده جميعاً فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال لها :
ما الذي في جيبك ؟
فقالت له : يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين .
فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة فرح وقال : يا قريب الفرج .
ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر فقال له : من أين هذه التفاحة ؟
فقال : يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشياً فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها سيدتي الصغيرة بدينارين .
فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين :
ومن كانت دريته بعـبـد ........ فما للنفس تجعله فداهـا
فإنك واجد خدماً كـثـيراً ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها
ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيراً بين الناس فقال له جعفر :
لا تعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه .
فقال الخليفة : وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية ؟
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل . فقال : قد وهبت لك دمه .
فقال جعفر : أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخاً كبيراً وله ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين والصغير نور الدين وكان الصغير أميز من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله ، فأتفق أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الولدين وقربهما وخلع عليهما وقال لهما :
أنتما في مرتبة أبيكما .
ففرح وقبلا الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهراً كاملاً ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما ، فاتفق في ليلة من الليالي أن السلطان كان عازماً على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير .
فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة ، إذ قال الكبير :
يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة .
فقال الصغير : إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك . ثم أن الكبير قال لأخيه : إن قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم .
فقال نور الدين : يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك .
قال : آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح .
فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال : ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر ، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك .
فقال : ومالها ؟
قال : لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غالياً ، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن .
فقال له شمس الدين : أراك قد قصرت لأنك تعمل إبنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معيناً ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهباً .
فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال : وأنا لا أزوج إبني إبنتك .
فقال شمس الدين : أنا لا أرضاه لها بعلاً ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل الله ما يريد .
فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية .
فلما أصبح الصباح برز السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين ، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات :
سافر تجد عوضاً عمن تـفـارقه ........ وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
ما في المقام لـذي لب وذي أدب ........ معزة فاترك الأوطان واغـتـرب
إني رأيت وقوف الماء يفـسـده ........ فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب
والبدر أفول منـه مـا نـظـرت ........ إليه في كل حين عين مـرتـقـب
والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت ........ والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالتراب ملقى في أماكـنه ........ والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبه ........ وإن أقام فلا يعلـوا إلـى رتـب
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجاً مذهباً بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد :
قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر .
ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئاً قليلاً من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئاً وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئاً أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه ، ثم أنه بات في ذلك المكان .
فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافراً ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلاً ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك ، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه :
ائتني بهذا البواب .
فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخاً كبيراً ، فقال للبواب :
من صاحب هذه البغلة وما صفاته ؟
فقال البواب : يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار .
فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان ، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادماً عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده ، وقال له :
يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد ؟
فقال نور الدين : يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر ، وكان أبي وزيراً فيها وقد انتقل إلى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال : وعزمت على نفسي أن لا أعود أبداً حتى أنظر جميع المدن والبلدان .
فلما سمع الوزير كلامه قال له : يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك ، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان .
ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة ، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حباً شديداً وقال له :
يا ولدي أنا أصبحت رجلاً كبيراً ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتاً تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطاباً كثيرة وقد وقع حبك في قلبي ، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلاً ، فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه ، حتى أجعلك وزيراً مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلاً كبيراً .
فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال : سمعاً وطاعة .
ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاماً وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبيرة المعدة لحضور أكابر الأمراء ، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم :
أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون رزقني الله بنتا ، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر ، فلما جائني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي .
فقالوا : نعم ما قلت .
ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعطاه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه ، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده ، ورحب الوزير به وقال له ....

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 12:37 AM
تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له :
قم وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان ، وأرجوا لك من الله كل خير .
فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير .
هذا ما كان من أمر نور الدين .
وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر ، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم ، فقالوا له : من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته بعدة الموكب ، وقال :
أنا متوجه إلى جهة القيلوبية فأغيب يوماً أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني ، منكم أحد .
ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له خبراً .
فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غماً شديداً لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافراً فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلاداً بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه ، وقال :
لقد أغظته بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري .
ثم بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول شمس الدين ، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة الله تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر بنتاً لا يرى في مصر أحسن منها ، ووضعت زوجة نور الدين ولدا ذكراً لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر :
ومهفهف يغني النديم بـريقـه ........ عن كأسه الملأى وعن أبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقـهـا ........ من مقلتيه ووجنتـيه وريقـه
فسموه حسناً وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر :
هذا الذي عم الأنام بعدلـه ........ وسطا فمهد سائر الآفـاق
أشكر صنائعه فلسن صنائعا ........ لكنهن قـلائد الأعـنـاق
وأنتم أنامله فلسن أنـامـلا ........ لكنهن مفـاتـح الأزرق
فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره :
من هذا الشاب ؟
فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له :
هذا إبن أخي .
فقال : وكيف يكون إبن أخيك ولم نسمع به ؟
فقال : يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين ، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيراً وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني ألا أزوج إبنتي إلا له ، فلما جاء زوجته بها وهو شاب وأنا صرت شيخاً كبيراً وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي ، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير . فنظر السلطان إليه فأعجبه ، واستحسن رأي الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها ، وأمر له بخلعة عظيمة ، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكاً كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين ، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين ، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالاً وحسناً واعتدالاً كما قال الشاعر :
قمر تكامل في المحاسن وانتهى ........ فالشمس تشرق من شقائق خده
ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا ........ حسن البرية كلها من عـنـده
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوماً من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه ، وقال لأبيه :
يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم .
فقال : سمعاً وطاعة .
ثم عاد الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين ، فأحضره وقال له :
يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير . ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب ، وسجت دموعه وقال :
يا ولدي إسمع قولي فإن لي أخاً يسمى شمس الدين ، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه ، والقصد أنك تأخذ دوجاً من الورق وتكتب ما أمليه عليك .
فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها .
وكتب وصية موثقة ثم قال لولده : إحفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها ، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شئ من الأمور فاقصد مصر ، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريباً مشتاقاً إليه .
فأخذ حسن بدر الدين الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين ، وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب ، وولى السلطان وزيراً مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه .
فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين ، المتوفي فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى ، فقال له :
هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة .
فقال له المملوك : أنج بنفسك .
فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشياً إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب .
فلم يزل سائراً إلى أن ساقته المقادير إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزل ذيله من فوق رأسه ، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من البصرة وقال :
يا سيدي مالي أراك متغيراً .
فقال له : إني كنت نائماً في هذه الساعة ، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن يفوت النهار ولم أزره ، فيصعب علي الأمر .
فقال له اليهودي : يا سيدي إن أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب قدمت بألف دينار .
ثم أخرج اليهودي كيساً ممتلئا من الذهب ، وعد منه ألف دينار ودفعه إلى حسن إبن الوزير ثم قال اليهودي : إكتب لي ورقة واختمها .
فأخذ حسن إبن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين إبن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب ، وردت من مراكب أبيه المسافرين بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل .
فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائماً حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين ، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت :
سبحان الله ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين .
ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت عفريتاً طائراً فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له :
من أين أقبلت ؟
قال : من مصر .
فقالت له : هل لك أن تروح معي ، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في المقبرة .
فقال لها : نعم .
فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له : هل رأيت في عمرك مثل هذا .
فنظر العفريت إليه وقال : سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي إن أردت حدثتك بما رأيت .
فقالت له : حدثني .
فقال لها : إني رأيت مثل هذا الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس الدين ، فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو ، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضباً وحكى للملك جميع ما جرى بينهما ، ثم قال للملك فكان ذلك سبباً لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي إلا لإبن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة لأخي ، ثم إني أخرت وقت زواجي وحمل زوجتي وولادة هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير .
فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضباً شديداً ، وقال له :
كيف يخطب مثلي من مثلك بنتاً فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:45 PM
تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها ، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة ، ويعمل له زفافاً وقد تركه وهو بين مماليك السلطان ، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام ، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنقشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب ، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب .
قالت له الجنية : تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه .
فرد عليها العفريت وقال : والله يا أختي إن الصبية أحسن من هذا ، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب .
فقالت له : يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن .
فقال العفريت سمعاً وطاعة ، هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله .
ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه ، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه .
فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة ، والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له :
أعلم أني جئت بك ، وأنا أريد أن أعمل معك شيئاً لله فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشياً معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة ، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحداً وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنقشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب ، فاعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك ، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول الله وقوته .
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام ، قال :
يا ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان .
ثم مشى وأوقد الشمعة ، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة ، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشياً في الزينة ، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن ، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير ، فردت الحجاب الناس ومنعوهم . فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر ، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفاً يميناً وشمالاً ، من تحت المنصة إلى صدر الديوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة ، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال ، ووجهه يضيء كأنه هلال ، مالت جميع النساء إليه .
فقالت المغنيات للنساء الحاضرات : اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول .
فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه ، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهراً أو ساعة ، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئاً لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين ودعون على ذلك الأحدب .
ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن ، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها ، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر ، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالساً والناس ينظرون إليه .
فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب ، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن إبن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب ، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم .
هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد ، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعداً في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها ، من اعجب العجائب ، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء ، وقالت :
اللهم إجعل هذا بعلي وأرحني من هذا السائس الأحدب .
وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده .
فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالإنصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب ، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين ، وقال له :
يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود .
فقال : بسم الله .
ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت ، فقال له :
قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت الراحة ، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين ، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا ، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد .
فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع له العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر ، فقال الأحدب : ما جاء بك هنا .
فكبر الفأر ، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلباً فلما نظر السائس ذلك فزع وقال : إخسأ يا مشؤوم .
فكبر الكلب ، وانتفخ حتى صار جحشاً فانزعج السائس وقال :
إلحقوني يا أهل البيت .
وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال :
ويلك يا أحدب يا أنتن السياس .
فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت : هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي .
فسكت السائس ، فقال له : رد الجواب وإلا اسكنتك التراب .
فقال له : والله مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقاً من الجواميس ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك .
فقال له العفريت : اقسم بالله إن خرجت في هذا الوقت ، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك ، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا .
ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق ، وقال له :
إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس .
هذا ما كان من قصة الأحدب .
وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع ، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز ، فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت :
يا أبا شهاب قم وخذ عروستك ، وقد استودعتك الله .
ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع ، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها :
والله لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي .
فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين ، فقالت :
يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في .
فقال حسن بدر الدين : وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك .
فقالت : ومن زوجي أأنت أم هو ?
قال حسن بدر الدين : يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه . فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأشتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح .
فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكاً لطيفاً وقالت :
والله أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك .
فكشف ثوبها إلى نحرها فبان ما قدامها وورائها .
فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة فقام وحل كيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي ووضع فيه ألف دينار ولفه في سرواله وحطه تحت ذيلة الطراحة وقلع عمامته ووضعها على الكرسي وبقي بالقميص الرفيع وكان القميص مطرز بالذهب ، فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها وجذبها بدر الدين وعانقها فوجدها درة ما ثقبت ومطية لغيره ما ركبت ، فأزال بكارتها ، وتملى بشبابها ، فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه ثم أنهما تعانقا وشرحا بعناقهما مضمون هذه الأبيات :
زر من تحب كلام الـحـاسـد ........ ليس الحسود على الهوى بمساعد
لم يخلق الرحمن أحسن منظـراً ........ من عاشقين في فـراش واحـد
متعانقين عليهما حلل الـرضـا ........ متوسدين بمعصـم وبـسـاعـد
وإذا تألفت القلوب على الهـوى ........ فالناس تضرب في حديـد بـارد
وإذا صفى لك من زمانك واحـد ........ فهو المراد وعش بذاك الواحـد
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه .
وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة :
قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب .
فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن الله الملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفاً عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت .
فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فنظروا شاباً مليحاً بالقميص والطاقية بلا عمامة وهو مما قاسى من السهر غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا :
يا بخت من كان هذا عقده في هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه .
وقال الآخر : مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقاً فنام هنا .
وقد خاض الناس فيه بالكلام وإذا بالهوى هب على بدر الدين فرفع ذيله من فوق بطنه فبان من تحته بطن وسره محققة وسيقان وأفخاد مثل البلور فصار الناس يتعجبون فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال :
أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم .
فقالوا : نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائماً ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائماً هذه الليلة ؟
فقال حسن بدر الدين : والله يا جماعة إني كنت نائماً هذه الليلة في مصر .
فقال واحد : هل أنت تأكل حشيشاً .
وقال بعضهم : أأنت مجنون كيف تكون بايتاً في مصر وتصبح نائماً في مدينة دمشق .
فقال لهم : والله يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبداً وأنا كنت البارحة بالليل في ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة .
فقال واحد : هذا شيء عجيب .
وقال الآخر : هذا شاب مجنون .
وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا :
يا خسارة شبابه والله ما في جنونه خلاف .
ثم إنهم قالوا له : إرجع لعقلك .
فقال حسن بدر الدين : كنت البارحة عريساً في ديار مصر .
فقالوا : لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام .
فتحير حسن في نفسه وقال لهم : والله ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعداً عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين ثيابي وسروالي .
ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلاً مسرفاً فتاب الله عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه ، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت في قلبه محبته فقال :
من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك فإنك صرت عندي أعز من روحي .
فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى .
فقال له الطباخ : يا سيدي بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرج الله ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي .
فقال له بدر الدين : الأمر كما تريد يا عم .
فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على نفسه أنه ولده ، وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ ، وقعد عنده في الدكان يقبض الدراهم ، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة .
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين .
وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعداً عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصباً لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه :
سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها .
فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال : يا ست الحسن .
فقالت له : نعم يا سيدي .
ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال ، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها : يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس .
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت : يا الله ، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر ، إن زوجي والله ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه ، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب .
فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها : ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه ، إن السايس الأحدب قد بات عندك .
فقالت : بالله عليك لا تذكره لي قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مشتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة .
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها : يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه ? أين عقلك .
فقالت له : يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه .
فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال :
أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:47 PM
تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له :
تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف .
لعند ذلك قال الأحدب : والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي .
فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له : ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت .
فقال : ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن الله من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك .
فقال له الوزير : قم واخرج من هذا المكان .
فقال له : هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس .
فعند ذلك قال له الوزير : من أتى بك إلى هذا المكان ؟
فقال : إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني وراح لعند العروسة ومن زوجني بها .
فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته ، فقال :
يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك .
فقالت : أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي وسرواله تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو .
فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه ، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال :
هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية .
ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ السروال فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجد مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال :
لا إله إلا الله القادر على كل شيء ، وقال : يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك .
قالت : لا .
قال : إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان الله فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية .
ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين :
أرى آثارهم فأذوب شـوقـاً ........ وأسكب في مواطنهم دموعي
وأسأل من بفرقتهم رمـانـي ........ يمن علي يوماً بالـرجـوع
فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال :
والله لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:49 PM
تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت ، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولداً مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة ، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم :
من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر .
فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب .
فقال لهم العريف : أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم : والله ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا .
فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا :
نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك ، فقال واحد منهم : اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين ، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال : أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر .
فقالوا له : والله إن الوزير ما هو أبوك .
فقال عجيب : الوزير أبي حقيقة .
فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا : أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه .
وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء . فقال له العريف :
هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن ، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه ، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك .
فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو لها وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام ، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له :
يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك .
فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال :
يا والدتي من هو أبي ؟
قالت له : أبوك وزير مصر .
فقال لها : ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا . من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر .
فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل .
فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال : ما يبكيكما ؟
فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر .
ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه ، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه ، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر :
من بعد يوم في دمشق وليلتـي ........ حلف الزمان بمثلها لا يغلـط
بتنا وجنح الليل في غفـلانـه ........ ومن الصباح عليه فرع أشمط
والظل في تلك الغصون كأنـه ........ در يصافحه النسيم فيسـقـط
والطير يقرأ والغدير صحـيفة ........ والريح تكتب والغمام ينـقـط
فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم ، هذا يبيع وهذا يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر .
فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده .
فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام ، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر ، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين :
أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً .
ثم أن عجيب قال لوالده : أقعد كل معنا لعل الله يجمعنا بمن نريد .
فتعجب حسن بدر الدين من كلامه ، فقال عجيب : نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي ، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به .
وبكى بكاء شديداً ، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم ، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا .
ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة ، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له :
مالك يا طباخ ؟
فقال حسن بدر الدين : لما نزلتم من عندي كأن روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع .
فغضب الطواشي وقال لعجيب : أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع .
فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم : دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده .
فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم .
فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن ، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال :
أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن .
ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها ، وأنشد هذين البيتين :
لا تسأل الدهر إنصافاً لتظلمـه ........ فلست فيه ترى يا صاح إنصافا
خذ ما تيسر وأزوالهم نـاحـية ........ لا بد من كدر فيه وإن صافي
ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلاً يبيع طعامه وأما الوزير عمه فإنه أقام في دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين ، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين ، فترحم عليه السلطان وقال :
ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير .
فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال :
يا ملك إني أريد أن أجتمع بها .
فإذن له في الحال ، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار ، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً ، ولا تنام إلا عند ذلك القبر ، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين :
بالله يا قبر هل زالت محاسـنـه ........ وهل تغير ذاك المنظر النضـر
يا قبر لا أنت بستان ولا فـلـك ........ فكيف يجمع فيك الغصن والقمر
فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين ، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى ، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين ، بات عند ابنته ليلة كاملة ، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي ، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين :
لله در مبشري بقدومـهـم ........ فلقد أتى بأطايب المسموع
لو كان يقنع بالخليع وهبته ........ قلباً تقطع ساعة التـوديع
ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره ، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين :
ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى الله أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي .
فقالت : سمعاً وطاعة .
ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام ، وقال لمن معه :
إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً .
ثم قال عجيب للطواشي : يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه .
فقال الطواشي : سمعاً وطاعة .
ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن عليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه ، فقال : السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك .
فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده عليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه ، فما قدر على ذلك ، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات :
تمنيت من أهوى فلـمـا رأيتـه ........ ذهلت فلم أملك لساناً ولا طرفـا
وأطرقت إجلالاً لـه ومـهـابة ........ وحاولت إخفاء الذي بي فلم يخف
وكنت معداً للعتاب صـحـائفـاً ........ فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا
ثم قال لهما :
اجبرا قلبي وكلا من طعامي فو الله ما نظرت إليك أيها الغلام إلا حن قلبي إليك وما كنت تبعتك إلا وأنا بغير عقل .
فقال عجيب : والله إنك محب لنا ونحن أكلنا عندك لقمة فلازمتنا عقبها ، وأردت أن تهتكنا ونحن لا نأكل لك أكلاً إلا بشرط أن تحلف أنك لا تخرج وراءنا ولا تتبعنا وإلا لا نعود إليك من وقتنا هذا ، فنحن مقيمون في هذه المدينة جمعة حتى يأخذ جدي هدايا للملك .
فقال بدر الدين : لكم علي ذلك .
فدخل عجيب هو والخادم في الدكان فقدم لهما زبدية ممتلئة حب رمان ، فقال عجيب :
كل معنا لعل الله يفرج عنا .
ففرح حسن بدر الدين وأكل معهم حتى امتلأت بطونهما وشبعا على خلاف عادتهما ، ثم انصرفا وأسرعا في مشيهما حتى وصلا إلى خيامهما ودخل عجيب على جدته أم والده حسن بدر الدين ، فقبلته وتذكرت حسن بدر الدين فتنهدت وبكت ثم أنها أنشدت هذين البيتين :
لو لم أرى بأن الشمل يجـتـمـع ........ ما كان لي في حياتي بعدكم طمع
أقسمت ما في فؤادي غـير حبكـم ........ والله ربي على الأسرار مطلـع
ثم قالت لعجيب : يا ولدي أين كنت .
قال : في مدينة دمشق .
فعند ذلك قامت وقدمت له زبدية ممتلئة من حب الرمان وكان قليل الحلاوة وقالت للخادم :
اقعد مع سيدك .
فقال الخادم في نفسه : والله ما لنا شهية في الأكل .
ثم جلس الخادم وأما عجيب فإنه لما جلس كان بطنه ممتلئاً بما أكل وشرب ، فأخذ لقمة وغمسها في حب الرمان وأكلها فوجده قليل الحلاوة لأنه شبعاناً فتضجر وقال أي شيء هذا الطعام الوحش فقالت جدته :
يا ولدي أتعيب طبيخي وأنا طبخته ولا أحد يحسن الطبيخ مثلي إلا والدك حسن بدر الدين .
فقال عجيب : والله يا سيدتي إن طبيخك هذا غير متقن نحن في هذه الساعة رأينا في المدينة طباخاً طبخ رمان ولكن رائحته ينفتح لها القلب ، وأما طعامه فإنه يشتهي نفس المتخوم أن يأكل وأما طعامك بالنسبة اليه فإنه لا يساوي كثيراً ولا قليلاً .
فلما سمعت جدته كلامه اغتاظت غيظاً شديداً ، ونظرت إلى الخادم .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:53 PM
تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
وبداية حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن جدة عجيب لما سمعت كلامه اغتاظت ونظرت إلى الخادم وقالت :
ويلك هل أنت أفسدت ولدي لأنك دخلت به إلى دكاكين الطباخين .
فخاف الطواشي وأنكر ، وقال : ما دخلنا الدكان ولكن جزنا جوازاً .
فقال عجيب : والله لقد دخلنا وأكلنا ، وهو أحسن من طعامك .
فقامت جدته وأخبرت أخا زوجها وأغرته على الخادم فحضر الخادم قدام الوزير ، فقال له :
لم دخلت بولدي دكان الطباخ ؟
فخاف الخادم وقال : ما دخلنا .
فقال عجيب : بل دخلنا وأكلنا من حب الرمان حتى شبعنا ، وسقانا الطباخ شراباً بثلج وسكر .
فازداد غضب الوزير على الخادم وسأله فأنكر ، فقال له الوزير : إن كان كلامك صحيحاً فاقعد وكل أمامنا .
فعند ذلك تقدم الخادم وأراد أن يأكل فلم يقدر ورمى اللقمة وقال :
يا سيدي إني شبعان من البارحة .
فعرف الوزير أنه أكل عند الطباخ فأمر الجواري أن يطرحنه فطرحنه ونزل عليه بالضرب الوجيع فاستغاث وقال :
يا سيدي إني شبعان من البارحة .
ثم منع عنه الضرب وقال : أنطق بالحق .
فقال : اعلم أننا دخلنا دكان الطباخ وهو يطبخ حب الرمان فغرف لنا منه والله ما أكلت عمري مثله ولا رأيت أقبح من هذا الذي قدامنا .
فغضبت أم حسن بدر الدين ، وقالت : لا بد أن تذهب إلى هذا الطباخ وتجيء لنا بزبدية حب الرمان من الذي عنده وتريه لسيدك حتى يقول أيهما أحسن وأطيب .
فقال الخادم : نعم .
ففي الحال أعطته زبدية ونصف دينار فمضى الخادم حتى وصل إلى الدكان وقال للطباخ : نحن تراهنا على طعامك في بيت سيدنا لأن هناك حب رمان طبخه أهل البيت فهات لنا بهذا النصف دينار وأدر بالك في طهيه وأتقنه فقد أكلنا الضرب الموجع على طبيخك .
فضحك حسن بدر الدين وقال : والله أن هذا الطعام لا يحسنه أحد إلا أنا ووالدتي وهي الآن في بلاد بعيدة .
ثم أنه عرف الزبدية وأخذها وختمها بالمسك وماء الورد فأخذها الخادم وأسرع بها حتى وصل إليهم فأخذتها والدة حسن وذاقتها ونظرت حسن طعمها فعرفت طباخها فصرخت ثم وقعت مغشياً عليها فبهت الوزير من ذلك ، ثم رشوا عليها ماء الورود بعد ساعة أفاقت وقالت :
إن كان ولدي في الدنيا فما طبخ حب الرمان هذا إلا هو وهو ولدي حسن بدر الدين لا شك ولا محالة لأن هذا طعامه وما أحد يطبخه غيره إلا أنا لأني علمته طبيخه .
فلما سمع الوزير كلامها فرح فرحاً شديداً ، وقال : واشوقاه إلى رؤية ابن أخي أترى تجمع الأيام شملنا وما نطلب الاجتماع به إلا من الله تعالى .
ثم إن الوزير قام من وقته وساعته وصاح على الرجال الذين معه وقال :
يمضي منكم عشرون رجلاً إلى دكان الطباخ ويهدمونها ويكتفونه بعمامته ويجرونه غصباً إلى مكاني من غير إيذاء يحصل له .
فقالوا له : نعم .
ثم إن الوزير ركب من وقته وساعته إلى دار السعادة واجتمع بنائب دمشق وأطلعه على الكتب التي معه من السلطان فوضعها على رأسه بعد تقبيلها وقال :
من هو غريمك ؟
قال : رجل طباخ .
ففي الحال أمر حجابه أن يذهبوا إلى دكانه فذهبوا فرأوها مهدومة وكل شيء فيها مكسور لأنه لما توجه إلى دار السعادة فعلت جماعته ما أمرهم به وصاروا منتظرين مجيء الوزير من دار السعادة وحسن بدر الدين يقول في نفسه :
يا ترى أي شيء رأوا في حب الرمان حتى صار لي هذا الأمر .
فلما حضر الوزير من عند نائب دمشق وقد أذن غريمه وسفره به فلما دخل الخيام طلب الطباخ فأحضروه مكتفاً بعمامته .
فلما نظر حسن بدر الدين إلى عمه بكى بكاء شديداً وقال :
يا مولاي ما ذنبي عندكم ؟
فقال له أنت الذي طبخت حب الرمان ؟
قال : نعم فهل وجدتم فيه شيئاً يوجب ضرب الرقبة .
فقال : هذا أقل جزائك .
فقال له : يا سيدي أما توقفني على ذنبي .
فقال له الوزير : نعم في هذه الساعة .
ثم إن الوزير صرخ على الغلمان وقال هاتوا الجمال وأخذوا حسن بدر الدين معهم وأدخلوه في صندوق وقفلوا عليه وساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن أقبل الليل فحطوا وأكلوا شيئاً من الطعام وأخرجوا حسن بدر الدين فأطعموه وأعادوه إلى الصندوق ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى مكان فأخرجوا حسن بدر الدين من الصندوق وقال له :
هل أنت طبخت حب الرمان ؟
قال : نعم يا سيدي .
فقال الوزير : قيدوه .
فقيدوه وأعادوه إلى الصندوق وساروا إلى أن وصلوا إلى مصر وقد نزلوا في الزيدانية فأمر بإخراج حسن بدر الدين من الصندوق وأمر بإحضار نجار وقال :
اصنع لهذا لعبة خشب .
فقال حسن بدر الدين : وما تصنع بها فقال أصلبك وأسمرك فيها ثم أدور بك المدينة كلها .
فقال : على أي شيء تفعل بي ذلك ؟
فقال الوزير : على عدم إتقان طبيخك حب الرمان كيف طبخته وهو ناقص فلفلاً .
فقال له : وهل لكونه ناقص فلفلاً تصنع معي هذا كله أما كفاك حبسي وكل يوم تطعمون بأكلة واحدة ؟
فقال له الوزير : من أجل كونه ناقصاً فلفلاً ما جزاؤك إلا القتل .
فتعجب حسن بدر الدين ، وحزن على روحه وصار يتفكر في نفسه فقال له الوزير :
في أي شيء تتفكر ؟
فقال له : في العقول السخيفة التي مثل عقلك فإنه لو كان عندك عقل ما كنت فعلت معي هذه الفعال لأجل نقص الفلفل .
فقال له الوزير : يجب علينا أن نؤدبك حتى لا تعود لمثله .
فقال حسن بدر الدين : إن الذي فعلته معي أقل شيء فيه أدبي .
فقال : لابد من صلبك .
وكل هذا والنجار يصلح الخشب وهو ينظر إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فأخذه عمه ووضعه في الصندوق وقال : في غد يكون صلبك .
ثم صبر عليه حتى عرف أنه نام فقام وركب وأخذ الصندوق قدامه ودخل المدينة وسار إلى أن دخل بيته ثم قال لابنته ست الحسن :
الحمد لله الذي جمع شملك بابن عمك قومي وافرشي البيت مثل فرشة ليلة الجلاء .
فأمرت الجواري بذلك ، فقمن وأوقدن الشمع وقد أخرج الوزير الورقة التي كتب فيها أمتعة البيت ثم قرأها وأمر أن يضعوا كل شيء في مكانه حتى أن الرائي إذا رأى ذلك لا يشك في أنها ليلة الجلاء بعينها ، ثم أن الوزير أمر أن تحط عمامة حسن بدر الدين في مكانها الذي حطها فيه بيده وكذلك السروال والكيس الذي تحت الطراحة ثم أن الوزير أمر ابنته تتحف نفسها كما كانت ليلة الجلاء وتدخل المخدع وقال لها :
إذا دخل عليك ابن عمك فقولي له قد أبطأت علي في دخولك بيت الجلاء ودعيه يبيت عندك وتحدثي معه إلى النهار وكتب هذا التاريخ .
ثم أن الوزير أخرج بدر الدين من الصندوق بعد أن فك القيد من رجليه وخلع ما عليه من الثياب وصار بقميص النوم وهو رفيع من غير سروال .
كل هذا وهو نائم لا يعرف بذلك ثم انتبه حسن بدر الدين من النوم فوجد نفسه في دهليز نير ، فقال في نفسه :
هل أنا في أضغاث أحلام أو في اليقظة .
ثم قام حسن بدر الدين فمشى قليلاً إلى باب ثان ونظر وغدا هو في البيت الذي انجلت فيه العروسة ، ورأى المخدع والسرير ورأى عمامته وحوائجه ، فلما نظر ذلك بهت وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقال في نفسه :
هل هذا في المنام أو في اليقظة .
وصار يمسح جبينه ويقول وهو متعجب : والله إن هذا مكان العروسة التي انجلت فيه علي ، فإني كنت في صندوق .
فبينما هو يخاطب نفسه وإذا بست الحسن رفعت طرف الناموسية وقالت له :
يا سيدي أما تدخل فإنك أبطأت علي في بيت الجلاء .
فلما سمع كلامها ونظر إلى وجهها وضحك وقال : إن هذه أضغاث أحلام .
ثم دخل وتنهد وتفكر فيما جرى له وتحير في أمره وأشكلت عليه قضيته ولما رأى عمامته وسرواله والكيس الذي فيه الألف دينار ، قال :
الله أعلم أني في أضغاث أحلام .
وصار من فرط التعجب متحيراً ، فعند ذلك قالت له ست الحسن :
مالي أراك متعجباً متحيراً ما كنت في أول الليل ?
فضحك وقال : كم عام لي غائب عنك ?
فقالت له : سلامتك بسم الله حواليك أنت إنما خرجت إلى بيت الراحة لتقضي حاجة وترجع فأي شيء جرى في عقلك .
فلما سمع حسن بدر الدين ذلك ضحك وقال لها : صدقت ولكنني لما خرجت من عندك غلبني النوم في بيت الراحة ، فحلمت أني كنت طباخاً في دمشق وأقمت بها عشرة سنين وكأنه جاءني صغير من أولاد الأكابر ومعه خادم وحصل من أمره كذا وكذا .
ثم أن حسن بدر الدين مسح بيده على جبينه فرأى أثر الضرب عليه . فقال :
والله يا سيدتي كأنه حق لأنه ضربني على جبيني فشجه فكأنه في اليقظة .
ثم قال : لعل هذا المنام حصل حين تعانقت أنا وأنت ونمنا ، فرأيت في المنام كأني سافرت إلى دمشق بلا طربوش ولا عمامة ولا سروال وعملت طباخاً .
ثم سكت ساعة وقال : والله كأني رأيت أني طبخت حب رمان وفلفله قليل ، والله ما كأني إلا نمت في بيت الراحة فرأيت هذا كله في المنام .
فقالت له ست الحسن : بالله وعليك أي شيء رأيته زيادة على ذلك ؟
فحكى لها جميع ما رآه ، ثم قال : والله لولا أني انتبهت لكانوا صلبوني على لعبة خشب .
فقالت له : على أي شيء ؟
فقال : على قلة الفلفل في حب الرمان ورأيت كأنهم خربوا دكاني وكسروا مواعيني وحطوني في صندوق وجاؤوا بالنجار ليصنع لي لعبة من خشب لأنهم أرادوا صلبي عليها فالحمد لله الذي جعل ذلك كله في المنام ولم يجعله في اليقظة .
فضحكت ست الحسن وضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم تذكر وقال : والله ما كأنه إلا في اليقظة فأنا ما عرفت أي شيء الخبر ولا حقيقة الحال .
ثم إنه نام وهو متحير في أمره فتارة يقول رأيته في المنام وتارة يقول رأيته في اليقظة ، ولم يزل كذلك إلى الصباح ، ثم دخل عليه عمه الوزير شمس الدين فسلم عليه فنظر له حسن بدر الدين ، وقال :
بالله عليك أما أنت الذي أمرت بتكتيفي وتسمير دكاني ، من شأن حب الرمان لكونه قليل الفلفل .
فعند ذلك قال الوزير : اعلم يا ولدي أنه ظهر الحق وبان ما كان مختفياً ، أنت ابن أخي وما فعلت ذلك حتى تحققت أنك الذي دخلت على ابنتي تلك الليلة ، وما تحققت ذلك حتى رأيتك عرفت البيت وعرفت عمامتك وسروالك وذهبك والورقتين التي كتبتهما بخطك والتي كتبها والدك أخي فإني ما رأيتك قبل ذلك وما كنت أعرفك ، وأما أمك فإني جئت بها معي من البصرة .
ثم رمى نفسه عليه وبكى فلما سمع حسن بدر الدين كلام عمه تعجب غاية العجب وعانق عمه وبكى من شدة الفرح ، ثم قال له الوزير :
يا ولدي إن سبب ذلك كله ما جرى بيني وبين والدك .
وحكى له جميع ما جرى بينه وبين أخيه ، وأخبره بسبب سفر والده إلى البصرة ، ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب فلما رآه والده قال :
هذا الذي ضربني بالحجر .
فقال الوزير : هذا ولدك .
فعند ذلك رمى نفسه عليه وأنشد هذه الأبيات :
ولقد بكيت على تفرق شملـنـا ........ زماناً وفاض الدمع من أجفاني
ونذرت أن أجمع المهيمن شملنا ........ ما عدت أذكر فرقـة بلسانـي
هجم السرور علي حتـى أنـه ........ من فرط ما قد سرني أبكانـي
فلما فرغ من شعره التفتت إلى والدته وألقت روحها عليه ، وأنشدت هذين البيتين :
الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري ........ حنثت يمينك يا زمـان فـكـفـر
لسعد وافى والحبيب مسـاعـدي ........ فانهض إلى داعي السرور وشمر
ثم إن والدته حكت له جميع ما وقع لها بعده ، وحكى لها جميع ما قاساه فشكروا الله على جمع شملهم ببعضهم ثم أن الوزير طلع إلى السلطان وأخبره بما جرى له فتعجب وأمر أن يؤرخ ذلك في السجلات ليكون حكاية على مر الأوقات .
وهذا ما كان من أمر الوزير شمس الدين وأخيه نور الدين .
فقال الخليفة هارون الرشيد : والله إن هذا الشيء عجاب .
ثم إن شهرزاد قالت :
وما هذا بأعجب من حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع لهم .
قال الملك : وما حكايتهم ؟
قالت : بلغني أيها الملك السعيد ، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الصين رجل خياط مبسوط الرزق يحب اللهو والطرب وكان يخرج هو وزوجته في بعض الأحيان يتفرجان على مرائب المنتزهات فخرجا يوماً من أول النهار ورجعا آخره إلى منزلهما عند المساء ، فوجدا في طريقهما رجل أحدب رؤيته تضحك الغضبان وتزيل الهم والأحزان فعند ذلك تقدم الخياط هو وزوجته يتقوزان عليه ثم أنهما عزما عليه أن يروح معهما إلى بيتهما لينادمهما تلك الليلة فأجابهما إلى ذلك ومشى معهما إلى البيت فخرج الخياط إلى السوق وكان الليل قد أقبل ، فاشترى سمكاً مقلياً وخبزاً وليموناً وحلاوة يتحلون بها ثم رجع وحط السمك قدام الأحدب وجلسوا يأكلون فأخذت امرأة الخياط جزلة سمك كبيرة ولقمتها للأحدب وسدت فمه بكفها وقالت :
والله ما تأكلهما إلا دفعة واحدة في نفس واحد .
ولم تمهله حتى يمضغها فابتلعها وكان فيها شوكة قوية فتصلبت في حلقه ، لأجل انقضاء أجله فمات .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:54 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن امرأة الخياط لما لقمت للأحدب جزلة السمك مات لانقضاء أجله في وقته فقال الخياط :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هذا المسكين ما كان موته إلا هكذا على أيدينا .
فقالت المرأة : وما هذا التواني أما سمعت قول الشاعر :
مالي أعلل نفسي يا حمال على ........ أمر يكون به هـم وأحـزان
ماذا القعود على نار وما خمدت ........ إن القعود في النيران خسران
فقال لها زوجها : وما أفعله ؟
قالت : قم واحمله في حضنك وانشر عليه فوطة حرير وأخرج أنا قدامك وأنت ورائي في هذه الليلة وقل هذا ولدي وهذه أمه ومرادنا أن نوديه إلى الطبيب ليداويه .
فلما سمع الخياط هذا الكلام قام وحمل الأحدب في حضنه وزوجته تقول :
يا ولدي سلامتك أين محل وجعك وهذا الجدري كان لك في أي مكان .
فكل من رآها يقول معهما طفل مصاب بالجدري ولم يزالا سائرين وهما يسألان عن منزل الطبيب حتى دلوهما على بيت طبيب يهودي فقرعا الباب فنزلت لهما الجارية وفتحت الباب ونظرت وإذا بإنسان حامل صغير وأمه معه ، فقالت الجارية :
ما خبركم ؟
فقالت امرأة الخياط : معنا صغير مرادنا أن ينظره الطبيب ، فخذي الربع دينار وأعطيه لسيدك ودعيه ينزل ليرى ولدي فقد لحقه ضعف .
فطلعت الجارية ودخلت زوجة الخياط داخل العتبة وقالت لزوجها : دع الأحدب هنا ونفوز بأنفسنا .
فأوقفه الخياط وخرج هو وزوجته ، وأما الجارية فإنها دخلت على اليهودي وقالت له :
في أسفل البيت ضعيف مع امرأة ورجل وقد أعطياني ربع دينار لك وتصف لهما ما يوافقه .
فلما رأى اليهودي الربع دينار فرح وقام عاجلاً ونزل في الظلام فأول ما نزل عثرت رجله في الأحدب وهو ميت فقال :
يا للعزيز للمولى والعشر كلمات يا لهرون ويوشع بن نون كأني عثرت في هذا المريض فوقع إلى أسف فمات فكيف أخرج بقتيلي من بيتي .
فحمله وطلع به من حوش البيت إلى زوجته وأعلمها بذلك فقالت له :
وما قعودك هنا فإن قعدت هنا إلى طلوع النهار ، راحت أرواحنا فأنا وأنت نطلع به إلى المطبخ ونرميه في بيت جارنا المسلم فإنه رجل مباشر على مطبخ السلطان وكثيراً ما تأتي القطط في بيته وتأكل مما فيه من الأطعمة والفئران ، وإن استمر فيه ليلة تنزل عليه الكلاب من السطوح وتأكله جميعه .
فطلع اليهودي وزوجته وهما حاملان الأحدب وأنزلاه بيديه ورجليه إلى الأرض وجعلاه ملاصقاً للحائط ثم نزلا وانصرفا ولم يستقر نزول الأحدب إلا والمباشر قد جاء إلى البيت في وقته ، وطلع البيت ومعه شمعة مضيئة فوجد ابن آدم واقفاً في الزاوية في جانب المطبخ .
فقال ذلك المباشر : ما هذا والله إن الذي يسرق حوائجنا ما هو إلا ابن آدم فيأخذ ما وجده من لحم أو دهن ولو خبأته من القطط والكلاب ، وإن قتلت قطة الحارة وكلابها جميعاً لا يفيد لأنه ينزل من السطوح .
ثم أخذ مطرقة عظيمة ووكزه بها فصار عنده ثم ضربها على صدره فوقع فوجده ميتاً فحزن وقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله .
وخاف على نفسه وقال : لعن الله الدهن واللحم وهذه الليلة كيف فرغت منية ذلك الرجل على يدي .
ثم نظر إليه فإذا هو أحدب فقال : أما يكفي أنك أحدب ، حتى تكون حرامياً وتسرق اللحم والدهن يا ستار استرني بسترك الجميل .
ثم حمله على أكتافه ونزل به من بيته في آخر الليل وما زال سائراً به إلى أول السوق ، فأوقفه بجانب دكان في رأس عطفة وتركه وانصرف وإذا بنصراني وهو سمسار السلطان ، وكان سكران فخرج يريد الحمام ، فقال له سكره أن المسيح قريب فما زال يمشي ويتمايل حتى قرب من الأحدب وجعل يريق الماء قباله فلاحت منه التفاتة ، فوجد واحداً واقفاً وكان النصراني قد خطفوا عمامته في أول الليل ، فلما رأى الأحدب واقفاً اعتقد أنه يريد خطف عمامته فطبق كفه ولكم الأحدب على رقبته فوقع على الأرض وصاح النصراني على حارس السوق ، ثم نزل على الأحدب من شدة سكره ضرباً وصار يخنقه خنقا ً.
فجاء الحارس فوجد النصراني باركاً على المسلم وهو يضربه فقال الحارس :
قم عنه .
فقام فتقدم إليه الحارس فوجده ميتاً ، فقال : كيف يقتل النصراني مسلماً ؟
ثم قبض على النصراني وكتفه وجاء به إلى بيت الوالي والنصراني يقول في نفسه : يا مسيح .. يا عذراء كيف قتلت هذا ؟ وما أسرع ما مات في لكمة ؟ قد راحت السكرة وجاءت الفكرة .
ثم أن الأحدب والنصراني باتا في بيت الوالي وأمر الوالي السياف أن ينادي عليه ونصب للنصراني خشبه وأوقفه تحتها وجاء السياف ورمى في رقبة النصراني الحبل وأراد أن يعلقه وإذا بالمباشر قد شق الناس فرأى النصراني وهو واقف تحت المشنقة ، ففسح الناس وقال للسياف :
لا تفعل أنا الذي قتلته .
فقال الوالي : لأي شيء قتلته ؟
قال : إني دخلت الليلة بيتي فرأيته نزل من السطح وسرق مصالحي فضربته بمطرقة على صدره فمات فحملته وجئت به إلى السوق وأوقفته في موضع كذا في عطفة كذا .
ثم قال المباشر : ما كفاني أني قتلت مسلماً حتى يقتل بسببي نصراني فلا تشنق غيري .
فلما سمع الوالي كلام المباشر أطلق صراح النصراني السمسار ، وقال للسياف :
اشنق هذا باعترافه .
فأخذ الحبل من رقبة النصراني ووضعه في رقبة المباشر وأوقفه تحت الخشبه وأراد أن يعلقه وإذا باليهودي الطبيب قد شق الناس وصاح على السياف وقال :
لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك انه جاءني في بيتي ليداوى فنزلت إليه فتعثرت فيه برجلي فمات فلا تقتل المباشر واقتلني .
فأمر أن يقتل اليهودي الطبيب فأخذ السياف الحبل من رقبة المباشر ووضعه في رقبة اليهودي الطبيب وإذا بالخياط جاء وشق الناس وقال للسياف :
لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك أني كنت بالنهار أتفرج وجئت وقت العشاء فلقيت هذا الأحدب سكران ومعه دف وهو يغني بفرحة فوقفت أتفرج عليه وجئت به إلى بيتي واشتريت سمكاً وقعدنا نأكل فأخذت زوجتي قطعة سمك ولقمة ودستهما في فمه فزور فمات لوقته فأخذته أنا وزوجتي وجئنا به لبيت اليهودي فنزلت الجارية وفتحت لنا الباب فقلت لها قولي لسيدك أن بالباب امرأة ورجلاً ومعهما ضعيف تعال أنظره وصف له دواء وأعطيتها ربع دينار فطلعت لسيدها وأسندت الأحدب إلى جهة السلم ومضيت أنا وزوجتي فنزل اليهودي فعثر فيه فظن أنه قتله .
ثم قال الخياط لليهودي : أصحيح هذا ?
قال : نعم .
والتفت الخياط للوالي وقال : أطلق اليهودي واشنقني .
فلما سمع الوالي كلامه تعجب من أمر الأحدب وقال :
إن هذا أمر يؤرخ في الكتب .
ثم قال للسياف : أطلق اليهودي واشنق الخياط باعترافه .
فقدمه السياف وقال : هل نقدم هذا ونؤخر هذا ولا نشنق واحداً .
ثم وضع الحبل في رقبة الخياط فهذا ما كان من أمر هؤلاء .
وأما ما كان من أمر الأحدب ، فقيل أنه كان مسخرة للسلطان لا يقدر أن يفارقه فلما سكر الأحدب غاب عنه تلك الليلة وثاني يوم إلى نصف النهار فسأل عنه بعض الحاضرين فقالوا له :
يا مولانا طلع به الوالي وهو ميت وأمر بشنق قاتله فنزل الوالي ليشنق القاتل فحضر له ثان وثالث وكل واحد يقول ما قتله إلا أنا وكل واحد يذكر للوالي سبب قتله له .
فلما سمع الملك هذا الكلام صرخ على الحاجب وقال له : انزل إلى الوالي ، وائتني بهم جميعاً .
فنزل الحاجب فوجد السياف ، كاد أن يقتل الخياط فصرخ عليه الحاجب وقال :
لا تفعل .
واعلم الوالي أن القضية بلغت الملك ، ثم أخذه وأخذ الأحدب معه محمولاً والخياط واليهودي والنصراني والمباشر ، وطلع بالجميع إلى الملك فلما تمثل الوالي بين يديه قبل الأرض وحكى له جميع ما جرى مع الجميع فلما سمع الملك هذه الحكاية تعجب وأخذه الطرب وأمر أن يكتب ذلك بماء الذهب وقال للحاضرين :
هل سمعتم مثل قصة هذا الأحدب ؟
فعند ذلك تقدم النصراني وقال :
يا ملك الزمان إن أذنت لي حدثتك بشيء جرى لي وهو أعجب وأطرب من قصة الأحدب .
فقال الملك : حدثنا بما عندك .
فقال النصراني اعلم يا ملك الزمان أني لما دخلت تلك الديار أتيت بمتجر وأوقعني المقدور عندكم وكان مولدي بمصر وأنا من قبطها وتزينت بها وكان والدي سمساراً فلما بلغت مبلغ الرجال توفي والدي فعملت سمساراً مكانه .
فبينما أنا قاعد يوماً من الأيام وإذا بشاب أحسن ما يكون وعليه أفخر ملبوس وهو راكب حماراً فلما رآني سلم علي فقمت إليه تعظيماً له فأخرج منديلاً وفيه قدر من السمسم وقال : كم يساوي الأردب من هذا ?
فقلت له : مائة درهم .
فقال لي : خذ التراسين والكيالين واعمد إلى خان الجوالي في باب النصر تجدني فيه .
وتركني ومضى وأعطاني السمسم بمنديله الذي فيه العينة فدرت على المشترين فبلغ ثمن كل أردب مائة وعشرين درهماً ، فأخذت معي أربعة تراسين ومضيت إليه فوجدته في انتظاري فلما رآني قام إلى المخزن وفتحه فكيلناه فجاء جميع ما فيه خمسين أردباً فقال الشاب :
لك في كل أردب عشرة دراهم سمسرة واقبض الثمن واحفظه عندك وقدر الثمن خمسة آلاف لك منها خمسمائة ويبقى لي أربعة آلاف وخمسمائة فإذا فرغ بيع حواصلي جئت إليك وأخذتها .
فقلت له : الأمر كما تريد ثم قبلت يديه ومضيت من عنده .
فحصل لي في ذلك اليوم ألف درهم وغاب عني شهرا ً، ثم جاء وقال لي : أين الدراهم ?
فقلت : هاهي حاضرة ،
فقال : احفظها حتى أجيء إليك فآخذها .
فقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاءني وقال لي : أين الدراهم ?
فقلت : هاهي حاضرة ،
فقال : أحضرها حتى أجيء إليك فآخذها .
فقمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاء وقال لي : بعد هذا اليوم آخذها منك .
ثم ولى فقمت وأحضرت له الدراهم وقلت له : هل لك أن تأكل عندنا شيئاً ?
فأبى وقال لي : احفظ الدراهم ، حتى أمضي وأجيء فآخذها منك .
ثم ولى وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً فقلت في نفسي : إن هذا الشاب كامل السماحة ، ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة فلما رأيته قبلت يديه ودعوت له وقلت له :
يا سيدي أما تقبض دراهمك ?
فقال : مهلاً علي حتى أفرغ من قضاء مصالحي وآخذها منك .
ثم ولى فقلت في نفسي : والله إذا جاء لأضيفنه لكوني انتفعت بدراهمه وحصل لي منها مال كثير .
فلما كان آخر السنة جاء وعليه بدلة أفخر من الأولى فحلفت عليه أن ينزل عندي ، ويضيفني فقال :
بشرط أن ما تنفقه من مالي الذي عندك .
قلت : نعم .
وأجلسته ونزلت فهيئأت ما ينبغي من الأطعمة والأشربة وغير ذلك وأحضرته بين يديه وقلت له : باسم الله .
فتقدم إلى المائدة ومد يده الشمال وأكل معي فتعجبت منه فلما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به وجلسنا للحديث فقلت :
يا سيدي فرج عني كربة لأي شيء أكلت بيدك الشمال لعل في يدك اليمين شيئاً يؤلمك .
فلما سمع كلامي أنشد هذين البتين :
خليلي لا تسأل على ما بمهجـتـي ........ من اللوعة الحرى فتظهر أسقـام
وما عن رضا فارقت سلمى معوضاً ........ بديلاً ولكن للـضـرورة أحـكـام
ثم أخرج يده من كمه وإذا هي مقطوعة زنداً بلا كف فتعجبت من ذلك فقال لي : لا تعجب ولا تقل في خاطرك ، إني أكلت معك بيدي الشمال عجباً ولكن لقطع يدي اليمين سبب من العجب .
فقلت : وما سبب ذلك ?
فقال : اعلم أني من بغداد ووالدي من أكابرها ، فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياحين والمسافرين والتجار يتحدثون بالديار المصرية فبقي ذلك في خاطري حتى مات والدي فأخذت أموالاً كثيرة وهيأت متجراً من قماش بغدادي وموصلي ونحو ذلك من البضائع النفيسة وحزمت ذلك وسافرت من بغداد وكتب الله السلامة لي حتى دخلت مدينتكم هذه .
ثم بكى وأنشد هذه الأبيات :
قد يسلم الأكمه من حفرة ........ يسقط فيها الناصر الناظر
ويسلم الجاهل من لفـظة ........ يهلك فيها العالم الماهـر
ويعسر المؤمن في رزقه ........ ويرزق الكافـر الفاجـر
ماحيلة الإنسان ما فعلـه ........ هو الذي قدره الـقـادر
فلما فرغ من شعره ، قال : فدخلت مصر وأنزلت القماش في خان سرور وفككت أحمالي وأدخلتها وأعطيت الخادم دراهم ليشتري لنا بها شيئاً نأكله ونمت قليلاً فلما قمت ذهبت بين القصرين ثم رجعت وبت ليلتي فلما اصبحت فتحت رزمة القماش وقلت في نفسي أقوم لأشق بعض الأسواق وأنظر الحال فأخذت بعض القماش وحملته لبعض غلماني وسرت حتى وصلت قيسرية جرجس فاستقبلني السماسرة وكانوا علموا بمجيئي فأخذوا مني القماش ونادوا عليه فلم يبلغ ثمنه رأس ماله فقال لي شيخ الدلالين :
يا سيدي أنا أعرف لك شيئاً تستفيد منه وهو أن تعمل مثل ما عمل التجار فتبيع متجرك إلى مدة معلومة بكاتب وشاهد وصيرفي وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل يوم خميس واثنين فتكسب الدراهم كل درهم اثنين وزيادة على ذلك تتفرج على مصر ونيلها .
فقلت : هذا رأي سديد .
فأخذت معي الدلالين وذهبت إلى الخان فأخذوا القماش إلى القيسرية فبعته إلى التجار وكتبت عليهم وثيقة إلى الصيرفي وأخذت عليه وثيقة بذلك ورجعت إلى الخان وأقمت أياماً كل يوم أفطر على قدح من الشراب وأحضر اللحم الضاني والحلويات حتى دخل الشهر الذي استحقت فيه الجباية فبقيت كل خميس واثنين أقعد على دكاكين التجار ويمضي الصيرفي والكاتب فيجيآن بالدراهم من التجار ويأتياني بها ، إلى أن دخلت الحمام يوماً من الأيام وخرجت إلى الخان ودخلت موضعي وأفطرت على قدح من الشراب ثم نمت وانتبهت فأكلت دجاجة وتعطرت وذهبت إلى دكان تاجر يقال له بدر الدين البستاني فلما رآني رحب بي وتحدث معي ساعة في دكانه .
فبينما نحن كذلك وإذا بامرأة جاءت وقعدت بجانبي وعليها عصابة مائلة وتفوح منها روائح الطيب فسلبت عقلي بحسنها وجمالها ، ورفعت الأزرار فنظرت إلي بأحداق سود ثم سلمت على بدر الدين فرد عليها السلام ووقف وتحدث معها فلما سمعت كلامها تمكن حبها من قلبي فقالت لبدر الدين :
هل عندك تفصيلة من القماش المنسوج من خالص الذهب ؟
فأخرج لها تفصيلة فقالت للتاجر : هل آخذها وأذهب ثم أرسل إليك ثمنها ?
فقال لها التاجر : لا يمكن يا سيدتي لأن هذا صاحب القماش وله علي قسط .
فقالت : ويلك إن عادتي أن آخذ منك كل قطعة قماش بجملة دراهم وأربحك فيها فوق ما تريد ثم أرسل إليك ثمنها .
فقال : نعم ولكني مضطر إلى الثمن في هذا اليوم .
فأخذت التفصيلة ورمته بها في صدره وقالت : إن طائفتكم لا تعرف لأحد قدراً .
ثم قامت مولية فظننت أن روحي راحت معها ، فقمت ووقفت وقلت لها :
يا سيدتي تصدقي علي بالالتفات وارجعي بخطواتك الكريمة .
فرجعت وتبسمت وقالت : لأجلك رجعت .
وقعدت قصادي على الدكان فقلت لبدر الدين : هذه التفصيلة كم ثمنها عليك ? قال : ألف ومائة درهم .
فقلت له : ولك مائة درهم فائدة ، فهات ورقة فاكتب لك فيها ثمنها .
فأخذت التفصيلة منه وكتبت له ورقة بخطي وأعطيتها التفصيلة وقلت لها : خذي أنت وروحي وإن شئت هاتي ثمنها لي في السوق ، وإن شئت هي ضيافتك مني .
فقال : جزاك الله خيراً ورزقك مالي وجعلك بعلي .
فتقبل الله الدعوة وقلت لها : يا سيدتي اجعلي هذه التفصيلة لك ولك أيضاً مثلها ودعيني أنظر وجهك .
فكشفت القناع عن وجهها فلما نظرت وجهها أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها فصرت لا أملك عقلي ثم رخت القناع وأخذت التفصيلة وقالت :
يا سيدي لا توحشني .
وقد ولت وقعدت في السوق إلى بعد العصر وأنا غائب العقل وقد تحكم الحب عندي ، فمن شدة ما حصل لي من الحب سألت التاجر عنها حين أردت القيام فقال :
إن هذه صاحبة مال وهي بنت أمير ، مات والدها وخلف لها مالاً كثيرا ً.
فودعته وانصرفت وجئت إلى الخان فقدم لي العشاء فتذكرتها فلم آكل شيئاً ونمت فلم يأتني نوم فسهرت إلى الصباح ثم قمت فلبست بدلة غير التي كانت علي وشربت قدحاً من الشراب وأفطرت على شيء قليل وجئت إلى دكان التاجر فسلمت عليه وجلست عنده فجاءت الصبية وعليها بدلة أفخر من الأولى ومعها جارية ، فجلست وسلمت علي دون بدر الدين وقالت لي بلسان فصيح ما سمعت أعذب ولا أحلى منه :
أرسل معي من يقبض ألف والمائة درهم ثمن التفصيلة .
فقلت لها : ولا شئ ?
فقالت : لا أعدمناك وناولتني الثمن .
وقعدت أتحدث معها فأوميت إليها بالإشارة ففهمت أني أريد وصالها ، فقامت على عجل منها واستوحشت مني وقلبي متعلق بها وخرجت أنا خارج السوق في أثرها وإذا بجارية أتتني وقالت :
يا سيدي كلم سيدتي .
فتعجبت لها وقلت : ما يعرفني هنا أحد .
فقالت الجارية : ما أسرع مانسيتها سيدتي التي كانت اليوم على دكان التاجر فلان .
فمشيت معها إلى الصيارف فلما رأتني زوتني لجانبها وقالت :
يا حبيبي وقعت بخاطري وتمكن حبك من قلبي ومن ساعة رأيتك لم يطب لي نوم ولا أكل ولا شرب .
فقلت لها : عندي أضعاف ذلك والحال يغني عن الشكوى .
فقالت : يا حبيبي أجيء لعندك ?
فقلت لها : أنا رجل غريب ومالي مكان يأويني إلا الخان فإن تصدقت علي بأن أكون عندك يكمل الحظ .
قالت : نعم لكن الليلة ليلة جمعة ما فيها شيء إلا إن كان في غد بعد الصلاة فصل واركب حمارك واسأل عن الحبانية فإن وصلت فاسأل عن قاعة بركات النقيب المعروف بأبي شامة فإني ساكنة هناك ولا تبطئ فإني في انتظارك .
ففرحت فرحاً زائداً ثم تفرقنا وجئت للخان الذي أنا فيه وبت طول الليل سهران فما صدقت أن الفجر لاح حتى قمت وغيرت ملبوسي وتعطرت وتطيبت وأخذت معي خمسين ديناراً في منديل ومشيت من خان مسرور إلى باب زويلة فركبت حماراً وقلت لصاحبه :
امض بي إلى الحبانية .
فمضى في أقل من لحظة فما أسرع ما وقف على درب يقال له درب المنقري فقلت له :
ادخل الدرب واسأل عن قاعة النقيب .
فغاب قليلاً وقال : أنزل .
فقلت : امش قدامي إلى القاعة .
فمشى حتى أوصلني إلى المنزل فقلت له : في غد تجيئني هنا وتوديني .
فقال الحَمار : بسم الله .
فناولته ربع دينار ذهباً فأخذه وانصرف فطرقت الباب فخرج لي بنتان صغيرتان وبكران منهدتان كأنهما قمران فقالتا :
ادخل إن سيدتنا في انتظارك لم تنم الليلة لولعها بك .
فدخلت قاعة مغلقة بسبعة أبواب وفي دائرها شبابيك مطلة على بستان فيه من الفواكه جميع الألوان وبه أنهار دافقة وطيور ناطقة وهي مبيضة بياضاً سلطانياً يرى الإنسان وجهه فيها وسقفها مطلي بذهب وفي دائرها طرزات مكتبة بالازورد قد حوت أوصاف حسنة وأضاءت للناظرين وأرضها مفروشة بالرخام المجزع وفي أرضها فسقية وفي أركان تلك الفسقية الدر والجوهر مفروشة بالبسط الحرير الملونة والمراتب ، فلما دخلت جلست .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 05:56 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب التاجر قال للنصراني :
فلما دخلت وجلست لم أشعر إلا والصبية قد أقبلت وعليها تاج مكلل بالدر والجوهر وهي منقشة مخططة فلما رأتني تبسمت في وجهي وحضنتني ووضعتني على صدرها وجعلت فمها على فمي وأنا كذلك وقالت :
أصحيح أتيت عندي أم هذا منام ?
فقلت لها : أنا عبدك .
فقالت : أهلاً ومرحباً ، والله من يوم رأيتك ما لذني نوم ولا طاب لي طعام .
فقلت : وأنا كذلك .
ثم جلسنا نتحدث وأنا مطرق برأسي إلى الأرض حياء ولم أمكث قليلاً حتى قدمت لي سفرة من أفخر الألوان من محمر ومرق دجاج محشو فأكلت معها حتى اكتفينا ثم قدموا إلى الطشط والإبريق فغسلت يدي ثم تطيبنا بماء الورد والمسك ، وجلسنا نتحدث فأنشدت هذين البيتين :
لو علمنا بقدومكم لفـرشـنـا ........ مهجة القلب مع سواد العيون
ووضعنا حدودنا لـلـقـاكـم ........ وجعلنا المسير فوق الجفـون
وهي تشكو إلي ما لاقت وأنا أشكو إليها ما لقيت وتمكن حبها عندي وهان علي جميع المال ، ثم أخذنا نلعب ونتهارش مع العناق والتقبيل إلى أن أقبل الليل فقدمت لنا الجواري الطعام والمدام فإذا هي خضرة كاملة فشربنا إلى نصف الليل ثم نمنا فنمت معها إلى الصباح فما رأيت عمري مثل هذه الليلة .
فلما أصبح الصباح قمت ورميت لها تحت الفراش المنديل الذي فيه الدنانير وودعتها وخرجت فبكت وقالت :
يا سيدي متى أرى هذا الوجه المليح ?
فقلت لها : أكون عندك وقت العشاء .
فلما خرجت أصبت الحَمار الذي جاء بي بالأمس على الباب ينتظرني فركبت معه حتى وصلت خان مسرور فنزلت وأعطيت الحمار نصف دينار وقلت له :
تعالى في وقت الغروب .
قال : على الرأس .
فدخلت الخان وأفطرت ثم خرجت أطالب بثمن القماش ، ثم رجعت وقد عملت لها خروفاً مشوياً وأخذت حلاوة ثم دعوت الحمال ووصفت له المحل وأعطيته أجرته ورجعت في أشغالي إلى الغروب فجاءني الحَمار فأخذت خمسين ديناراً وجعلتها في منديل ودخلت فوجدتهم مسحوا الرخام وحلوا النحاس وعمروا القناديل وأوقدوا الشموع وغرفوا الطعام وروقوا الشراب .
فلما رأتني رمت يديها على رقبتي وقالت : أوحشتني .
ثم قدمت الموائد فأكلنا حتى اكتفينا ورفعت الجواري المائدة وقدمت المدام ، فلم نزل في شراب وتقبيل وحظ إلى نصف الليل فنمنا إلى الصباح ثم قمت وناولتها الخمسين ديناراً على العادة وخرجت من عندها فوجدت الحَمار فركبت إلى الخان فنمت ساعة ثم قمت جهزت العشاء فعملت جوزاً ولوزاً وتحتهم أرز مفلفل وعملت قلقاساً مقلياً ونحو ذلك وأخذت فاكهة نقلاً ومسوماً وأرسلتها وسرت إلى البيت وأخذت خمسين ديناراً في منديل وخرجت فركبت مع الحَمار على العادة إلى القاعة فدخلت ثم أكلنا وشربنا وبتنا إلى الصباح ، ولما قمت رميت لها المنديل وركبت إلى الخان على العادة ، ولم أزل على تلك الحالة مدة إلى أن بت لا أملك درهماً ولا دينار ، فقلت في نفسي هذا من فعل الشيطان وأنشدت هذه الأبيات :
فقر الـفـتـى يذهـب أنـواره ........ مثل اصفرار الشمس عند المغيب
إن غاب لا يذكـر بـين الـورى ........ وإن أتى فما له مـن نـصـيب
يمر في الأسواق مسـتـخـفـياً ........ وفي الفلا يبكي بدمع صـبـيب
والله ما الإنـسـان مـن أهـلـه ........ إذا ابتلى بالـفـقـر إلا غـريب
ثم تمشيت إلى أن وصلت بين القصرين ولا زلت أمشي حتى وصلت إلى باب زويلة فوجدت الخلق في ازدحام والباب منسد من كثرة الخلق فرأيت بالأمر المقدر جندياً فزاحمته بغير اختياري ، فجاءت يدي على جيبه فجسيته فوجدت فيه صرة من داخل الجيب الذي يدي عليه فعمدت إلى تلك الصرة فأخذتها من جيبه فأحس الجندي بأن جيبه خف فحط يده في جيبه فلم يجد شيئاً والتفت نحوي ورفع يده بالدبوس وضربني على رأسي فسقطت إلى الأرض فأحاط الناس بنا وأمسكوا لجام فرس الجندي وقالوا :
أمن أجل الرحمة تضرب هذا الشاب هذه الضربة ?
فصرخ عليهم الجندي وقال : هذا حرامي سارق .
فعند ذلك أفقت ورأيت الناس يقولون : هذا الشاب مليح لم يأخذ شيئاً .
فبعضهم يصدق وبعضهم يكذب وكثر القيل والقال وجذبني الناس وأرادوا خلاصي منه فبأمر المقدر جاء الوالي هو وبعض الحكام في هذا الوقت ودخلوا من الباب فوجدوا الخلق مجتمعين علي وعلى الجندي ، فقال الوالي :
ما الخبر ?
فقال الجندي : والله يا أمير المؤمنين إن هذا حرامي وكان في جيبي كيس أزرق فيه عشرون ديناراً فأخذه وأنا في الزحام .
فقال الوالي للجندي : هل كان معك أحد ?
فقال الجندي : لا .
فصرخ الوالي على المقدم وقال : أمسكه وفتشه .
فأمسكني وقد زال الستر عني فقال له الوالي : أعره من جميع ما عليه .
فلما أعراني وجدوا الكيس في ثيابي فلما وجدوا الكيس أخذه الوالي وفتحه وعده فرأى فيه عشرين ديناراً كما قال الجندي . فغضب الوالي وصاح على أتباعه وقال :
قدموه .
فقدموني بين يديه فقال : يا صبي قل الحق هل أنت سرقت هذا الكيس ?
فأطرقت برأسي إلى الأرض وقلت في نفسي : إن قلت ما سرقته فقد أخرجه من ثيابي وإن قلت سرقته وقعت في العناء ثم رفعت رأسي وقلت : نعم أخذته .
فلما سمع مني الوالي هذا الكلام تعجب ودعا الشهود فحضروا وشهدوا على منطقي هذا كله في باب زويلة فأمر الوالي السياف بقطع يدي فقطع يدي اليمنى فرق قلب الجنيد وشفع في عدم قتلي وتركني الوالي ومضى وصارت الناس حولي وسقوني قدح شراب وأما الجندي فإنه أعطاني الكيس وقال :
أنت شاب مليح ولا ينبغي أن تكون لصاً .
فأخذته منه وأنشدت هذه الأبيات :
والله ما كنت لصاً يا أخا ثـقة ........ ولم أكن سارقاً يا أحسن الناس
ولكن رمتني صروف الدهر عن عجل ........ فزاد همي ووسـواس إفلاسي
وما رمـيت ولـكـن الإلـه رمى ........ سهماً فطير تاج الملك عن رأسي
فتركني الجندي وانصرف بعد أن أعطاني الكيس وانصرفت أنا ولقيت يدي في خرقة وأدخلتها عني وقد تغيرت حالتي واصفر لوني مما جرى لي فتمشيت إلى القاعة وأنا على غير استواء ورميت روحي على الفراش فنظرتني الصبية متغير اللون فقالت لي :
ما وجعك وما لي أرى حالتك تغيرت ?
فقلت له : رأسي توجعني وما أنا طيب .
فعند ذلك اغتاظت وتشوشت لأجلي وقالت : لا تحرق قلبي يا سيدي ، اقعد وارفع رأسك وحدثني بما حصل لك اليوم فقد بان لي في وجهك كلام .
فقلت : دعيني من الكلام .
فبكت وصارت تحدثني وأنا لا أجيبها حتى أقبل الليل فقدمت لي الطعام فامتنعت وخشيت أن تراني آكل بيدي الشمال فقلت :
لا أشتهي أن آكل في مثل هذه الساعة .
فقالت : حدثني بما جرى لك في هذا اليوم ولأي شيء أراك مهموماً مكسور الخاطر والقلب ?
فقلت : في هذه الساعة أحدثك على مهلي .
فقدمت لي الشراب وقالت : دونك فإنه يزيل همك فلا بد أن تشرب وتحدثني بخبرك .
فقلت لها : إن كان ولابد فاسقيني بيدك فملأت القدح وشربته وملأته وناولتني إياه فتناولته منها بيدي الشمال وفرت الدمعة من جفني فأنشدت هذه الأبيات :
إذا أراد الله أمـراً لأمـرئ ........ وكان ذا عقل وسمع وبصر
أصم أذنيه وأعمى قـلـبـه ........ وسل منه عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكـمـه ........ رد إليه عقله لـيعـتـبـر
فلما فرغت من شعري تناولت القدح بيدي الشمال وبكيت ، فلما رأتني أبكي صرخت صرخة قوية وقالت :
ما سبب بكائك ، قد أحرقت قلبي وما لك تناولت القدح بيدك الشمال ?
فقلت لها : إن بيدي حبة .
فقالت : أخرجها حتى أفقعها لك .
فقلت : ما هو وقت فقعها لا تطيلي علي فما أخرجها في تلك الساعة .
ثم شربت القدح ولم تزل تسقيني حتى غلب السكر علي فنمت مكاني فأبصرت يدي بلا كف ففتشتني فرأت معي الكيس الذي فيه الذهب ، فدخل عليها الحزن ما لا يدخل على أحد ولا زالت تتألم بسببي إلى الصباح فلما أفقت من النوم وجدتها هيأت لي مسلوقة وقدمتها فإذا هي أربعة من طيور الدجاج ، وأسقتني قدح شراب فأكلت وشربت وحطيت الكيس وأردت الخروج فقالت :
أين تروح ?
فقلت : إلى مكان كذا لأزحزح بعض الهم عن قلبي .
فقالت : لا تروح بل اجلس .
فجلست فقالت لي : وهل بلغت محبتك إياي إلى أن صرفت جميع مالك علي وعدمت كفك فأشهدك علي والشاهد الله أني لا أفارقك وسترى صحة قولي ولعل الله استجاب دعوتي بزواجك .
وأرسلت خلف الشهود فحضروا فقالت لهم : اكتبوا كتابي على هذا الشاب واشهدوا أني قبضت المهر .
فكتبوا كتابي عليها ثم قالت : اشهدوا أن جميع مالي الذي في هذا الصندوق وجميع ما عندي من المماليك والجواري لهذا الشاب .
فشهدوا عليها وقبلت أنا التمليك وانصرفوا بعدما أخذوا الأجرة .
ثم أخذتني من يدي وأوقفتني على خزانة وفتحت صندوقاً كبيراً وقالت لي :
انظر هذا الذي في الصندوق .
فنظرت فإذا هو ملآن مناديل ، فقالت : هذا مالك الذي أخذته منك فكلما أعطيتني منديلاً فيه خمسون ديناراً ألقه وأرميه في هذا الصندوق فخذ مالك فقد رده الله عليك وأنت اليوم عزيز فقد جرى عليك القضاء بسببي حتى عدمت يمينك وأنا لا أقدر على مكافأتك ولو بذلت روحي لكان ذلك قليلاً ولك الفضل .
ثم قالت لي : تسلم مالك .
فتسلمته ثم نقلت ما في صندوقها إلى صندوقي وضمت مالها إلى مالي الذي كنت أعطيتها إياه وفرح قلبي وزال هي فقمت فقبلتها وسكرت معها فقالت :
لقد بذلت جميع مالك ويدك في محبتي فكيف أقدر على مكافأتك والله لو بذلت روحي في محبتك لكان ذلك قليل وما أقوم بواجب حقك علي .
ثم إنها كتبت لي جميع ما تملك من ثياب بدنها وصيغتها وأملاكها ، بحجة وما نامت تلك الليلة إلا مهمومة من أجلي حين حكيت لها ما وقع لي وبت معها .
ثم أقمنا على ذلك أقل من شهر وقوي بها الضعف ، وزاد بها المرض وما مكثت غير خمسين يوماً ثم صارت من أهل الآخرة فجهزتها وواريتها في التراب وعملت لها ختمات وتصدقت عليها بجملة من المال ، ثم نزلت من التربة فرأيت لها مالاً جزيلاً وأملاكاً وعقارات ، ومن جملة ذلك تلك المخازن السمسم التي بعت لك منها ذلك المخزن وما كان اشتغالي عنك هذه المدة إلا لأني بعت بقية الحواصل وإلى الآن لم أفرغ من قبض الثمن فأرجو منك أنك لا تخالفني فيما أقوله لك لأني أكلت زادك فقد وهبتك ثمن السمسم الذي عندك ، فهذا سبب أكلي بيدي الشمال .
فقلت له : لقد أحسنت إلي وتفضلت علي .
فقال لي : لا بد أن تسافر معي إلى بلادي فإني اشتريت متجراً مصرياً واسكندرانياً فهل لك في مصاحبتي ?
فقلت : نعم .
وواعدته على رأس الشهر ثم بعت جميع ما أملك واشتريت به متجراً وسافرت أنا وذلك الشاب إلى هذه البلاد التي هي بلادكم فباع الشاب متجره واشترى متجراً عوضه من بلادكم ومضى إلى الديار المصرية فكان نصيبي من قعودي هذه الليلة حتى حصل من غربتي فهذا يا ملك الزمان ما هو أعجب من حديث الأحدب .
فقال الملك : لا بد من شنقكم كلكم .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 06:06 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الصين لما قال :
لا بد من شنقكم .
فعند ذلك تقدم المباشر إلى ملك الصين وقال : إن أذنت لي حكيت لك حكاية وقعت لي في تلك المدة قبل أن أجد هذا الأحدب وإن كانت أحب من حديثه تهب لنا أرواحنا .
فقال الملك : هات ما عندك .
فقال : اعلم أني كنت تلك الليلة الماضية عند جماعة عملوا ختمة وجمعوا الفقهاء فلما قرأوا المقرؤون وفرغوا مدوا السماط فمن جملة ما قدموا زرباجة فقدمنا لنأكل الزرباجة فتأخر واحد منا وامتنع عن الأكل منها فحلفنا عليه فأقسم أنه لا يأكل منها فشددنا عليه فقال :
لا تشددوا على فكفاني ما جرى لي من أكلها فأنشدت هذا البيت :
إذا صديق أنكرت جانـبـه ........ لم تعيني على فراقه الحيل
فلما فرغنا قلنا له : بالله ما سبب امتناعك عن الأكل من هذه الزرباجة ?
فقال : لأني لا آكل منها غلا إن غسلت يدي مائة وعشرون مرة .
فعند ذلك أمر صاحب الدعوى غلمانه فأتوا بالماء الذي طلبه فغسل يديه كما ذكر ، ثم تقدم وهو متكره وجلس ومد يده وهو مثل الخائف ووضع يده في الزرباجة وصار يأكل وهو متغصب ونحن نتعجب منه غاية التعجب ويده ترتعد فنصب إبهام يده فإذا هو مقطوع وهو يأكل بأربعة أصابع فقلنا له :
بالله عليك ما لإبهامك هكذا أهو خلقة الله أم أصابه حادث ?
فقال : يا إخواني أهو هذا الإبهام وحده ولكن إبهام الأخرى وكذلك رجلاي الاثنين ولكن انظروا .
ثم كشف إبهام يده الأخرى فوجدناها مثل اليمين وكذلك رجلاه بلا إبهامين .
فلما رأيناه كذلك ازددنا عجباً وقلنا له : ما بقي لنا صبر على حديثك ، والأخبار بسبب قطع إبهامي يديك ورجليك وسبب غسل يديك ، مائة وعشرون مرة .
فقال : اعلموا أن والدي كان تاجر من التجار الكبار وكان أكبر تجار مدينة بغداد في أيام الخليفة هارون الرشيد وكان مولعاً بشرب الخمر وسماع العود فلما مات لم يترك شيئاً فجهزته ، وقد عملت له ختمات وحزنت عليه أياماً وليالي ثم فتحت دكانه فما وجدته خلف إلا يسيراً ووجدت عليه ديوناً كثيرة فصبرت أصحاب الديون وطيبت خواطرهم وصرت أبيع وأشتري وأعطي من الجمعة أصحاب الديون ولا زلت على هذه الحالة إلى أن وفيت الديون وزدت على رأس مالي . فبينما أنا جالس يوماً من الأيام إذا رأيت صبية لم تر عيني أحسن منها عليها حلي وحلل فاخرة وهي راكبة بغلة وقدامها عبد وورائها عبد فأوقفت البغلة على رأس السوق ودخلت ورائها خادم ، وقال :
يا سيدتي اخرجي ولا تعلمي أحداً فتطلقي فينا النار .
ثم حجبها الخادم فلما نظرت إلى دكاكين التجار لم تجد أفخر من دكاني ، فلما وصلت إلى جهتي والخادم خلفها وصلت إلى دكاني وسلمت علي فما وجدت أحسن من حديثها ولا أعذب من كلامها ، ثم كشفت عن وجهها فنظرتها نظرة أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها ، وجعلت أكرر النظر إلى وجهها وأنشد :
جودي علي بزورة أحيا بـهـا ........ ها قد مددت إلى نوالك راحتي
فلما سمعت إنشادي أجابتني بهذه الأبيات :
عدمت فؤادي في الهوى أن سلاكم ........ فإن فـؤادي لا يحـب سـواكـم
وإن نظرت عيني إلى غير حسنكم ........ فلا سرها بعد العبـاد لـقـاكـم
حلفت يميناً لست أسلـوا هـواكـم ........ وقلبي حزين مغـرم بـهـواكـم
سقاني الهوى كأساً من الحب صافياً ........ فيا ليته لما سقـاني سـقـاكـم
خذوا رمقي حيث استقرت بكم نوى ........ وأين حللتم فادفنـوني حـداكـم
وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم ........ أنين عظامي عند رفـع نـداكـم
فلو قيل لي ماذا على الله تشتهـي ........ لقلت رضا الرحمن ثم رضـاكـم
فلما فرغت من شعرها قالت : يا فتى أعندك تفاصيل ملاح ?
فقلت : يا سيدتي مملوكك فقير ، ولكن اصبري حتى تفتح التجار دكاكينهم وأجيء لك بما تريدينه .
ثم تحدثت أنا وإياها وأنا غارق في بحر محبتها تائه في عشقها ، حتى فتحت التجار دكاكينهم فقمت وأخذت لها جميع ما طلبته ، وكان ثمن ذلك خمسة آلاف درهم وناولت الخادم جميع ذلك فأخذه الخادم وذهبا إلى خارج السوق فقدموا لها البغلة فركبت ولم تذكر لي من أين هي واستحيت أن أذكر لها ذلك والتزمت الثمن للتجار ، وتكلفت خمسة آلاف درهم وجئت البيت وأنا سكران من محبتها ، فقدموا لي العشاء لأكلت لقمة وتذكرت حسنها وجمالها فأشغلني عن الأكل ، وأردت أن أنام فلم يجيئني نوم ولم أزل على هذه الحالة أسبوعاً وطالبتني التجار بأموالهم فصبرتهم أسبوعاً آخر ، فبعد الأسبوع أقبلت وهي على البغلة ومعها خادم وعبدان ، فلما رأيتها زال عني الفكر ونسيت ما كنت فيه وأقبلت تحدثني بحديثها الحسن ثم قالت :
هات الميزان وزن مالك .
فأعطتني ثمن ما أخذته بزيادة ، ثم انبسطت معي في الكلام فكدت أن أموت فرحاً وسروراً ثم قالت لي :
هل لك أنت زوجة ?
فقلت : لا ، إني لا أعرف امرأة .
ثم بكيت فقالت لي : مالك تبكي ?
فقلت : من شيء خطر ببالي .
ثم أني أخذت بعض دنانير وأعطيتها للخادم وسألته أن يتوسط في الأمر فضحك وقال :
هي عاشقة لك أكثر منك وما لها بالقماش حاجة وإنما هي لأجل محبتها لك فخاطبها بما تريد فإنها لا تخالفك فيما تقول .
فرأتني وأنا أعطي الخادم الدنانير فرجعت وجلست ثم قلت لها : تصدقي على مملوكك واسمحي له فيما يقول .
ثم حدثتها بما في خاطري فأعجبها ذلك وأجابتني وقالت : هذا الخادم يأتي برسالتي واعمل أنت بما يقول لك الخادم .
ثم قامت ومضت وقمت وسلمت التجار أموالهم وحصل لهم الربح ، إلا أنا فإنها حين ذهبت حصل لي الندم من انقطاع خبرها عني ولم أنم طول الليل .
فما كان إلا أيام قلائل وجاءني خادمها فأكرمته وسألته عنها ، فقال :
إنها مريضة .
فقلت للخادم : اشرح لي أمرها .
قال : إن هذه الصبية ربتها السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد وهي من جواريها ، وقد اشتهت على سيدتها الخروج والدخول فأذنت لها في ذلك فصارت تدخل وتخرج حتى صارت قهرمانة ، ثم أنها حدثت بك سيدتها وسألتها أن تزوجها بك ، فقالت سيدتها : لا أفعل حتى أنظر هذا الشاب فإن كان يشبهك زوجتك به ونحن نريد في هذه الساعة أن ندخل بك الدار فإن دخلت ولم يشعر بك أحد وصلت تزويجك إياها وإن انكشف أمرك ضربت رقبتك فماذا تقول ?
فقلت : نعم أروح معك وأصبر على الأمر الذي حدثتني به .
فقال لي الخادم : إذا كانت هذه الليلة فامض إلى المسجد الذي بنته السيدة زبيدة على الدجلة فصل فيه وبت هناك .
فقلت : حباً وكرامة .
فلما جاء وقت العشاء مضيت إلى المسجد وصليت وبت هناك .
فلما كان وقت السحر رأيت الخادمين قد أقبلا في زورق ومعهما صناديق فارغة فأدخلوها في المسجد وانصرفوا وتأخر واحد منهما فتأملته وإذا هو الذي كان واسطة بيني وبينها فبعد ساعة صعدت علينا الجارية صاحبتي فلما أقبلت قمت إليها وعانقتها فقبلتني وبكت وتحدثنا ساعة فأخذتني ووضعتني في صندوق وأغلقته علي ولم أشعر إلا وأنا في دار الخليفة وجاؤوا إلي بشيء كثير من الأمتعة بحيث يساوي خمسين ألف درهم ثم رأيت عشرين جارية أخرى وهن نهد أبكار وبينهن الست زبيدة وهي لم تقدر على المشي مما عليها من الحلي والحلل فلما أقبلت تفرقت الجواري من حواليها فأتيت إليها وقبلت الأرض بين يديها فأشارت لي بالجلوس فجلست بين يديها ثم شرعت تسألني عن حالي وعن نسبي فأجبتها عن كل ما سألتني عنه ففرحت وقالت :
والله ما خابت تربيتنا في هذه الجارية .
ثم قالت لي : اعلم أن هذه الجارية عندنا بمنزلة ولد الصلب وهي وديعة الله عندك .
فقبلت الأرض قدامها ورضيت بزواجي إياها ثم أمرتني أن أقيم عندهم عشرة أيام فأقمت عندهم هذه المدة وأنا لا أدري من هي الجارية إلا أن بعض الوصائف تأتيني بالغداء والعشاء لأجل الخدمة ، وبعد هذه المدة استأذنت السيدة زبيدة زوجها أمير المؤمنين في زواج جاريتها فأذن لها وأمر لها بعشرة آلاف دينار فأرسلت السيدة زبيدة إلى القاضي والشهود وكتبوا كتابي عليها وبعد ذلك عملوا الحلويات والأطعمة الفاخرة وفرقوا على سائر البيوت ومكثوا على هذا الحال عشرة أيام أخر وبعد العشرين يوماً أدخلوا الجارية الحمام لأجل الدخول بها ثم أنهم قدموا سفرة فيها طعام من جملته خافقية زرباجة محشوة بالسكر وعليها ماء ورد ممسك وفيها أصناف الدجاج المحمرة وغيره من سائر الألوان مما يدهش العقول فوالله حين حضرت المائدة ما أمهلت نفسي حتى نزلت على الزرباجة وأكلت منها بحسب الكفاية ومسحت يدي ونسيت أن أغسلها ومكثت جالساً إلى أن دخل الظلام وأوقدت الشموع ، وأقبلت المغنيات بالدفوف ولم يزالوا يجلون العروسة وينقطون بالذهب حتى طافت القصر كله وبعد ذلك أقبلوا علي ونزعوا ما عليها من الملبوس . فلما خارت بها في الفراش وعانقتها وأنا لم أصدق بوصالها شمت في يدي رائحة الزرباجة فلما شمت الرائحة صرخت فنزل لها الجواري من كل جانب فارتجفت ولم أعلم ما الخبر فقالت الجواري :
ما لك يا أختنا ?
فقالت لهن : أخرجوا هذا المجنون فأنا أحسب أنه عاقل .
فقلت لها : وما الذي ظهر لك من جنوني ?
فقالت : يا مجنون لأي شيء أكلت من الزرباجة ولم تغسل يدك فوالله لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 06:10 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للشاب :
لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك .
ثم تناولت من جانبها سوطاً ونزلت به على ظهري ثم على مقاعدي حتى غبت عن الوجود من كثرة الضرب ثم إنها قالت للجواري :
خذوه وامضوا به إلى متولي ليقطع يده التي أكل بها الزرباجة ، ولم يغسلها .
فلما سمعت ذلك قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله أتقطع يدي من أجل أكل الزرباجة وعدم غسلي إياها .
فدخلن عليها الجواري ، وقلن لها : يا أختنا لا تؤاخذيه بفعله هذه المرة .
فقالت : والله لا بد أن أقطع شيئاً من أطرافه .
ثم راحت وغابت عني عشرة أيام ولم أرها إلا بعد عشرة أيام ثم أقبلت علي وقالت لي : يا أسود الوجه أنا لا أصلح لك فكيف تأكل الزرباجة ولم تغسل يدك .
ثم صاحت على الجواري فكتفوني وأخذت موساً ماضياً وقطعت إبهامي يدي وإبهامي ورجلي كما ترون يا جماعة فغشي علي ، ثم ذرت علي بالذرور فانقطع الدم وقلت في نفسي :
لا آكل الزرباجة ما بقيت حتى أغسل يدي أربعين مرة بالإشنان وأربعين مرة بالسعد وأربعين مرة بالصابون فأخذت علي ميثاقاً أني لا آكل الزرباجة حتى أغسل يدي كما ذكرت لكم فلما جئتم بهذه الزرباجة تغير لوني وقلت في نفسي : هذا سبب ابهامي يدي ورجلي ، فلما غصبتم علي قلت : لا بد أن أوفي بما حلفت .
فقلت له والجماعة حاضرون : ما حصل لك بعد ذلك ?
قال : فلما حلفت لها طاب قلبها ونمت أنا وإياها وأقمنا مدة على هذا الحال وبعد تلك المدة قالت :
إن أهل دار الخلافة لا يعلمون بما حصل بيني وبينك فيها وما دخلها أجنبي غيرك وما دخلت فيها إلا بعناية السيدة زبيدة .
ثم أعطتني خمسين ألف دينار وقالت : خذ هذه الدنانير واخرج واشتر لنا بها داراً فسيحة .
فخرجت واشتريت داراً فسيحة مليحة ونقلت جميع ما عندها من النعم وما ادخرته من الأموال والقماش والتحف إلى هذه الدار التي اشتريتها فهذا سبب قطع إبهامي .
فأكلنا وانصرفنا وبعد ذلك جرى لي مع الأحدب ما جرى وهذا جميع حديثي والسلام .
فقال الملك : ما هذا بأعذب من حديث الأحدب بل حديث الأحدب أعذب من ذلك ولا بد صلبكم جميعاً .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 06:11 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال :
لابد من صلبكم جميعاً .
فتقدم اليهودي وقبل الأرض وقال : يا ملك الزمان أنا أحدثك بحديث أعذب من حديث الأحدب .
فقال له ملك الصين : هات ما عندك .
فقال : أعجب ما جرى في زمن شبابي أني كنت في الشام وتعلمت منه صنعة فعملت فيها ، فبينما أنا أعمل في صنعتي يوماً من الأيام ، إذا تأتي مملوك من بيت الصاحب بدمشق ، فخرجت له وتوجهت معه إلى منزل الصاحب فدخلت فرأيت في صدر الإيوان سريراً من المرمر بصفائح الذهب وعليه مريض راقد وهو شاب لم ير أحسن منه في زمانه فقعدت عند رأسه ووعدت له بالشفاء فأشار إليه بعينيه فقلت له :
يا سيدي ناولني يدك .
فأخرج لي يده اليسرى فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي : يا الله العجب أن هذا الشاب مليح ومن بيت كبير وليس عنده أدب إن هذا هو العجب .
ثم جسست مفاصله وكتبت له ورقة ومكثت أتردد عليه مدة عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر قال الشاب :
هل لك أنت نتفرج في الغرفة ?
فقلت : نعم فأمر العبيد أن يطلعوا الفراش إلى فوق وأمرهم أن يشووا خروقاً وأن يأتوا إلينا بفاكهة ففعل العبيد ما أمرهم به وأتوا بالفاكهة فأكلنا وأكل هو بيده الشمال .
فقلت له : حدثني بحديثك .
فقال لي : يا حكيم الزمان اسمع حكاية ما جرى لي ، اعلم أنني من أولاد الموصل وكان لي والد قد توفي أبوه وخلف عشرة أولاد ذكور من جملتهم والدي وكان أكبرهم فكبروا كلهم وتزوجوا ورزق والدي بي وأما إخوته التسعة فلم يرزقوا بأولاد فكبرت أنا وصرت بين أعمامي وهم فرحون بي فرحاً شديداً ، فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال وكنت ذات يوم مع والدي في جامع الموصل وكان اليوم يوم جمعة فصلينا الجمعة وخرج الناس جميعاً وأما والدي وأعمامي فإنهم قعدوا يتحدثون في عجائب البلاد وغرائب المدن إلى أن ذكروا مصر فقال بعض أعمامي :
إن المسافرين يقولون : ما على وجه الأرض أحسن من مصر ونيلها ، ثم أنهم أخذوا يصفون مصر ونيلها ، فلما فرغوا من كلامهم وسمعت أنا هذه الأوصاف التي في مصر صار بالي مشغولاً بها ثم انصرفوا وتوجه كل واحد منهم إلى منزله .
فبت تلك الليلة لم يأتني نوم من شغفي بها ولم يطب لي أكل ولا شرب فلما كان بعد أيام قلائل تجهز أعمامي إلى مصر فبكيت على والدي لأجل الذهاب معهم حتى جهز لي متجراً ومضيت معهم وقال لهم :
لا تدعوه يدخل مصر بل اتركوه في دمشق لبيع متجره فيها .
ثم سافرنا وودعت والدي وخرجنا من الموصل وما زلنا مسافرين إلى أن وصلنا إلى حلب فأقمنا بها أياماً ثم سافرنا إلى أن وصلنا دمشق فرأيناها مدينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار كأنها جنة فيها كل فاكهة فنزلنا في بعض الخانات واستمر بها أعمامي حتى باعوا واشتروا وباعوا بضاعتي فربح الدرهم خمسة دراهم ففرحت بالربح ثم تركني أعمامي وتوجهوا إلى مصر .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-03-2015, 06:12 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما تركوه أعمامه وتوجهوا إلى مصر قال : مكثت بعدهم وسكنت في قاعة مليحة البنيان يعجر عن وصفها اللسان أجرتها كل شهر بدينارين وصرت أتلذذ بالمآكل والمشارب حتى صرفت المال الذي كان معي فبينما أنا قاعد على باب القاعة يوماً من الأيام وإذا بصبية أقبلت علي وهي لابسة أفخر الملابس وما رأت عيني أفخر منها فعزمت عليها فما قصرت بل صارت داخل الباب فلما دخلت ظفرت بها وفرحت بدخولها فرددت الباب علي وعليها وكشفت عن وجهها وقلعت إزارها فوجدتها بديعة الجمال فتمكن حبها من قلبي فقمت وجئت بسفرة من أطيب المأكول والفاكهة وما يحتاج عليه المقام وأكلنا ولعبنا وبعد اللعب شربنا حتى سكرنا ثم نمت معها في أطيب ليلة إلى الصباح ، وبعد ذلك أعطيتها عشرة دنانير فحلفت أنها لا تأخذ الدنانير مني ثم قالت :
يا حبيبي انتظرني بعد ثلاثة أيام وقت المغرب أكون عندك وهيء لنا بهذه الدنانير مثل هذا .
وأعطتني هي عشرة دنانير وودعتني وانصرفت فأخذت عقلي معها .
فلما مضت الأيام الثلاثة أتت وعليها من المزركش أو الحلي والحلل أعظم مما كان عليها أولاً وكنت هيأت لها ما يليق بالمقام قبل أن تحضر فأكلنا وشربنا ونمنا مثل العادة إلى الصباح ثم أعطتني عشرة دنانير وواعدتني بعد ثلاثة أيام أنها تحضر عندي فهيأت لها ما يليق بالمقام وبعد ثلاثة أيام حضرت في قماش أعظم من الأول والثاني ثم قالت لي :
يا سيدي هل أنا مليحة ?
فقلت : أي والله .
فقالت : هل تأذن لي أن أجيء معي بصبية أحسن مني وأصغر سناً مني حتى تلعب معنا ونضحك وإياها فإنها سألتني أن تخرج معي وتبيت معنا لنضحك وإياها .
ثم أعطتني عشرين ديناراً وقالت لي : زد لنا المقام لأجل الصبية التي تأتي معي .
ثم إنها ودعتني وانصرفت ، فلما كان اليوم الرابع جهزت لها ما يليق بالمقام على العادة فلما كان بعد المغرب وإذا بها قد أتت ومعها واحدة ملفوفة بإزار فدخلتا وجلستا ففرحت وأوقدت الشموع واستقبلتهما بالفرح والسرور فقامتا ونزعتا ما عليهما من الثياب ، وكشفت الصبية الجديدة عن وجهها فرأيتها كالبدر في تمامه فلم أر أحسن منها فقمت وقدمت لهما الأكل والشرب فأكلنا وشربنا وصرت أقبل الصبية الجديدة وأملأ لها القدح وأشرب معها فغارت الصبية الأولى في الباطن ثم قالت :
بالله إن هذه الصبية مليحة أما هي أظرف مني ?
فقلت : أي والله .
قالت : خاطري أن تنام معها .
قلت : على رأسي وعيني .
ثم قامت وفرشت لنا فقمت ونمت مع الصبية الجديدة إلى وقت الصبح فلما أصبحت وجدت يدي ملوثة بدم فتحت عيني فوجدت الشمس قد طلعت فنبهت الصبية فتدحرج رأسها عن بطنها فظننت أنها فعلت ذلك من غيرتها منها ففكرت ساعة ثم قمت قلعت ثيابي وحفرت في القاعة ووضعت الصبية ورددت التراب وأعدت الرخام كما كان ورفعت المخدة فوجدت تحتها العقد الذي كان في عنق تلك الصبية فأخذته وتأملته وبكيت ساعة ثم أقمت يومين وفي اليوم الثالث دخلت الحمام وغيرت أثوابي وأنا ما معي شيء من الدراهم فجئت يوماً إلى السوق فوسوس لي الشيطان لأجل إنفاذ القدر فأخذت عقد الجوهر وتوجهت به إلى السوق وناولته للدلال فقام لي وأجلسني بجانبه وصبر حتى عمر السوق وأخذه الدلال ونادى عليه خفية وأنا لا أعلم وإذا بالعقد مثمن بلغ ثمنه ألفي دينار فجاءني الدلال وقال لي :
إن هذا العقد نحاس مصنوع بصنعة الإفرنج وقد وصل ثمنه إلى ألف درهم . فقالت له : نعم كنا صنعناه بصنعة الإفرنج لواحدة نضحك عليها به وورثتها زوجتي فرأينا بيعه ، فرح واقبض الألف .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:12 PM
تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
وبداية حكاية مزين بغداد

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للدلال :
اقبض الألف درهم .
وسمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له :
إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار .
فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال :
ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت :
أنا سرقته .
ولم أقل إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها ، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي ورجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة :
حيثما جرى لك هذا فاخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام .
فقلت له : يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً .
قال : نعم .
ومضى وتركني ، فبقيت قاعد أبكي وأقول : كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري غلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت :
ما الخبر ?
فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي :
إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها .
وقالوا : إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته .
فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة ، والله لابد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني ، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال :
أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه ? إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له :
أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك .
ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال :
يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد ?
فقلت : يا مولاي إني أقول لك الحق .
ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه .
فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي :
اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات ، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت :
لا اعلم لها خبر .
ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول :
والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت .
وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي .
فقلت له : الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا .
فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش .
فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً ، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى .
فقال ملك الصين : ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة .
قال : يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم .
فعند ذلك تقدم الخياط وقال : اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك ، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا له ، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له : ما سبب دخولك وخروجك ?
فقال : بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد .
فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال :
كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين .
ثم التفتنا إليه وقلنا له : إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب : يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر .
فقلنا : بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه .
فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب ، ثم قال الشاب : اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها الله تعالى بولد غيري .
فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل ، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني .
فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها ، ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً ، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي ، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي :
قل لي خبرك ?
فحكيت لها حكايتي .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:13 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما حكى للعجوز حكايته قالت له :
يا ولدي إن هذه بنت قاضي بغداد وعليها الحجر والموضع الذي رأيتها فيه هو طبقتها وأبوها له هالة في أسفل وهي وحدها وأنا كثيراً ما أدخل عندهم ولا تعرف وصالها إلا مني فشد حيلك .
فتجلدت وقويت نفسي حين سمعت حديثها وفرح أهلي في ذلك اليوم وأصبحت متماسك الأعضاء مرتجياً تمام الصحة ، ثم مضت العجوز ورجعت ووجهها متغيراً فقالت :
يا ولدي لا تسأل عما جرى منها ، لما قلت لها ذلك فإنها قالت لي : إن لم تسكتي يا عجوز النحس عن هذا الكلام لأفعلن بك ما تستحقينه ولا بد أن أرجع إليها ثاني مرة .
فلما سمعت ذلك منها ازددت مرضاً على مرضي ، فلما كان بعد أيام أتت العجوز وقالت : يا ولدي أريد منك البشارة .
فلما سمعت ذلك منها ردت روحي إلى جسمي وقلت لها : لك عندي كل خير .
فقالت : إني ذهبت بالأمس إلى تلك الصبية ، فلما نظرتني وأنا منكسرة الخاطر باكية العين .
قالت : يا خالتي أراك ضيقة الصدر .
فلما قالت لي ذلك بكيت وقلت لها : يا ابنتي وسيدتي إني أتيتك بالأمس من عند فتى يهواك وهو مشرف على الموت من أجلك .
فقالت لي وقد رق قلبها : ومن يكون هذا الفتى الذي تذكرينه ?
قلت : هو ولدي وثمرة فؤادي ورآك من الطاقة من أيام مضت وأنت تسقين زرعك ورأى وجهك فهام بك عشقاً وأنا أول مرة أعلمته بما جرى لي معك فزاد مرضه ولزم الوساد وما هو إلا ميت ولا محالة .
فقالت وقد اصفر لونها : هل هذا كله من أجلي ?
قلت : إي والله فماذا تأمرين ?
قالت : أمضي إليه وأقرئيه مني السلام وأخبريه أن عندي أضعاف ما عنده فإذا كان يوم الجمعة قبل الصلاة يجيء إلى الدار وأنا أقول افتحوا له الباب وأطلعه عندي وأجتمع أنا وإياه ساعة ويرجع قبل مجيء والدي من الصلاة .
فلما سمعت كلام العجوز زال ما كنت أجده من الألم واستراح قلبي ودفعت إليها ما كان علي من الثياب وانصرفت وقالت لي :
طيب قلبك .
فقلت لها : لم يبق فيه شيء من الألم .
وتباشر أهل بيتي وأصحابي بعافيتي ، ولم أزل كذلك إلى يوم الجمعة وإذ بعجوز دخلت علي وسألتني عن حالي فأخبرتها أني بخير وعافية ثم لبست ثيابي وتعطرت ومكثت أنظر الناس يذهبون إلى الصلاة حتى أمضي إليها فقالت لي العجوز :
إن معك الوقت اتساعاً زائداً فلو مضيت إلى الحمام وأزلت شعرك لا سيما من أثر المرض لكان في ذلك صلاحك .
فقلت لها : إن هذا هو الرأي الصواب لكن أحلق رأسي أولاً ، ثم أدخل الحمام .
أرسلت إلى المزن ليحلق لي رأسي وقلت للغلام :
امض إلى السوق وائتني بمزين يكون عاقلاً قليل الفضول لا يصدع رأسي بكثرة كلامه .
فمضى الغلام وأتى بهذا الشيخ فلما دخل سلم علي فرددت : عليك السلام .
فقال : أذهب الله غمك وهمك والبؤس والأحزان عنك .
فقلت له : تقبل الله منك .
فقال : أبشر يا سيدي فقد جاءتك العافية أتريد تقصير شعرك أو إخراج دم فإنه ورد عن ابن عباس أنه قال : من قصر شعره يوم الجمعة صرف الله عنه سبعين داء وروي أيضاً أنه قال : من أحتجم يوم الجمعة ، فإنه يأمن ذهاب البصر وكثرة المرض .
فقلت له : دع عنك هذا الهذيان وقم في هذه الساعة احلق لي رأسي ، فإني رجل ضعيف .
فقام ومد يده وأخرج منديلاً وفتحه ، وإذا فيه اصطرلاب وهو سبع صفائح فأخذه ومضى إلى وسط الدار ورفع رأسه إلى شعاع الشمس ونظر ملياً وقال لي :
اعلم أنه مضى من يومنا هذا وهو يوم الجمعة ، وهو عاشر صفر سنة ثلاث وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وطالعه بمقتضى ما أوجبه علم الحساب المريخ سبع درج وستة دقائق واتفق أنه يدل على أن حلق الشعر جيد جداً ، ودل عندي على أنك تريد الإقبال على شخص وهو مسعود لكن بعده كلام يقع وشيء لا أذكره لك .
فقلت له : لقد أضجرتني وأزهقت روحي وفولت علي ، وأنا ما طلبتك إلا لتحلق رأسي ولا تطل علي الكلام .
فقال : والله لو علمت حقيقة الأمر لطلبت مني زيادة البيان وأنا أشير عليك أنك تعمل اليوم بالذي أمرك به ، بمقتضى حساب الكواكب وكان سبيلك أن تحمد الله ولا تخافني ، فإني ناصح لك وشفيق عليك وأود أن أكون في خدمتك سنة كاملة وتقوم بحقي ولا أريد منك أجرة على ذلك .
فلما سمعت ذلك منه قلت له : إنك قاتلي في هذا اليوم ، ولا محالة .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:14 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال له :
إنك قاتلي في هذا اليوم .
فقال : يا سيدي أنا الذي تسميني الناس الصامت لقلة كلامي دون إخوتي لأن أخي الكبير اسمه البقبوق والثاني الهدار والثالث بقبق والرابع اسمه الكوز الأصوني والخامس اسمعها العشار والسادس اسمه شقالق والسابع اسمه الصامت وهو أنا .
فلما زاد علي هذا المزين بالكلام رأيت أن مرارتي انفطرت ، وقلت للغلام : أعطه ربع دينار وخله ينصرف عني لوجه الله ، فلا حاجة إلى حلاقة رأسي .
فقال المزين حين سمع كلامي مع الغلام : يا مولاي ، ما أظنك تعرف بمنزلتي فإن يدي تقع رأس الملوك والأمراء والوزراء والحكماء والفضلاء ، وفي مثلي قال الشاعر :
جميع الصنائع مثل العقود ........ وهذا المزين در السلـوك
فيعلو على كل ذي حكـمة ........ وتحت يديه رؤوس الملوك
فقلت : دع ما لا يعنيك فقد ضيقت صدري وأشلت خاطري .
فقال : أظنك مستعجلاً ?
فقلت له : نعم .
فقال : تمهل على نفسك ، فإن العجلة من الشيطان وهي تورث الندامة والحرمان وقد قال عليه الصلاة والسلام : خير الأمور ما كان فيه تأن وأنا والله رأبني أمرك فأشتهي أن تعرفني ما الذي أنت مستعجل من أجله ولعله خير فإني أخشى أن يكون شيئاً غير ذلك وقد بقي من الوقت ثلاث ساعات .
ثم غضب ورمى الموس من يده وأخذ الاصطرلاب ومضى إلى الشمس ووقف حصة مديدة وعاد وقال :
قد بقي لوقت الصلاة ثلاث ساعات لا تزيد ولا تنقص .
فقلت له : بالله عليك ، اسكت عني فقد فتت كبدي .
فأخذ الموس وسنه كما فعل أولاً وحلق بعض رأسي وقال : أنا مهموم من عجلتك فلو أطلعتني على سببها لكان خيراً لك لأنك تعلم أن والدك ما كان يفعل شيئاً إلا بمشورتي .
فلما علمت أن مالي منه خلاص قلت في نفسي قد جاء وقت الصلاة وأريد أن أمضي قبل أن تخرج الناس من الصلاة فإن تأخرت ساعة لا أدري أين السبيل إلى الدخول إليها فقلت :
أوجز ودع عنك هذا الكلام والفضول فإني أريد أن أمضي إلى دعوة عند أصحابي .
فلما سمع ذكر الدعوة قال : يومك يوم مبارك علي لقد كنت البارحة حلفت علي جماعة من أصدقائي ونسيت أن أجهز لهم شيئاً يأكلونه وفي هذه الساعة تذكرت ذلك وافضيحتاه منهم .
فقلت له : لا تهتم بهذا الأمر بعد تعريفك أنني اليوم في دعوة فكل ما في داري من طعام وشراب لك إن أنجزت أمري ، وعجلت حلاقة رأسي .
فقال : جزاك الله خيراً صف لي ما عندك لأضيافي حتى أعرفه ?
فقلت : عندي خمسة أوان من الطعام وعشر دجاجات محمرات وخروف مشوي .
فقال : أحضرها لي حتى أنظرها .
فأحضرت له جميع ذلك فلما عاينه ، قال : بقي لله درك ما كرم نفسك لكن بقي الشراب .
فقلت له : عندي .
قال : أحضره .
فأحضرته له ، قال : لله درك ما أكرم نفسك لكن بقي البخور الطيب .
فأحضرت له درجاً فيه نداً وعوداً وعنبر ومسك يساوي خمسين ديناراً وكان الوقت قد ضاق حتى صار مثل صدري فقلت له :
خذ هذا واحلق لي جميع رأسي بحياة محمد .
فقال المزين : والله ما آخذه حتى أرى جميع ما فيه .
فأمرت الغلام ففتح له الدرج فرمى المزين الصطرلاب من يده وجلس على الأرض يقلب الطيب والبخور والعود الذي في الدرج حتى كادت روحي أن تفارق جسمي ثم تقدم وأخذ الموسى وحلق من رأسه شيئاً يسيراً وقال :
والله يا ولدي ما أدري كيف أشكرك وأشكر والدك لأن دعوتي اليوم كلها من بعض فضلك وإحسانك وليس عندي من يستحق ذلك وإنما عندي زيتون الحمامي وصليع الفسخاني وعوكل الفوال وعكرشة البقال ، وحميد الزبال وعكارش اللبان ، ولكل هؤلاء رقصة يرقصها .
فضحكت عن قلب مشحون بالغيظ وقلت له : أقض شغلي وأسير أنا في أمان الله تعالى وتمضي أنت إلى أصحابك فإنهم منتظرون قدومك .
فقال : ما طلبت إلا أن أعاشك بهؤلاء القوام فإنهم من أولاد الناس الذين ما فيهم فضولي ولو رأيتهم مرة واحدة لتركت جميع أصحابك .
فقلت : نعم الله سرورك بهم ولا بد أن أحضرهم عندي يوماً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:15 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للمزين لا بد أن أحضر أصحابك عند يوماً فقال له :
إذا أردت ذلك وقدمت دعوى أصحابك في هذا اليوم فاصبر حتى أمضي بهذا الإكرام الذي أكرمتني به وأدعه عند أصحابي يأكلون ويشربون ولا ينتظرون ، ثم أعود إليك وأمضي معك إلى أصدقائك فليس بيني وبين أصدقائي حشمة تمنعني عن تركهم والعود إليك عاجلاً ، وأمضي معك أينما توجهت .
فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم امضي أنا إلى أصدقائي وأكون معهم في هذا اليوم فإنهم ينتظرون قدومي .
فقال المزين : لأدعك تمضي وحدك .
فقلت له : إن الموضع الذي أمضي إليه لا يقدر أحد أن يدخل فيه غيري .
فقال : أظنك اليوم في ميعاد واحد وإلا كنت تأخذني معك وأنا أحق من جميع الناس وأساعدك على ما تريد فإني أخاف أن تدخل على امرأة أجنبية فتروح روحك فإن هذه مدينة بغداد لا يقدم أحد أن يعمل فيها شيئاً من هذه الأشياء لا سيما في مثل هذا اليوم وهذا ولي بغداد صار عظيم .
فقلت : ويلك يا شيخ الشر أي شيء هذا الكلام الذي تقابلني به .
فسكت سكوتا طويلاً وأدركنا وقت الصلاة وجاء وقت الخطبة وقد فرغ من حلق رأسي .
فقلت له : أمضي إلى أصحابك بهذا الطعام والشراب وأنا أنتظرك حتى تمضي معي . ولم أزل أخادعه لعله يمضي ، فقال لي :
إنك تخادعني وتمضي وحدك وترمي نفسك في مصيبة لا خلاص لك منها ، فبالله لا تبرح حتى أعود إليك وأمضي معك حتى أعلم ما يتم من أمرك ، فقلت له : نعم لا تبطئ علي .
فأخذ ما عطيته من الطعام والشراب وغيره وأخرج من عندي فسلمه إلى الحمال ليوصله إلى منزله وأخفى نفسه في بعض الأزقة ثم قمت من ساعتي وقد أعلنوا على المنارات بسلام الجمعة فلبست ثيابي وخرجت وحدي وأتيت إلى الزقاق ووقعت على البيت الذي رأيت فيه تلك الصبية وإذا بالمزين خلفي ولا أعلم به فوجدت الباب مفتوحاً فدخلت وإذا بصاحب الدار عاد إلى منزله من الصلاة ودخل القاعة وغلق الباب ، فقلت من أين أعلم هذا الشيطان بي ? فاتفق في هذه الساعة ، لأمر يريده الله من هتك ستري أن صاحب الدار أذنبت جارية عنده فضربها فصاحت فدخل عنده عبد ليخلصها فضربه فصاح الآخر فاعتقد المزين أنه يضربني فصاح ومزق أثوابه وجثا التراب على رأسه وصار يصرخ ويستغيث والناس حوله وهو يقول :
قتل سيدي في بيت القاضي .
ثم مضى إلى داري وهو يصيح والناس خلفه وأعلم أهل بيتي وغلماني فما دريت إلا وهم قد أقبلوا يصيحون واسيداه كل هذا والمزين قدامهم وهو يمزق الثياب والناس معهم ولم يزالوا يصرخون وهو في أوائلهم يصرخ وهم يقولوا واقتيلاه وقد أقبلوا نحو الدار التي أنا فيها فلما سمع القاضي ذلك عظم عليه الأمر وقام وفتح الباب فرأى جمعاً عظيماً فبهت وقال :
يا قوم ما القصة ?
فقال له الغلمان : إنك قتلت سيدنا .
فقال : يا قوم وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:16 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن القاضي قال للغلمان :
وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله وما لي أرى هذا المزين بين أيديكم .
فقال له المزين : أنت ضربته في هذه الساعة بالمقارع وأنا أسمع صياحه .
فقال القاضي : وما الذي فعله حتى أقتله ومن أدخله داري ومن أين جاء وإلى أين يقصد .
فقال له المزين : لا تكن شيخاً نحساً فأنا أعلم الحكاية وسبب دخوله دارك وحقيقة الأمر كله وبنتك تعشقه وهو يعشقها ، فعلمت أنه قد دخل دارك وأمرت غلمانك فضربوه والله ما بيننا وبينك إلا الخليفة أو تخرج لنا سيدنا ليأخذه أهله ولا تحوجني إلى أن أدخل وأخرجه من عندكم وعجل أنت بإخراجه .
فالتجم القاضي عن الكلام وصار في غاية الخجل من الناس وقال للمزين :
إن كنت صادقاً ، فادخل أنت وأخرجه .
فنهض المزين ودخل الدار ، فلما رأيت المزين أردت أن أهرب فلم أجد لي مهرباً غير أني رأيت في الطبقة التي أنا فيها صندوقاً فدخلت فيه ورددت الغطاء عليه وقطعت النفس ، فدخل بسرعة ولم يلتفت إلى غير الجهة التي أنا فيها بل قصد الموضع الذي أنا فيه والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد إلا الصندوق الذي أنا فيه فحمله على رأسه . فلما رأيته فعل ذلك غاب رشدي ثم مر مسرعاً فلما علمت أنه ما يتركني فتحت الصندوق وخرجت منه بسرعة ورميت نفسي على الأرض فانكسرت رجلي ، فلما توجهت إلى الباب وجدت خلقاً كثيراً لم أر في عمري مثل هذا الازدحام الذي حصل في ذلك اليوم فجعلت أنثر الذهب على الناس ليشتغلوا به فاشتغل الناس به وصرت أجري في أزقة بغداد وهذا المزين خلفي وأي مكان دخلت فيه يدخل خلفي وهو يقول :
أرادوا أن يفجعوني في سيدي الحمد لله الذي نصرني عليهم ، وخلص سيدي من أيديهم فما زلت يا سيدي مولعاً بالعجلة لسوء تدبيرك حتى فعلت بنفسك هذه الأفعال فلولا من الله عليك بي ما كنت خلصت من هذه المصيبة التي وقعت فيها وربما كانوا يرمونك في مصيبة لا تخلص منها أبداً فاطلب من الله أن أعيش لك حتى أخلصك ، والله لقد أهلكتني بسوء تدبيرك وكنت تريد أن تروح وحدك ، ولكن لا نؤاخذك على جهلك لأنك قليل العقل عجول .
فقلت له : أما كفاك ما جرى منك حتى تجري ورائي في الأسواق .
وصرت أتمنى الموت لأجل خلاصي منه فلا أجد موتاً ينقذني منه ، فمن شدة الغيظ ، فررت ودخلت دكاناً في وسط السوق واستجرت بصاحبها فمنعه عني ، وجلست في مخزن وقلت في نفسي ما بقيت أقدر أن أفترق من هذا المزين ، بل يقيم عندي ليلاً ونهاراً ولم يبق في قدرة على النظر إلى وجهه ، فأرسلت في الوقت أحضر الشهود وكتبت وصية لأهلي وجعلت ناظراً عليهم وأمرته أن يبيع الدار والعقارات وأوصيته بالكبار والصغار ، وخرجت مسافراً من ذلك الوقت حتى أتخلص من ذلك القواد ثم جئت إلى بلادكم فسكنتها ولي فيها مدة فلما عزمت علي وجئت إليكم رأيت هذا القبيح القواد عندكم في صدر المكان فكيف يستريح قلبي ويطيب مقامي عندكم مع هذا وقد فعل معي هذه الفعال وانكسرت رجلي بسببه ثم أن الشاب امتنع من الجلوس .
فلما سمعنا حكايته مع المزين قلنا للمزين : أحق ما قاله هذا الشاب عنك ?
فقال : والله أنا فعلت ذلك بمعرفتي ولولا أني فعلت لهلك وما سبب نجاته إلا أنا ومن فضل الله عليه بسببي أنه أصاب برجله ولم يصب بروحه ولو كنت كثير الكلام ما فعلت معه ذلك الجميل وها أنا أقول لكم حديثاً جرى لي حتى تصدقوا أني قليل الكلام وما عندي فضول من دون إخوتي وذلك أني كنت ببغداد في أيام خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله ، وكان يحب الفقراء والمساكين ويجالس العلماء والصالحين ، فاتفق له يوماً أنه غضب على عشرة أشخاص فأمر المتولي ببغداد أن يأتيه بهم في زورق فنظرتهم أنا ، فقلت :
ما اجتمع هؤلاء إلا لعزومة وأظنهم يقطعون يومهم في هذا الزورق في أكل وشرب ولا يكون نديمهم غيري .
فقمت ونزلت معهم واختلطت بهم فقعدوا في الجانب الآخر فجاء لهم أعوان الوالي بالأغلال ووضعوها في رقابهم وضعوا في رقبتي غلال من جملتهم فهذا يا جماعة ما هو من مروءتي وقلة كلامي لأني ما رضيت أن أتكلم فأخذونا جميعاً في الأغلال وقدمونا بين يدي المنتصر بالله أمير المؤمنين فأمر بضر رقاب العشرة فضرب السياف رقاب العشرة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:17 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال :
لما السياف ضرب رقاب العشرة وبقيت أنا فالتفت الخليفة فرآني فقال للسياف : ما بالك لا تضرب رقاب جميع العشرة ?
فقال : ضربت رقاب العشرة كلهم .
فقال له الخليفة : ما أظنك ضربت رقاب غير تسعة وهذا الذي بين يدي هو العاشر .
فقال السياف : وحق نعمتك أنهم عشرة .
عدوهم فإذا هم عشرة فنظر إلي الخليفة وقال :
ما حملك على سكوتك في هذا الوقت وكيف صرت مع أصحاب الدم ?
فلما سمعت خطاب أمير المؤمنين قلت له :
اعلم يا أمير المؤمنين أني أنا الشيخ الصامت وعندي من الحكمة شيء أكثر وأما رزانة عقلي وجودة فهمي وقلة كلامي فإنها لا نهاية لها وصنعتي الزيانة فلما كان أمس بكرة النهار ، نظرت هؤلاء العشرة قاصدين الزورق فاختلت بهم ونزلت معهم وظننت أنهم في عزومة فما كان غير ساعة وإذا هم أصحاب جرائم فحضرت إليهم الأعوان ووضعوا في رقابهم الأغلال ووضعوا في رقبتي غلاً من جملتهم ، فمن فرط مروءتي سكت ولم أتكلم بين يديك فأمرت بضرب رقاب العشرة وبقيت أنا بين يدي السياف ولم أعرفكم بنفسي ، أما هذه مروءة عظيمة وقد أحوجتني إلى أن أشاركهم في القتل لكن طول دهري هكذا أفعل الجميل .
فلما سمع الخليفة كلامي وعلم أني كثيرة المروءة قليل الكلام ما عندي فضول كما يزعم هذا الشاب الذي خلصته من الأهوال قال الخليفة :
وأخوتك الستة مثلك فيهم الحكمة والعلم وقلة الكلام ؟
قلت : لا عاشوا ولا بقوا إن كانوا مثلي ولكن ذممتني يا أمير المؤمنين ولا ينبغي لك أن تقرن أخوتي بي لأنهم من كثرة كلامهم وقلة مروءتهم كل واحد منهم بعاهة ففيهم واحد أعرج وواحد أعور واحد أفكح وواحد أعمى وواحد مقطوع الأذنين والأنف وواحد مقطوع الشفتين وواحد أحول العينين ، ولا تحسب يا أمير المؤمنين أني كثير الكلام ولا بد أن أبين لك أني أعظم مروءة منهم ولكل واحد منهم حكاية اتفقت له حتى صار فيه عاهة ، وإن شئت أن أحكي لك فاعلم يا أمير المؤمنين أن الأول وهو الأعرج كان صنعته الخياطة ببغداد ، فكان يخيط في دكان استأجرها من رجل كثير المال وكان ذلك الرجل ساكناً في الدكان وكان في أسفل دار الرجل طاحون ، فبينما أخي الأعرج جالس في الدكان ذات يوم إذ رفع رأسه فرأى امرأة كالبدر الطالع في روشن الدار وهي تنظر الناس فلما رآها أخي تعلق قلبه بحبها وصار يومه ذلك ينظر إلهيا وترك اشتغاله بالخياطة إلى وقت المساء ، فلما كان وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط وهو كلما غرز غرزة ينظر إلى الروشن فمكث على ذلك مدة لم يخيط شيئاً يساوي درهماً ، فاتفق أن صاحب الدار جاء إلى أخي يوماً من الأيام ومعه قماش وقال له :
فصل لي هذا وخيطه أقمصة .
فقال أخي : سمعاً وطاعة .
ولم يزل يفصل حتى فصل عشرين قميصاً إلى وقت العشاء وهو لم يذق طعاماً ، ثم قال له :
كم أجرة ذلك ?
فلم يتكلم أخي فأشارت إليه الصبية بعينها أن لا يأخذ منه شيئاً وكان محتاجاً إلى الفلس واستمر ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا القليل بسبب اجتهاده في تلك الخياطة ، فلما فرغ من الخياطة التي لهم أتى إليهم بالأقمصة وكانت الصبية قد عرفت زوجها بحال أخي وأخي لا يعلم ذلك واتفقت هي وزوجها على استعمال أخي في الخياطة بلا أجرة بل يضحكون عليه فلما فرغ أخي من جميع أشغالهما عملا عليه حيلة وزوجاه بجاريتهما وليلة أراد أن يدخل عليها قالا له :
أبت الليلة في الطاحون وإلى الغد يكون خيراً .
فاعتقد أخي أن لهما قصداً بريئاً فبات في الطاحون وحده وراح زوج الصبية يغمز الطحان عليه ليدوره في الطاحون فدخل عليه الطحان في نصف الليل وجعل يقول :
أن هذا الثور بطال مع أن القمح كثير وأصحاب الطحين يطلبونه فأنا أعلقه في الطاحون حتى يخلص طحين القمح ، فعلقه في الطاحون إلى قرب الصبح .
فجاء صاحب الدار ، فرأى أخي معلقاً في الطاحون والطحان يضربه بالسوط فتركه ومضى وبعد ذلك جاءت الجارية التي عقد عليها وكان مجيئها في بكرة النهار فحلته من الطاحون وقالت :
قد شق علي وعلى سيدتي ما جرى لك وقد حملنا همك .
فلم يكن له لسان يرد جواباً من شدة الضرب ، ثم أن أخي رجع إلى منزله وإذا بالشيخ الذي كتب الكتاب قد جاء وسلم عليه وقال له :
حياك الله زواجك مبارك أنت بت الليلة في النعيم والدلال والعناق من العشاء إلى الصباح .
فقال له أخي : لا سلم الله الكاذب يا ألف قواد ، والله ما جئت إلا لأطحن في موضع الثور إلى الصباح .
فقال له : حدثني بحديثك .
فحدثه أخي بما وقع له فقال له : ما وافق نجمك نجمها ولكن إذا شئت أن أغير لك عقد العقد أغيره لك بأحسن منه لأجل أن يوافق نجمك نجمها .
فقال له : انظر إن بقي لك حيلة أخرى .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:18 PM
تكملة حكاية مزين بغداد

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الأعرج لما قال للشيخ :
انظر إن بقي لك حيلة أخرى .
فتركه وأتى إلى دكانه ينتظر أحداً يأتي إليه بشغل يتقوت من أجرته وإذا هو بالجارية قد أتت إليه وكانت اتفقت مع سيدتها على تلك الحيلة فقالت له :
إن سيدتي مشتاقة إليك وقد طلعت السطح لترى وجهك من الروشن .
فلم يشعر أخي إلا وهي قد طلعت له من الروشن وصارت تبكي وتقول :
لأي شيء قطعت المعاملة بيننا وبينك ؟
فلم يرد عليها جواباً فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن باختيارها فلما نظر أخي إلى حسنها وجمالها ذهب عنه ما حصل له وقبل عذرها وفرح برؤيتها ، ثم سلم عليها وتحدث معها وجلس في خياطتها مدة وبعد ذلك ذهبت إليه الجارية وقالت له :
تسلم عليك سيدتي وتقول لك : إن زوجها قد عزم على أن يبيت عند بعض أصدقائه في هذه الليلة ، فإذا مضى عندهم تكون أنت عندنا وتبيت مع سيدتي في ألذ عيش إلى الصباح .
وكان زوجها قد قال لها ما يكون العمل في مجيئه عندك حتى آخذه وأجره إلى الوالي فقالت :
دعني أحتال عليه بحيلة وأفضحه فضيحة يشتهر بها في هذه المدينة .
وأخي لا يعلم شيئاً من كيد النساء ، فلما اقبل المساء جاءت الجارية إلى أخي وأخذته ورجعت به إلى سيدتها فقالت له :
والله يا سيدي إني مشتاقة إليك كثيراً .
فقال : بالله عليك عجل بقبلة قبل كل شيء ...
فلم يتم كلامه إلا وقد حضر زوج الصبية من بيت جاره فقبض على أخي وقال له :
لا أفارقك إلا عند صاحب الشرطة .
فتضرع إليه أخي فلم يسمعه بل حمله إلى دار الوالي فضربه بالسياط وأركبه جملاً ودوره في شوارع المدينة والناس ينادون عليه هذا جزاء من يهيم على حرائم الناس ووقع من فوق الجمل فانكسرت رجله فصار أعرج ثم نفاه الوالي من المدينة فخرج لا يدري أين يقصد فاغتظت أنا فلحقته وأتيت به والتزمت بأكله وشربه إلى الآن .
فضحك الخليفة من كلامي وقال : أحسنت .
فقلت : لا أقبل هذا التعظيم منك دون أن تصغي علي حتى أحكي لك ما وقع لبقية أخوتي ولا تحسب أني كثير الكلام .
فقال الخليفة : حدثني بما وقع لجميع أخوتك وشنف مسامعي بهذه الرقائق واسلك سبيل الأطناب في ذكر هذه اللطائف .
فقلت : اعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمه بقبق وقد وقع له أنه كان ماشياً يوماً من الأيام متوجهاً إلى حاجة له وإذا بعجوز قد استقبلته وقالت له :
أيها الرجل قف قليلاً حتى أعرض عليك أمراً فإن أعجبك فاقضه لي .
فوقف أخي فقالت له : أدلك على شيء وأرشدك إليه بشرط أن لا يكون كلامك كثيراً .
فقال لها أخي : هات كلامك .
قالت : ما قولك في دار حسنة وماؤها يجري وفاكهة مدام ووجه مليح تشاهده وخد أسيل تقبله وقد رشيق تعانقه ولم تزل كذلك من العشاء إلى الصباح ، فإن فعلت ما أشترط عليك رأيت الخير .
فلما سمع أخي كلامها قال لها : يا سيدتي وكيف قصدتيني بهذا الأمر من دون الخلق أجمعين فأي شيء أعجبك مني ?
فقالت لأخي : أما قلت لك لا تكن كثير الكلام واسكت وامض معي .
ثم ولت العجوز وسار أخي تابعاً لها طمعاً فيما وصفته له حتى دخلا داراً فسيحة وصعدت به من أدنى إلى أعلى فرأى قصراً ظريفاً فنظر أخي فرأى فيه أربع بنات ما رأى الراؤون أحسن منهن وهن يغنين بأصوات تطرب الحجر الأصم ، ثم إن بنتاً منهن شربت قدحاً فقال لها أخي :
بالصحة والعافية .
وقام ليخدمها فمنعته من الخدمة ثم سقته قدحاً وصفعته على رقبته ، فلما رأى أخي ذلك خرج مغضباً ومكثراً الكلام فتبعته العجوز وجعلت تغمزه بعينها ارجع فرجع وجلس ولم ينطق فأعادت الصفعة على قفاه إلى أن أغمي عليه ثم قام أخي لقضاء حاجته فلحقته العجوز وقالت له :
اصبر قليلاً حتى تبلغ ما تريد .
فقال لها أخي : إلى كم أصبر قليلاً ?
فقالت العجوز : إذا سكرت بلغت مرادك .
فرجع أخي إلى مكانه فقامت البنات كلهن وأمرتهن العجوز أن يجردنه من ثيابه وأن يرششن على وجهه ماء ورد ، ففعلن ذلك فقالت الصبية البارعة الجمال منهن :
أعزك الله قد دخلت منزلي فإن صبرت على شرطي بلغت مرادك .
فقال لها أخي : يا سيدتي أنا عبدك وفي قبضة يدك .
فقالت له : اعلم أن الله قد شغفني بحب المطرب فمن أطاعني نال ما يريد .
ثم أمرت الجواري أن يغنين فغنين حتى طرب المجلس ، ثم قالت الجارية :
خذي سيدك واقض حاجته وائتيني به في الحال .
فأخذت الجارية أخي ولا يدري ما تصنع به فلحقته العجوز وقالت له :
اصبر ما بقي إلا القليل .
فأقبل أخي على الصبية والعجوز تقول : اصبر فقد بلغت ما تريد وإنما بقي شيء واحد وهو أن تحلق ذقنك .
فقال لها أخي : وكيف أعمل في فضيحتي بين الناس ?
فقالت له العجوز : إنها ما أرادت أن تفعل بك ذلك إلا لأجل أن تصير أمرد بلا ذقن ولا يبقى في وجهك شيء يشكها فإنها صار في قلبها لك محبة عظيمة فاصبر فقد بلغت المنى .
فصبر أخي وطاوع الجارية وحلق ذقنه وجاءت به إلى الصبية وإذا هو محلوق الحاجبين والشاربين والذقن فقام ورقص فلم تدع في البيت مخدة حتى ضربته بها وكذلك جميع الجواري صرن يضربنه بمثل نارنجة وليمونة وأترجة إلى أن سقط مغشياً عليه من الضرب ولم يزل الصفع على قفاه والرجم في وجهه إلى أن قالت له العجوز :
الآن بلغت مرادك واعلم أنه ما بقي عليك من الضرب شيء وما بقي إلا شيء واحد وذلك أن من عادتها أنها إذا سكرت لا تمكن أحداً من نفسها حتى تقلع ثيابها وسراويلها وتبقى عارية من جميع ما عليها من ثيابها وأنت الآخر تقلع ثيابك وتجري ورائها وهي تجري قدامك كأنها هاربة منك ، ولم تزل تابعها من مكان إلى مكان حتى تمكنك من نفسها .
ثم قالت له : قم اقلع ثيابك فقام وهو غائب عن الوجود وقلع ثيابه جميعاً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:19 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين قلع ثيابه وصار عرياناً ، فقالت الجارية لأخي :
قم الآن واجر ورائي وأجري أنا قدامك وإذا أردت شيئاً فاتبعني .
فجرت قدامه وتبعها ثم جعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر وأخي وراءها وقد غلب الشنق كأنه مجنون ولم تزل تجري قدامه وهو يجري وراءها ، حتى سمع منها صوتاً رقيقاً وهي تجري قدامه وهو يجري وراءها ، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق وذلك الزقاق في وسط الجلادين وهم ينادون على الجلود فرآه الناس على تلك الحالة وهو عريان محلوق الذقن والحواجب والشوارب ، محمر الوجه فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون ، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان حتى غشي عليه وحملوه على حمار حتى أوصلوه إلى الوالي فقال :
ما هذا ?
قالوا : هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة .
فضربه الوالي مائة سوط وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً ثم رتبت له ما يقتات به فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله .
وأما أخي الثالث فقد ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة ، فدق الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً ، فقال صاحب الدار :
من بالباب ?
فلم يكلمه أحد فسمعه أخي يقول بصوت عال : من هذا ?
فلم يكلمه أخي وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه فقال : ماذا تريد ?
قال له أخي : شيئاً لله تعالى .
فقال له : هل أنت ضرير ?
قال له أخي : نعم .
فقال له : ناولني يدك .
فناوله يده فأدخله الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح ، وأخي يظن أنه يطعمه شيئاً فلما انتهى إلى أعلى مكان ، قال لأخي : ما تريد يا ضرير .
قال : أريد شيئاً لله تعالى .
فقال له : يفتح الله عليك .
فقال له أخي : يا هذا أما كنت تقول لي ذلك وأنا في الأسفل .
فقال له : يا أسفل السفلة لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب .
فقال أخي : هذه الساعة ما تريد أن تصنع بي ?
فقال له : ما عندي شيء حتى أعطيك إياه .
قال : انزل بي إلى السلالم .
فقال لي : الطريق بين يديك .
فقام أخي واستقبل السلالم وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع ولم يزل واقعاً منحدراً من السلالم حتى انشج رأسه فخرج وهو لا يدري أين يذهب فلحقه بعض رفقائه العميان فقال له :
أي شيء حصل لك في هذا اليوم ?
فحدثهم بما وقع له قال لهم : يا أخوتي أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم التي بقيت معنا وأنفق منه على نفسي .
وكان صاحب الدار مشى خلفه ليعرف حاله فسمع كلامه وأخي لا يدري بأن الرجل يسعى خلفه إلى أن دخل مكانه ، ودخل الرجل خلفه وهو لا يشعر به ، وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهم :
أغلقوا الباب وفتشوا البيت كيلا يكون أحد غريب تبعنا .
فلما سمع الرجل كلام أخي قام وتعلق بحبل كان في السقف ، فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحداً ، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي أخرجوا الدراهم التي معهم وعدوها فإذا هي عشرة آلاف درهم فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحد مما زاد عنها ما يحتاج إليه ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب ، ثم قدموا بين أيديهم شيئاً من الأكل وقعدوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريب في جهته فقال للأصحاب :
هل معنا غريب ثم مد يده فتعلقت بيد الرجل صاحب الدار فصاح على رفقائه وقال :
هذا غريب .
فوقعوا فيه ضرباً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:20 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صاح على رفقائه وقال :
هذا غريب .
وقعوا فيه ضرباً فلما طال عليهم ذلك صاحوا : يا مسلمين دخل علينا من يريد أن يأخذ مالنا فاجتمع عليهم خلق فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادعوا عليه أنه لص وأغمض عينيه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشك فيه أحد وصاح :
يا مسلمين أنا بالله والسلطان أنا بالله والوالي أنا بالله والأمير فإن عندي نصيحة للأمير .
فلم يشعروا إلا وقد احتاطهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه فقال الوالي :
ما خبركم ?
فقال ذلك الرجل : اسمع كلامي أيها الوالي لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة ، وإن شئت فابدأ بعقوبتي قبل رفقائي .
فقال الوالي : اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط .
فطرحوه وضربوه فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه فلما ازداد عليه الضرب فتح عينه الأخرى .
فقال له الوالي : ما هذه الفعال يا فاجر ?
فقال : أعطني الأمان وأنا أخبرك .
فأعطاه الأمان ، فقال : نحن أربعة نعمل حالنا عمياناً ونمر على الناس وندخل البيوت وننظر النساء ونحتال في فسادهن ، واكتساب الأموال من طرقهن وقد حصلنا من ذلك مكسباً عظيماً وهو عشرة آلاف درهم فقلت لرفقائي : أعطوني حقي ألفين وخمسمائة فقاموا وضربوني وأخذوا مالي وأنا مستجير بالله وبك وأنت أحق بحصتي من رفقائي ، وإن شئت أن تعرف صدق قولي فاضرب كل واحد أكثر مما ضربتني فإنه يفتح عينيه .
فعند ذلك أمر الوالي بعقوبتهم وأول ما بدأ بأخي وما زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت ثم قال لهم الوالي : يا فسقة تجحدون نعمة الله وتدعون أنكم عميان .
فقال أخي : والله والله والله ما فينا بصير .
فطرحوه إلى الضرب ثانياً ولم يزالوا يضربونه حتى غشي عليه فقال الوالي : دعوه حتى يفيق وأعيدوا عليه الضرب ثالث مرة .
ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمائة عصا والنصير يقول لهم : افتحوا عيونكم وإلا جددوا عليكم الضرب .
ثم قال للوالي : ابعث معي من يأتيك بالمال ، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم ويخافون من فضيحتهم بين الناس .
فبعث الوالي معه من أتاه بالمال ، فأخذه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدر حصته رغماً عنهم ، وبقي أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة فخرجت أنا يا أمير المؤمنين ولحقت أخي وسألته عن حاله فأخبرني بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب طول عمره .
فضحك الخليفة من حكايتي وقال : صلوه بجائزة ودعوه ينصرف .
فقلت له : والله ما آخذ شيئاً حتى أبين لأمير المؤمنين ما جرى لبقية أخوتي وأوضح له أني قليل الكلام .
فقال الخليفة : أصدع آذاننا بخرافة خبرك وزدنا من عجرك وبجرك .
فقلت : وأما أخي الرابع يا أمير المؤمنين وهو الأعور فإنه كان جزاراً ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان وكانت الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم فاكتسب من ذلك مالاً عظيماً واقتنى الدواب والدور ، ثم أقام على ذلك زمناً طويلاً فبينما هو في دكانه يوماً من الأيام إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية فدفع له دراهم ، وقال :
أعطني بها لحماً .
فأخذ الدراهم منه وأعطاه اللحم وانصرف ، فتأمل أخي في فضة الشيخ فرأى دراهمه بيضاً بياضها ساطع فعزلها وحدها في ناحية وأقام الشيخ يتردد عليه خمسة أشهر وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنماً فلما فتح الصندوق رأى ما فيه ورقاً أبيض مقصوصاً فلطم وجهه وصاح ، فاجتمع الناس عليه فحدثه بحديثه فتعجبوا منه ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته فذبح كبشاً وعلقه خارج الدكان وصار يقول في نفسه :
لعل ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه .
فما كان إلا ساعة وقد أقبل الشيخ ومعه الفضة فقام أخي وتعلق به وصار يصيح : يا مسلمين ألحقوني واسمعوا قصتي مع هذا الفاجر .
فلما سمع الشيخ كلامه قال له : أي شيء أحب إليك أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس ?
فقال له : يا أخي بأي شيء تفضحني ?
قال : بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم .
فقال له : يا أخي كذبت يا ملعون .
فقال الشيخ : ما ملعون إلا الذي عنده رجل معلق في الدكان .
فقال له أخي : إن كان الأمر كما ذكرت مالي ودمي حلال لك .
فقال الشيخ : يا معاشر الناس ، إن هذا الجزار يذبح الآدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم الغنم وإن أردتم أن تعلموا صدق قولي فادخلوا دكانه .
فهجم الناس على دكان أخي فرؤوا ذلك الكبش صار إنساناً معلقاً فلما رأوا ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا عليه : يا كافر يا فاجر .
وصار أعز الناس إليه يضربه ويلطمه الشيخ على عينه ، فقلعها وحمل الناس ذلك المذبوح إلى صاحب الشرطة فقال له الشيخ :
أيها الأمير إن هذا الرجل يذبح الناس ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم وقد أتيناك به فقم واقض حق الله عز وجل .
فدافع أخي عن نفسه فلم يسمع منه صاحب الشرطة بل أمر بضربه خمسمائة عصا وأخذوا جميع ماله ولولا كثرة ماله لقتلوه ثم نفوا أخي من المدينة فخرج هائماً لا يدري أين يتوجه فدخل مدينة كبيرة واستحسن أن يعمل إسكافياً ففتح دكاناً وقعد يعمل شيئاً يتقوت منه فخرج ذات يوم في حاجة فسمع صهيل خيل فبحث على سبب ذلك فقيل له أن الملك خارج إلى الصيد والقنص فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الأساكفة فالتفت الملك ووقعت عينه على عين أخي فأطرق الملك رأسه ، وقال :
أعوذ بالله من شر هذا اليوم .
وثنى عنان فرسه ، وانصرف راجعاً فرجع جميع العسكر وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا أخي ويضربونه فلحقوه وضربوه ضرباً وجيعاً حتى كاد أن يموت ولم يدر أخي السبب فرجع إلى موضعه وهو في حالة العدم ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له :
يا أخي اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور لاسيما إن كان الأعور شمالاً فإنه لا يرجع عن قتله .
فلما سمع أخي ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-04-2015, 07:21 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الأعور لما سمع ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك وأقام بها زمناً طويلاً ، ثم بعد ذلك تفكر في أمره وخرج يوماً ليتفرج فسمع صهيل خيل خلفه ، فقال :
جاء أمر الله .
وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه فلم يجد ، ثم نظر فرأى باباً منصوباً فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزاً طويلاً فاستمر داخلاً فيه فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا :
الحمد لله الذي مكننا منك يا عدو الهل هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع بل أذقتنا طعم الموت .
فقال أخي : يا قوم ما أمركم بالله ?
فقالوا : أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت ، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك ولكن أخرج لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلة .
وفتشوه فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال .
فقال : يا قوم اتقوا الله في أمري واعلموا أن حديثي عجيب .
فقالوا : وما حديثك .
فحدثهم بحديثه طمعاً أن يطلقوه .
فلم يسمعوا منه مقاله ولم يلتفوا إليه بل ضربوه ومزقوا أثوابه ، فلما تمزقت أثوابه وانكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبيه فقالوا له :
يا ملعون هذا أثر الضرب يشهد على جرمك .
ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسه قد وقعت فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب .
وأما أخي الخامس فإنه كان مقطوع الأذنين ، يا أمير المؤمنين وكان رجلاً فقيراً يسأل الناس ليلاً وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً ، وكان والدنا شيخاً كبيراً طاعناً بالسن فخلف لنا سبعمائة درهم وأما أخي الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحير ولم يدر ما يصنع بها فبينما هو كذلك إذ وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله في قفص كبير وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليها وقعد متفكراً في نفسه وقال :
إن رأس مالي في هذا الزجاج مائة درهم أنا أبيعه بمائتي درهم ثم أشتري بالمائتي درهم زجاجاً أبيعه بأربعمائة درهم ولا أزال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير فأشتري داراً حسنة وأشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة وآكل وأشرب ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها إلى بيتي وأسمع مغانيها .
هذا كله ، وهو يحسب في نفسه وقفص الزجاج قدامه .
ثم قال : وابعث جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء واخطب بنت الوزير فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال وأمهرها بألف دينار ، فإن رضي أبوها حصل المراد وإن لم يرض أخذتها قهراً على رغم أنفه ، فإن حصلت في داري اشتري عشرة خدام صغار ، ثم اشتري لي كسوة الملوك والسلاطين وأصوغ لي سرجاً من الذهب مرصعاً بالجوهر ، ثم اركب ومعي المماليك يمشون حولي وقدامي وخلفي حتى إذا رآني الوزير قام إجلالاً لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني لأنه صهري ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار فأعطيه ألف دينار مهر بنته وأهدي إليه الألف الثاني إنعاماً حتى أظهر له مروءتي وكرمي وصغر الدنيا في عيني ، ثم أنصرف إلى داري فإذا جاء أحد من جهة امرأتي وهبت له دراهم وخلعت عليه خلعة وإن أرسل إلي الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نقيصة ولم أقبل منه حتى يعلموا أني عزيز النفس ولا أخلي نفسي إلا في أعلى مكانة ، ثم أقدم إليهم في إصلاح شأني وتعظيمي فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها ثم أصلح داري إصلاحاً بيناً فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابي وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت بميناً ولا شمالاً لكبر عقلي ورزانة فهمي وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها وأنا أنظر إليها عجباً وتيهاً حتى يقول جميع من حضر : يا سيدي امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك فأنعم عليها بالنظر فقد أضر بها القيام ثم يقبلون الأرض قدامي مراراً فعند ذلك أرفع رأسي وأنظر إليها نظرة واحدة ، ثم أطرق برأسي إلى الأرض فيمضون بها وأقوم أنا وأغير ثيابي وألبس أحسن مما كان علي فإذا جاؤوا بالعروسة المرة الثانية ، لا أنظر إليها حتى يسألوني مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض ولم أزل كذلك حتى يتم جلاؤها .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:43 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال :
إني آمر بعض الخدامين أن يرمي كيساً فيه خمسمائة دينار للمواشط فإذا أخذته آمرهن أن يدخلنني عليها لا أنظر إليها ولا أكلمها احتقاراً لها لأجل أن يقال أني عزيز النفس حتى تجيء أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي يا سيدي انظر جاريتك فإنها تشتهي قربك فأجبر خاطرها بكلمة فلم أرد عليها جواباً ولم تزل كذلك تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلي مراراً ، ثم تقول :
يا سيدي إن بنتي صبية مليحة ما رأت رجلاً فإذا رأت منك الانقباض انكسر خاطرها فمل إليها وكلمها .
ثم إنها تقوم وتحضر لي قدحاً وفيه شراباً ثم إن ابنتها تأخذ القدح لتعطيني فإذا جاءتني تركتها قائمة ، بين يدي وأنا متكئ على مخدة مزركشة بالذهب لأنظر إليها من كبر نفسي وجلالة قدري حتى تظن في نفسها أني سلطان عظيم الشأن فتقول :
يا سيدي بحق الله عليك ، لا ترد القدح من يد جاريتك .
فلا أكلمها فتلح علي وتقول : لا بد من شربه .
وتقدمه إلى فمي فأنفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا .
ثم أرفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه .
ثم قال أخي هذا كله من كبر نفسي ولو كان أمره إلى أمير المؤمنين لضربته ألف سوط وشهرته في البلد ثم بعد ذلك صار أخي يلطم على وجهه ومزق ثيابه وجعل يبكي ويلطم على وجهه والناس ينظرون إليه وهم رائحون إلى صلاة الجمعة فمنهم من يرمقه ومنهم من لم يفكر فيه ، وهو على تلك الحالة وراح منه رأس المال والربح ولم يزل جالساً يبكي وإذا بامرأة مقبلة إلى صلاة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح منها رائحة المسك ، وتحتها بغلة بردعتها من الديباج مزركشة بالذهب ومعها عدد من الخدم فلما نظرت إلى الزجاج وحال أخي وبكائه أخذتها الشفقة عليه ورق قلبها له وسألت عن حاله فقيل لها :
إنه كان معه طبق زجاج يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظريه .
فنادت بعض الخدام وقالت له : ادفع الذي معك إلى هذا المسكين .
فدفع له صرة ، فأخذها فلما فتحها وجد فيها خمسمائة دينار فكاد أن يموت من شدة الفرح ، واقبل أخي بالدعاء لها ثم عاد إلى منزله غنياً وقعد متفكراً وإذا بدق يدق الباب فقام وفتح وإذا بعجوز لا يعرفها ، فقالت له :
يا ولدي اعلم أن الصلاة قد قرب زوال وقتها وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى أتوضأ .
فقال لها : سمعاً وطاعة .
ثم دخل أخي وأذن لها بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير فلما فرغت أقبلت إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين ثم دعت لأخي دعاء حسناً شكرها على ذلك وأعطاها دينارين فلما رأت ذلك قالت :
سبحان الله أني أعجب ما أحبك وأنت بسمة الصعاليك فخذ مالك عني وإن كنت غير محتاج إليه فأردده إلى التي أعطتك إياه لما انكسر الزجاج منك .
فقال لها أخي : يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها ?
قالت : يا ولدي إنها تميل إليك لكنها زوجة رجل موسر فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً من الملاطفة والكلام الحسن إلا وتفعله معها فإنك تنال من جمالها ومن مالها ، جميع ما تريد .
فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز ، وهو لا يصدق بذلك فلم تزل تمشي وراءها حتى وصلا إلى باب كبير فدقته فخرجت جارية رومية فتحت الباب ، فدخلت العجوز وأمرت أخي بالدخول فدخل دار كبيرة فلما دخلها رأى فيها مجلساً كبيراً مفروشاً وسائد مسبلة . فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه ووضع عمامته على ركبته فلم يشعر إلا وجارية أقبلت ما رأى مثلها الراؤون وهي لابسة أفخر القماش فقام أخي على قدميه فلما رأته ضحكت في وجهه وفرحت به ، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ثم أقبلت على أخي وأخذت يده ومضيا جميعاً إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج فجلس أخي وجلست بجانبه ولاعبته ساعة زمانية ثم قامت وقالت له :
لا تبرح حتى أجيء إليك .
وغابت عنه ساعة فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه بالبصر وقال لأخي :
يا ويلك من جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس يا ابن الزنا وتربية الخنا .
فلم يقدر أخي أن يرد عليه جواباً بل انعقد لسانه في تلك الساعة ، فأخذه العبد وأعراه ولم يزل يضربه بالسيف صحفاً ضربات متعددة أكثر من ثمانين ضربة إلى أن سقط من طوله على الأرض فرجع العبد عنه واعتقد أنه مات وصاح صيحة عظيمة بحيث ارتجت الأرض من صوته ودوى له المكان وقال :
أين الميلحة ?
فأقبلت إليه جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض فصارت الجارية تأخذ من ذلك الملح وتحشر الجراحات التي في جلد أخي حتى تهورت وأخي لا يتحرك خيفة أن يعلموا أنه حي فيقتلوه ثم مضت الجارية وصاح العبد صيحة مثل الأولى فجاءت العجوز إلى أخي وجرته من رجليه إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين فاستقر في مكانه يومين كاملين ، وكان الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً لحياته لأنه قطع سيلان عروق الدم . فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة قام من السرداب وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز وجل الستر فمشى في الظلام واختفى في هذا الدهليز إلى الصبح فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب سيد آخر فخرج أخي في أثرها وهي لا تعلم به حتى أتى منزله ولم يزل يعالج نفسه حتى بريء ولم يزل يتعهد العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحد بعد واحد وتوصلهم إلى تلك الدار وأخي لا ينطق بشيء ثم لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل منها كيساً وملأه زجاجاً وشد في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد ولبس ثياب العجم وأخذ سيفاً وجله تحت ثيابه فلما رأى العجوز قال لها بكلام العجم :
يا عجوز هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار ?
فقالت العجوز : لي ولد صغير صيرفي عنده سائر الموازين فامض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك .
فقال أخي : امشي قدامي .
فسارت وسار أخي خلفها حتى أتت الباب فدقته فخرجت الجارية وضحكت في وجهه .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:44 PM
تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال فخرجت الجارية وضحكت في وجه أخي فقالت العجوز :
أتيتكم بلحمة سمينة .
فأخذت الجارية بيد أخي وأدخلته الدار التي دخلها سابقاً وقعدت عنده ساعة وقامت وقالت لأخي : لا تبرح حتى أرجع إليك وراحت فلم يستقر أخي إلا والعبد قد أقبل ومعه السيف المجرد فقال لأخي :
قم يا مشؤوم .
فقام أخي وتقدم العبد فرمى أخي راسه وسحبه من رجله إلى السرداب ونادى :
أين المليحة ?
فجاءت الجارية وبيدها الطبق الذي فيه الملح فلما رأت أخي والسيف بيده ولت هاربة فتبعها أخي وضربها فرمى رأسها ثم نادى :
أين العجوز ?
فجاءت فقال لها : أتعرفيني يا عجوز النحس ?
فقالت : لا يا مولاي .
فقال لها : أنا صاحب الدنانير الذي جئت وتوضأت عندي وصليت ثم تحيلت علي حتى أوقعتني هنا .
فقالت : اتق الله في أمري .
فالتفت إليها وضربها بالسيف فصيرها قطعتين ثم خرج في طلب الجارية فلما رأته طار عقلها وطلبت منه الأمان فأمنها ثم قال لها :
ما الذي أوقعك عند هذا العبد الأسود ?
فقالت : إني كنت جارية لبعض التجار وكانت هذه العجوز تتردد علي فقالت لي يوماً من الأيام إن عندنا فرحاً ما رأى أحد مثله فأحب أن تنظري إليه ، فقلت لها : سمعاً وطاعة .
ثم قمت ولبست أحسن ثيابي وأخذت معي صرة فيها مائة دينار ومضيت معها حتى أدخلتني هذه الدار . فلما دخلت ما شعرت إلا وهذا الأسود أخذني ولم أزل عنده على هذا الحال ثلاث سنين بحيلة العجوز الكاهنة .
فقال لها أخي : هل له في الدار شيء ?
فقالت : عنده شيء كثير فإن كنت تقدر على نقله فانقله .
فقام أخي ومشى معها ففتحت له الصناديق فيها أكياس فبقي أخي متحيراً ، فقالت له الجارية :
امض الآن ودعني هنا وهات من ينقل المال .
فخرج واكترى عشرة رجال ، وجاء فلما وصل إلى الباب وجده مفتوحاً ولم ير الجارية ولا الأكياس ، وإنما رأى شيئاً يسيراً من المال والقماش فعلم أنها خدعته فعند ذلك أخذ المال الذي بقي وفتح الخزائن وأخذ جميع ما فيها من القماش ولم يترك في الجار شيئاً وبات تلك الليلة مسروراً .
فلما أصبح الصباح وجد بالباب عشرين جندياً فلما خرج عليهم تعلقوا به وقالوا له : إن الوالي يطلبك .
فأخذوه وراحوا إلى الوالي ، فلما رأى أخي قال له : من أين لك هذا القماش ?
فقال أخي : أعطني الأمان .
فأعطاه منديل الأمان فحدثه بجميع ما وقع له مع العجوز من الأول إلى الآخر ومن هروب الجارية ثم قال للوالي :
والذي أخذته خذ منه ما شئت ودع ما اتقوت به .
فطلب الوالي جميع المال والقماش وخاف أخي أن يعلم به السلطان فأخذ البعض وأعطى أخي البعض وقال له :
اخرج من هذه المدينة وإلا أشنقك .
فقال : السمع والطاعة .
فخرج إلى بعض البلدان فخرجت عليه اللصوص فعروه وضربوه وقطعوا أذنيه فسمعت بخبره فخرجت إليه وأخذت إليه ثياباً وجئت به إلى المدينة مسروراً ورتبت له ما يأكله وما يشربه .
وأما أخي السادس يا أمير المؤمنين وهو مقطوع الشفتين فإنه كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا الفانية فخرج يوماً من الأيام يطلب شيئاً يسد به رمقه فبينما هو في بعض الطرق إذ رأى حسنه ولها دهليز واسع مرتفع وعلى الباب خدم وأمر ونهي فسأل بعض الواقفين هناك فقال :
هي لإنسان من اولاد الملوك .
فتقدم أخي إلى البوابين وسألهم شيئاً فقالوا : ادخل باب الدار تجد ما تحب من صاحبها .
فدخل الدهليز ومشى فيه ساعة حتى وصل إلى دار في غاية ما يكون من الملاحة والظرف وفي وسطها بستان ما رأى الراؤون أحسن منه وأرضها مفروشة بالرخام وستورها مسبولة فصار أخي لا يعرف أين يقصد فمضى نحو صدر المكان فرأى أنساناً حسن الوجه واللحية فلما رأى أخي قام إليه ورحب به وسأله عن حاله فأخبره أنه محتاج ، فلما سمع كلام أخي أظهر غماً شديداً ومد يده إلى ثيابه ومزقها وقال :
هل أكون أنا ببلد وأنت بها جائع لأصبر من ذلك .
ووعده بكل خير ثم قال : لا بد أن تمالحني .
فقال : يا سيدي ليس لي صبر وإني شديد الجوع .
فصاح : يا غلام هات الطشت والإبريق .
ثم قال له : يا ضيفي تقدم واغسل يدك .
ثم أومأ كأنه يغسل يده ثم صاح على أتباعه أن قدموا المائدة فجعلت أتباعه تغدو وترجع كأنها تهيء السفرة ، ثم أخذ أخي وجلس معه على تلك السفرة الموهومة وصار صاحب المنزل يومئ ويحرك شفته كأنه يأكل ويقول لأخي :
كل ولا تستحي فإنك جائع وأنا أعلم ما أنت فيه من شدة الجوع .
فجعل أخي يومئ كأنه يأكل وهو يقول لأخي : كل وانظر هذا الخبز وانظر بياضه .
وأخي لا يبدي شيئاً ، ثم إن أخي قال في نفسه : إن هذا الرجل يحب أن يهزأ بالناس .
فقال : يا سيدي عمري ما رأيت أحسن من بياض هذا الخبز ولا ألذ من طعمه .
فقال الرجل : هذا خبزته جارية لي كنت اشتريتها بخمسمائة دينار .
ثم صاح صاحب الدار : يا غلام قدم لنا الكباب الذي لا يوجد مثله في طعام الملوك .
ثم قال لأخي : كل يا ضيفي فإنك شديد الجوع ومحتاج إلى الأكل .
فصار أخي يدور حنكه ويمضغ كأنه يأكل وأقبل الرجل يستدعي لوناً بعد لون من الطعام ولا يحضر شيئاً ويأمر أخي بالأكل ، ثم قال :
يا غلام قدم لنا الفراريج المحشوة بالفستق .
ثم قال : كل ما لم تأكل مثله قط .
فقال أخي : يا سيدي إن هذا الأكل لا نظير له في اللذة .
وأقبل يومئ بيده إلى فم أخي حتى كأنه يلقمه بيده وكان يعدد هذه الألوان ويصفها لأخي بهذه الأوصاف وهو جائع ، فاشتد جوعه وصار بشهوة رغيف من شعير . ثم قال له صاحب الدار :
هل رأيت أطيب من أباريز هذه الأطعمة .
فقال له أخي : لا يا سيدي .
فقال : كثر الأكل ولا تستح .
فقال : قد اكتفيت من الطعام .
فصاح الرجل على أتباعه أن قدموا الحلويات فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم قدموا الحلويات ثم قال صاحب المنزل لأخي :
كل من هذا النوع فإنه جيد وكل من هذه القطائف بحياتي وخذ هذه القطيفة قبل أن ينزل منها لجلاب فقال له أخي :
لا عدمتك يا سيدي .
وأقبل أخي يسأله عن كثرة المسك الذي في القطائف .
فقال له : إن هذه عادتي في بيتي فدائماً يضعون لي في كل قطيفة مثقالاً من المسك ونصف مثقال من العنبر .
هذا كله وأخي يحرك رأسه وفمه يلعب بين شدقيه كأنه يتلذذ بأكل الحلويات ، ثم صاح صاحب الدار على أصحابه أن أحضروا النقل فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم أحضروا النقل وقال لأخي :
كل من هذا اللوز ومن هذا الجوز ومن هذا الزبيب .
ونحو ذلك وصار يعد له أنواع النقل ويقول له : كل ولا تستح .
فقال أخي : يا سيدي قد اكتفيت ولم يبق لي قدرة على أكل شيء .
فقال : يا ضيفي إن أردت أن تأكل وتتفرج على غرائب المأكولات فبالله لا تقم جائعاً .
ثم فكر أخي في نفسه وفي استهزاء ذلك الرجل به وقال : لأعملن فيه عملاً يتوب بسببه إلى الله عن هذه الفعال .
ثم قال الرجل لأتباعه : قدموا لنا الشراب فحركوا أيديهم في الهواء حتى كأنهم قدموا الشراب ،
ثم أومأ صاحب المنزل كأنه ناول أخي قدحاً قال : خذ هذا القدح فإنه يعجبك . فقال : يا سيدي هذا من إحسانك .
وأومأ أخي بيده كأنه يشرب فقال له : هل أعجبك ?
فقال له : يا سيدي ما رأيت ألذ من هذا الشراب .
فقال له : اشرب هنيئاً وصحة .
ثم إن صاحب البيت أومأ وشرب ثم ناول أخي قدحاً ثانياً فخيل أنه شربه وأظهر انه سكران ثم إن أخي غافله ورفع يده حتى بان بياض إبطه وصفعه على رقبته صفعة رن لها المكان ثم ثنى عليه بصفعة ثانية .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:45 PM
تكملة حكاية مزين بغداد

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صفع صاحب الدار قال له الرجل :
ما هذا يا أسفل العالمين ?
فقال : يا سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك وأطعمته الزاد وأسقيته الخمر العتيق فسكر وعربد عليك ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهل .
فلما سمع صاحب المنزل كلام أخي ضحك ضحكاً عالياً ثم قال : إن لي زماناً طويلاً أسخر بالناس وأهزأ بجميع أصحاب المزاح والمجون ما رأيت منهم من له طاقة على أن أفعل به هذه السخرية ولا من له فطنة يدخل بها في جميع أموري غيرك والآن عفوت عنك ، فكن نديمي على الحقيقة ولا تفارقني .
ثم أمر بإخراج عدة من أنواع الطعام المذكورة أولاً فأكل هو وأخي حتى اكتفيا ثم انتقلا إلى مجلس الشراب فإذا فيه جوار كأن به الأقمار فغنين بجميع الألحان واشتغلن بجميع الملاهي ثم شربا حتى غلب عليهما السكر وأنس الرجل بأخي حتى كأنه أخوه وأحبه محبة عظيمة ، وخلع عليه خلعة سنية . فلما أصبح الصباح عادا لما كانا عليه من الأكل والشرب ولم يزالا كذلك مدة عشرين سنة ثم أن الرجل مات وقبض السلطان على ماله واحتوى عليه فخرج أخي من البلد هارباً فلما وصل إلى نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه وصار الذي أسره يعذبه ويقول له :
اشتر روحك مني بالأموال وإلا أقتلك .
فجعل أخي يبكي ويقول : أنا والله لا أملك شيئاً يا شيخ العرب ، ولا أعرف طريق شيء من المال وأنا أسيرك وصرت في يدك فافعل بي ما شئت .
فأخرج البدوي الجبار من حزامه سكيناً عريضة لو نزلت على رقبة جمل لقطعتها من الوريد إلى الوريد وأخذها في يده اليمنى وتقدم إلى أخي المسكين وقطع بها شفتيه وشك عليه في المطالبة وكان للبدوي زوجة حسنة وكان إذا خرج البدوي تتعرض لأخي وتراوده عن نفسه وهو يمتنع حياء من الله تعالى فاتفق أن راودت أخي يوماً من الأيام فقام ولاعبها وأجلسها في حجره فبينما هما كذلك وإذا بزوجها داخل عليهما فلما نظر إلى أخي قال له :
ويلك يا خبيث أتريد الآن أن تفسد علي زوجتي .
وأخرج سكيناً فطعنه بها وحمله على جمل وطرحه فوق جبل وتركه وسار إلى حال سبيله فجاز عليه المسافرون فعرفوه فأطعموه وأسقوه وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته ، ودخلت به المدينة ورتبت له ما يكفيه وها أنا جئت عندك يا أمير المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك ، فيكون ذلك غلطاً وورائي ستة أخوة وأنا أقوم بهم .
فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته به عن أخوتي ، ضحك وقال : صدقت يا صامت أنت قليل الكلام ما عندك فضول ولكن الآن أخرج من هذه المدينة وأسكن غيرها .
ثم نفاني من بغداد فلم أزل سائراً في البلاد حتى طفت الأقاليم إلى أن سمعت بموته وخلافة غيره فرجعت إلى المدينة فوجدته مات ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال ولولاي أنا لقتل وقد اتهمني بشيء ما هو في جميع ما نقله عني من الفضول وكثرة الكلام وكثافة الطبع وعدم الذوق باطل يا جماعة . ثم قال الخياط لملك الصين ، فلما سمعنا قصة المزين وتحققنا فضوله وكثرة كلامه وأن الشاب مظلوم معه أخذنا المزين وقبضنا عليه وحبسناه وجلسنا حوله آمنين ثم أكلنا وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حالة ولم نزل جالسين إلى أن أذن العصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتي فقالت :
إن طول النهار ، في حظك وأنا قاعدة في البيت حزينة فإن لم تخرجي وتفرجني بقية النهار كان ذلك سبب فراقي منك .
فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء ثم رجعنا فلقينا هذا الأحدب والسكر طافح منه وهو ينشد هذين البيتين :
رق الزجاج وراقت الخمر ........ فتشابها وتشاكـل الأمـر
فكأنما خـمـر ولا قـدح ........ وكأنما قدح ولا خـمـر
فعزمت عليه فأجابني وخرجت لأشتري سمكاً مقلياً فاشتريت ورجعت ثم جلسنا نأكل ، فأخذت زوجتي لقمة وقطعة سمك وأدخلتهما فمه وسدته فمات فحملته وتحايلت حتى رميته في بيت هذا الطبيب وتحايل الطبيب ، حتى رماه في بيت المباشر الذي رماه في طريق السمسار وهذه قصة ما لقيته البارحة أما هي أعجب من قصة الحدب .
فلما سمع ملك الصين هذه القصة أمر بعض حجابه أن يمضوا مع الخياط ويحضروا المزين وقال لهم :
لابد من حضوره لأسمع كلامه ويكون ذلك سبباً في خلاصكم جميعاً ، وندفن هذا الأحدب ونواريه في التراب فإنه ميت من أمس ثم نعمل له ضريحاً لأنه كان سبباً في اطلاعنا على هذه الأخبار العجيبة .
فما كان إلا ساعة حتى جاءت الحجاب هم والخياط بعد أن مضوا إلى الحبس وأخرجوا منه المزين وساروا به إلى أن أوقفوه بين يدي هذا الملك ، فلما رآه تأمله فإذا هو شيخ كبير جاوز التسعين أسود الوجه أبيض اللحية والحواجب مقرطم الأذنين طويل الأنف في نفسه كبر فضحك الملك من رؤيته وقال :
يا صامت أريد أن تحكي لي شيئاً من حكاياتك .
فقال المزين : يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا بطريق اليهودي وهذا المسلم وهذا الأحدب بينكم ميت وما سبب هذا الجمع .
فقال له ملك الصين : وما سؤالك عن هؤلاء ?
فقال : سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني غير فضولي ولا أشتغل بما لا يعنيني ، وإنني بريء مما اتهموني به من كثرة الكلام ، وأن لي نصيباً من اسمي حيث لقبوني بالصامت كما قال الشاعر :
وكلما أبصرت عيناك ذا لقب ........ إلا ومعناه أن فتشت في لقبي
فقال الملك : اشرحوا للمزين حال هذا الأحدب وما جرى له في وقت العشاء واشرحوا له ما حكى النصراني وما حكى اليهودي وما حكى الخياط .
فحكوا له حكايات الجميع فحرك المزين رأسه وقال : والله إن هذا الشيء عجيب اكشفوا لي عن هذا الأحدب فكشفوا له عنه فجلس عند رأسه وأخذ رأسه في حجره ونظر في وجهه وضحك ضحكاً عالياً حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك وقال :
لكل موتة سبب من الأسباب وموتة هذا الأحدب من عجب العجاب يجب أن تؤرخ في المسجلات ليعتبر بما مضى ومن هو آت .
فتعجب الملك من كلامه وقال : يا صامت إحك لنا سبب كلامك هذا .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:46 PM
تكملة حكاية مزين بغداد
وبداية حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أن الملك قال :
يا صامت احك لنا سبب كلامك هذا .
فقال المزين : يا ملك وحق نعمتك أن الأحدب فيه الروح .
ثم إن المزين أخرج من وسطه مكحلة فيها دهن ودهن رقبة الأحدب وغطاها حتى عرقت ثم أخرج كلبتين من حديد ونزل بهما في حلقة فالتقطتا قطعة السمك بعظمها فلما أخرجها رآها الناس بعيونهم ثم نهض الأحدب واقفاً على قدميه وعطس عطسة واستفاق في نفسه وملس بيديه على وجهه وقال :
لا إله إلا الله محمد رسول الله .
فتعجب الحاضرون من الذي رأوه وعاينوه ، فضحك ملك الصين حتى غشي عليه وكذلك الحاضرون وقال السلطان :
والله إن هذه القصة عجيبة ما رأيت أغرب منها .
ثم إن السلطان قال : يا مسلمين يا جماعة العسكر ، هل رأيتم في عمركم أحداً يموت ثم يحيا بعد ذلك ولولا رزقه الله بهذا المزين لكان اليوم من أهل الآخرة فإنه كان سبباً لحياته .
فقالوا : والله إن هذا من العجب العجاب .
ثم إن ملك الصين أمر أن تسطر هذه القصة فسطروها ثم جعلوها في خزانة الملك ثم خلع على اليهودي والنصراني والمباشر وخلع على كل واحد خلعة سنية وجعل الخياطة خياطه ورتب له الرواتب ، وأصلح بينه وبين الأحدب وخلع على الأحدب خلعة سنية مليحة ورتب له الراتب وجعله نديمه وأنعم على المزين وخلع عليه خلعة سنية ورتب له الرواتب ، وجعل له جامكية وجعله مزين المملكة ونديمه ولم يزالوا في ألذ العيش وأهناه إلى أن آتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وليس هذا بأعجب من قصة الوزيرين ، التي فيها ذكر أنيس الجليس .
قال الملك شهريار : وما حكاية الوزيرين ?

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بالبصرة ملك من الملوك يحب الفقراء والصعاليك ويرفق بالرعية ويهب من ماله لمن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقال لهذا الملك محمد بن سليمان الزيني وكان له وزيران أحدهما يقال له المعين ابن ساوي والثاني يقال له الفضل بن خاقان وكان الفضل ابن خاقان أكرم أهل زمانه حسن السيرة أجمعت القلوب على محبته ، واتفقت العقلاء على مشورته وكل الناس يدعون له بطول مدته لأنه محضر خير مزيل الشر والضير وكان الوزير معين بن ساوي يكره الناس ولا يحب الخير وكان محضر سوء ، وكان الناس على قدر محبتهم لفضل الدين ابن خاقان يبغضون المعين بن ساوي بقدرة القادر ثم إن الملك محمد بن سليمان الزيني كان قاعداً يوماً من الأيام على كرسي مملكته وحوله أرباب دولته إذ نادى وزيره الفضل بن خاقان وقال له :
إني أريد جارية لا يكون في زمانها أحسن منها بحيث تكون كاملة في الجمال ، فائقة في الاعتدال حميدة الخصال .
فقال أرباب الدولة : هذه لا توجد إلا بعشرة آلاف دينار .
فعند ذلك صاح السلطان على الخازندار وقال : احمل عشرة آلاف دينار ، إلى دار الفضل بن خاقان .
فامتثل الخازندار أمر السلطان ونزل الوزير بعدما أمره السلطان أن يعمد إلى السوق في كل يوم ويوصي السماسرة على ما ذكره وأنه لا تباع جارية ثمنها فوق الألف دينار حتى تعرض على الوزير فلم تبع السماسرة جارية حتى يعرضوها عليه فامتثل الوزير أمره ، واستمر على هذا الحال مدة من الزمان ولم تعجبه جارية فاتفق يوماً من الأيام أن بعض السماسرة أقبل على دار الوزير الفضل بن خاقان فوجده راكباً متوجهاً إلى قصر الملك فقبض على ركابه وأنشد هذين البيتين :
يا من أعاد رميم الملك منـشـورا ........ أنت الوزير الذي لا زال منصورا
أحييت ما مات بين الناس من كرم ........ لا زال سعيك عند الله مشكـورا
ثم قال : يا سيدي إن الجارية التي صدر بطلبها المرسوم الكريم قد حضرت .
فقال له الوزير : علي بها .
فغاب ساعة ثم حضر ومعه جارية رشيقة القد قاعدة النهد بطرف كحيل وخد أسيل وخصر نحيل وردف ثقيل وعليها أحسن ما يكون من الثياب ورضابها أحلى من الجلاب وقامتها تفضح غصون البان وكلامها أرق من النسيم إذا مر على زهر البستان كما قال فيها بعض واصفيها هذه الأبيات :
لها بشر مثل الحرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فيا حبها زدني جوى كـل لـيلة ........ ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ذوائبها ليل ولكـن جـبـينـها ........ إذا أسفرت يوم يلوح به الفجر
فلما رآها الوزير أعجبته غاية الإعجاب فالتفت إلى السمسار وقال له :
كم ثمن هذه الجارية ?
فقال : وقف سعرها على عشرة آلاف دينار وحلف صاحبها أن العشرة آلاف دينار لم تجيء ثمن الفراريج التي أكلتها ولا ثمن الخلع التي خلعتها على معلميها فإنها تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضرب بالآلات المطربة .
فقال الوزير : علي بسيدها .
فأحضره السمسار في الوقت والساعة فإذا هو رجل أعجمي عاش زمناً طويلاً حتى صيره الدهر عظماً في جلد .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:48 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي صاحب الجارية لما حضر بين يدي الوزير الفضل بن خاقان قال له الوزير :
رضيت أن تأخذ في هذه الجارية عشرة آلاف دينار من السلطان محمد بن سليمان الزيني ?
فقال العجمي : حيث كانت للسلطان فالواجب علي ان أقدمها إليه هدية بلا ثمن . فعند ذلك أمر بإحضار الأموال فلما حضرت وزن الدنانير للعجمي ثم أقبل النخاس على الوزير وقال :
عن إذن مولانا الوزير أتكلم .
فقال الوزير : هات ما عندك .
فقال : عندي من الرأي أن لا تطلع بهذه الجارية إلى السلطان في هذا اليوم ، فإنها قادمة من السفر واختلفت عليها الهواء وأتعبها السفر ولكن خلها عندك في القصر عشرة أيام حتى تستريح فيزداد جمالها ثم أدخلها الحمام وألبسها أحسن الثياب وأطلع بها إلى السلطان فيكون لك في ذلك الحظ الأوفر .
فتأمل الوزير كلام النخاس فوجده صواباً فأتى بها إلى قصره وأخلى لها مقصورة ورتب لها كل ما تحتاج إليه من طعام وشراب وغيره فمكثت مدة على تلك الرفاهية وكان للوزير الفضل بن خاقان ولد كأنه البدر إذا أشرق بوجه أقمر وخد أحمر وعليه خال كنقطة عنبر وفيه عذار أخضر كما قال الشاعر في مثله هذه الأبيات :
ورد الخدود ودونه شوك القـنـا ........ فمن المحدث نفسه أن يجتـنـى
لا تمدد الأيدي إليه فـطـالـمـا ........ شنوا الحروب لأن مددنا الأعينـا
يا قلبه القاسـي ورقة خـصـره ........ هلا نقلت إلى هنا مـن هـنـا
لو كان رقة خصره في قـلـبـه ........ ما جار قط على المحب ولا جنى
يا عاذلي في حبه كـن عـاذري ........ من لي بجسم قد تملكه الضنـى
ما الذنب إلا للفـؤاد ونـاظـري ........ لولاهما ما كنت في هذا العنـى
وكان الصبي لم يعرف قضية هذه الجارية وكان والده أوصاها وقال لها :
يا بنتي اعلمي أني ما اشتريتك إلا سرية للملك محمد بن سليمان الزيني وإن لي ولداً ما ترك صبية في الحارة إلا فعل بها ، فاحفظي نفسك منه وأحذري أن تريه وجهك أو تسمعيه كلامك .
فقالت الجارية : السمع والطاعة .
ثم تركها وانصرف ، واتفق بالأمر المقدر أن الجارية دخلت يوماً من الأيام الحمام الذي في المنزل وقد حماها بعض الجواري ولبست الثياب الفاخرة فتزايد حسنها وجمالها ودخلت على زوجة الوزير فقبلت يدها فقالت لها :
نعيماً يا أنيس الجليس كيف حالك في هذا الحمام ?
فقالت : يا سيدتي ما كنت محتاجة إلا إلى حضورك فيه .
فعند ذلك قالت سيدة البيت للجواري : هيا بنا ندخل الحمام .
فامتثلن أمرها ومضين وسيدتهن بينهن وقد وكلت بباب المقصورة التي فيها أنيس الجليس جاريتين صغيرتين وقالت لهما :
لا تمكنا أحد من الدخول على الجارية .
فقالتا : السمع والطاعة .
فبينما أنيس الجليس قاعدة في المقصورة وإذا بابن الوزير الذي اسمه علي نور الدين قد دخل وسأل عن أمه وعن العائلة ، فقالت له الجاريتان :
دخلوا الحمام .
وقد سمعت الجارية أنيس الجليس كلام علي نور الدين بن الوزير وهي من داخل المقصورة ، فقالت في نفسها :
ياترى ما شأن هذا الصبي الذي قال لي الوزير عنه أنه ما خلا بصبية في الحارة الا وأوقعها والله أني أشتهي أن أنظره .
ثم أنها نهضت على قدميها وهي بأثر الحمام وتقدمت جهة باب المقصورة ونظرت إلى علي نور الدين فإذا هو كالبدر في تمامه فأورثتها النظرة ألف حسرة ولاحت من الصبي التفاتة إليها فنظرها نظرة اورثته ألف حسرة ووقع كل منهما في شرك هوى الآخر ، فتقدم الصبي إلى الجاريتين وصاح عليهما فهربتا من بين يديه ووقفا من بعيد ينظرانه وينظران ما يفعل ، وإذا به تقدم من باب المقصورة وفتحه ودخل على الجارية وقال لها :
أنت التي اشتراك أبي ?
فقالت له : نعم .
فعند ذلك تقدم الصبي إليها وكان في حال السكر وشبكت يدها في عنقه واستقبلته بتقبيل وشهيق فأزال بكارتها فلما رأت الجاريتان سيدهما الصغير داخلاً على الجارية أنيس الجليس صرختا وكان قد قضى الصبي حاجته وفر هارباً للنجاة من الخوف عقب الفعل الذي فعله .
فلما سمعت سيدة البيت صراخ الجاريتين مضت من الحمام والعرق يقطر منها وقالت :
ما سبب هذا الصراخ الذي في الدار .
فلما قربت من الجاريتين اللتين أقعدتهما على باب المقصورة قالت لهما :
ويلكما ما الخبر .
فلما رأياها قالتا : إن سيدي نور الدين جاء وضربنا فهربنا منه فدخل أنيس الجليس وعانقها ولا ندري أي شيء عمل بعد ذلك ، فلما صحا هرب .
فعند ذلك تقدمت سيدة البيت إلى أنيس الجليس وقالت لها : ما الخبر ?
فقالت لها : يا سيدتي أنا قاعدة وإذا بصبي جميل الصورة دخل علي وقال لي : أنت التي اشتراك أبي لي ? فقلت نعم والله يا سيدتي اعتقدت أن كلامه صحيح فعند ذلك أتى إلي وعانقني .
فقالت لها : هل فعل بك شيء غير ذلك ?
قالت : نعم ، وأخذ مني ثلاث قبلات .
فقالت : ما تركك من غير افتضاض .
ثم بكت ولطمت على وجهها هي والجواري خوفاً على علي نور الدين أن يذبحه أبوه ، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير دخل وسأل عن الخبر فقالت له زوجته : أحلف أن ما أقوله لك تسمعه .
قال : نعم .
فأخبرته بما فعله ولده فحزن ومزق ثيابه ولطم على وجهه ونتف لحيته ، فقالت له زوجته :
لا تقتل نفسك أنا أعطيك من مالي عشرة آلاف دينار ثمنها .
فعند ذلك رفع رأسه إليها وقال لها : ويلك أنا ما لي حاجة بثمنها ولكن خوفي أن تروح روحي ومالي .
فقالت له : يا سيدي ما سبب ذلك ?
فقال لها : أما تعلمين أن وراءنا هذا العدو الذي يقال له : المعين بن ساوي ، ومتى سمع هذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له ..

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:50 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال لزوجته :
أما تعلمين أن وراءنا عدواً يقال له المعين بن ساوي ومتى سمع بهذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له : إن وزيرك الذي تزعم أنه يحبك أخذ منك عشرة آلاف دينار واشترى بها جارية ما رأى أحد مثلها فلما أعجبته قال لابنه : خذها أنت أحق بها من السلطان فأخذها وأزال بكارتها وها هي الجارية عنده فيقول الملك تكذب فيقول للملك عن إذنك أهجم عليه وآتيك بها فيأذن له في ذلك فيهجم على الدار ويأخذ الجارية ويحضرها بين يدي السلطان ثم يسألها فلا تقدر أن تنكر فيقول له يا سيدي أنت تعلم أني ناصح لك ولكن ما لي عندكم حظ فيمثل بي السلطان والناس كلهم يتفرجون علي وتروح روحي .
فقالت له زوجته : لا تعلم أحد وسلم أمرك إلى الله في هذه القضية فعند ذلك سكن قلب الوزير وطاب خاطره .
هذا ما كان من أمر الوزير ، وأما ما كان من أمر علي نور الدين فإنه خاف عاقبة الأمر فكان يقضي نهاره في البساتين ولا يأتي إلا في آخر الليل لأمه فينام عندها ويقوم قبل الصبح ولا يراه أحد ، ولم يزل كذلك شهراً وهو لم ير وجه أبيه ، فقالت أمه لأبيه :
يا سيدي هل تعدم الجارية وتعدم الولد ، فإن طال هذا الأمر على الولد هج .
قال لها : وكيف العمل ?
قالت : أسهر هذه الليلة فإذا جاء فأمسكه واصطلح أنت وإياه وأعطه الجارية إنها تحبه وهو يحبها وأعطيك ثمنها .
فسهر الوزير طول الليل فلما أتى ولده أمسكه وأراد نحره فأدركته أمه وقالت له :
أي شيء تريد أن تفعل معه ?
فقال لها : أريد أن أذبحه .
فقال الولد لأبيه : هل أهون عليك ?
فتغرغرت عيناه بالدموع وقال له : يا ولدي كيف هان عليك ذهاب مالي وروحي ? فقال الصبي : اسمع يا والدي مقال الشاعر :
هبني جنيت فلم تزل أهل النهـي ........ يهبون للجاني شماحـاً شـامـلا
ماذا عسى يرجو عدوك وهو فـي ........ درك الحضيض وأنت أعلى منزلا
فعند ذلك قام الوزير من على صدر ولده وأشفق عليه وقام الصبي وقبل يد والده فقال : يا ولدي لو علمت أنك تنصف أنيس الجليس كنت وهبتها لك .
فقال : يا والدي كيف لا أنصفها ؟
قال : أوصيك يا ولدي أنك لا تتزوج عليها ولا تضاررها ولا تبعها .
قال له : يا والدي أنا أحلف لك أن لا أتزوج عليها ، ولا أبيعها .
ثم حلف له أيماناً على ما ذكر ودخل على الجارية فأقام معها سنة ، وأنسى الله تعالى الملك قصة الجارية . وأما المعين بن ساوي فإنه بلغه الخبر ولكنه لم يقدر أن يتكلم لعظم منزلة الوزير عند السلطان فلما مضت السنة دخل الوزير فضل الدين بن خاقان الحمام وخرج وهو عرقان ، فأصابه الهواء فلزم الوساد وطال به السهاد وتسلسل به الضعف فعند ذلك نادى ولده علي نور الدين فلما حضر بين يديه قال له :
يا ولدي أن الرزق مقسوم والأجل محتوم ولا بد لكل نسمة من شرب كأس المنون وأنشد هذه الأبيات :
من فاته الموت لـم يفـتـه غـدا ........ والكل منا على حوض الردى وردا
سوى العظم بمن قد كان محتـقـرا ........ ولم يدع هبة بـين الـورى أحـدا
لم يبق من ملك كـلا ولا مـلـك ........ ولا نـبـي يعـيش دائمـاً أبــدا
ثم قال : يا ولدي مالي عندك وصية إلا تقوى الله والنظر في العواقب وأن تستوصي بالجارية أنيس الجليس .
فقال له : يا أبت ومن مثلك وقد كنت معروفاً بفعل الخير ودعاء الخطباء لك على المنابر .
فقال : يا ولدي أرجو من الله تعالى القبول .
ثم نطق الشهادتين وشهق شهقة فكتب من أهل السعادة فعند ذلك امتلأ القصر بالصراخ ووصل الخبر إلى السلطان وسمعت أهل المدينة بوفاة الفضل بن خاقان فبكت عليه الصبيان في مكاتبها ونهض ولده علي نور الدين وجهزه وحضرت الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وأهل المدينة مشهده وكان ممن حضروا الجنازة الوزير المعين بن ساوي وأنشد بعضهم عند خروج جنازته من الدار هذه الأبيات :
قد قلت للرجل المولى غسلـه ........ هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه ماءك ثم غسـله بـمـا ........ أذرت عيون المجد عند بكـائه
وأزل مجاميع الحنوط ونحهـا ........ عنه وحنطه بطـيب ثـنـائه
ومر الملائكة الكرام بحمـلـه ........ شرفاً ألست تراهموا بـإزائه
لاتوه أعناق الرجال بحمـلـه ........ يكفي الذي حملوه من نعمـائه
ثم مكث علي نور الدين ، شديد الحزن على والده مدة مديدة فبينما هو جالس يوماً من الأيام في بيت والده إذ طرق الباب طارق فنهض علي نور الدين وفتح الباب وإذا برجل من ندماء والده وأصحابه فقبل يد علي نور الدين ، وقال :
يا سيدي من خلف مثلك ما مات وهذا مصير سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يا سيدي طب نفساً ودع الحزن .
فعند ذلك نهض علي نور الدين إلى قاعة الجلوس ونقل إليها ما يحتاج إليه واجتمع عليه أصحابه وأخذ جاريته واجتمع عليه عشرة من أولاد التجار ثم إنه أكل الطعام وشرب الشراب وجدد مقاماً بعد مقام وصار يعطي ويتكرم ، فعند ذلك دخل عليه وكيله وقال له :
يا سيدي علي نور الدين أما سمعت قول بعضهم من ينفق ولم يحسب افتقر ، ولقد أحسن من قال هذه الأبيات :
أصون دراهمي وأذب عنـهـا ........ لعلمي أنها سيفـي وتـرسـي
أأبذلهـا إلـى أعـدا الأعـادي ........ وأبذل في الورى سعدي بنحسي
فيأكلها ويشـربـهـا هـنـيئاً ........ ولا يسخو لي أحـد بـفـلـس
وأحفظ درهمي عن كل شخص ........ لئيم الطبع لا يصفو لأنـسـي
أحب إلي مـن قـول لـنـذل ........ أنلني درهماً لغـد بـخـمـس
فيعرض وجهه ويصـدعـنـي ........ فتبقى مثل نفس الكلب نفسـي
فيا ذل الرجـال بـغـير مـال ........ ولو كانت فضائلهم كشـمـس
ثم قال : يا سيدي النفقة الجزيلة والمواهب العظيمة تفني المال .
فلما سمع علي نور الدين من وكيله هذا الكلام نظر إليه وقال له : جميع ما قلته لا أسمع منه كلمة فما أحسن قول الشاعر :
أنا ما ملكت المال يوماً ولـم أجـد ........ فلا بسطت كفي ولا نهضت رجلي
فهاتوا بخيلاً نال مجداً بـبـخـله ........ وهاتوا أروني باذلاً مات من بـذل
ثم قال : اعلم أيها الوكيل أني أريد إذا فضل عندك ما يكفيني لغدائي أن لا تحملني هم عشائي .
فانصرف الوكيل من عنده إلى حال سبيله وأقبل علي نور الدين ما هو فيه من مكارم الأخلاق وكل من يقول له من ندمائه أن هذا الشيء مليح يقول هو لك هبة أو يقول سيدي أن الدار الفلانية مليحة يقول هي لك هبة ولم يزل علي نور الدين يعقد لندمائه وأصحابه في أول النهار مجلساً وفي آخره مجلساً ومكث على هذا الحال سنة كاملة فبينما هو جالساً يوماً وإذا بالجارية تنشد هذين البيتين :
أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنـت ........ ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا ........ عند صفو الليالي يحدث الكـدر
فلما فرغت من شعرها إذا بطارق يطرق الباب فقام علي نور الدين فتبعه بعض جلسائه من غير أن يعلم به فلما فتح الباب رآه وكيله فقال له علي نور الدين : ما الخبر ?
فقال له : يا سيدي الذي كنا أخافه عليك منه قد وقع لك .
قال : وكيف ذلك ?
قال : اعلم أنه ما بقي لك تحت يدي شيء يساوي درهماً ولا أقل من درهم وهذه دفاتر المصروف الذي صرفته ودفاتر أصل مالك .
فلما سمع علي نور الدين هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما سمع الرجل الذي تبعها خفية ، وخرج ليسأل عليه وماقاله الوكيل رجع إلى أصحابه وقال لهم :
انظروا أي شيء تعملون فإن علي نور الدين قد أفلس .
فلما رجع إليهم علي نور الدين ظهر لهم الغم في وجهه فعند ذلك نهض واحد من الندماء على قدميه ، ونظر إلى علي نور الدين وقال له :
يا سيدي إني أريد أن تأذن لي بالانصراف .
فقال علي نور الدين : لماذا الانصراف في هذا اليوم ?
فقال : إن زوجتي تلد في هذه الليلة ولا يمكنني أن أتخلف عنها واريد أن أذهب إليها وأنظرها .
فأذن له ونهض آخر وقال له : يا سيدي نور الدين أريد اليوم أن أحضر عند أخي فإنه يطاهر ولده .
وكل واحد يستأذنه إلى حال سبيله حتى انصرفوا كلهم وبقي علي نور الدين وحده فعند ذلك دعا جاريته وقال :
يا أنيس الجليس أما تنظرين ما حل بي .
وحكى لها ما قاله الوكيل فقالت : يا سيدي منذ ليال هممت أن أقول لك على هذا الحال فسمعتك تنشد هذين البيتين :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا ........ على الناس طرأ قبل ان تتفلت
فلا جود يفنيها إذا هي أقبلـت ........ ولا الشح يبقيها إذا هي ولـت
فلما سمعتك تنشدهما ولم أبد لك خطاباً .
فقال لها : يا أنيس الجليس أنت تعرفين أني ما صرفت مالي إلا على أصحابي وأظنهم لا يتركونني من غير مؤاساة .
فقالت أنيس الجليس : والله ما ينفعونك بنافعة .
فقال علي نور الدين : فأنا في هذه الساعة أقوم واروح إليهم وأطرق أبوابهم لعلي أنال منهم شيئاً فأجعله في يدي رأس مال وأتجر فيه وأترك اللهو واللعب . ثم إنه نهض من وقته وساعته وما زال سائراً حتى أقبل على الزقاق الذي فيه أصحابه العشرة وكانوا كلهم ساكنين في ذلك الزقاق ، فتقدم إلى أول باب وطرقه فخرجت له جارية وقالت له :
من أنت ?
فقال : قولي لسيدك علي نور الدين واقف في الباب ويقول لك مملوكك يقبل أياديك وينتظر فضلك .
فدخلت الجارية وأعلمت سيدها فصاح عليها وقال لها : ارجعي وقول له : ما هو هنا .
فرجعت الجارية إلى علي نور الدين وقالت له : يا سيدي إن سيدي ما هو هنا .
فتوجه علي نور الدين وقال في نفسه : إن كان هذا ولد زنا وأنكر نفسه فغيره ما هو ولد زنا .
ثم تقدم إلى الباب الثاني وقال كما قال أولاً فأنكر الآخر نفسه فعند ذلك أنشد هذا البيت :
ذهب الذين إذا وقفت ببابهـم ........ منوا عليك بما تريد من الندى
فلما فرغ من شعره قال : والله لا بد أن أمتحنهم كلهم عسى أن يكون فيهم واحد يقوم مقام الجميع ، فدار على العشرة فلم يجد أحداً منهم فتح له الباب ولا أراه نفسه ولا أمر له برغيف فأنشد هذه الأبيات :
المرء في زمن الإقبال كالشجرة ........ فالناس من حولها ما دامت الثمرة
حتى إذا أسقطت كل الذي حملت ........ تفرقوا وأرادوا غيرها شـجـرة
تباً لأبناء هذا الـدهر كـلهـم ........ فلم أجد واحداً يصفو من العشرة
ثم إنه رجع إلى جاريته وقد تزايد همه فقالت له : يا سيدي أما قلت لكإنهم لا ينفعونك بنافعة ?
فقال : والله ما فيهم من أراني وجهه .
فقالت له : يا سيدي بع من أثاث البيت شيئاً فشيئاً وأنفق .
فباع إلى أن باع جميع ما في البيت ولم يبق عنده شيء ، فعند ذلك نظر إلى أنيس الجليس وقال لها :
ماذا نفعل الآن ?
قالت له : يا سيدي عندي من الرأي أن تقوم في هذه الساعة وتنزل إلى السوق فتبيعني وأنت تعلم أن والدك كان قد اشتراني بعشرة آلاف دينار فلعل الله يفتح عليك ببعض هذا الثمن .
وإذا قدر الله باجتماعنا نجتمع ، فقال لها : يا أنيس الجليس ما يهون علي فراقك ساعة واحدة .
فقالت له : ولا أنا كذلك لكن للضرورة أحكام كما قال الشاعر :
تلجئ الضرورات في الأمور إلى ........ سلـوك مـا لا يلـيق بـالأدب
ما حامل نفسه عـلـى سـبب ........ إلا لأمـر يلـيق بـالـسـبـب
فعند ذلك أخذت دموع أنيس الجليس تسيل على خديه ، ثم أنشد هذين البيتين :
قفوا زودوني نظرة قبل فراقكم ........ أعلل قلباً كاد بالبـين يتـلـف
فإن كان تزويدي بذلك كـلفة ........ دعوني في وجدي ولا تتكلفوا
ثم مضى وسلمها إلى الدلال وقال له : أعرف مقدار ما تنادي عليه .
فقال له الدلال : يا سيدي علي نور الدين الأصول محفوظة .
ثم قال له : أها هي أنيس الجليس الذي كان اشتراها والدك مني بعشرة آلاف دينار ?
قال : نعم .
فعند ذلك طلع الدلال إلى التجار فوجدهم لم يجتمعوا كلهم فصبر حتى اجتمع سائر التجار وامتلأ السوق بسائر أجناس الجواري من تركية ورومية وشركسية وجرجية وحبشية فلما نظر الدلال إلى ازدحام السوق نهض قائماً وقال :
يا تجار يا أرباب الأموال ما كل مدور جوزة ولا كل مستطيلة موزة ولا كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة ولا كل صهباء خمرة ولا كل سمراء تمرة ، يا تجار هذه الدرة اليتيمة التي لا تفي الأموال لها بقية بكم تفتحون باب الثمن .
فقال واحد : بأربعة آلاف دينار وخمسمائة .
وإذا بالوزير المعين بن ساوي في السوق فنظر علي نور الدين واقفاً في السوق فقال في نفسه :
ما باله واقفاً فإنه ما بقي عنده شيء يشتري به جواري .
ثم نظر بعينيه فسمع المنادي وهو واقف ينادي في السوق والتجار حوله ، فقال الوزير في نفسه :
ما أظنه إلا أفلس ونزل بالجارية ليبيعها .
ثم قال في نفسه : إن صح ذلك فما أبرده على قلبي .
ثم دعا المنادي فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه فقال : إني أريد هذه الجارية التي تنادي عليها .
فلم يمكنه المخالفة فجاء بالجارية وقدمها بين يديه ، فلما نظر إليها وتأمل محاسنها من قامتها الرشيقة وألفاظها الرقيقة أعجبتها فقال له :
إلى كم وصل ثمنها .
فقال : أربعة آلاف وخمسمائة دينار .
فلما سمع ذلك التجار ما قدر واحد منهم أن يزيد درهماً ولا ديناراً بل تأخروا لمايعلمون من ظلم ذلك الوزير ، ثم نظر الوزير معين بن ساوي إلى الدلال وقال :
ما سبب وقوفك ، روح والجارية على أربعة آلاف ولك خمسمائة دينار .
فراح الدلال إلى علي نور الدين وقال له : راحت الجارية عليك بلا ثمن .
فقال له : وماسبب ذلك ?
فقال له : نحن فتحنا باب سعرها بأربعة آلاف وخمسمائة دينار فجاء هذا الظالم المعين بن ساوي ودخل السوق فلما نظر الجارية أعجبته وقال لي شاور على أربعة آلاف ولك خمسمائة وما أظنه إلا يعرف أن الجارية لك فإن كان يعطيك ثمنها في هذه الساعة يكون ذلك من فضل الله ، لكن أنا أعرف من ظلمه أنه يكتب لك ورقة حوالة على بعض عملائه ثم يرسل إليهم ويقول : لا تعطوه شيئاً فكلما ذهبت إليهم لتطالبهم يقولون : في غد نعطيك ولا يزالون يعدونك ويخلفون يوماً بعد يوم وأنت عزيز النفس ، وبعد أن يضجوا من مطالبتك إياهم يقولون أعطنا ورقة الحوالة إذا أخذوا الورقة منك قطعوها وراح عليك ثمن الجارية .
فلما سمع علي نور الدين من الدلال هذا الكلام نظر إليه وقال له : كيف يكون العمل ?
فقال له : أنا أشير عليك بمشورة فإن قبلتها مني كان لك الحظ الأوفر .
قال : تجيء في هذه الساعة عندي وأنا واقف وسط السوق وتأخذ الجارية من يدي وتلكمها وتقول لها : ويلك قد فديت يميني التي حلفتها ونزلت بك السوق حيث حلفت عليك أنه لا بد من إخراجك إلى السوق ومناداة الدلال عليك فإن فعلت ذلك ربما تدخل عليه الحيلة وعلى الناس ويعتقدون أنك ما نزلت بها إلا لأجل إبراز اليمين .
فقال : هذا هو الرأي الصائب .
ثم إن الدلال فارقه ، وجاء إلى وسط السوق وأمسك يد الجارية وأشار إلى الوزير المعين بن ساوي وقال :
يا مولاي هذا مالكها قد اقبل .
ثم جاء علي نور الدين إلى الدلال ونزع الجارية من يده ولكمها وقال : ويلك قد نزلت بك إلى السوق لأجل إبرار يميني . روحي إلى البيت وبعد ذلك لا تخالفيني فلست محتاجاً إلى ثمنك حتى أبيعك وأنا لو بعت أثاث البيت وأمثاله مرات عديدة ما بلغ قدر ثمنك .
فلما نظر المعين بن ساوي إلى علي نور الدين قال له : ويلك وهل بقي عندك شيء يباع ويشترى .
ثم إن المعين بن ساوي أراد أن يبطش به . فعند ذلك نظر التجار إلى علي نور الدين وكانوا كلهم يحبونه فقال لهم : ها أنا بين أيديكم وقد عرفتم ظلمه .
فقال الوزير : والله لولا أنتم لقتلته .
ثم رمزوا كلهم إلى بعضهم بعين الإشارة وقالوا : ما أحد منا يدخل بينك وبينه .
فعند ذلك تقدم علي نور الدين إلى الوزير بن ساوي وكان علي نور الدين شجاعاً فجذب الوزير من فوق سرجه فرماه إلى الأرض وكان هناك معجنة طين فوقع الوزير في وسطها وجعل نور الدين يلكمه فجاءت لكمة على أسنانه فاختضبت لحيته بدمه وكان مع الوزير عشرة مماليك فلما رأوا نور الدين يفعل بسيدهم هذه الأفعال وضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم وأرادوا أن يهجموا على نور الدين ويقطعونه وإذا بالناس قالوا للمماليك :
هذا وزير وهذا ابن وزير وربما اصطلحا مع بعضهما وتكونون مبغوضين عند كل منهما وربما جاءت فيه ضربة فتموتون جميعاً اقبح الموتات ومن الرأي أن لا تدخلوا بينهما .
فلما فرغ علي نور الدين من ضرب الوزير أخذ جاريته ومضى إلى داره وأما الوزير ابن ساوي فإنه قام من ساعته وكان قماش ثيابه أبيض فصار ملوناً بثلاثة ألوان الطين ولون الدم ولون الرماد فلما رأى نفسه على هذه الحالة أخذ برشاً وجعله في رقبته وأخذ في يده حزمتين من محلفه وسار إلى أن وقف تحت القصر الذي فيه السلطان وصاح :
يا ملك الزمان مظلوم .
فأحضروه بين يديه فتأمله فرآه وزيره المعين بن ساوي فقال له : من فعل بك هذه الفعال ? فبكى وانتحب وأنشد هذين البيتين :
أيظلمني الزمـان وأنـت فـيه ........ وتأكلني الكلاب وأنت غـيث
ويروى من حياضك كل صـياد ........ وأعطش في حماك وأنت غيث
ثم قال : يا سيدي هكذا كل من يحبك ويخدمك تجري له هذه المشاق .
قال له : ومن فعل بك هذه الفعال ?
فقال الوزير : اعلم أني خرجت اليوم إلى سوق الجواري لعلي أشتري جارية طباخة فرأيت في السوق جارية ما رأيت طول عمري مثلها فقال الدلال أنها لعلي بن خاقان وكان مولانا السلطان أعطى أباه سابقاً عشرة آلاف دينار ليشتري له بها جارية مليحة فاشترى تلك الجارية فأعجبته فأعطاها لولده فلما مات أبوه سلك طريق الإسراف حتى باع جميع ما عنده من الأملك والبساتين والأواني فلما أفلس ولم يبق عنده شيء نزل بالجارية إلى السوق على أن يبيعها ثم سلمها إلى الدلال فنادى عليها وتزايد فيها التجار حتى بلغ أربعة آلاف دينار ، فلما سمع كلامي نظر إلي وقال :
يا شيخ النحس أبيعها لليهود والنصارى ولا أبيعها لك .
فقلت : أنا ما اشتريتها لنفسي وإنما اشتريتها لمولانا السلطان الذي هو ولي نعمتنا .
فلما سمع مني هذا الكلام اغتاظ وجذبني ورماني عن الجواد وأنا شيخ كبير وضربني ولم يزل يضربني حتى تركني كما تراني ، وأنا ما أوقعني في هذا كله إلا أني جئت لأشتري هذه الجارية لسعادتك .
ثم إن الوزير رمى نفسه على الأرض وجعل يبكي ويرتعد ، فلما نظر السلطان حالته وسمع مقالته قام عرق الغضب بين عينيه ، ثم التفت إلى من بحضرته من أرباب الدولة ، وإذا بأربعين من ضاربي السيف وقفوا بين يديه فقال لهم : انزلوا في هذه الساعة إلى دار ابن خاقان وانهبوها واهدموها وآتوني به وبالجارية مكتفين واسحبوهما على وجوههما واتوا بهما بين يدي .
فقالوا : السمع والطاعة .
ثم إنهم قصدوا المسير إلى علي نور الدين وكان عند السلطان حاجب يقال له علم الدين سنجر وكان من مماليك الفضل بن خاقان والد علي نور الدين فلما سمع أمر السلطان ورأى الأعداء تهيئوا إلى قتل ابن سيده لم يهن عليه ذلك ، فركب جواده وسار إلى أن أتى بيت علي نور الدين فطرق الباب فخرج له علي نور الدين فلما رآه عرفه وأراد أن يسلم عليه فقال :
يا سيدي ما هذا وقت سلام ولا كلام واسمع ما قال الشاعر :
ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ........ وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واجد أرضـاً بـأرض ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها
فقال علي نور الدين : ما الخبر ?
فقال : انهض وفز بنفسك أنت والجارية فإن المعين بن ساوي نصب لكما شركاً ومتى وقعتما في يده قتلكما وقد أرسل إليكما السلطان أربعين ضارباً بالسيف والرأي عندي أن تهربا قبل أن يحل الضرر بكما .
ثم إن سنجر مد يده إلى علي نور الدين بدنانير فعدها فوجدها أربعين ديناراً وقال له :
يا سيدي خذ هذه الدنانير ولو كان معي أكثر من ذلك لأعطيتك إياه لكن ما هذا وقت معاتبة .
فعند ذلك دخل علي نور الدين على الجارية وأعلمها بذلك فتخبلت ، ثم خرج الاثنان في الوقت إلى ظاهر المدينة وأرسل الله عليهما ستره ومشيا إلى ساحل البحر فوجدا مركباً تجهز للسفر والريس واقف في وسط المركب يقول :
من بقي له حاجة من وداع أو زوادة أو نسي حاجته فليأت بها فإننا متوجهون .
فقال كلهم : لم يبق لنا حاجة يا ريس .
فعندئذ قال الريس لجماعته : هيا حلوا الطرف واقلعوا الأوتاد .
فقال نور الدين : إلى أين يا ريس ?
فقال : إلى دار السلام بغداد .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:51 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الريس لما قال لعلي نور الدين :
إلى دار السلام مدينة بغداد .
نزل علي نور الدين ونزلت معه الجارية وعوموا ونشروا القلوع فساع بهم المركب وطاب لهم الريح .
هذا ما جرى لهؤلاء وأما ما جرى للأربعين الذين أرسلهم السلطان فإنهم جاؤوا إلى بيت علي نور الدين فكسروا الأبواب ودخلوا وطافوا جميع الأماكن فلم يقفوا لهما على خبر ، فهدموا الدار ورجعوا وأعلموا السلطان فقال :
اطلبوهما في أي مكان كانا فيه .
فقالوا : السمع والطاعة .
ثم نزل الوزير معين بن ساوي إلى بيته بعد أن خلع عليه السلطان خلعة وقال : لا يأخذ بثأرك إلا أنا .
فدعا له بطول البقاء واطمأن قلبه ، ثم إن السلطان أمر أن ينادى في المدينة يا معاشر الناس كافة :
قد أمر السلطان أن من عثر بعلي نور الدين بن خاقان وجاء به إلى السلطان خلع عليه خلعة وأعطاه ألف دينار ومن أخفاه أو عرف مكانه ولم يخبر به فإنه يستحق ما يجري عليه من النكال .
فصار جميع الناس في التفتيش على علي نور الدين فلم يجدوا له أثر .
هذا ما كان من هؤلاء .
وأما ما كان من أمر علي نور الدين وجاريته فإنهما وصلا بالسلامة إلى بغداد فقال الريس :
هذه بغداد وهي مدينة أمينة قد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها فصل الربيع بورده وأزهرت أشجارها وجرت أنهارها .
فعند ذلك طلع علي نور الدين هو وجاريته من المركب وأعطى الريس خمسة دنانير ثم سارا قليلاً فرمتهما المقادير بين البساتين فجاءا إلى مكان فوجداه مكنوساً مرشوشاً بمصاطب مستطيلة وقواديس معلقة ملآنة ماء وفوقه مكعب من القصب بطول الزقاق وفي صدر الزقاق باب بستان إلا أنه مغلق فقال علي نور الدين للجارية :
والله إن هذا محل ملتح .
فقالت : يا سيدي اقعد بنا ساعة على هذه المصاطب .
فطلعا وجلسا على المصاطب ثم غسلا وجهيهما وأيديهما واستلذا بمرور النسيم فناما وجل من لا ينام ، وكان البستان يسمى بستان النزهة وهناك قصر يقال له يسمى قصر الفرجة وهو للخليفة هارون الرشيد وكان الخليفة إذا ضاق صدره يأتي إلى البستان ويدخل ذلك القصر فيقعد فيه وكان القصر له ثمانون شباكاً معلقاً فيه ثمانون قنديلاً وفي وسطه شمعدان كبير من الذهب فإذا دخله الخليفة أمر الجواري أن تفتح الشبابيك وأمر إسحق النديم والجواري أن يغنوا ما يشرح صدره ويزول همه ، وكان للبستان خولي شيخ كبير يقال له الشيخ إبراهيم ، واتفق أنه خرج ليقضي حاجة من أشغاله فوجد المتفرجين معهم النساء وأهل الريبة فغضب غضباً شديداً فصبر الشيخ حتى جاء عنده الخليفة في بعض الأيام فأعلمه بذلك فقال الخليفة :
كل من وجدته على باب البستان افعل به ما أردت .
فلما كان ذلك اليوم خرج الشيخ إبراهيم الخولي لقضاء حاجة عرضت له فوجد الاثنين نائمين في البستان مغطيين بإزار واحد فقال :
أما عرفا أن الخليفة أعطاني إذناً أن كل من لقيته قتلته ولكن هذين ضرباً خفيفاً حتى لا يقترب أحد من البستان .
ثم قطع جريدة خضراء وخرج إليهما ورفع يده فبان بياض إبطه وأراد ضربهما فتفكر في نفسه وقال :
يا إبراهيم كيف تضربهما ولم تعرف حالهما وقد يكونان غريبان أو من أبناء السبيل ورمتهما المقادير هنا . سأكشف عن وجهيهما وأنظر إليهما .
فرفع الإزار عن وجهيهما وقال : هذان حسنان لا ينبغي أن أضربهما ، ثم غطى وجهيهما وتقدم إلى رجل علي نور الدين وجعل يكبسها ففتح عينيه فوجده شيخاً كبيراً فاستحى علي نور الدين ولم رجليه واستوى قاعداً وأخذ يد الشيخ فقبلها فقال له :
يا ولدي من أين أنتم ?
فقال له : يا سيدي نحن غرباء .
وفرت الدمعة من عينيه فقال الشيخ إبراهيم : يا ولدي اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إكرام الغريبن .
ثم قال له : يا ولدي أما تقوم وتدخل البستان وتتفرج فيه فينشرح صدرك ?
فقال له نور الدين : يا سيدي هذا البستان من يخص ?
فقال: يا ولدي هذا ورثته من أهلي .
وما كان قصد الشيخ إبراهيم بهذا الكلام إلا أن يطمئنهما ليدخلا البستان .
فلما سمع نور الدين كلامه شكره وقام هو وجاريته والشيخ إبراهيم قدامهما فدخلوا البستان فإذا هو بستان بابه مقنطر عليه كروم وأعنابه مختلفة الألوان ، الأحمر كأنه ياقوت والأسود كأنه أبنوس ، فدخلوا تحت عريشة فوجدوا فيها الأثمار صنوان والأطيار تغرد بالألحان على الأغصان ، والهزار يترنم والقمر ملأ بصوته المكان والشحرور كأنه في تغريده إنسان والأثمار قد أينعت أثمارها من كل مأكول ومن فاكهة زوجان والمشمش ما بين كافوري ولوزي ومشمش خراسان والبرقوق كأنه لون الحسان والقراصية تذهل عقل كل إنسان والتين ما بين أحمر وأبيض وأخضر من أحسن الألوان والزهر كأنه اللؤلؤ والمرجان والورد يفضح بحمرته خدود الحسان والبنفسج كأنه الكبريت دنا من النيران والآس والمنتور والخزامى مع شقائق النعمان ، وتكالمت تلك الأوراق بمدامع الغمام وضحك ثغر الأقحوان وصار النرجس ناظر إلى ورد بعيون السودان والأترج كأنه أكواب والليمون كبنادق من ذهب وفرشت الأرض بالزهر من سائر الألوان وأقبل الربيع فأشرق ببهجته المكان والنهر في خرير والطير في هدير والريح في صفير والطقس في اعتدال والنسيم في اعتلال .
ثم دخل بهما الشيخ إبراهيم القاعة المغلقة ، فابتهجوا بحسن تلك القاعة وما فيها من اللطائف الغريبة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:52 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس



قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ إبراهيم دخل القاعة ومعه علي نور الدين والجارية وجلسوا بجانب بعض الشبابيك فتذكر علي نور الدين المقاساة التي مضت له فقال :
والله إن هذا المكان في غاية الحسن ، لقد فكرني بما مضى وأطفأ من كربي جمر الغضى .
ثم إن الشيخ إبراهيم قدم لهما الأكل فأكلا كفايتهما ثم غسلا ايديهما وجلس علي نور الدين في شباك من تلك الشبابيك وصاح على جاريته فأتت إليه فصارا ينظران إلى الأشجار وقد حملت سائر الأثمار ثم التفت علي نور الدين إلى الشيخ إبراهيم وقال له :
يا شيخ إبراهيم أما عندك شيء من الشراب لأن الناس يشربون بعد أن يأكلوا .
فجاءه الشيخ إبراهيم بماء حلو بارد فقال له نور الدين :
ما هذا الشراب الذي تريده ?
فقال له : أتريد خمراً ?
فقال له نور الدين : نعم .
فقال: أعوذ بالله منها إن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلت ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شاربه وعاصره وحامله .
فقال له نور الدين : اسمع مني كلمتين .
قال : قل ما شئت .
قال : إذا لم تكن عاصر الخمر ولا شاربه ولا حامله هل يصيبك من لعنهم شيء ?
قال : لا .
قال : خذ هذين الدينارين وهذين الدرهمين واركب هذا الحمار وقف بعيداً وأي إنسان وجدته يشتري فصح عليه وقل له : خذ هذين الدرهمين واشتر بهما خمراً واحمله على الحمار وحينئذ لا تكون شارباً ولا حاملاً ولا عاصراً ولا يصيبك شيء مما يصيب الجميع .
فقال الشيخ إبراهيم وقد ضحك من كلامه : والله ما رأيت أظرف منك ولا أمحل من كلامك .
فقال له نور الدين : نحن صرنا محسوبين عليك وما عليك إلا الموافقة فهات لنا بجميع ما نحتاج إليه .
فقال له الشيخ إبراهيم : يا ولدي هذا كراري قدامك وهو الحاصل المعد لأمير المؤمنين فادخله وخذ منه ما شئت فإن فيه ما تريد .
فدخل علي نور الدين الحاصل فرأى فيه أواني من الذهب والفضة والبلور مرصعة بأصناف الجواهر فأخرج منها ما أراد وسكب الخمر في البواطي والقناني وصار هو وجاريته يتعاطيان واندهشا من حسن ما رأيا .
ثم إن الشيخ إبراهيم جاء إليهما بالمشموم وقعد بعيداً عنهما ، فلم يزالا يشربان وهما في غاية الفرح حتى تحكم معهما الشراب واحمرت خدودهما وتغازلت عيونهما واسترخت شعورهما فقال الشيخ إبراهيم :
ما لي أقعد بعيداً عنهما ? كيف أقعد عندهما وأي وقت اجتمع في قصرنا مثل هذين الاثنين اللذين كأنهما قمران .
ثم إن الشيخ تقدم وقعد في طرف الإيوان فقال له علي نور الدين : يا سيدي بحياتي أن تتقدم عندنا .
فتقدم الشيخ عندهما فملأ نور الدين قدحاً ونظر إلى الشيخ إبراهيم وقال له :
اشرب حتى تعرف لذة طعمه .
فقال الشيخ : أعوذ باله إن لي ثلاث عشرة سنة ما فعلت شيئاً من ذلك .
فتغافل عنه نور الدين وشرب القدح ورمى نفسه على الأرض وأظهر أنه غلب عليه السكر .
فعند ذلك نظرت إليه أنيس الجليس وقالت له : يا شيخ إبراهيم انظر هذا كيف عمل معي .
قال لها : يا سيدتي ماله ?
قالت : دائماً يعمل معي هكذا فيشرب ساعة وينام وابقى وحدي لا أجد لي نديماً ينادمني على قدحي فإذا شربت فمن يعاطيني وإذا غنيت فمن يسمعني ?
فقال لها الشيخ إبراهيم وقد حنت أعضاؤه ومالت نفسه إليها من كلامها :
لا ينبغي من النديم أن يكون هكذا .
ثم إن الجارية ملأت قدحاً ونظرت إلى الشيخ إبراهيم وقالت : بحياتي أن تأخذه وتشربه ولا ترده فاقبله واجبر خاطري .
فمد الشيخ إبراهيم يده وأخذ القدح وشربه ، وملأت له ثانياً ومدت إليه يدها به وقالت له :
يا سيدي بقي لك هذا .
فقال لها : والله لا أقدر أن أشربه فقد كفاني الذي شربته .
فقال له : والله لا بد منه .
فأخذ القدح وشربه ، ثم أعطته الثالث فأخذه وأراد أن يشربه وإذا بنور الدين هم قاعداً .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:53 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن علي نور الدين هم قاعداً فقال له :
يا شيخ إبراهيم أي شيء هذا ? أما حلفت عليك من ساعة فأبيت وقلت أن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلته ?
فقال الشيخ إبراهيم وقد استحى : ما لي ذنب فإنما هي شددت علي .
فضحك نور الدين وقعدوا للمنادمة فالتفتت الجارية وقالت لسيدها : سر يا سيدي اشرب ولا تحلف على الشيخ إبراهيم حتى أفرجك عليه .
فجعلت الجارية تملأ وتسقي سيدها وسيدها يملأ ويسقيها ولم يزالا كذلك مرة بعد مرة ، فنظر لهما الشيخ إبراهيم وقال لهما :
أي شيء هذا وما هذه المنادمة ولا تسقياني وقد صرت نديمكما .
فضحكا من كلامه إلى أن أغمي عليهما ثم شربا وسقياه وما زالوا في المنادمة إلى ثلث الليل فعند ذلك قالت الجارية :
يا شيخ إبراهيم عن إذنك هل أقوم وأوقد شمعة من هذا الشمع المصفوف ?
فقال لها : قومي ولا توقدي إلا شمعة واحدة .
فنهضت على قدميها وابتدأت من أول الشمع إلى أن أوقدت ثمانين شمعة ثم قعدت وبعد ذلك قال نور الدين :
يا شيخ إبراهيم وأنا أي شيء حظي عندك أما تخليني أوقد قنديلاً من هذه القناديل ?
فقال له الشيخ إبراهيم : قم وأوقد قنديلاً واحداً ولا تتناقل أنت الآخر .
فقام وابتدأ من أولها إلى أن أوقد ثمانين قنديلاً فعند ذلك رقص المكان .
فقال لهما الشيخ إبراهيم وقد غلب عليه السكر : أنتما أخرع مني .
ثم إنه نهض على قدميه وفتح الشبابيك جميعاً وجلس معهما يتنادمون ويتناشدون الأشعار وابتهج بهم المكان فقدر الله السميع العليم الذي جعل لكل شيء سبباً حيث أن الخليفة كان في تلك الساعة جالساً في شبابيك مطلة على ناحية الدجلة في ضوء القمر فنظر إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعاً فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يلهج من تلك الشموع والقناديل فقال :
علي بجعفر البرمكي .
فما كان إلا لحظة وقد حضر جعفر البرمكي بين يدي أمير المؤمنين فقال له :
يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ?
فقال له جعفر : وما سبب هذا الكلام ?
فقال : لولا أن مدينة بغداد أخذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وانفتحت شبابيكه ويلك من الذي يكون له القدرة على هذه الفعال إلا إذا كانت الخلافة أخذت مني .
فقال جعفر وقد ارتعدت فرائصه : ومن أخبرك أن قصر الفرجة أوقدت فيه القناديل والشموع وفتحت شبابيكه ?
فقال له : تقدم عندي وانظر .
فتقدم جعفر عند الخليفة ونظر ناحية البستان فوجد القصر كأنه شعلة من نور غلب على نور القمر ، فأراد جعفر أن يعتذر عن الشيخ إبراهيم الخولي ربما هذا الأمر بإذنه لما رأى فيه من المصلحة فقال :
يا أمير المؤمنين كان الشيخ إبراهيم في الجمعة التي مضت قال لي :
يا سيدي جعفر إني أريد أن أفرح أولادي في حياتك وحياة أمير المؤمنين .
فقلت له : وما مرادك بهذا الكلام ?
فقال لي : مرادي أن آخذ إذناً من الخليفة بأني أظاهر أولادي في القصر .
فقلت له : افعل ما شئت من فرح أولادك وإن شاء الله أجتمع بالخليفة وأعلمه بذلك فراح من عندي على هذه الحال ونسيت أن أعلمك .
فقال الخليفة : يا جعفر كان لك عندي ذنب واحد فصار لك عندي ذنبان لأنك أخطأت من وجهين : الوجه الأول أنك ما أعلمتني بذلك والوجه الثاني أنك بلغت الشيخ إبراهيم مقصوده فإنه ما جاء إليك وقال لك هذا الكلام إلا تعريضاً بطلب شيء من المال يستعين به على مقصوده فلم تعطه شيئاً ولم تعلمني حتى أعطيه .
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين نسيت .
فقال الخليفة : وحق آبائي وأجدادي ما أتم بقية ليلتي إلا عنده ، فإنه رجل صالح يتردد إليه المشايخ ويساعد الفقراء ويؤاسي المساكين وأظن أن الجميع عنده في هذه الليلة فلا بد من الذهاب إليه لعل واحد منهم يدعو لنا دعوة يحصل لنا بها خيري الدنيا والآخرة وبما يحصل له نفع في هذا الأمر بحضوري ويفرح بذلك هو وأحبابه .
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إن معظم الليل قد مضى وهم في هذه الساعة على وجه الانفضاض .
فقال الخليفة : لا بد من الرواح عنده .
فسكت جعفر وتحير في نفسه وصار لا يدري فنهض الخليفة على قدميه وقام جعفر بين يديه ومعهما مسرور والخادم ومشى الثلاثة متنكرين ونزلوا من القصر وجعلوا يشقون الطريق في الأزقة وهم في زي التجار إلى أن وصلوا إلى البستان المذكور فتقدم الخليفة فرأى البستان مفتوحاً فتعجب وقال :
انظر الشيخ إبراهيم كيف ترك الباب مفتوحاً إلى هذا الوقت وما هي عادته .
ثم أنهم دخلوا إلى أن انتهوا إلى آخر البستان ووقفوا تحت القصر ، فقال الخليفة :
يا جعفر أريد أن أتسلل عليهم قبل أن أطلع عندهم حتى أنظر ما عليه المشايخ من النفحات وواردات الكرمات فإن لهم شؤوناً في الخلوات والجلوات لأننا الآن لم نسمع صوتاً ولم نر لهم أثراً .
ثم إن الخليفة نظر فرأى شجرة جوز عالية فقال : يا جعفر أريد أن أطلع على هذه الشجرة فإن فروعها قريبة من الشبابيك وأنظر إليهم .
ثم إن الخليفة طلع فوق الشجرة ولم يزل يتعلق من فرع إلى فرع حتى وصل إلى الفرع الذي يقابل الشباك وقعد فوقه ونظر من شباط القصر فرأى صبية وصبياً كأنهما قمران سبحان من خلقهما ورأى الشيخ إبراهيم قاعداً وفي يده قدح وهو يقول :
يا سيدة الملاح الشرب بلا طرب غير فلاح ، ألم تسمعي قول الشاعر :
أدرها بالكبير وبالصـغـير ........ وخذها من يد القمر المنـير
ولا تشرب بلا طرب فإنـي ........ رأيت الخيل تشرب بالصفير
فلما عاين الخليفة من الشيخ إبراهيم هذه الفعال قام عرق الغضب بين عينيه ونزل وقال :
يا جعفر أنا ما رأيت شيئاً من كرمات الصالحين مثل ما رأيت في هذه الليلة فاطلع أنت الآخر على هذه الشجرة وانظر لئلا تفوتك بركات الصالحين .
فلما سمع جعفر كلام أمير المؤمنين صار متحيراً في أمره وصعد إلى أعلى الشجرة وإذا به ينظر فرأى علي نور الدين والشيخ إبراهيم والجارية وكان الشيخ إبراهيم في يده القدح فلما عاين جعفر تلك الحالة أيقن بالهلاك ثم نزل فوقف بين يدي أمير المؤمنين فقال الخليفة :
يا جعفر الحمد لله الذي جعلنا من المتبعين لظاهر الشريعة المطهرة وكفانا شر تلبيات الطريقة المزورة .
فلم يقدر جعفر أن يتكلم من شدة الخجل ثم نظر الخليفة إلى جعفر وقال :
يا هل ترى من أوصل هؤلاء إلى هذا المكان ومن أدخلهم قصري ? ولكن مثل هذا الصبي وهذه الصبية ما رأت عيني حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً مثلهما .
فقال جعفر وقد استرجى رضا الخليفة : صدقت يا أمير المؤمنين .
فقال : يا جعفر اطلع بنا على هذا الفرع الذي هو مقابلهم لنتفرج عليهم .
فطلع الاثنان على الشجرة ونظراهما فسمع الشيخ إبراهيم يقول :
يا سيدتي قد تركت الوقار بشرب العقار ولا يلذ ذلك إلا بنغمات الأوتار .
فقالت له أنيس الجليس : يا شيخ إبراهيم والله لو كان عندي شيء من آلات الطرب لكان سرورنا كاملاً .
فلما سمع الشيخ إبراهيم كلام الجارية نهض قائماً على قدميه فقال الخليفة لجعفر :
يا ترى ماذا يريد أن يعمل ?
فقال جعفر : لا أدري .
فغاب الشيخ إبراهيم وعاد ومعه عوداً فتأمله الخليفة فإذا هو عود إسحق النديم .
فقال الخليفة : والله إن غنت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتكم كلكم وإن غنت وأحسنت الغناء فإني أعفوا عنهم وأصلبك أنت .
فقال جعفر : اللهم اجعلها لا تحسن الغناء .
فقال الخليفة : لأي شيء ?
فقال : لأجل أن تصلبنا كلنا فيؤانس بعضنا بعضاً .
فضحك الخليفة ، وإذا بالجارية أخذت العود وأصلحت أوتاره وضربت ضرباً يذيب الحديد ويفطن البليد وأخذت تنشد هذه الأبيات :
أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا
بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا
ما الخوف أن تقتلونا في منازلنـا ........ وإنما خوفنا أن تأثـمـوا فـينـا
فقال الخليفة : والله يا جعفر عمري ما سمعت صوتاً مطرباً مثل هذا .
فقال جعفر : لعل الخليفة ذهب ما عنده من الغيظ ?
قال : نعم .
ثم نزل من الشجرة هو وجعفر ثم التفت إلى جعفر وقال :
أريد أن أطلع وأجلس عندهم واسمع الصبية تغني قدامي .
فقال جعفر : إذا طلعت عليهم ربما تكدروا وأما الشيخ إبراهيم فإنه يموت من الخوف .
فقال الخليفة : يا جعفر لا بد أن تعرفني حيلة أحتال بها على معرفة حقيقة هذا الأمر من غير أن يشعروا باطلاعنا عليهم .
ثم إن الخليفة هو وجعفر ذهبا إلى ناحية الدجلة وهما متفكران في هذا الأمر وإذا بصياد واقف يصطاد وكان الصياد تحت شبابيك القصر فرمى شبكته ليصطاد ما يقتات به وكان الخليفة سابقاً صاح على الشيخ إبراهيم وقال له :
ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر ?
فقال له الشيخ إبراهيم : صوت الصيادين الذين يصطادون السمك .
فقال : انزل وامنعهم من ذلك الموضع .
فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه :
هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات :
يا راكب البحر في الأهوال والهلكة ........ أقصر عناك فليس الرزق بالحركة
أما ترى البحر والصياد منتـصـب ........ في ليلة ونجوم الليل محـتـبـكة
قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه ........ وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة
حتى إذا بات مسروراً بهـا فرحـاً ........ والحوت قد حط في فخ الردى حنكه
وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه ........ منعم البال في خير مـن الـبـركة
وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه ........ لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه
سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا ........ بعض يصيد وبعض يأكل السمكة
فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له :
يا كريم .
فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال :
والله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى .
فقال الخليفة : اصطاد على بختي .
فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال :
يا كريم اقلع ثيابك .
فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها ، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية ، ثم قال للصياد :
خذ هذه والبسها .
ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد : رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين :
أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره ........ وكفيتني كل الأمور بأسرهـا
فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت ........ شكرتك مني عظمي في قبرها
فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي ، ثم قال :
يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة ?
فقال : يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه .
فضحك الخليفة وقال له : ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي ?
فقال الصياد : إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة .
فقال له : قل ماعندك ?
فقال له : قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك .
فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر ، ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال :
يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة .
فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر :
لعلك مولانا أمير المؤمنين .
فقال الخليفة : نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ ابراهيم وهو سكران ? فكن مكانك حتى أرجع إليك .
فقال جعفر : سمعاً وطاعة .
ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال : من بالباب ? فقال له : أنا يا شيخ إبراهيم .
قال له : من أنت ?
قال له : أنا كريم الصياد ، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح .
وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا :
يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه .
ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام ، فقال له الشيخ إبراهيم : أهلا باللص السارق المقامر ، تعال أرنا السمك الذي معك .
فأراهم إياه ، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية :
والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي .
فقال الشيخ إبراهيم : والله صدقت .
ثم قال للخليفة : يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته .
فقال الخليفة : على الرأس أقليه وأجيء به .
فقال له : عجل بقليه والإتيان به .
فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال : يا جعفر طلبوا السمك مقلياً .
فقال : يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه .
فقال الخليفة : وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي .
ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً ، وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين :
والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة .
ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر ، وقال :
يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك ، لكن خذ هذا بحسب الحال .
ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وما كان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني ، فقال الخليفة :
أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها .
فقال نور الدين : يا أنيس الجليس .
قالت : نعم .
قال : لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك .
فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين:
وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا ........ فعادت النفس عند الجس تختلس
قد أسمعت بالأغاني من به صمم ........ وقال احسنت مغنى من به خرس
ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد :
هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار ?
فقال الخليفة: أي والله .
فقال نور الدين : هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه .
ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت :
يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين :
لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم ........ لفي مهجتي بين الجوانح والحشا
وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا ........ وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا
فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول :
ودعتني يوم الفراق وقالـت ........ وهي تبكي من لوعة وفراق
ما الذي أنت صانع بعد بعدي ........ قلت قولي هذا لمن هو باقي
ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له :
يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك .
فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له :
أين تقصد في هذه الساعة ?
قال له : بلاد الله فسيحة .
فقال له الخليفة : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:55 PM
تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
وبداية حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما قال لعلي نور الدين :
أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني ، فإذا قرأها لا يضرك بشيء .
فقال له على نور الدين : وهل في الدنيا صياد يكاتب الملوك ? إن هذا شيء لا يكون أبداً .
فقال له الخليفة : صدقت ولكن أنا أخبرك بالسبب اعلم أني أنا قرأت أنا وإياه في مكتب واحد عن فقيه وكنت أنا عريفه ثم أدركته السعادة وصار سلطاناً وجعلني الله صياداً ولكن لم أرسل إليه في حاجة إلا قضاها ولو أدخلت إليه في كل يوم من شأن ألف حاجة لقضاها .
فلما سمع نور الدين كلامه قال له : اكتب حتى أنظر .
فأخذ دواة وقلماً ، وكتب : بعد البسملة أما بعد فإن هذا الكتاب من هارون الرشيد بن المهدي إلى حضرة محمد بن سليمان الزيني المشمول بنعمتي الذي جعلته نائباً عني في بعض مملكتي أعرفك أن الموصل إليك هذا الكتاب نور الدين بن خاقان الوزير فساعة وصوله عندكم تنزع نفسك من الملك وتجلسه مكانك فإني قد وليته على ما كنت وليتك عليه سابقاً فلا تخالف أمري والسلام .
ثم أعطى علي نور الدين بن خاقان الكتاب فأخذه نور الدين وقبله وحطه في عمامته ونزل في الوقت مسافراً وطلع قصر السلطان ثم صرخ صرخة عظيمة فسمعه السلطان فطلبه فلما حضر بين يديه قبل الأرض قدامه ثم أخرج الورقة وأعطاه إياها فلما رأى عنوان الكتاب بخط أمير المؤمنين قام واقفاً على قدميه وقبلها ثلاث مرات وقال : السمع والطاعة لله تعالى ولأمير المؤمنين .
ثم أحضر القضاة الأربعة والأمراء وأراد أن يخلع نفسه من الملك وإذا بالوزير المعين بن ساوي قد حضر فأعطاه السلطان ورقة أمير المؤمنين فلما قراها عن آخرها وأخذها في فمه ومضغها ورماها .
فقال له السلطان وغضب : ويلك ما الذي حملك على هذه الفعال ?
قال له : هذا ما اجتمع بالخليفة ولا بوزيره وإنما هو علق شيطان مكار وقع بورقة فيها خط الخليفة فزورها وكتب فيها ما أراد فلأي شيء تعزل نفسك من السلطنة مع أن الخليفة لم يرسل إليك رسولاً بخط شريف ولو كان هذا الأمر صحيحاً لأرسل معه حاجباً أو وزيراً لكنه جاء وحده .
فقال له : وكيف العمل ?
قال له : أرسل معي هذا الشاب وأنا آخذه وأتسلمه منك وأرسله صحبة حاجب إلى مدينة بغداد فإن كان كلامه صحيحاً يأتينا بخط شريف وتقليد وإن كان غير صحيح ترسلوه إلينا مع الحاجب وأنا آخذ حقي من غريمي .
فلما سمع السلطان كلام الوزير ودخل عقله صاح على الغلمان فطرحوه وضربوه إلى أن أغمي عليه ثم أمر أن يضعوا في رجليه قيداً وصاح على السجان فلما حضر قبل الأرض بين يديه وكان هذا السجان يقال له قطيط ، فقال له :
يا قطيط أريد أن تأخذ هذا وترميه في مطمورة من المطامير التي عندك في السجن ، وتعاقبه بالليل والنهار .
فقال له السجان : سمعاً وطاعة .
ثم أن السجان أدخل نور الدين في السجن وقفل عليه الباب ثم أمر بكنس مصطبة وراء الباب وفرشها بسجادة أو مخدة وأقعد نور الدين عليها وفك قيده وأحسن إليه ، وكان كل يوم يرسل إلى السجان ويأمر بضربه والسجان يظهر أنه يعاقبه ، وهو يلاطفه ولم يزل كذلك مدة أربعين يوماً .
فلما كان اليوم الحادي والأربعون جاءت هدية من عند الخليفة فلما رآها السلطان أعجبته فشاور الوزراء في أمرها فقال :
لعل هذه الهدية كانت للسلطان الجديد ?
فقال الوزير المعين بن ساوي : لقد كان المناسب قتله وقت قدومه .
فقال السلطان : والله لقد ذكرتني به انزل هاته واضرب عنقه .
فقال الوزير : سمعاً وطاعة .ف
قام وقال له : إن قصدي أن أنادي في المدينة من أراد أن يتفرج على ضرب رقبة نور الدين علي بن خاقان فليأت إلى القصر فيأتي جميع الناس ليتفرجوا عليه لأشفي فؤادي وأكمد حسامي .
فقال له السلطان : افعل ما تريد .
فنزل الوزير وهو فرحان مسرور وأقبل على الوالي وأمره أن ينادي بما ذكرناه فلما سمع الناس المنادي حزنوا وبكوا جميعاً حتى الصغار في المكاتب والسوقة في دكاكينهم وتسابق الناس يأخذون لهم أماكن ليتفرجوا فيها وذهب بعض الناس إلى السجن حتى يأتي معه ونزل الوزير ومعه عشرة مماليك إلى السجن ثم إنهم نادوا على نور الدين :
هذا أقل جزاء من يزور مكتوباً على الخليفة إلى السلطان .
ولا زالوا يطوفون به في البصرة إلى أن أوقفوه تحت شباك القصر وجعلوه في منقع الدم وتقدم إليه السياف وقال له :
أنا عبد مأمور فإن كان لك حاجة فأخبرني بها حتى أقضيها لك ، فإنه ما بقي من عمرك إلا قدر ما يخرج السلطان وجهه من الشباك .
فعند ذلك نظر يميناً وشمالاً ، وانشد هذه الأبيات :
فهل فيكم خـل شـفـيق يعـينـنـي ........ سألتـكم بالـله رد جوابـي
مضى الوقت من عمري وحانت منيتي ........ فهل راحم لي كي ينـال ثوابي
وينظر في حالي ويكشف كـربـتـي ........ بشربة ماء كي يهـون عذابي
فتباكت الناس عليه وقام السياف وأخذ شربة ماء يناوله إياها ، فنهض الوزير من مكانه وضرب قلة الماء بيده فكسرها وصاح على السياف وأمره بضرب عنقه فعند ذلك عصب عيني علي نور الدين فصاح الناس على الوزير ، وأقاموا عليه الصراخ وكثر بينهم القيل والقال فبينما هم كذلك وإذا بغبار قد علا وعجاج ملأ الجو والفلا فلما نظر إليه السلطان وهو قاعد في القصر قال :
انظروا ما الخبر ؟
فقال الوزير : نصبر حتى نضرب عنق هذا قبل ....
فقال له السلطان : اصبر أنت حتى ننظر الخبر .
وكان ذلك الغبار غبار جعفر وزير الخليفة ومن معه وكان السبب في مجيئهم أن الخليفة مكث ثلاثين يوماً لم يتذكر قصة علي نور الدين بن خاقان ولم يذكرها له أحد إلى أن جاء ليلة من الليالي إلى مقصورة أنيس الجليس فسمع بكاءها وهي تنشد بصوت رقيق قول الشاعر :
خيالك في التباعد والتداني ........ وذكرك لا يفارقه لساني
وتزايد بكاؤها وإذا قد فتح الباب ودخل المقصورة فرأى أنيس الجليس وهي تبكي ، فلما رأت الخليفة وقعت على قدميه وقبلتهما ثلاث مرات ، ثم أنشدت هذين البيتين :
أيا من زكا أصـلاً وطـاب ولادة ........ وأثمر غصناً يانعاً وزكا جنـسـا
أذكرك الوعد الذي سـمـت بـه ........ محاسنك الحسنا وحاشاك أن تنسى
فقال الخليفة : من أنت ?
قالت : أنا هدية علي بن خاقان إليك ، وأريد إنجاز الوعد الذي وعدتني به من أنك ترسلني إليه مع الشريف ، والآن لي هنا ثلاثون يوماً لم أذق طعم النوم .
فعند ذلك طلب الخليفة جعفر البرمكي ، وقال :
من مدة ثلاثين يوماً لم أسمع بخبر علي بن خاقان وما أظن إلا أن السلطان قتله ولكن وحياة رأسي وتربة آبائي وأجدادي إن كان جرى له أمر مكروه لأهلكن من كان سبباً فيه ولو كان أعز الناس عندي وأريد أن تسافر أنت في هذه الساعة إلى البصرة وتأتي بأخبار الملك محمد بن سليمان الزيني مع علي بن خاقان .
فامتثل أمره وسافر ، فلما أقبل جعفر نظر ذلك الهرج والمرج والازدحام فقال الوزير جعفر :
ما هذا الازدحام ?
فذكروا له ما هم فيه من أمر علي نور الدين بن خاقان .
فلما سمع جعفر كلامهم أسرع بالطلوع إلى السلطان وسلم عليه وأعلمه بما جاء فيه وأنه إذا كان وقع لعلي نور الدين أمر مكروه فإن السلطان يهلك ما كان السبب في ذلك ثم إنه قبض على السلطان والوزير المعين بن ساوي وأمر بإطلاق علي نور الدين بن خاقان وأجلسه سلطاناً في مكان السلطان محمد بن سليمان الزيني وقعد ثلاثة أيام في البصرة مدة الضيافة فلما كان صبح اليوم الرابع التفت علي بن خاقان إلى جعفر وقال :
إني اشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين .
فقال جعفر للملك محمد بن سليمان : تجهز للسفر فإننا نصلي الصبح وتنوجه إلى بغداد .
فقال : السمع والطاعة .
ثم إنهم وصلوا الصبح وركبوا جميعهم ومعهم الوزير المعين بن ساوي وصار يتندم على فعله وأما علي نور الدين بن خاقان فإنه ركب بجانب جعفر ، وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى بغداد دار السلام ، وبعد ذلك دخلوا على الخليفة ، فلما دخلوا عليه حكوا له قصة علي نور الدين فعند ذلك أقبل الخليفة على علي نور الدين بن خاقان وقال له :
خذ هذا السيف واضرب به رقبة عدوك .
فأخذه وتقدم إلى المعين بن ساوي فنظر إليه وقال : أنا عملت بمقتضى طبيعتي فاعمل أنت بمقتضى طبيعتك .
فرمى السيف من يده ونظر إلى الخليفة وقال : يا أمير المؤمنين إنه خدعني وأنشد قول الشاعر :
فخدعته بخديعة لمـا أتـى ........ والحر يخدعه الكلام الطيب
فقال الخليفة : اتركه أنت .
ثم قال لمسرور : يا مسرور قم أنت واضرب رقبته .
فقام مسرور ورمى رقبته فعند ذلك قال الخليفة لعلي بن خاقان : تمن علي .
فقال له : يا سيدي أنا ما لي حاجة بملك البصرة وما أريد إلا مشاهدة وجه حضرتك .
فقال الخليفة : حباً وكرامة ثم إن الخليفة دعا بالجارية فحضرت بين يديه فأنعم عليهما وأعطاهما قصراً من قصور بغداد ورتب لهما مرتبات وجعله من ندمائه وما زال مقيماً عنده إلى أن أدركه الممات وليس هذا بأعجب من حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنه ?
قال الملك شهريار : وكيف ذلك ?


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان تاجر من التجار له مال وله ولد كأنه البدر ليلة تمامه فصيح اللسان اسمه غانم بن أيوب المتيم المسلوب .
وله أخت اسمها فتنة من فرط حسنها وجمالها فتوفي والدهما وخلف لهما مالاً جزيلاً .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:55 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة



قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن ذلك التاجر خلف لهما مالاً جزيلاً ومن جملة ذلك مائه حمل من الخز والديباج ونوافج المسك ، ومكتوب على الأحمال هذا بقصد بغداد وكان مراده أن يسافر إلى بغداد فلما توفاه الله تعالى ومضت مدة أخذ ولده هذه الأحمال وسافر بها إلى بغداد وكان ذلك في زمن هارون الرشيد وودع أمه وأقاربه وأهل بلدته قبل سيره وخرج متوكلاً على الله تعالى وكتب الله له السلامة ، حتى وصل إلى بغداد وكان مسافراً بصحبة جماعة من التجار فاستأجر له داراً حسنة وفرشها بالبسط والوسائد وأرخى عليها الستور وأنزل فيها تلك الأحمال والبغال والجمال ، وجلس حتى استراح وسلم عليه تجار بغداد وأكابرها ثم أخذ بقجة فيها عشرة تفاصيل من القماش النفيس مكتوب عليها أثمانها ونزل بها إلى سوق التجار فلاقوه وسلموا عليه وأكرموه وتلقوه بالترحيب وأنزلوه على دكان شيخ السوق وباع التفاصيل ، فربح في كل دينار دينارين ، ففرح غانم وصار يبيع القماش والتفاصيل شيئاً فشيئاً ولم يزل كذلك سنة وفي أول السنة الثانية جاء إلى ذلك السوق فرأى بابه مقفولاً فسأل عن سبب ذلك فقيل له أنه توفي واحد من التجار وذهب التجار كلهم يمشون في جنازته فهل لك أن تكسب أجراً وتمشي معهم ?
فقال : نعم .
ثم سأل عن محل الجنازة فدلوه على المحل فتوضأ ثم مشى مع التجار إلى أن وصلوا المصلى وصلوا على الميت ثم مشى التجار جميعهم قدام الجنازة إلى المقبرة فتبعهم غانم إلى أن وصلوا بالجنازة خارج المدينة ومشوا بين المقابر حتى وصلوا إلى المدفن فوجدوا أهل الميت نصبوا على القبر خيمة وأحضروا الشموع والقناديل ، ثم دفنوا الميت وجلس القراء يقرؤون على ذلك القبر فجلس التجار ومعهم غانم بن أيوب وهو غالب عليه الحياء فقال في نفسه :
أنا لم أقدر أن أفارقهم حتى أنصرف معهم .
ثم إنهم جلسوا يسمعون القرآن إلى وقت العشاء فقدموا لهم العشاء والحلوى ، فأكلوا حتى اكتفوا وغسلوا أيديهم ثم جلسوا مكانهم فاشتغل خاطر غانم ببضاعته ، وخاف من اللصوص وقال في نفسه :
أنا رجل غريب ومنهم بالمال ، فإن بت الليلة بعيداً عن منزلي سرق اللصوص ما فيه من المال والأحمال .
وخاف على متاعه فقام وخرج من بين الجماعة واستأذنهم على أنه يقضي حاجة فسار يمشي ويتتبع آثار الطريق حتى جاء إلى باب المدينة وكان ذلك الوقت نصف الليل فوجد باب المدينة مغلقاً ولم ير أحداً غادياً ولا رائحاً ولم يسمع صوتاً سوى نبيح الكلاب ، وعوي الذئاب فقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله كنت خائفاً على مالي وجئت من أجله فوجدت الباب مغلقاً فصرت الآن خائفاً على روحي .
ثم رجع ينظر له محلاً ينام فيه إلى الصباح فوجد تربة محوطة بأربع حيطان ، وفيها نخلة ولها باب من الصوان مفتوح ، فدخلها وأراد أن ينام فلم يجئه نوم وأخذته رجفة ووحشة وهو بين القبور ، فقام واقفاً على قدميه وفتح باب المكان ونظر فرأى نوراً يلوح على بعد في ناحية المدينة فمشى قليلاً فرأى النور مقبلاً في الطريق التي توصل إلى التربة التي هو فيها فخاف غانم على نفسه ، وأسرع برد الباب وتعلق حتى طلع فوق النخلة وتدارى في قلبها فصار النور يتقرب من التربة فتأمل النور فرأى ثلاثة عبيد اثنان حاملان صندوقاً والثالث في يده فأس وفانوس فلما قربوا من التربة قال أحد العبدين الحاملين الصندوق :
ويلك يا صواب .
فقال العبد الآخر : مالك يا كافور ?
فقال : إنا كنا هنا وقت العشاء وخلينا الباب مفتوحاً .
فقال : نعم هذا الكلام صحيح .
فقال : ها هو مغلق .
فقال لهما الثالث وهو حامل الفأس والنور وكان اسمه بخيتاً : ما أعقل عقلكما أما تعرفان أن أصحاب الغيطان يخرجون من بغداد ويترددون هنا فيمسي عليهم المساء فيدخلون هنا ويغلقون عليهم الباب خوفاً من السودان الذين هم مثلنا أن يأخذوهم ويشووهم ويأكلوهم .
فقالوا له : صدقت وما فينا أقل عقلاً منك .
فقال لهم : إنكم لم تصدقوني حتى ندخل التربة ونجد فيها أحداً ، وأظن أنه كان فيها أحداً ورأى النور وهرب فوق النخلة .
فلما سمع غانم كلام العبيد قال في نفسه : ما أمكر هذا العبد فقبح الله السودان لما فيهم من الخبث واللؤم .
ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وما الذي يخلصني من هذه الورطة ؟
ثم إن الاثنين الحاملين للصندوق قالا لمن معه الفأس : تعلق على الحائط وافتح الباب لنا يا بخيت لأننا تعبنا من الصندوق على رقابنا فإذا فتحت لنا الباب لك علينا واحد من الذين نمسكهم ونقليه لك قلياً جيداً بحيث لا يضيع من دهنه شيء .
فقال بخيت : أنا خائف من شيء تذكرته من قلة عقل وهو أننا نرمي الصندوق وراء الباب لأنه ذخيرتنا .
فقالا له : إن رميناه ينكسر .
فقال : أنا فكرت أن يكون في داخل التربة حرامية من الذين يقتلون الناس ويسرقون أموالهم لأنهم إذا أمسى عليهم الوقت يدخلون في هذه الأماكن ويقسمون معهم .
فقال له الاثنان الحاملان للصندوق : يا قليل العقل هل يقدرون أن يدخلوا هذا المكان ؟
فحملا الصندوق وتعلقا على الحائط ونزلا وفتحا الباب والعبد الثالث الذي هو خبيث واقف لهما بالنور والمقطف الذي فيه بعض من الجبس .
ثم إنهم جلسوا وقفلوا الباب فقال واحد منهم : يا أخوتي نحن تعبنا من المشي والشيل والحط وفتح الباب وقفله وهذا الوقت نصف الليل ، ولم يبق فينا قوة لفتح الباب ودفن الصندوق ولكننا نجلس هنا ثلاث ساعات لنستريح ثم نقوم ونقضي حاجتنا ولكن كل واحد منا يحكي سبب تطويشه وجميع ما وقع له من المبتدأ إلى المنتهى لأجل فوات هذه الليلة .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:57 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن العبيد الثلاثة لما قالوا لبعضهم :
كل واحد يحكي جميع ما وقع له .
قال الأول وهو الذي كان حامل النور : أنا أحكي لكم حكايتي .
فقالوا له : تكلم .
قال لهم : اعلموا يا أخواني أني لما كنت صغيراً جاء بي الجلاب من بلدي وعمري خمس سنين فباعني لواحد جاويش وكان له بنت عمرها ثلاث سنوات فتربيت معها وكانوا يضحكون علي وأنا ألاعب البنت وأرقص معها إلى أن صار عمري اثنتي عشرة سنة وهي بنت عشر سنين ولا يمنعونني عنها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام وهي جالسة في البيت لأنها كانت معطرة مبخرة ووجهها مثل القمر في ليلة أربعة عشر فلاعبتني ولاعبتها ، فدفعتني إلى الأرض فوقعت على ظهري وركبت على صدري وصارت تتمرغ علي ، فهاجت الحرارة عندي وحضنتها فشبكت يديها في عنقي وفرطت علي بجسدها فلم أشعر إلا وأنا قد أزلت بكارتها ، فلما عاينت ذلك هربت عند أصحابي فدخلت عليها أمها فلما رأت حالها غابت عن الدنيا ، ثم تداركت أمرها وأخفت حالها عن أبيها وكتمته وصبرت عليها مدة شهرين ، كل هذا وهم ينادونني ويلاطفونني حتى أخذوني من المكان الذي كنت فيه ولم يذكروا شيئاً من هذا الأمر لأبيها لأنهم كانوا يحبونني كثيراً .
ثم إن أمها خطبت لها شاباً مزين كان يزين أباها وأمهرتها من عندها وجهزتها كل هذا وأبوها لا يعلم بحالها وصاروا يجتهدون في تحصيل جهازها ثم إنهم أمسكوني على غفلة فعلوا بي ما منعني من رجولتي ولما زفوها للعريس جعلوني طواشياً لها أمشي قدامها أينما راحت سواء كان رواحها إلى الحمام أو إلى بيت أبيها وقد ستروا أمرها .
وليلة الدخلة ذبحوا على قميصها حمامة ومكثت عندها مدة طويلة وأنا أتملى بحسنها وجمالها على قدر ما أمكنني من تقبيل وعناق إلى أن ماتت هي وزوجها وأمها وأبوها ، ثم أخذت بيت المال وصرت هذا المكان وقد ارتفعت بكم وهذا سبب ما قطع عندي والسلام .
فقال العبد الثاني : اعلموا يا إخواني اني كنت في ابتداء أمري ابن ثمان سنين ولكن كنت أكذب على الجلابة كل سنة كذبة حتى يقعوا في بعضهم ، فقلق مني الجلاب وأنزلني في يد الدلال وأمره أن ينادي من يشتري هذا العبد على عيبه فقيل له :
وما عيبه ?
قال : يكذب في كل سنة كذبة واحدة .
فتقدم رجل تاجر إلى الدلال وقال له : كم أعطوا في هذا العبد من الثمن على عيبه ?
قال : أعطوا ستمائة درهم .
قال : ولك عشرون .
فجمع بينه وبين الجلاب وقبض منه الدراهم وأوصلني الدلال إلى منزل ذلك التاجر وأخذ دلالته ، فكساني التاجر ما يناسبني ومكثت عنده باقي سنتي إلى أن هلت السنة الجديدة بالخير وكانت سنة مباركة مخصبة بالنبات فصار التجار يعملون العزومات وكل يوم على واحد منهم إلى أن جاءت العزومة على سيدي في بستان خارج البلد فراح هو والتجار وأخذ لهم ما يحتاجون إليه من أكل وغيره فجلسوا يأكلون ويشربون ويتنادمون إلى وقت الظهر فاحتاج سيدي إلى مصلحة من البيت فقال :
يا عبد اركب البغلة وروح إلى المنزل وهات من سيدتك الحاجة الفلانية وارجع سريعاً .
فامتثلت لأمره ورحت إلى المنزل وأخبرتهم أن سيدي جلس تحت الحائط لقضاء حاجة فوقع الحائط عليه ومات .
فلما سمع أولاده وزوجته ذلك الكلام صرخوا وشقوا ثيابهم ولطموا على وجوههم فأتت إليهم الجيران ، وأما زوجة سيدي فإنها قلبت متاع البيت بعضه على بعض وخلعت رفوفه وكسرت طبقاته وشبابيكه وسخمت حيطانه بطين ونيلة وقالت :
ويلك يا كافور تعال ساعدني واخرب هذه الدواليب وكسر هذه الأواني والصيني .
فجئت إليها وأخرجت معها رفوف البيت وأتلفت ما عليها ودواليبه وأتلفت ما فيها ودرت على السقوف وعلى كل محل حتى أخرجت الجميع وأنا أصيح واسيداه ثم خرجت سيدتي مكشوفة الوجه بغطاء رأسها لا غير وخرج معها البنات والأولاد وقالوا :
يا كافور امش وأرنا مكان سيدك الذي هو ميت فيه تحت الحائط حتى نخرجه من تحت الردم ونحمله في تابوت ونجيء به إلى البيت فنخرجه خرجة مليحة .
فمشيت قدامهم وأنا أصيح واسيداه وهم خلفي مكشوفوا الوجوه والرؤوس يصيحون :
وامصيبتاه وانكبتاه .
فلم يبق أحد من الرجال ولا من النساء ولا من الصبيان ولا صبية ولا عجوزة إلا جاءت معنا وصاروا كلهم يلطمون وهم في شدة البكاء فمشيت بهم في المدينة فسأل الناس عن الخبر فأخبروهم بما سمعوا مني فقال الناس :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إننا نمضي للوالي ونخبره .
فلما وصلوا إلى الوالي أخبروه .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:58 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة



قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال :
فلما وصلوا إلى الوالي وأخبروه قام الوالي وركب وأخذ معه الفعلة بالمساحي والقفف ومشوا تابعين أثري ومعهم كثير من الناس وأنا أبكي وأصيح وأحثو التراب على رأسي وألطم على وجهي فلما دخلت عليهم ورآني سيدي بهت واصفر لونه وقال :
ما لك يا كافور وما هذا الحال وما الخبر ?
فقلت له : إنك لما أرسلتني إلى البيت لأجيء لك بالذي طلبته رحت إلى البيت ودخلته فرأيت الحائط التي في القاعة وقعت فانهدمت القاعة كلها على سيدتي وأولادها .
فقال لي : وهل سيدتك لم تسلم ?
فقال : لا ما سلم منهم أحد وأول من مات منهم سيدتي الكبيرة .
فقال : وهل سلمت بنتي الصغيرة ?
فقلت : لا .
فقال لي : وما حال البغلة التي أركبها هل هي سالمة ?
فقلت له : لا يا سيدي فإن حيطان البيت وحيطان الاصطبل انطبقت على جميع ما في البيت حتى على الغنم والإوز والدجاج وصاروا كلهم كوم لحم وصاروا تحت الردم ولم يبق منهم أحد .
فقال لي : ولا سيدك الكبير ?
فقلت له : لا فلم يسلم منهم أحد ، وفي هذه الساعة لم يبق هناك دار ولا سكان ولم يبق من ذلك كله أثر ، وأما الغنم والإوز والدجاج فإن الجميع أكلها القطط والكلاب .
فلما سمع سيدي كلامي صار الضياء في وجهه ظلاماً ولم يقدر أن يتمالك نفسه ولا عقله ولم يقدر أن يقف على قدميه بل جاءه الكساح وانكسر ظهره ومزق أثوابه ونتف لحيته ولطم على وجهه ورمى عمامته من فوق رأسه وما زال يلطم وجهه حتى سال منه الدم وصار يصيح :
آه.. وا أولاداه آه وا زوجتاه.. آه وا مصيبتاه من جرى له مثل ما جرى لي .
فصاح التجار رفقاؤه لصياحه وبكوا معه ورثوا لحاله وشقوا أثوابهم وخرج سيدي من ذلك البستان وهو يلطم من شدة ما جرى له وأكثر اللطم على وجهه وصار كأنه سكران ، فبينما الجماعة خارجون من باب البستان وإذا هم نظروا غبرة عظيمة وصياحات بأصوات مزعجة فنظروا إلى تلك الجهة فرأوا الجماعة المقبلين وهم الوالي وجماعته والخلق والعالم الذين يتفرجون وأهل التاجر وراءهم يصرخون ويصيحون وهم في بكاء وحزن زائد فأول من لاقى سيدي زوجته وأولادها فلما رآهم بهت وضحك وقال لهم :
ما حالكم أنتم ? وما حصل في الدار وما جرى لكم ?
فلما رأوه قالوا : الحمد لله على سلامتك أنت .
ورموا أنفسهم عليه وتعلقت أولاده به وصاحوا : وأبتاه الحمد لله على سلامتك يا أبانا .
وقالت له زوجته : الحمد لله الذي أرانا وجهك بسلامة .
وقد اندهشت وطار عقلها لما رأته وقالت له : كيف كانت سلامتك أنت وأصحابك ?
فقال لها : وكيف كان حالكم في الدار ?
فقالوا : نحن طيبون بخير وعافية وما أصاب دارنا شيء من الشر غير أن عبد كافوراً جاء إلينا مكشوف الرأس مزق الأثواب وهو يصيح :
وا سيداه واسيداه .
فقلنا له : ما الخبر يا كافور ?
فقال : إن سيدي جلس تحت حائط في البستان ليقضي حاجة فوقعت عليه فمات .
فقال لهم سيده : والله إنه أتاني في هذه الساعة وهو يصيح :
وا سيدتاه وقال : أن سيدتي وأولادها ماتوا جميعاً .
ثم نظر إلى جانبه فرآني وعمامتي ساقطة في رأسي وأنا أصيح وأبكي بكاء شديداً وأحثو التراب على رأسي فصرخ علي فأقبلت عليه فقال لي :
ويلك يا عبد النحس يا ابن الزانية يا ملعون الجنس ما هذه الوقائع التي عملتها ولكن والله لأسلخن جلدك عن لحمك وأقطعن لحمك عن عظمك .
فقلت : والله ما تقدر أن تعمل معي شيئاً لأنك قد اشتريتني على عيبي وأنت عالم به وهو أني أكذب في كل سنة كذبة واحدة وهذه نصف كذبة فإذا كملت السنة كذبت نصفها الآخر فتبقى كذبة واحدة .
فصاح علي : يا ألعن العبيد هل هذا كله نصف كذبة وإنما هو داهية كبيرة ، اذهب عني فأنت حر .
فقلت : والله إن أعتقتني أنت ما أعتقك أنا حتى تكمل السنة وأكذب نصف الكذبة الباقي وبعد أن أتمها فانزل بي السوق وبعني بما اشتريتني به على عيبي ولا تعتقني فإنني ما لي صنعة أقتات منها وهذه المسألة التي ذكرتها لك شرعية ذكرها الفقهاء في باب العتق .
فبينما نحن في الكلام وإذا بالخلايق والناس وأهل الحارة نساء ورجالاً قد جاؤوا يعملون العزاء وجاء الوالي وجماعته فراح سيدي والتجار إلى الوالي وأعلموه بالقضية وإن هذه نصف كذبة ، فلما سمع الحاضرون ذلك منه استعظموا تلك الكذبة وتعجبوا غاية العجب فلعنوني وشتموني فبقيت واقفاً أضحك وأقول :
كيف يقتلني سيدي وقد اشتراني على هذا العيب ?
فلما مضى سيدي إلى البيت وجده خراباً وأنا الذي أخربت معظمه وكسرت فيه شيئاً يساوي كثيراً من المال .
فقالت له زوجته : إن كافور هو الذي كسر الأواني الصيني .
فازداد غيظه وقال : والله ما رأيت عمري ولد زنا مثل هذا العبد ولأنه يقول نصف كذبة فكيف لو كانت كذبة كاملة فحينئذ كان أخرب مدينة أو مدينتن .
ثم ذهب من شدة غيظه إلى الوالي فضربني علقة شديدة حتى غبت عن الدنيا وغشي علي فأتاني بالمزين في حال غشيتي ففعل بي ما منعني من رجولتي وكواني ، فلما أفقت وجدت نفسي هكذا وقال لي سيدي :
مثل ما أحرقت قلبي على أعز الشيء عندي أحرقت قلبك على أعز الشيء عندك .
ثم أخذني فباعني بأغلى ثمن لأني صرت طواشياً وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-05-2015, 07:59 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال :
وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها وانتقل من أمير إلى أمير ومن كبير إلى كبير بالبيع والشراء حتى دخلت قصر أمير المؤمنين وقد انكسرت نفسي وضعفت قوتي وأعدمت رجولتي .
فلما سمع العبدان كلامه ضحكا عليه وقالا له : إنك خبيث ابن خبيث قد كذبت كذباً شنيعاً .
ثم قالوا للعبد الثالث : احك لنا حكايتك .
قال لهم : يا أولاد عمي كل ما حكي هذا بطال فأنا أحكي لكم سبب قطع رجولتي وقد كنت أستحق أكثر من ذلك لأني كنت نكحت سيدتي وابن سيدتي والحكاية معي طويلة وما هذا وقت حكايتها الآن الصباح يا أولاد عمي قريب وربما يطلع علينا الصباح ، ومعنا هذا الصندوق فننفضح بين الناس وتروح أرواحنا فدونكم فتح الباب فإذا فتحناه ودخلنا محلنا قلت لكم على سبب قطع رجولتي .
ثم تعلق ونزل من الحائط وفتح الباب ، فدخلوا وحطوا الشمع وحفروا حفرة على قد الصندوق بين أربعة قبور وصار كافور يحفر وصواب ينقل التراب بالقفف إلى أن حفروا نصف قامة ثم حطوا الصندوق في الحفرة وردوا عليه التراب وخرجوا من التربة وردوا الباب وغابوا عن عين غانم بن أيوب .
فلما خلا لغانم المكان وعلم أنه وحده اشتغل سره بما في الصندوق ، وقال في نفسه :
يا ترى أي شيء في الصندوق ?
ثم صبر حتى كشف الصندوق وخلصه ثم أخذ حجراً وضرب القفل فكسره وكشف الغطاء ونظر فرأى صبية نائمة مبنجة ونفسها طالع ونازل إلا أنها ذات حسن وجمال وعليها حلي ومساغ من الذهب وقلائد من الجوهر تساوي ملك السلطان ما يفي بثمنها مال فلما رآها غانم بن أيوب عرف أنهم تغامزوا عليها ، فلما تحقق ذلك الأمر عالج فيها حتى أخرجها من الصندوق وأرقدها على قفاها فلما استنشقت الأرياح ودخل الهواء في مناخرها عطست ثم شرقت وسعلت فوقع من حلقها قرص بنج لو شمه الفيل لرد من الليل إلى الليل ففتحت عينيها وأدارت طرفها ، وقالت بكلام فصيح :
ويلك يا ريح ما فيك ري للعطشان ، ولا أنس للريان أين زهر البستان .
فلم يجاوبها أحد فالتفتت وقالت : صبيحة شجرة الدرنور ، الهدى نجمة الصبح أنت في شهر نزهة حلوة ظريفة تكلموا فلم يجبها أحد .
فجالت بطرفها وقالت : ويلي عند إنزالي في القبور يا من يعلم ما في الصدور ويجازي يوم البعث والنشور من جاء بي من بين الستور والخدور ووضعني بين أربعة قبور .
هذا كله وغانم واقف على قدميه .
فقال لها : يا سيدتي لا خدور ولا قصور ولا قبور ، ما هذا إلا عبدك غانم بن أيوب ساقه إليك الملك وعلام الغيوب حتى ينجيك من هذه الكروب ويحصل لك غاية المطلوب .
وسكت فلما تحققت الأمر قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
والتفتت إلى غانم وقد وضعت يديها على صدرها وقالت له بكلام عذب : أيها الشاب المبارك من جاء بي إلى هذا المكان فها أنا قد أفقت ?
فقال : يا سيدتي ثلاثة عبيد أتوا وهم حاملون هذا الصندوق .
ثم حكى لها ما جرى وكيف أمسى عليه المساء حتى كان سبب سلامتها وإلا كانت ماتت بغصتها ثم سألها عن حكايتها وخبرها فقالت له :
أيها الشاب الحمد لله الذي رماني عند مثلك فقم الآن وحطني في الصندوق واخرج إلى الطريق وأوصلني إلى بيتك ، فإذا صرت في دارك يكون خيراً وأحكي لك حكايتي وأخبرك بقصتي ويحصل لك الخير من جهتي .
ففرح وخرج إلى البرية وقد شعشع النهار وطلعت الشمس بالأنوار وخرجت الناس ومشوا فاكترى رجلاً ببغل وأتى به إلى التربة فحمل الصندوق بعدما حط فيه الصبية ، ووقعت محبتها في قلبه وسار بها وهو فرحان لأنها جارية تساوي عشرة آلاف دينار وعليها حلي وحلل يساوي مالاً جزيلاً وما صدق أن يصل إلى داره وأنزل الصندوق وفتحه .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:36 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة



قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب وصل إلى داره بالصندوق وفتحه وأخرج الصبية منه ونظرت فرأت هذا المكان محلاً مليحاً مفروشاً بالبسط الملونة والأوان المفرحة وغير ذلك ورأت قماشاً محزوماً وأحمالاً وغير ذلك فعلمت أنه تاجر كبير صاحب أموال ، ثم إنها كشفت وجهها ونظرت إليه فإذا هو شاب مليح ، فلما رأته أحبته وقالت له :
هات لنا شيئاً نأكله .
فقال لها غانم : على الرأس والعين .
ثم نزل السوق واشترى خروفاً مشوياً وصحن حلاوة وأخذ معه نقلاً وشمعاً وأخذ معه نبيذاً وما يحتاج إليه الأمر من ألة المشموم وأتى إلى البيت ودخل بالحوائج فلما رأته الجارية ضحكت وقبلته واعتنقته وصارت تلاطفه فازدادت عنده المحبة واحتوت على قلبه ثم أكلا وشربا إلى أن أقبل الليل وقد أحب بعضهما بعضاً لأنهما كانا في سن واحد .
فلما أقبل الليل قام المتيم المسلوب غانم بن أيوب وأوقد الشموع والقناديل فأضاء المكان وأحضر آلة المدام ثم نصب الحضرة وجلس هو وإياها .
وكان يملأ ويسقيها وهي تملأ وتسقيه وهما يلعبان ويضحكان وينشدان الأشعار وزاد بهما الفرح وتعلقا بحب بعضهما فسبحان مؤلف القلوب ، ولم يزالا كذلك إلى قريب الصبح فغلب عليهما النوم فنام كل منهما في موضعه إلى أن أصبح الصباح فقام غانم بن أيوب وخرج إلى السوق ، واشترى ما يحتاج إليه من خضرة ولحم وخمر وغيره ، وأتى به إلى الدار وجلس هو وإياها يأكلان ، فأكلا حتى اكتفيا وبعد ذلك أحضر الشراب وشربا ولعبا مع بعضهما حتى احمرت وجنتاهما واسودت أعينهما واشتاقت نفس غانم بن أيوب إلى تقبيل الجارية والنوم معها فقال لها :
يا سيدتي ائذني لي بقبلة في فيك لعلها تبرد نار قلبي ?
فقالت : يا غانم اصبر حتى أسكر وأغيب وأسمح لك سراً بحيث لم أشعر أنك قبلتني .
ثم إنها قامت على قدميها وخلعت بعض ثيابها وقعدت في قميص رفيع وكوفية فعند ذلك تحركت الشهوة عند غانم وقال :
يا سيدتي أما تسمحين لي بما طلبته منك ?
فقالت : والله لا يصح لك ذلك لأنه مكتوب على دكة سروالي قول صعب .
فانكسر خاطر غانم بن أيوب فأنشدت :
سألت من أمر ضنى ........ في قبلة تشفي السقم
فقـال لا لا أبــدا ........ قلت له نعم نـعـم
فقالت خذها بالرضا ........ من الحلال وابتسـم
فقلت غصباً قـال لا ........ ألا على رأس علـم
فلا تسل عما جـرى ........ واستغفر الله ونـم
فظن ما شئت بـنـا ........ فالحب يحلو بالتهم
ولا أبالـي بـعد أن ........ باح يومـاً أو كتم
ثم زادت محبته وانطلقت النيران في مهجته هذا وهي تتمنع منه وتقول :
ما لك وصول إلي .
ولم يزالا في عشقهما ومنادمتهما وغانم بن أيوب غريق في بحر الهيام وأما هي فإنها قد ازداد قسوة وامتناعاً ، إلى أن دخل الليل بالظلام وأرخى عليها ذيل المنام فقام غانم وأشعل القناديل وأوقد الشموع ، وزاد بهجة المقام وأخذ رجليها وقبلهما فوجدهما مثل الزبد الطري ، فمرغ وجهه عليها وقال :
يا سيدتي ارحمي أسير هواك ومن قتلت عيناك كنت سليم القلب لولاك .
ثم بكى قليلاً فقالت : أنا والله لك عاشقة وبك متعلقة ولكن أنا أعرف أنك لا تصل إلي .
فقال لها : وما المانع ?
فقالت له : سأحكي لك في هذه الليلة قصتي حتى تقبل عذري .
ثم إنها ترامت عليه وطوقت على رقبته بيديها وصارت تقبله وتلاطفه ثم وعدته بالوصال ولم يزالا يلعبان ويضحكان حتى تمكن حب بعضهما من بعض ولم يزالا على ذلك الحال وهما في كل ليلة ينامان في فراش واحد وكلما طلب منها الوصال تتعزز عنه مدة شهر كامل وتمكن حب كل واحد منهما من قلب الآخر ولم يبق لهما صبر عن بعضهما إلى أن كانت ليلة من الليالي وهو راقد معها والاثنان سكرانان فمد يده على جسدها وملس ثم مر بيده على بطنها ونزر إلى سرتها فانتبهت وقعدت وتعهدت السروال فوجدته مربوطاً فنامت ثانياً فملس عليها بيده ونزل بها إلى سراويلها وتكتها وجذبها فانتبهت وقعدت وقعد غانم بجانبها .
فقالت له : ما الذي تريد ?
قال : أريد أن أنام معك وأتصافى أنا وأنت .
فعند ذلك ، قالت له : أنا الآن أوضح لك أمري حتى تعرف قدري وينكشف لك عذري .
قال : نعم .
فعند ذلك شقت ذيل قميصها ومدت يدها إلى تكة سروالها وقالت : يا سيدي اقرأ الذي على هذا الطرف .
فأخذ طرف التكة في يده ونظره فوجده مرقوماً عليه بالذهب :
أنا لك وأنت لي يا ابن عم النبي .
فلما قرأه نثر يده وقال لها : اكشفي لي عن خبرك ?
قالت : نعم أنا محظية أمير المؤمنين واسمي قوت القلوب وإن أمير المؤمنين لما رباني في قصره وكبرت نظر إلى صفائي وما أعطاني ربي من الحسن والجمال فأحبني محبة زائدة وأخذني وأسكنني في مقصورة وأمر لي بعشر جوار يخدمنني ثم إنه أعطاني ذلك المصاغ الذي تراه معي ثم إن الخليفة سافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد فجاءت السيدة زبيدة إلى بعض الجواري التي في خدمتي وقالت :
إذا نامت قوت القلوب فحطي هذه القلقة البنج في أنفها أو في شرابها ولك علي من المال ما يكفيك .
فقالت لها الجارية : حباً وكرامة .
ثم إن الجارية أخذت البنج منها وهي فرحانة لأجل المال ولكونها كانت في الأصل جاريتها فجاءت إلي ووضعت البنج في جوفي فوقعت على الأرض وصارت رأسي عند رجلي ورأيت نفسي في دنيا أخرى ولما تمت حيلتها حطتني في ذلك الصندوق وأحضرت العبيد سراً وأنعمت عليهم وعلى البوابين ، وأرسلتني مع العبيد في الليلة التي كنت نائماً فيها فوق النخلة وفعلوا معي ما رأيت ، وكانت نجاتي على يديك وأنت أتيت بي إلى هذا المكان وأحسنت إلى غاية الإحسان وهذه قصتي وما أعرف الذي جرى للخليفة في غيبتي فأعرف قدري ولا تشهر أمري .
فلما سمع غانم بن أيوب كلام قوت القلوب وتحقق أنها محظية الخليفة تأخر إلى ورائه خيفة من هيبة الخليفة وجلس وحده في ناحية من المكان يعاتب نفسه ، ويتفكر في أمره وصار متحيراً في عشق التي ليس له إليها الوصول ، فبكى من شدة الغرام ولوعة الوجد والهيام وصار يشكو الزمان وما له من العدوان فسبحان من شغل قلوب الكرام بالمحبة ولم يعط الأنذال منها وزن حبة ، وأنشد هذين البيتين :
قلب المحب على الأحباب متعوب ........ وعقله مع بديع الحسن منهـوب
وقائل قال لي ما المحب قلت له ........ الحب عذب ولكن فيه تـعـذيب
فعند ذلك قامت إليه قوت القلوب واحتضنته وقبلته وتمكن حبه في قلبها وباحت له بسرها وما عندها من المحبة وطوقت على رقبته بيديها وقبلته وهو يتمنع عنها خوفاً من الخليفة ، ثم تحدثا ساعة من الزمان وهما غريقان في بحر محبة بعضهما إلى أن طلع النهار فقام غانم ولبس أتوابه وخرج إلى السوق على عادته وأخذ ما يحتاج إليه الأمر وجاء إلى البيت فوجد قوت القلوب تبكي فلما رأته سكتت عن البكاء وتبسمت وقالت له :
أوحشتني يا محبوب قلبي ، والله إن هذه الساعة التي غبتها عني كسنة فإني لا أقدر على فراقك وها أنا قد بينت لك حالي من شدة ولعي بك فقم الآن ودع ما كان واقض أربك مني .
قال : أعوذ بالله ، إن هذا شيء لا يكون كيف يجلس الكلب في موضع السبع والذي لمولاي يحرم علي أن أقربه .
ثم جذب نفسه منها وجلس في ناحية وزادت هي محبة بامتناعه عنها ثم جلست إلى جانبه ونادمته ولاعبته فسكرا وهامت بالافتضاح به فغنت منشدة هذه الأبيات :
قلب المتيم كـاد أن يتفـتـت ........ فإلى متى هذا الصدود إلى متى
يا معرضاً عني بغير جـناية ........ فعوائد الغزلان أن تتـلـفـتـا
صد وهـجر زائد وصـبابة ........ ما كل هذا الأمر يحمله الفتـى
فبكى غانم بن أيوب ، وبكت هي لبكائه ولم يزالا يشربان إلى الليل ، ثم قام غانم وفرش فرشين كل فرش في مكان وحده فقالت له قوت القلوب :
لمن هذا الفرش الثاني ?
فقال لها : هذا لي والآخر لك ومن الليلة لا ننام إلا على هذا النمط وكل شيء للسيد حرام على العبد .
فقالت : يا سيدي دعنا من هذا وكل شيء يجري بقضاء وقدر .
فأبى فانطلقت النار في قلبها وزاد غرامها فيه وقالت : والله ما ننام إلا سوياً .
فقال : معاذ الله .
وغلب عليها ونام وحده إلى الصباح فزاد بها العشق والغرام ، واشتد بها الوجد والهيام وأقاما على ذلك ثلاثة أشهر طوال وهي كلما تقرب منه يمتنع عنها ويقول :
كل ما هو مخصوص بالسيد حرام على العبد .
فلما طال بها المطال مع غانم بن أيوب المسلوب وزادت بها الشجون والكروب أنشدت هذه الأبيات :
بديع الحسن كما هذا التجنـي ........ ومن أغراك بالإعراض عني
حويت من الرشاقة كل معنى ........ وحوت من الملاحة كل فـن
وأجريت الغرام لكل قـلـب ........ وكللت السهاد بكل جـفـن
وأعرف قلبك الأغصان تجني ........ فيا غصن الأراك أراك تجني
وعهدي بالظبا صيد فمـالي ........ أراك تصيد أرباب المـجـن
وأعجب ما أحدث عنك أنـي ........ فتنت وأنت لم تعلـم بـأنـي
فلا تسمح بوصلك لي فإنـي ........ أغار عليك منك فكيف مني
ولست بقائل ما دمـت حـياً ........ بديع الحسن كما هذا التجني
وأقاموا على هذا الحال مدة والخوف يمنعه عنها فهذا ما كان من أمر المتيم المسلوب غانم بن أيوب .
وأما ما كان من أمر زبيدة فإنها في غيبة الخليفة فعلت بقوت القلوب ذلك الأمر ، ثم صارت متحيرة تقول في نفسها ما أقول للخليفة إذا جاء وسأل عنها وما يكون جوابي له ، فدعت بعجوز كانت عندها وأطلعتها على سرها ، وقالت لها :
كيف أفعل وقوت القلوب قد فرط فيها الفرط ؟
فقالت لها العجوز لما فهمت الحال : اعلمي يا سيدتي أنه قرب مجيء الخليفة ولكن أرسلي إلى النجار وأمريه أن يعمل صورة ميت من خشب ويحفروا له قبراً وتوقد حوله الشموع والقناديل وأمري كل من في القصر أن يلبسوا الأسود وأمري جواريك والخدام إذا علموا أن الخليفة أتى من سفره أن يشيعوا الحزن في الدهليز فإذا دخل وسأل عن الخبر يقول :
إن قوت القلوب ماتت ويعظم الله أجرك فيها ومن معزتها عند سيدتنا دفنتها في قصرها .
فإذا سمع ذلك يبكي ويعز عليه ثم يسهر القراء على قبرها لقراءة الختمان فإن قال في نفسه إن بنت عمي زبيدة من غيرتها سعت في هلاك قوت القلوب أو غلب عليه الهيام فأمر بإخراجها من القبر فلا تفزعي من ذلك ولو حفروا على تلك الصورة التي على هيئة ابن آدم ، وأخرجوا وهي مكفنة بالأكفان الفاخرة فإن أراد الخليفة إزالة الأكفان عنها لينظرها فامنعيه أنت من ذلك والأخرى تمنعه وتقول :
رؤية عورتها حرام فيصدق حينئذ أنها ماتت .
فيردها إلى مكانها ويشكرك على فعلك وتخلصين إن شاء الله تعالى من هذه الورطة .
فلما سمعت السيدة زبيدة كلامها ورأت أنه صواب خلعت عليها وأمرتها أن تفعل ذلك بعدما أعطتها جملة من المال فشرعت العجوز في ذلك الأمر حالاً ، وأمرت النجار أن يعمل لها صورة كما ذكرنا وبعد تمام الصورة جاءت بها إلى السيدة زبيدة فكفنتها وأوقدت الشموع والقناديل وفرشت البسط حول القبر ، ولبست السواد وأمرت الجواري أن يلبسن السواد واشتهر الأمر في القصر أن قوت القلوب ماتت ثم بعد مدة أقبل الخليفة من غيبته وطلع إلى قصره ولكن ما شغل إلا قوت القلوب فرأى الغلمان والخدام والجواري كلهم لابسين السواد فارتجف فؤاده .
فلما دخل القصر على السيدة زبيدة رآها لابسة السواد فسأل عن ذلك فأخبروه بموت قوت القلوب ، فوقع مغشياً عليه فلما أفاق سأل عن قبرها ، فقالت له السيدة زبيدة :
اعلم يا أمير المؤمنين أنني من معزتها عندي دفنتها في قصري .
فدخل الخليفة بثياب السفر إلى القصر ليزور قوت القلوب فوجد البسط مفروشة والشموع والقناديل موقودة ، فلما رأى ذلك شكرها على فعلها ، ثم إنه صار حائراً في أمره لم يزل ما بين مصدق ومكذب فلما غلب عليه الوسواس أمر بحفر القبر وإخراجها منه فلما رأى الكفن وأراد أن يزيله عنها ليراها خاف من الله تعالى فقالت العجوز :
ردوها إلى مكانها .
ثم إن الخليفة أمر في الحال بإحضار الفقهاء والمقرئين ، وقرؤوا الختمات على قبرها وجلس بجانب القبر يبكي إلى أن غشي عليه ولم يزل قاعداً على قبرها شهراً كاملاً .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:37 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة دخل الحريم بعد انفضاض الأمراء والوزراء من بين يديه إلى بيوتهم ونام ساعة فجلست عند رأسه جارية وعند رجليه جارية وبعد أن غلب عليه النوم تنبه وفتح عينيه فسمع الجارية التي عند رأسه تقول للتي عند رجليه :
ويلك يا خيزران .
قالت : لأي شيء يا قضيب ?
قالت لها : إن سيدنا ليس عنده علم بما جرى حتى أنه يسهر على قبر لم يكن فيه إلا خشبة منجرة صنعة النجار .
فقالت لها الأخرى : وقوت القلوب أي شيء أصابها ?
فقالت : اعلمي أن السيدة زبيدة أرسلت مع جارية بنجاً وبنجتها فلما تحكم البنج منها وضعتها في صندوق وأرسلتها مع صواب وكافور وأمرتهما أن يرمياها في التربة .
فقالت خيزران : ويلك يا قضيب هل السيدة قوت القلوب لم تمت ?
فقالت : سلامة شبابها من الموت ولكن أنا سمعت السيدة زبيدة تقول إن قوت القلوب عند شاب تاجر اسمه غانم الدمشقي وأن لها عنده إلى هذا اليوم أربعة أشهر وسيدنا هذا يبكي ويسهر الليالي على قبر لم يكن فيه الميت .
وصارتا تتحدثان بهذا الحديث والخليفة يسمع كلامهما .
فلما سمع فرغ الجاريتان من الحديث وعرف القضية وأن هذا القبر زور وأن قوت القلوب عند غانم بن أيوب مدة أربعة أشهر غضب غضباً شديداً وقام وأحضر أمراء دولته فعند ذلك أقبل الوزير جعفر البرمكي وقبل الأرض بين يديه ، فقال له الخليفة بغيظ :
انزل يا جعفر بجماعة واسأل عن بيت غانم بن أيوب واهجموا على داره وائتوني بجاريتي قوت القلوب ولا بد لي أن أعدمه .
فأجابه جعفر بالسمع والطاعة فعند ذلك نزل جعفر وأتباعه والوالي صحبته ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى دار غانم كان غانم خرج في ذلك الوقت وجاء بقدر لحم واراد أن يمد يده ليأكل منها هو وقوت القلوب فلاحت منه التفاتة فوجد البلاط أحاط بالدار والوزير والوالي والظلمة والمماليك بسيوف مجردة وداروا به كما يدور بالعين السواد فعند ذلك عرفت أن خبرها وصل إلى الخليفة سيدها فأيقنت بالهلاك واصفر لونها وتغيرت محاسنها ثم أنها نظرت إلى غانم وقالت له :
يا حبيبي فر بنفسك .
فقال لها : كيف أعمل وإلى أين أذهب ? ومالي ورزقي في هذا الدار ?
فقالت له : لا تمكث لئلا تهلك ويذهب مالك .
فقال لها : يا حبيبتي ونور عيني كيف أصنع في الخروج وقد أحاطوا بالدار ? فقالت له : لا تخف .
ثم إنها نزعت ما عليه من الثياب وألبسته خلقاناً بالية ، وأخذت القدر التي كان فيها اللحم ووضعتها فوق رأسه وحطت فيها بعض خبز وزبدية طعام وقالت له : اخرج بهذه الحيلة ولا عليك مني فأنا أعرف أي شيء في يدي من الخليفة .
فلما سمع غانم كلام قوت القلوب وما أشارت عليه به ، خرج من بينهم وهو حامل القدر وستر عليه الستار ونجا من المكايد والأضرار ببركة نيته ، فلما وصل الوزير جعفر إلى ناحية الدار ترجل عن حصانه ودخل البيت ونظر إلى قوت القلوب وقد تزينت وتبهرجت وملأت صندوقاً من ذهب ومصاغ وجواهر وتحف مما خف حمله وغلا ثمنه ، فلما دخل عليها جعفر قامت على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وقالت له :
يا سيدي جرى أنكم بما حكم الها .
فلما رأى ذلك جعفر قال لها : والله يا سيدتي إنه ما أوصاني إلا بقبض غانم بن أيوب .
فقالت : اعلم أنه حزم تجاراته وذهب إلى دمشق ولا علم لي بغير ذلك واريد أن تحفظ لي الصندوق وتحمله إلى قصر أمير المؤمنين .
فقال :جعفر السمع والطاعة .
ثم أخذ الصندوق وأمر بحمله وقوت القلوب معهم إلى دار الخلافة وهي مكرمة معززة وكان هذا بعد أن نهبوا دار غانم ، ثم توجهوا إلى الخليفة فحكى له جعفر جميع ما جرى فأمر الخليفة لقوت القلوب بمكان مظلم وأسكنها فيه وألزم بها عجوزاً لقضاء حاجتها لأنه ظن أن غانماً فحش بها ثم كتب مكتوباً للأمير محمد بن سليمان الزيني وكان نائباً في دمشق ومضمونه :
ساعة وصول المكتوب إلى يديك تقبض على غانم بن أيوب وترسله إلي .
فلما وصل المرسوم إليه قبله ووضعه على رأسه ونادى في الأسواق :
من أراد أن ينهب فعليه بدار غانم بن أيوب .
فجاؤوا إلى الدار فوجدوا أم غانم ، وأخته قد صنعتا لهما قبراً وقعدتا عنده تبكيان فقبضوا عليهما ونهبوا الدار ولم يعلما ما الخبر ، فلما أحضرهما عند السلطان سألهما عن غانم بن أيوب ، فقالتا له :
من مدة سنة ما وقفنا له على خبر .
فردوهما إلى مكانهما ، هذا ما كان من أمرهما .
وأما ما كان من أمر غانم بن أيوب المتيم المسلوب ، فإنه لما سلبت نعمته تحير في أمره وصار يبكي على نفسه حتى انفطر قلبه وسار ولم يزل سائراً إلى آخر النهار وقد ازداد به الجوع وأضر به المشي حتى وصل إلى بلد فدخل المسجد وجلس على برش وأسند ظهره إلى حائط المسجد وارتمى وهو في غاية الجوع والتعب ولم يزل مقيماً هناك إلى الصباح ، وقد خفق قلبه من الجوع وركب جلده القمل وصارت رائحته منتنة وتغيرت أحواله ، فأتى أهل تلك البلدة يصلون الصبح فوجدوه مطروحاً ضعيفاً من الجوع وعليه آثار النعمة لائحة فلما أقبلوا عليه وجدوه بردان جائعاً ، فألبسوه ثوباً عتيقاً قد بليت أكمامه وقالوا له :
من أين أنت يا غريب ، وما سبب ضعفك ?
ففتح عينيه ونظر إليهم وبكى ولم يرد عليهم جواباً ، ثم إن بعضهم عرف شدة جوعه فذهب وجاء له بكرجة عسل ورغيفين فأكل وقعدوا عنده حتى طلعت الشمس ، ثم انصرفوا لأشغالهم ولم يزل على هذه الحالة شهراً وهو عندهم وقد تزايد عليه الضعف والمرض فتعطفوا عليه وتشاوروا مع بعضهم في أمره ، ثم اتفقوا على أن يوصلوه إلى المارستان الذي ببغداد .
فبينما هم كذلك وإذا بامرأتين سائلتين قد دخلتا عليه وهما أمه وأخته ، فلما رآهما أعطاهما الخبز الذي عند رأسه ونامتا عنده تلك الليلة ولم يعرفهما فلما كان ثاني يوم أتاه أهل القرية وأحضروا جملاً وقالوا لصاحبه :
احمل هذا الضعيف فوق الجمل فإذا وصلت إلى بغداد فأنزله على باب المارستان لعله يتعافى فيحصل لك الأجر .
فقال لهم : السمع والطاعة .
ثم إنهم أخرجوا غانم بن أيوب من المسجد وحملوه بالبرش الذي هو نائم عليه فوق الجمل وجاءت أمه وأخته يتفرجان عليه من جملة الناس ولم يعلما به ثم نظرتا إليه وتأملتاه وقالتا :
إنه يشبه غانماً ابننا فيا ترى هل هو هذا الضعيف أو لا ?
وأما غانم فإنه لم يفق إلا وهو محمول فوق الجمل ، فصار يبكي وينوح وأهل القرية ينظرون وأمه وأخته تبكيان عليه ولم يعرفانه ثم سافرت أمه وأخته إلى أن وصلتا إلى بغداد وأما الجمال فإنه لم يزل سائراً به حتى أنزله على باب المارستان وأخذ جمله ورجع فمكث غانم راقداً هناك إلى الصباح .
فلما درجت الناس في الطريق نظروا إليه وقد صار رق الحلال ولم يزل الناس يتفرجون عليه حتى جاء شيخ السوق ومنع الناس عنه ، وقال :
أنا أكتسب الجنة بهذا المسكين لأنهم متى أدخلوه المارستان قتلوه في يوم واحد .
ثم أمر صبيانه بحمله إلى بيته وفرش له فرشاً جديداً ووضع له مخدة جديدة وقال لزوجته : اخدميه يصح .
فقالت : على الرأس .
ثم تشمرت وسخنت له ماء وغسلت يديه ورجليه وبدنه والبسته ثوباً من لبس جواريها وسقته قدح شراب ورشت عليه ماء ورد فأفاق وتذكر محبوبته قوت القلوب فزادت به الكروب .
هذا ما كان من أمره .
وأما ما كان من أمر قوت القلوب فإنه لما غضب عليها الخليفة .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:38 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة



قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب لما غضب عليها الخليفة وأسكنها في مكان مظلم استمرت فيه على هذا الحال ثمانين يوماً ، فاتفق أن الخليفة مر يوماً من الأيام على ذلك المكان فسمع قوت القلوب تنشد الأشعار فلما فرغت من إنشادها قالت :
يا حبيبي يا غانم ما أحسنك وما أعف نفسك قد أحسنت لمن أساءك وحفظت حرمة من انتهك حرمتك وسترت حريمه ، وهو سباك وسبى أهلك ولا بد أن تقف أنت وأمير المؤمنين بين يدي حاكم عادل وتنتصف عليه في يوم يكون القاضي هو الله ، والشهود هم الملائكة .
فلما سمع الخليفة كلامها وفهم شكواها علم أنها مظلومة فدخل قصره وأرسل الخادم لها فلما حضرت بين يديه أطرقت وهي باكية العين حزينة القلب ، فقال :
يا قوت القلوب أراك تنظلمين مني وتنسبينني إلى الظلم وتزعمين أني أسأت إلى من أحسن إلي فمن هو الذي حفظ حرمتي وانتهكت حرمته وستر حريمي وسبيت حريمه .
فقالت له : غانم بن أيوب فإنه لم يقربني بفاحشة وحق نعمتك يا أمير المؤمنين .
فقال الخليفة : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يا قوت القلوب تمني علي فأنا أبلغك مرادك .
قالت : تمنيت عليك محبوبي غانم بن أيوب .
فلما سمع كلامها قال : أحضره إن شاء الله مكرماً .
فقالت : يا أمير المؤمنين إن أحضرته أتهبني له ?
فقال : إن أحضرته وهبتك هبة كريم لا يرجع في عطائه .
فقالت : يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أدور عليه لعل الله يجمعني به ?
فقال لها : افعلي ما بدا لك .
ففرحت وخرجت ومعها ألف دينار فزارت المشايخ وتصدقت عنه وطلعت ثاني يوم إلى التجار وأعطت عريف السوق دراهم وقالت له :
تصدق بها على الغرباء .
ثم طلعت ثاني جمعة ومعها ألف دينار ودخلت سوق الصاغة وسوق الجواهرجية وطلبت عريف السوق فحضر فدفعت له ألف دينار وقالت له :
تصدق بها على الغرباء .
فظهر إليها العريف وهو شيخ السوق وقال لها : هل لك أن تذهبي إلى داري وتنظري إلى هذا الشاب الغريب ما أظرفه وما أكمله ?
وكان هو غانم بن أيوب المتيم المسلوب ولكن العريف ليس له به معرفة وكان يظن أنه رجل مسكين مديون سلبت نعمته أو عاشق فارق أحبته ، فلما سمعت كلامه خفق قلبها وتعلقت به أحشاؤها .
فقالت له : أرسل معي من يوصلني إلى دارك .
فأرسل معها صبياً صغيراً ، فأوصلها إلى الدار التي فيها الغريب فشكرته على ذلك فلما دخلت تلك الدار وسلمت على زوجة العريف قامت زوجة العريف وقبلت الأرض بين يديها لأنها عرفتها فقالت لها قوت القلوب :
أين الضعيف الذي عندكم ?
فبكت وقالت : ها هو يا سيدتي إلا أنه ابن ناس وعليه أثر النعمة .
فالتفتت إلى الفرش الذي هو راقد عليه وتأملته فرأته كأنه هو بذاته ولكنه قد تغير حاله وزاد نحوله ورق إلى أن صار كالخلال وأنبهم عليها أمره فلم تتحقق أنه هو ولكن أخذتها الشفقة عليه فصارت تبكي وتقول :
إن الغرباء مساكين وإن كانوا أمراء في بلادهم .
ورتبت له الشراب والأدوية ، ثم جلست عند رأسه ساعة وركبت وطلعت إلى قصرها وصارت تطلع في كل سوق لأجل التفتيش على غانم ثم أن العريف أتى بأمه وأخته فتنة ودخل بهما على قوت القلوب وقال :
يا سيدة المحسنات قد دخل مدينتنا في هذا اليوم امرأة وبنت ، وهما من وجوه الناس وعليهما أثر النعمة لائح لكنهما لابستان ثياباً من الشعر وكل واحدة معلقة في رقبتها مخلاة وعيونهما باكية وقلوبهما حزينة ، وها أنا أتيت بهما إليك لتأويهما وتصونيهما من ذل السؤال لأنهما لستا أهلاً لسؤال اللئام وإن شاء الله ندخل بسببهما الجنة .
فقالت : والله يا سيدي لقد شوقتني إليهما واين هم ?
فأمرهما بالدخول فعند ذلك دخلت فتنة وأمها على قوت القلوب فلما نظرتهما قوت القلوب وهما ذاتا جمال بكت عليهما ، وقالت :
والله إنهما أولاد نعمة ويلوح عليهما أثر الغنى .
فقال العريف : يا سيدتي إننا نحب الفقراء والمساكين لأجل الثواب وهؤلاء ربما جار عليهم الظلمة وسلبوا نعمتهم وأخربوا ديارهم .
ثم إن المرأتين بكيتا بكاء شديداً وتفكرتا غانم بن أيوب المتيم المسلوب فزاد نحيبهما فلما بكيتا بكت قوت القلوب لبكائهما ثم إن أمه قالت :
نسأل الله أن يجمعنا بمن نريده وهو ولدي غانم بن أيوب .
فلما سمعت قوت القلوب هذا الكلام علمت أن هذه المرأة أم معشوقها وأن الأخرى أخته فبكت هي حتى غشي عليها ، فلما أفاقت أقبلت عليهما وقالت لهما :
لا بأس عليكما فهذا اليوم يوم سعادتكما ، وآخر شقاوتكما فلا تحزنا .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:39 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة



قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب قالت لهما :
لا تحزنا .
ثم أمرت العريف أن يأخذهما إلى بيته ويخلي زوجته تدخلهما الحمام وتلبسهما ثياباً حسنة وتتوصى بهما وتكرمهما غاية الإكرام وأعطته جملة من المال ، وفي ثاني يوم ركبت قوت القلوب وذهبت إلى بيت العريف ودخلت عند زوجته فقامت إليها وقبلت يديها وشكرت إحسانها ، ورأت أم غانم وأخته وقد أدخلتهما زوجة العريف الحمام ونزعت ما عليهما من الثياب فظهرت عليهما آثار النعمة فجلست تحادثهما ساعة ثم سألت زوجة العريف عن المريض الذي عندها فقالت :
هو بحاله .
فقالت : قوموا بنا نطل عليه ونعود .
فقامت هي وزوجة العريف وأم غانم وأخته ودخلن عليه وجلسن عنده .
فلما سمعهن غانم بن أيوب المتيم المسلوب يذكرن قوت القلوب وكان قد انتحل جسمه ورق عظمه ردت له روحه ورفع رأسه من فوق المخدة ونادى :
يا قوت القلوب .
فنظرت إليهم وتحققته فعرفته وصاحت بدورها : نعم يا حبيبي .
فقال لها : اقربي مني .
فقالت له : لعلك غانم بن أيوب المتيم المسلوب .
فقال لها : نعم أنا هو .
فعند ذلك وقعت مغشياً عليها .
فلما سمعت أمه وأخته كلامهما صاحتا بقولهما : وافرحتاه .
ووقعتا مغشياً عليهما وبعد ذلك استفاقتا فقالت له قوت القلوب : الحمد لله الذي جمع شملنا بك وبأمك وأختك .
وتقدمت إليه وحكت له جميع ما جرى لها مع الخليفة وقالت : إني قلت له قد أظهرت لك الحق يا أمير المؤمنين فصدق كلامي ورضي عنك وهو اليوم يتمنى أن يراك .
ثم قالت لغانم : إن الخليفة وهبني لك .
ففرح بذلك غاية الفرح فقالت لهم قوت القلوب : لا تبرحوا حتى أحضر .
ثم إنها قامت من وقتها وساعتها وانطلقت إلى قصرها وحملت الصندوق الذي أخذته من داره وأخرجت منه دنانير وأعطت العريف إياها وقالت له :
خذ هذه الدنانير واشتر لكل شخص منهم أربع بدلات كوامل من أحسن القماش وعشرين منديلاً وغير ذلك مما يحتاجون إليه ثم إنها دخلت بهما وبغانم الحمام وأمرت بغسلهم وعملت لهم المساليق وماء الخولجان وماء التفاح بعد أن خرجوا من الحمام ولبسوا الثياب وأقامت عندهم ثلاثة أيام وهي تطعمهم لحم الدجاج والمساليق وتسقيهم السكر المكرر وبعد ثلاثة أيام ردت لهم أرواحهم وأدخلتهم الحمام ثانياً وخرجوا وغيرت عليهم الثياب وخلتهم في بيت العريف وذهبت إلى الخليفة وقبلت الأرض بين يديه وأعلمته بالقصة وأنه قد حضر سيدها غانم بن أيوب المتيم المسلوب وأن أمه وأخته قد حضرتا .
فلما سمع الخليفة كلام قوت القلوب قال للخدام : علي بغانم .
فنزل جعفر إليه وكانت قوت القلوب قد سبقته ودخلت على غانم وقالت له : إن الخليفة قد أرسل إليك ليحضرك بين يديه فعليك بفصاحة اللسان وثبات الجنان وعذوبة الكلام .
وألبسته حلة فاخرة وأعطته دنانير بكثرة وقالت له : أكثر البذل إلى حاشية الخليفة وأنت داخل عليه .
وإذا بجعفر أقبل عليه وهو على بغلته فقام غانم وقابله وحياه وقبل الأرض بين يديه وقد ظهر كوكب سعده وارتفع طالع مجده فأخذه جعفر ولم يزالا سائرين حتى دخلا على أمير المؤمنين ، فلما حضرا بين يديه نظر إلى الوزراء والأمراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة وأصحاب الصولة وكان غانم فصيح اللسان ثابت الجنان رقيق العبارة أنيق الإشارة فأطرق برأسه إلى الأرض ، ثم نظر إلى الخليفة وأنشد هذه الأبيات :
أفديك من ملك عظـيم الـشـان ........ متتابع الحسنـات والإحـسـان
متوقد العزمات فياض الـنـدى ........ حدث عن الطوفان والـنـيران
لا يلجون بغيره مـن قـيصـر ........ في ذا المقام وصاحـب الإيوان
تضع الملوك على ثرى أعتابـه ........ عند السلام جواهر الـتـيجـان
حتى إذا شخصت له أبصارهـم ........ خروا لهيبته عـلـى الأذقـان
ويفيدهم ذاك المقام مع الرضـا ........ رتب العلا وجلالة السلـطـان
ضاقت بعسكرك الفيافي والفـلا ........ فاضرب خيامك في ذرى كيوان
وأقري الكواكب بالمواكب محسناً ........ لشريف ذاك العالم الروحانـي
وملكت شامخة الصياصي عنوة ........ من حسن تدبير وثبت جـنـان
ونشرت عدلك في البسيطة كلها ........ حتى استوى القاصي بها والداني
فلما فرغ من شعره طرب الخليفة من محاسن رونقه وأعجبه فصاحة لسانه وعذوبة منطقه .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:40 PM
تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
وبداية حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب لما أعجب الخليفة فصاحته ونظمه وعذوبة منطقه قال له :
ادن مني .
فدنا منه ثم قال له : اشرح لي قصتك وأطلعني على حقيقة خبرك .
فقعد وحدث الخليفة بما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى ، فلما علم الخليفة أنه صادق خلع عليه وقربه إليه وقال :
أبري ذمتي .
فأبرأ ذمته وقال له : يا أمير المؤمنين إن العبد وما ملكت يداه لسيده .
ففرح الخليفة بذلك ثم أمر أن يفرد له قصر ورتب له من الجوامك والجرايات شيئاً كثيراً فنقل أمه وأخته إليه وسمع الخليفة بأن أخته فتنة في الحسن فخطبها منه وقال له غانم :
إنها جاريتك وأنا مملوكك .
فشكره وأعطاه مائة ألف دينار وأتى بالقاضي والشهود وكتبوا الكتاب ودخل هو وغانم في نهار واحد فدخل الخليفة على فتنة وغانم بن أيوب على قوت القلوب فلما أصبح الصباح أمر الخليفة أن يؤرخ جميع ما جرى لغانم من أوله إلى آخره وأن يدون في السجلات لأجل أن يطلع عليه من يأتي بعده فيتعجب من تصرفات الأقدار ويفوض الأمر إلى خالق الليل والنهار وليس هذا بأعجب من حكاية عمر النعمان وولده ضوء المكان وما جرى لهم من العجائب والغرائب .
قال الملك شهريار : وما حكايتهم ?


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بمدينة دمشق قبل خلافة عبد الملك بن مروان ملك يقال له عمر النعمان وكان من الجبابرة الكبار وقد قهر الملوك الأكاسرة والقياصرة وكان لا يصطلى له بنار ولا يجاريه أحد في مضمار وإذا غضب يخرج من منخريه لهيب النار وكان قد ملك جميع الأقطار ونفذ حكمه في سائر القرى والأمصار وأطاع له جميع العباد ووصلت عساكره إلى أقصى البلاد ودخل في حكمه المشرق والمغرب وما بينهما من الهند والسند والصين واليمن والحجاز والسودان والشام والروم وديار بكر وجزائر البحار وما في الأرض من مشاهير الأنهار كسيحون وحجيجون والنيل والفرات وأرسل رسله إلى أقصى البلاد ليأتوا بحقيقة الأخبار فرجعوا وأخبروه بأن سائر الناس أذعنت لطاعته وجميع الجبابرة خضعت لهيبته وقد عمهم بالفضل والامتنان وأشاع بينهم العدل والأمان لأنه كان عظيم الشأن وحملت إليه الهدايا من الكل فكان واجبي إليه خراج الأرض في طولها وعرضها .
وكان له ولد وقد سماه شركان لأنه نشأ آفة من آفات الزمان وقهر الشجعان وأباد الأقران فأحبه والده حباً شديداً ما عليه من مزيد وأوصى له بالملك من بعده .
ثم إن شركان هذا حين بلغ مبلغ الرجال وصار له من العمر عشرون سنة أطاع له جميع العباد لما به من شدة البأس والعناد وكان والده عمر النعمان له اربع نساء بالكتاب والسنة لكنه لم يرزق منهن بغير شركان وهو من إحداهن والباقيات عواقر لم يرزق من واحدة منهن بولد ومع ذلك كله كان له ثلاثمائة وستون سرية على عدد أيام السنة القبطية وتلك السراري من سائر الأجناس وكان قد بنى لكل واحدة منهن مقصورة وكانت المقاصير من داخل القصر ، فإنه بنى اثني عشر قصراً على عدد شهور السنة وجعل في كل قصر ثلاثين مقصورة فكانت جملة المقاصير ثلاثمائة وستون مقصورة وأسكن تلك الجواري في هذه المقاصير وفرض لكل سرية منهن ليلة يبيتها عندها ولا يأتيها إلا بعد سنة كاملة ، فأقام على ذلك مدة من الزمن ، ثم إن ولده شركان اشتهر في سائر الأنحاء ففرح به والده وازداد قوة فطغى وتجبر وفتح الحصون والبلاد واتفق بالأمر المقدر أن جارية من جواري النعمان قد حملت واشتهر حملها وعلم الملك بذلك ففرح فرحاً شديداً وقال :
لعل ذريتي ونسلي تكون كلها ذكوراً .
فأرخ يوم حملها وصار يحسن إليها فعلم شركان بذلك فاغتم وعظم الأمر .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:43 PM
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن شركان لما علم أن جارية أبيه قد حملت اغتم وعظم عليه ذلك وقال :
قد جاءني من ينازعني في المملكة .
فأضمر في نفسه أن هذه الجارية إن ولدت ذكر أقتله وكتم ذلك في نفسه ، هذا ما كان من أمر شركان .
وأما ما كان من أمر الجارية فإنها كانت رومية وكان قد بعثها إليه هدية ملك الروم صاحب قيسارية وأرسل معها تحفاً كثيرة وكان اسمها صفية وكانت أحسن الجواري وأجملهن وجهاً وأصونهن عرضاً وكانت ذات عقل وافر وجمال باهر وكانت تخدم الملك ليلة مبيته عندها وتقول له :
أيها الملك كنت أشتهي من إله السماء أن يرزقك مني ولد ذكراً حتى أحسن تربيته لك وأبالغ في أدبه وصيانته .
فيفرح الملك ويعجبه ذلك الكلام ، فما زالت كذلك حتى كملت أشهرها فجلست على كرسي الطلق وكانت على صلاح تحسن العبادة فتصلي وتدعو الله أن يرزقها بولد صالح ويسهل عليها ولادته فتقبل الله منها دعاءها وكان الملك قد وكل بها خادماً يخبره بما تضعه هل هو ذكر أو أنثى وكذلك ولده شركان كان أرسل من يعرفه بذلك ، فلما وضعت صفية ذلك المولود تأملته القوابل فوجدنه بنتاً بوجه أبهى من القمر ، فأعلمن الحاضرين بذلك فرجع رسول الملك وأخبره بذلك وكذلك رسول شركان أخبره بذلك ففرح فرحاً شديداً .
فلما انصرف الخدام قالت صفية للقوابل : أمهلوا علي ساعة فإني أحس بأن أحشائي فيها شيء آخر ، ثم تأوهت وجاءها الطلق ثانياً وسهل الله عليها فوضعت مولوداً ثانياً فنظرت إليه القوابل فوجدته ذكراً يشبه البدر بجبين أزهر وخد أحمر مورد ففرحت به الجارية والخدام والحشم وكل من حضر ورمت صفية الخلاص وقد أطلقوا الزغاريد في القصر فسمع بقية الجواري بذلك فحسدنها . وبلغ عمر النعمان الخبر ففرح واستبشر وقام ودخل عليها وقبل رأسها ونظر إلى المولود ثم انحنى وقبله وضربت الجواري بالدفوف ولعبت بالآلات وأمر الملك أن يسموا المولود ضوء المكان وأخته نزهة الزمان فامتثلوا أمره وأجابوه بالسمع والطاعة ، ورتب لهم من يخدمهم من المراضع والخدم والحشم ورتب لهم الرواتب من السكر والأشربة والأدهان وغير ذلك مما يكل عن وصفه اللسان .
وسمع أهل دمشق وأقبل الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وهنئوا الملك عمر النعمان بولده ضوء المكان وبنته نزهة الزمان فشكرهم الملك على ذلك وخلع عليهم وزاد إكرامهم من الأنعام وأحسن إلى الحاضرين من الخاص والعام ، وما زال على تلك الحالة إلى أن مضت أربعة أعوام وهو في كل يوم يسأل عن صفية وأولادها ، وبعد الأربعة أعوام أمر أن ينقل إليها من المصاغ والحلي والحمل والأموال شيء كثير وأوصاهم بتربيتهما وحسن أدبهما ، كل هذا وابن الملك شركان لا يعلم أن والده عمر النعمان رزق ولداً ذكراً ولم يعلم أنه رزق سوى نزهة الزمان وأخفوا عليه خبر ضوء المكان إلى أن مضت أيام وأعوام وهو مشغول بمقارعة الشجعان ومبارزة الفرسان . فبينما عمر النعمان جالس يوماً من الأيام إذ دخل عليه الحجاب وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا :
أيها الملك قد وصلت إلينا رسل من ملك الروم صاحب القسطنطينية العظمى وإنهم يريدون الدخول عليك والتمثل بين يديك فإن أذن لهم الملك بذلك ندخلهم وإلا فلا مرد لأمره .
فعند ذلك أمر لهم بالدخول فلما دخلوا عليه مال إليهم وأقبل عليهم وسألهم عن حالهم وما سبب إقبالهم فقبلوا الأرض بين يديه وقالوا :
أيها الملك الجليل صاحب الباع الطويل اعلم أن الذي أرسلنا إليك الملك أفريدون صاحب البلاد اليونانية والعساكر النصرانية المقيم بمملكة القسطنطينية يعلمك أنه اليوم في حرب شديد مع جبار عنيد هو صاحب قيسارية والسبب في ذلك أن بعض ملوك العرب اتفق أنه وجد في بعض الفتوحات كنزاً من قديم الزمان في عهد الإسكندر فنقل منه أموالاً لا تعد ولا تحصى ، ومن جملة ما وجد فيه ثلاث خرزات مدورات على قدر بيض النعام ، وتلك الخرزات من أغلى الجواهر الأبيض الخالص الذي لا يوجد له نظير وكل خرزة منقوش عليها بالقلم اليوناني أمور من الأسرار ولهن منافع وخواص كثيرة ومن خواصهن أن كل مولود علقت عليه خرزة منهن لم يصبه ألم ما دامت الخرزة معلقة عليه ولا يحمي ولا يسخن .
فلما وضع يده عليها ووقع بها وعرف ما فيها من الأسرار أرسل إلى الملك أفريدون هدية من التحف والمال ومن جملتها الثلاث خرزات وجهز مركبين واحد فيه مال والآخر فيه رجال يحفظون تلك الهدايا ممن يتعرض لها في البحر ، وكان يعرف من نفسه أنه لا أحد يقرر أن يتعدى عليه لكونه ملك العرب ولا سيما وطريق المراكب التي فيها الهدايا في البحر الذي في مراكبه مملكة القسطنطينية وهي متوجهة غليه وليس في سواحل ذلك البحر إلا رعاياه ، فلما جهز المركبين سافر إلى أن قربا من بلادنا فخرج عليهما بعض قطاع الطرق من تلك الأرض وفيهم عساكر من عند صاحب قيسارية فأخذوا جميع ما في المركبين من التحف والأموال والذخائر والثلاث خرزات وقتلوا الرجال فبلغ ذلك ملكنا فأرسل إليهم عسكراً فهزموه ، فأرسل إليهم عسكراً أقوى من الأول فهزموه أيضاً .
فعنذ ذلك اغتاظ الملك وأقسم أنه لا يخرج إليهم إلا بنفسه في جميع عسكره وأنه لا يرجع عنهم حتى يخرب قيسارية ويترك أرضها وجميع البلاد التي يحكم عليها ملكاً والمراد من صاحب القوة والسلطان الملك عمر النعمان أن يمدنا بعسكر من عنده حتى يصير الفجر وقد أرسل إليك ملكنا معنا شيئاً من أنواع الهدايا ويرجو من إنعامك قبولها والتفضل عليه بالإنجاز .
ثم أن الرسل قبلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:44 PM
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن رسل ملك القسطنطينية قبلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان بعد أن حكوا له ثم أعلموه بالهدية وكانت الهدية خمسين جارية من خواص بلاد الروم وخمسين مملوكاً عليه أقبية من الديباج بمناطق من الذهب والفضة وكل مملوك في أذنه حلقة من الذهب فيها لؤلؤة تساوي ألف مثقال من الذهب والجواري كذلك وعليهم من القماش ما يساوي مالاً جزيلاً ، فلما رآهم الملك قبلهم وفرح بهم وأمر بإكرام الرسل وأقبل على وزرائه يشاورهم فيما يغفل فنهض من بينهم وزير وكان شيخاً كبيراً يقال له دندان فقبل الأرض بين يدي الملك عمر النعمان وقال :
أيها الملك ما في الأمر أحسن من أنك تجهز عسكراً جراراً وتجعل قائدهم ولدك شركان ونحن بين يديه غلمان هذا الرأي أحسبن لوجهين ، الأول أن ملك الروم قد استجار بك وأرسل إليك هدية فقبلتها ، والوجه الثاني أن العدو لا يجسر على بلادنا فإذا منع عسكرك عن ملك الروم وهزم عدوه ينسب هذا الأمر إليك ويشيع ذلك في سائر الأقطار والبلاد ، ولا سيما إذا وصل الخبر إلى جزائر البحر وسمع بذلك أهل المغرب فإنهم يحملون إليك الهدايا والتحف والأموال .
فلما سمع لملك هذا الكلام من وزيره دندان أعجبه واستصوبه وخلع عليه وقال له :
مثلك من تستشيره الملوك ينبغي أن تكون أنت في مقدم العسكر وولدي شركان في ساقة العسكر .
ثم إن الملك أمر بإحضار ولده فلما حضر قص عليه القصة وأخبره بما قاله الرسل وبما قاله الوزير دندان وأوصاه بأخذ الأهبة والتجهيز للسفر وأنه لا يخالف الوزير دندان فيما يشور به عليه وأمره أن ينتخب من عسكره عشرة آلاف فارس كاملين العدة صابرين على الشدة فامتثل شركان ما قاله والده عمر النعمان وقام في الوقت واختار من عسكره عشرة آلاف فارس ثم دخل قصره وأخرج مالاً جزيلاً وأنفق عليهم المال وقال لهم :
قد أمهلتكم ثلاثة أيام .
فقبلوا الارض بين يديه مطيعين لأمره ، ثم خرجوا من عنده وأخذوا من الأهبة وإصلاح الشأن ثم إن شركان دخل خزائن السلاح وأخذ ما يحتاج إليه من العدد والسلاح ، دخل الإصطبل واختار منه الخيل المسالمة وأخذ غير ذلك وبعد ذلك أقاموا ثلاثة أيام ثم خرجت العساكر إلى ظاهر المدينة وخرج الملك عمر النعمان لوداع ولده شركان فقبل الأرض بين يديه وأهدى له سبع خزائن من المال وأقبل على الوزير دندان وأوصاه بعسكر ولده شركان فقبل الأرض بين يديه وأجابه بالسمع والطاعة وأقبل الملك على ولده شركان وأوصاه بمشاورة الوزير دندان في سائر الأمور ، فقبل ذلك ورجع والده إلى أن دخل المدينة ، ثم إن شركان أمر كبار العسكر بعرضهم عليه وكانت عدتهم عشرة آلاف فارس غير ما يتبعهم ثم إن القوم حملوا ودقت الطبول وصاح النفير وانتشرت الأعلام تخفق على رؤوسهم ولم يزالوا سائرين والرسل تقدمهم إلى أن ولى النهار وأقبل الليل ، فنزلوا واستراحوا وباتوا تلك الليلة .
فلما اصبح الصباح ركبوا وساروا ولم يزالوا سائرين ، والرسل يدلونهم على الطريق مدة عشرين يوماً ثم أشرفوا في اليوم الحادي والعشرين على واد واسع الجهات كثير الأشجار والنبات ، وكان وصولهم إلى ذات الوادي ليلاً فأمرهم شركان بالنزول والإقامة فيه ثلاثة أيام فنزل العساكر وضربوا الخيام وافترق العسكر يميناً وشمالاً ونزل الوزير دندان وصحبته رسل أفريدون ، صاحب القسطنطينية ، في وسط ذلك الوادي وأما الملك شركان فإنه كان في وقت وصول العسكر ، وقف بعدهم ساعة حتى نزلوا جميعهم وتفرقوا في جوانب الوادي ثم إنه أرخى عنان جواده وأراد أن يكشف ذلك الوادي ، ويتولى الحرس بنفسه لأجل وصية والده إياه فإنهم في أول بلاد الروم وأرض العدو فسار وحده بعد أن أمر مماليكه وخواصه بالنزول عند الوزير دندان ثم إنه لم يزل سائراً على ظهر جواده في جوانب الوادي ، إلى أن مضى من الليل ربعه فتعب وغلب عليه النوم فصار لا يقدر أن يركض الجواد وكان له عادة أنه ينام على ظهر جواده .
فلما هجم عليه النوم نام ولم يزل الجواد سائراً به إلى نصف الليل فدخل به في بعض الغابات وكانت تلك الغابة كثيرة الأشجار فلم ينتبه شركان حتى دق الجواد بحافره في الأرض فاستيقظ فوجد نفسه بين الأشجار ، وقد طلع عليه القمر وأضاء في الخافقين فاندهش شركان لما رأى نفسه في ذلك المكان وقال كلمة لا يخجل قائلها وهي :
لا حول ولا قوة إلا بالله .
فبينما هو كذلك خائف من الوحوش متحير لا يدري أين يتوجه فلما رأى القمر أشرف على مرج كأنه من مروج الجنة سمع كلاماً مليحاً وصوتاً علياً وضحكاً يسبي عقول الرجال فنزل الملك شركان عن جواده في الأسحار ومشى حتى أشرف على نهر فرأى فيه الماء يجري وسمع كلام امرأة تتكلم بالعربية وهي تقول :
وحق المسيح إن هذا منكن غير مليح ولكن كل من تكلمت بكلمة صرعتها وكتفتها بزنارها .
كل هذا وشركان يمشي إلى جهة الصوت حتى انتهى إلى طرف المكان ثم نظر فإذا بنهر مسرح وطيور تمرح وغزلان تسنح ووحوش ترتع والطيور بلغاتها لمعاني الحظ تنشرح وذلك المكان مزركش بأنواع النبات ، فقال هذه الأبيات :
ماتحسن الأرض إلا عند زهرتـها ........ والماء من فوقها يجري بإرسال
صنعا الاله العظيم الشأن مقـتـدرا ........ معطى العطايا ومعطي كل من فضال
فنظر شركان إلى ذلك المكان فرأى فيه ديراً ، ومن داخل الدير قلعة شاهقة في الهواء في ضوء القمر وفي وسطها نهر يجري الماء منه إلى تلك الرياض وهناك امرأة بين يديها عشر جوار كأنهن الأقمار وعليهن من أنواع الحلي والحلل ما يدهش الأبصار وكلهن أبكار بديعات كما قيل فيهن هذه الأبيات :
يشرق المرج بما فيه ........ من البيض العـوال
زاد حسناً وجـمـالاً ........ من بديعات الخلال
كل هيفاء قـوامـا ........ ذات غـنـج ودلال
راخيات الشـعـور ........ كاعناقيد الـدوالـي
فاتـنـات بـعـيون ........ راميات بالـنـبـال
مائسـات قـاتـلات ........ لصناديد الـرجـال
فنظر شركان إلى هؤلاء العشر جوار فوجد بينهن جارية كأنه البدر عند تمامه بحاجب مرجرج وخبير أبلج وطرف أهدب وصدغ معقرب فأنشد :
تزهو علي بألحـاظ بـديعـات ........ وقدها مخجل للسـمـهـريات
تبدو إلينـا وخـداهـا مـوردة ........ فيها منا لظرف أنواع الملاحات
كأن طرتها في نور طلعتـهـا ........ ليل يلوح على صبح المسرات
فسمعها شركان وهي تقول للجواري :
تقدموا حتى أصارعكم قبل أن يغيب القمر ويأتي الصباح .
فصارت كل واحدة منهن تتقدم إليها فتصرعها في الحال وتكتفها بزنارها فلم تزل تصارعهن وتصرعهن حتى صرعت الجميع ثم التفتت إليها جارية عجوز كانت بين يديها وقالت لها وهي كالمغضبة عليها :
يا فاجرة أتفرحين بصرعك للجواري فها أنا عجوز وقد صرعتهن أربعين مرة فكيف تعجبين ينفسك ولكن إن كان لك قوة على مصارعتي فصارعيني فإن أردت ذلك وقمت لمصارعتي أقوم لك وأجعل رأسك بين رجليك .
فتبسمت الجارية ظاهراً وقد امتلأت غيظاً منها باطناً وقامت إليها وقالت لها : يا سيدتي ذات الدواهي بحق المسيح أتصارعينني حقيقة أو تمزحين معي ?
قالت لها : بل اصارعك حقيقة .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:45 PM
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما قالت لها العجوز :
أصارعك حقيقة .
قالت لها : قومي للصراع إن كان لك قوة .
فلما سمعت العجوز منها اغتاظت غيظاً شديداً وقام شعر بدنها كأنه شعر قنفذ وقامت لها الجارية فقالت لها العجوز :
وحق المسيح لا أصارعك إلا وأنا عريانة يا فاجرة .
ثم إن العجوز أخذت منديل حرير بعد أن فكت سروالها وأدخلت يديها تحت ثيابها ونزعتها من فوق جسدها ولمت المنديل وشدته في وسطها فصارت كأنها عفريتة معطاء أو حية رقطاء ثم انحنت على الجارية وقالت لها :
افعلي كفعلي .
كل هذا وشركان ينظر إليهما ، ثم إن شركان صار يتأمل في تشويه صورة العجوز ويضحك ، ثم إن العجوز لما فعلت ذلك قامت الجارية على مهل وأخذت فوطة يمانية ، وتنتها مرتين وشمرت سراويلها فبان لها ساقان من المرمر ، وفوقهما كثيب من البلور ناعم مربرب ، وبطن يفوح المسك من أعكانه كأنه مصفح بشقائق النعمان وصدر فيه نهدان كفحلي رمان ثم انحنت عليها العجوز وتماسكا ببعضهما فرفع شركان رأسه إلى السماء ودعا الله أن الجارية تغلب العجوز ، فدخلت الجارية تحت العجوز ووضعت يدها الشمال في شفتها ويدها اليمين في رقبتها مع حلقها ورفعتها على يديها فانفلتت العجوز من يديها ، وارادت الخلاص فوقعت على ظهرها فارتفعت رجلاها إلى فوق فبان ما تحتها في القمر ، ثم ضرطت ضرطتين عفرت إحداهما في الأرض ودخنت الأخرى في السماء ، فضحك شركان منهما حتى وقع على الأرض ، ثم قام وسل حسامه والتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً غير العجوز مرمية على ظهرها فقال في نفسه :
ما كذب من سماك ذات الدواهي ثم تقرب منهما ليسمع ما يجري بينهما .
فأقبلت الجارية ورمت على العجوز ملاءة من حرير رفيعة وألبستها ثيابها واعتذرت إليها وقالت لها :
يا سيدتي ذات الداواهي ما أردت إلا صرعك لأجل جميع ما حصل لك ولكن أنت انفلت من بين يدي فالحمد لله على السلامة .
فلم ترد عليها جواباً وقامت تمشي من خجلها ولم تزل ماشية إلى أن غابت عن البصر وصارت الجواري مكتفات مرميات ، والجارية واقفة وحدها فقال شركان في نفسه لكل رزق سبب ما غلب علي النوم وسار بي الجواد إلى هذا المكان إلا لبختي فلعل هذه الجارية وما معها يكون غنيمة لي ثم ركب جواده ولكزه ففر به كالسهم إذا فر من القوس وبيده حسامه ، مجرد من غلافه ثم صاح :
الله أكبر .
فلما رأته الجارية نهضت قائمة ، وقالت : اذهب إلى أصحابك قبل الصباح لئلا يأتيك البطارقة فيأخذونك على أسنة الرماح وأنت ما فيك قوة لدفع النسوان فكيف تدافع الرجال الفرسان .
فتحير شركان في نفسه وقال لها وقد ولت عنه معرضة لقصد الدير : يا سيدتي أتذهبين وتتركين المتيم الغريب المسكين الكسير القلب ?
فالتفتت إليه وهي تضحك ، ثم قالت له : ما حاجتك فإني أجيب دعوتك ?
فقال : كيف أطأ أرضك واتحلى بحلاوة لطفك وأرجع بلا أكل من طعامك وقد صرت من بعض خدامك ?
فقالت : لا يأبى الكرامة إلا لئيم تفضل باسم الله على الرأس والعين واركب جوادك وسر على جانب النهر مقابلي ، فأنت في ضيافتي .
ففرح شركان وبادر إلى جواده وركب وما زال ماشياً مقابلها وهي سائرة قبالته إلى أن وصل إلى جسر معمول بأخشاب من الجوز وفيه بكر بسلاسل من البولاد وعليها أقفال في كلاليب فنظر شركان إلى ذلك الجسر وإذا بالجواري اللاتي كن معها في المصارعة قائمات ينظرن إليها فلما أقبلت عليهن كلمت جارية منهن بلسان الرومية وقالت لها :
قومي غليه وأمسكي عنان جواده ثم سيري به إلى الدير .
فسار شركان وهي قدامه إلى أن عدي الجسر وقد اندهش عقله مما رأى ، وقال في نفسه :
يا ليت الوزير دندان كان معي في هذا المكان وتنظر عيناه إلى تلك الجواري الحسان .
ثم التفت إلى تلك الجارية وقال لها : يا بديعة الجمال قد صار لي عليك الآن حرمتان حرمة الصحبة وحرمة سيري إلى منزلك وقبول ضيافتك وقد صرت تحت حكمك وفي عهدك فلو أنك تنعمين علي بالمسير إلى بلاد الإسلام وتتفرجين على كل أسد ضرغام وتعرفين من أنا .
فلما سمعت كلامه اغتاظت منه وقالت له : وحق المسيح لقد كنت عندي ذا عقل ورأي ولكني اطلعت الآن على ما في قلبك من الفساد وكيف يجوز لك أن تتكلم بكلمة تنسب بها إلى الخداع كيف أصنع هذا ? وأنا أعلم متى حصلت عند ملككم عمر النعمان لا أخلص منه لأنه ما في قصوره مثلي ولو كان صاحب بغداد وخراسان ، وبنى له اثني عشر قصراً في كل قصر ثلاثمائة وست وستون جارية على عدد أيام السنة والقصور عدد أشهر السنة وحصلت عنده ما تركني لأن اعتقادكم أنه يحل لكم التمتع بمثلي كما في كتبكم حيث قيل فيها أو ما ملكت أيمانكم فكيف تكلمني بهذا الكلام ? وأما قولك : وتتفرجين على شجعان المسلمين فوحق المسيح إنك قلت قولاً غير صحيح فإني رأيت عسكركم لما استقبلتم أرضنا وبلادنا في هذين اليومين فلما أقبلتم لم أر تربيتكم تربية ملوك وإنما رأيتكم طوائف مجتمعة وأما قولك : تعرفين من أنا فأنا لا أصنع معك جميلاً لأجل إجلالك وإنما افعل ذلك لأجل الفخر ومثلك ما يقول لمثلي ذلك ولو كنت شركان بن الملك عمر النعمان الذي ظهر في هذا المكان .
فقال شركان في نفسه : لعلها عرفت قدوم العسكر وعرفت عدتهم وأنهم عشرة آلاف فارس وعرفت أن والدي أرسلهم معي لنصرة ملك القسطنطينية .
ثم قال شركان : يا سيدتي أقسمت عليك بمن تعتقدين من دينك أن تحدثيني بسبب ذلك حتى يظهر لي الصدق من الكذب ومن يكون عليه وبال ذلك .
فقالت له : وحق ديني لولا أني خفت أن يشيع خبري أني من بنات الروم لكنت خاطرت بنفسي وبارزت العشرة آلاف فارس وقتلت مقدمهم الوزير دندان وظفرت بفارسهم شركان وما كان علي من ذلك عار ولكني قرأت الكتب وتعلمت الأدب من كلام العرب ، ولست أصف لك نفسي بالشجاعة ، مع أنك رأيت مني العلامة والصناعة والقوة في الصراع والبراعة ولو حضر شركان مكانك في هذه الليلة وقيل له نط هذا النهر لأذعن واعترف بالعجز وإني أسأل المسيح أن يرميه بين يدي في هذا الدير حتى أخرج له في صفة الرجال أو أأسره واجعله في الأغلال .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:46 PM
اعلم أيها الملك السعيد أنه كان في سالف الزمان مدينة وراء جبال أصبهان يقال لها المدينة الخضراء وكان بها ملك يقال له الملك سليمان وكان صاحب جود وإحسان وعدل وأمان وفضل وامتنان وسارت إليه الركبان من كل مكان وشاع ذكره في سائر الأقطار والبلدان وأقام في المملكة مدة مديدة من الزمان وهو في عز وأمان إلا أنه كان خالياً من الأولاد والزوجات وكان له وزير يقاربه في الصفات من الجود والهبات فاتفق أنه أرسل إلى وزيره يوماً من الأيام وأحضره بين يديه وقال له يا وزير إنه ضاق صدري وعيل صبري وضعف مني الجلد لكوني بلا زوجة ولا ولد وما هذا سبيل الملوك الحكام على كل أمير وصعلوك فإنهم يفرحون بخلفة الأولاد وتتضاعف لهم بهم العدد والأعداد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلمتناكحوا وتناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة فما عندك من الرأي يا وزير فأشر علي بما فيه النصح من التدبير.
فلما سمع الوزير ذلك الكلام فاضت الدموع من عينيه بالانسجام وقال هيهات يا ملك الزمان أن أتكلم فيما هو خصائص الرحمن أتريد أن أدخل النار بسخط الملك الجبار؟ فقال له الملك: اعلم أيها الوزير أن الملك إذا اشترى جارية لا يعلم حسبها ولا يعرف نسبها فهو لا يدري خساسة أصلها، حتى يجتنبها ولا شرف عنصرها حتى يتسرى بها أفضى إليها ربما حملت منه فيجيء الولد منافقاً ظالماً سفاكاً للدماء ويكون مثلها مثل الأرض السخية إذا زرع فإنه يخبث نباته ولا يحسن نباته وقد يكون ذلك الولد متعرضاً لسخط مولاه ولا يفعل ما أمره به ولا يجتنب ما عنه نهاه فأنا لا أسبب في هذا بشراء جارية أبداً وإنما مرادي أن تخطب لي بنتاً من بنات الملوك يكون نسبها معروفاً وجمالها موصوفاً فإن دلتني على ذات النسب والدين من بنات ملوك المسلمين فإني أخطبها وأتزوج بها على رؤوس الأشهاد ليحصل لي بذلك رضا رب العباد، فقال له الوزير: إن الله قضى حاجتك وبلغك أمنيتك، فقال له: وكيف ذلك؟ فقال له: اعلم أيها الملك أنه بلغني أن الملك زهر شاه صاحب الأرض البيضاء له بنت بارعة في الجمال يعجز عن وصفها القيل والقال ولم يوجد لها في هذا الزمان مثيل لأنها في غاية الكمال قويمة الاعتدال ذات طرف كحيل وشعر طويل وخصر نحيل وردف ثقيل إن أقبلت فتنت وإن أدبرت قتلت تأخذ القلب والناظر إليها كما قال الشاعر:
هيفاء يخجل غصن البان قامـتـهـا لم يحك طلعتها شمـس ولا قـمـر
كأنما ريقها شهـد وقـد مـزجـت به المدامة ولكـن ثـغـرهـا درر
ممشوقة القد من حور الجنان لـهـا وجه جميل وفي ألحاظـهـا حـور
وكم لها من قتيل مات كيد من كمـد وفي طريق هواها الخوف والخطر
إن عشت فهي المنى ما شئت أذكرها أو مت من دونها لم يجدني العمـر
فلما فرغ الوزير من وصف تلك الجارية قال للملك سليمان شاه: الرأي عندي أيها الملك أن ترسل إلى أبيها رسولاً فطناً خبيراً بالأمور مجرباً لتصاريف الدهور ليتلطف في خطبتها لك من أبيها فإنها لا نظير لها في قاصي الأرض ودانيها وتحظى منها بالوجه الجميل ويرضى عليك الرب الجليل، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: لا رهبانية في الإسلام فعند ذلك توجه إلى الملك كما ل الفرح واتسع صدره وانشرح وزال عنه الهم والغم، ثم أقبل على الوزير وقال: اعلم أيها الوزير أنه لا يتوجه لهذا الأمر إلا أنت لكمال عقلك وأدبك، فقم إلى منزلك واقض أشغالك وتجهز في غد واخطب لي هذه البنت التي أشغلت بها خاطري ولا تعد لي إلا بها فقال: سمعاً وطاعة، ثم إن الوزير توجه إلى منزله واستدعى بالهدايا التي تصلح للملوك من ثمين الجواهر ونفيس الذخائر وغير ذلك مما هو خفيف في الحمل وثقيل في الثمن ومن الخيل العربية والدروع الداودية وصناديق المال التي يعجز عن وصفها المقال، ثم حملوها على البغال والجمال وتوجه الوزير ومعه مائة مملوك ومائة جارية وانتشرت على رأسه الرايات والأعلام وأوصاه الملك أن يأتي إليه في مدة قليلة من الأيام.
وبعد توجهه صار الملك سليمان شاه على مقالي النار مشغولاً بحبها في الليل والنهار وسار الوزير ليلاً نهاراً يطوي برار وأقفار حتى بقي بينه وبين المدينة التي هو متوجه إليها يوم واحد، ثم نزل شاطئ نهر واحضر بعض خواصه وأمره أن يتوجه إلى الملك زهر شاه بسرعة ويخبره بقدومه عليه فقال سمعاً وطاعة، ثم توجه بسرعة إلى تلك المدينة فلما قدم عليها وافق قدومه أن الملك زهر شاه كان جالساً في بعض المنتزهات قدام باب المدينة فرآه وهو داخل وعرف أنه غريب فأمر بإحضاره بين يديه، فلما حضر الرسول وأخبره بقدوم وزير الملك الأعظم سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء وجبال أصفهان ففرح الملك زهر شاه ورحب بالرسول وأخذه وتوجه إلى قصره وقال: أين فارقت الوزير؟ فقال: فارقته على شاطئ النهر الفلاني وفي غد يكون واصلاً إليك وقادماً عليك أدام الله نعمته عليك ورحم والديك فأمر زهر شاه بعض وزرائه أن يأخذ معظم خواصه وحجابه ونوابه وأرباب دولته ويخرج بهم إلى مقابلته تعظيماً للملك سليمان شاه لأن حكمه نافذ في الأرض. هذا ما كان من أمر الملك زهر شاه، وأما ما كان من أمر الوزير فإنه استقر في مكان إلى نصف الليل ثم رحل متوجهاً إلى المدينة فلما لاح الصباح وأشرقت الشمس على الروابي والبطاح لم يشعر إلا ووزير الملك زهر شاه وحجابه وأرباب دولته وخواص مملكته قدموا عليه واجتمعوا به على فراسخ من المدينة فأيقن الوزير بقضاء حاجته وسلم على الذين قابلوه ولم يزالوا سائرين قدامه حتى وصلوا إلى قصر الملك ودخلوا بين يديه في باب القصر إلى سابع دهليز وهو المكان الذي لا يدخله الراكب لأنه قريب من الملك فترجل الوزير وسعى على قدميه حتى وصل إلى إيوان عال وفي صدر ذلك الإيوان سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وله أربعة قوائم من أنياب الفيل وعلى ذلك السرير مرتبة من الأطلس الأخضر مطرزة بالذهب لأحمر ومن فوقها سرادق بالدر والجوهر والملك زهر شاه جالس على ذلك السرير وأرباب دولته واقفون في خدمته، فلما دخل الوزير عليه وصار بين يديه ثبت جنانه وأطلق لسانه وأبدى فصاحة الوزراء وتكلم بكلام البلغاء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:47 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن وزير الملك سليمان شاه لما دخل على الملك زهر شاه قربه الملك زهر شاه وأكرمه غاية الإكرام وأجلسه بجابنه وتبسم في وجهه وشرفه بلطيف الكلام ولم يزالا على ذلك إلى وقت الصباح، ثم قدموا السماط في ذلك الإيوان فأكلوا جميعاً حتى اكتفوا، ثم رفع السماط وخرج كل من في المجلس ولم يبق إلا الخواص، فلما رأى الوزير خلو المكان نهض قائماً على قدميه وأثنى على الملك وقبل الأرض بين يده ثم قال: أيها الملك الكبير والسيد الخطير إني سعيت إليك وقدمت عليك في أمر لك فيه الصلاح والخير والفلاح وهو أني قد أتيتك رسولاً خاطباً وفي بنتك الحسيبة النسيبة راغباً من عند الملك سليمان شاه صاحب العدل والأمان والفضل والإحسان ملك الأرض الخضراء وجبال أصفهان وقد أرسل إليك الهدايا الكثيرة والتحف الغزيرة وهو في مصاهرتك راغب، فهل أنت له كذلك طالب، ثم سكت ينتظر الجواب.
فلما سمع الملك زهر شاه ذلك الكلام نهض قائماً على الأقدام ولثم الأرض باحتشام فتعجب الحاضرون من خضوع الملك للرسول واندهشت منهم العقول ثم إن الملك أثنى على ذي الجلال والإكرام وقال وهو في حالة القيام: أيها الوزير المعظم والسيد المكرام اسمع ما أقول: إننا للملك سليمان شاه من جملة رعاياه ونتشرف بنسبه وننافس فيه وابنتي جارية من جملة جواريه وهذا أجل مرادي ليكون ذخري واعتمادي. ثم إنه أحضر القضاة والشهود شهدوا أن الملك سليمان شاه وكل وزيره في الزواج وتولى الملك زهر شاه عقد ابنته بابتهاج، ثم إن القضاة أحكموا عقد النكاح ودعوا لهما بالفوز والنجاح، فعند ذلك قام الوزير وأحضر ما جاء به من الهدايا ونفائس التحف والعطايا وقدم الجميع للملك زهر شاه، ثم إن الملك أخذ في تجهيز ابنته وإكرام الوزير وعم بولائمه العظيم والحقير واستمر في إقامة الفرح مدة شهرين ولم يترك فيه شيئاً مما يسر القلب والعين، ولما تم ما تحتاج إليه العروس أمر بإخراج الخيام فضربت بظاهر المدينة وعبوا القماش في الصناديق وهيأوا الجواري الروميات والوصائف التركيات.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:48 PM
بلغني أيها الملك السعيد ثم إنهم أحضروا الوصائف التركيات وأصحب العروسة بنفيس الذخائر وثمين الجواهر ثم صنع محفة من الذهب الأحمر مرصعة بالدر والجوهر وأفرد لها عشرة بغال للمسير وصارت تلك المحفة كأنها مقصورة من المقاصير وصاحبتها كأنها حورية من الحور الحسان وخدرها كقصر من قصور الجنان ثم حزموا الذخائر والأموال وحملوها على البغال والجمال وتوجه الملك زهر شاه معهم قدر ثلاثة فراسخ، ثم ودع ابنته وودع الوزير ومن معه ورجع إلى الأوطان في فرح وأمان وتوجه الوزير بابنة الملك وسار ولم يزل يطوي المراحل والقفار.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:49 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير توجه بابنة الملك وسار ولم يزل يطوي المراحل والقفار ويجد المسير في الليلة والنهار حتى بقي بينه وبين بلاده ثلاثة أيام ثم أرسل إلى الملك سليمان شاه من يخبره بقدوم العروسة فأسرع الرسول بالسير حتى وصل إلى الملك وأخبره بقدوم العروسة ففرح الملك سليمان شاه وخلع على الرسول وأمر عساكره أن يخرجوا في موكب عظيم إلى ملاقاة العروسة ومن معها بالتكريم وأن يكونوا في أحسن البهجات وأن ينشروا على رؤوسهم الرايات فامتثلوا أوامره ونادى المنادي أنه لا تبقى بنت مخدرة ولا حرة موقرة ولا عجوز مكسرة إلا وتخرج إلى لقاء العروسة فخرجوا جميعاً إلى لقائها وسعت كبراؤهم في خدمتها واتفقوا على أن يتوجهوا بها في الليل إلى قصر الملك واتفق أرباب الدولة على أن يزينوا الطريق وأن يقفوا حتى تمر بهم العروسة والخدم قدامها والجواري بين يديها وعليها الخلعة التي أعطاها لها أبوها.
فلما أقبلت أحاط بها العسكر ذات اليمين وذات الشمال ولم تزل المحفة سائرة بها إلى أن قربت من القصر ولم يبق أحد إلا وقد خرج ليتفرج عليها وصارت الطبول ضاربة والرماح لاعبة والبوقات صائحة وروائح الطيب فائحة والرايات خافقة والخيل متسابقة حتى وصلوا إلى باب القصر وتقدمت الغلمان بالمحفة إلى باب السر فأضاء المكان ببهجتها وأشرقت جهاته بحلي زينتها فلما أقبل الليل فتح الخدم أبواب السرادق ووقفوا وهم محيطون بالباب، ثم جاءت العروسة وهي بين الجواري كالقمر بين النجوم أو الدرة الفريدة بين اللؤلؤ المنظوم، ثم دخلت المقصورة وقد نصبوا لها سرير من المرمر المرصع بالدر والجوهر فجلست عليه ودخل عليها الملك وأوقع الله محبتها في قلبه فأزال بكارتها وزال ما كان عنده من القلب والسهر وأقام عندها نحو شهر فعلقت منه في أول ليلة. وبعد تمام الشهر خرج وجلس على سرير مملكته وعدل في رعيته إلى أن وفت أشهرها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:49 PM
بلغني أيها الملك عندما جلس على سرير مملكته إلى أن وفت أشهرها وفي آخر ليلة الشهر التاسع جاءها المخاض عند السحر فجلست على كرسي الطلق وهون الله عليها الولادة فوضعت غلاماً ذكراً تلوح عليه علامات السعادة، فلما سمع الملك بالولد فرح فرحاً جليلاً وأعطى المبشر مالاً جزيلاً، ومن فرحته توجه إلى الغلام وقبله بين عينيه وتعجب من جماله الباهر وتحقق فيه قول الشاعر:
الله خول منـه آجـام الـفـلا أسداً وآفاق الرياسة كوكـبـا
هشت لمطلعه الأسنة والأسـرة والمحافل والجحافل والظبـى
لا تركبوه على النهـود فـإنـه ليرى ظهور الخيل أوطأ مركبا
ولتفطموه عن الرضاع فـإنـه ليرى دم الأعداء أحلى مشربـا
ثم إن الدايات أخذن ذلك المولود وقطعن سرته وكحلن مقلته ثم سموه تاج الملوك خاران وارتضع ثدي الدلال وتربى في حجر الإقبال، ولا زالت الأيام تجري والأعوام تمضي حتى صار له من العمر سبع سنين، فعند ذلك أحضر الملك سليمان شاه العلماء والحكماء وأمرهم أن يعلموا ولده الخط والحكمة والأدب فمكثوا على ذلك مدة سنين حتى تعلم ما يحتاج إليه الأمر، فلما عرف جميع ما طلبه منه الملك أحضره من عند الفقهاء والمعلمين واحضر له أستاذاً يعلمه الفروسية فلم يزل يعلمه حتى صار له من العمر أربعة عشر سنة، وكان إذا خرج لبعض أشغاله يفتتن به كل من رآه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=7#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:51 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك خاران بن الملك سليمان شاه مهر في الفروسية وفاق أهل زمانه وصار من فرط جماله إذا خرج إلى بعض أشغاله يفتتن به كل من رآه حتى نظموا فيه الأشعار وتهتكت في محبته الأحرار لما حوى من الجمال الباهر كما قال فيه الشاعر:
عانقته فسكرت من طيب الشـذا غصناً طيباً بالنسيم قد اغـتـدى
سكران ما شرب المدام وإنـمـا أمسى بخمر رضابه متـنـبـذا
أضحى الجمال بأسره في أسـره فلأجل ذلك على القلوب استحوذا
والله ما خطر السلو بخـاطـري ما دمت في قيد الحـياة ولا إذا
إن عشت عشت على هواه وإن مت وجداً بـه وصـبـابة يا حـبـذا
فلما بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وبلغ مبلغ لرجال زاد به الجمال ثم صار لتاج الملوك خاران أصحاب وأحباب وكل من تقرب إليه يرجو أنه يصير سلطاناً بعد موت أبيه وأن يكون عنده أميراً. ثم إنه تعلق بالصيد والقنص وصار لم يفتر عنه ساعة واحدة وكان والده سليمان شاه ينهاه عن ذلك مخافة عليه من آفات البر والوحوش فلم يقبل منه ذلك، فاتفق أنه قال لخدامه: خذوا معكم عليق عشرة أيام فامتثلوا ما أمرهم به، فلما خرج بأتباعه للصيد والقنص. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:51 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك لما أمر خدامه بالخروج وساروا في البر ولم يزالوا سائرين أربعة أيام حتى أشرفوا على أرض خضراء فيها وحوشاً راتعة وأشجار يانعة وعيوناً نابعة فقال تاج الملوك لأتباعه: انصبوا الحبائل هنا وأوسعوا دائرة حلقتها ويكون اجتماعنا عند رأس الحلقة في المكان الفلاني، فامتثلوا أمره ونصبوا الحبائل وأوسعوا دائرة حلقتها فاجتمع فيها شيء كثير من أصناف الوحوش والغزلان إلى أن ضجت منهم الوحوش وتنافرت في وجوه الخيل فأغرى عليها الكلاب والفهود والصقور ثم ضربوا الوحوش بالنشاب فأصابوا مقاتل الوحوش وما وصلوا إلى آخر الحلقة لا وقد أخذوا من الوحوش شيئاً كثيراً وهرب الباقي، وبعد ذلك نزل تاج الملوك على الماء وأحضر الصيد وقسمه وأفرد لأبيه سليمان شاه خاص الوحوش وأرسله إليه وفرق البعض على أرباب دولته.
فلما أصبح الصباح أقبلت عليه قافلة كبيرة مشتملة على عبيد وغلمان وتجار فنزلت تلك القافلة على الماء والخضرة فلما رآهم تاج الملوك قال لبعض أصحابه: ائتني بخبر هؤلاء واسألهم لأي شيء نزلوا في هذا المكان، فلما توجه إليهم الرسول قال لهم: أخبرونا من أنتم وأسرعوا في رد الجواب فقالوا له: نحن تجار ونزلنا لأجل الراحة لأن المنزل بعيد علينا وقد نزلنا في هذا المكان لأننا مطمئنون بالملك سليمان شاه وولده ونعلم أن كل من نزل في هذا المكان صار في أمان واطمئنان ومعنا قماش نفيس جئنا به من أجل ولده تاج الملوك فرجع الرسول إلى ابن الملك وأعلمه بحقيقة الحال وأخبره بما سمعه من التجار فقال ابن الملك: إذا كان معهم شيء جاؤوا به من أجلي فما أدخل المدينة ولا أرحل من هذا المكان حتى أستعرضه ثم ركب جواده وسار وسارت مماليكه خلفه إلى أن أشرف على القافلة فقام له التجار ودعوا له بالنصر والإقبال ودوام العز والأفضال وقد ضربت له خيمة من الأطلس الأحمر مزركشة من الدر والجوهر وفرش له مقعداً سلطانياً فوق بساط من الحرير وصدره مزركش بالزمرد فجلس تاج الملوك ووقفت المماليك في خدمته وأرسل إلى التجار وأمرهم أن يحضروا بجميع ما معهم فأقبلت عليه التجار ببضائعهم فاستعرض جميع بضائعه وأخذ منها ما يصلح له ووفى لهم بالثمن ثم ركب وأراد أن يسير فلاحت منه التفاتة إلى القافلة فرأى شاب جميل الشباب نظيف الثياب، ظريف المعاني بجبين أزهر ووجه أقمر إلا أن ذلك الشاب قد تغيرت محاسنه وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:52 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك لاحت منه التفاتة إلى القافلة فرأى شاباً جميل الشباب نظيف الثياب ظريف المعاني، إلا أن ذلك الشاب قد تغيرت محاسنه وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب وزاد به الانتحاب وسالت من جبينه العبر وهو ينشد هذه الأبيات:
طال الفراق ودام الهم والـوجـل والدمع في مقلتي يا صاح منهمل
والقلب ودعته يوم الفـراق وقـد بقيت فرداً فلا قـلـب ولا أمـل
يا صاحبي قف معي حتى أودع من من نطقها تشفى الأمراض والعلل
ثم إن الشاب بعدما فرغ من الشعر بكى ساعة وغشي عليه فلما رآه تاج الملوك على هذه الحالة في أمره وتمشى إليه فلما أفاق من غشيته نظر ابن الملك واقفاً على رأسه فنهض قائماً على قدميه وفي الأرض بين يديه فقال له تاج الملوك: لأي شيء لم تعرض بضاعتك علينا؟ فقال: يا مولاي إن بضاعتك ليس فيها شيء يصلح لسعادتك فقال: لا بد أن تعرض علي ما معك وتخبرني بحالك فإني أراك باكي العين حزين القلب فإن كنت مظلوماً أزلنا ظلامتك وإن كنت مديوناً قضينا دينك فإن قلبي قد احترق من أجلك حين رأيتك ثم إن تاج الملوك أمر بنصب كرسي فنصبوا له كرسياً من العاج والأبنوس مشبكاً بالذهب والحرير وبسطوا له بساطاً من الحرير فجلس تاج الملوك على الكرسي وأمر الشاب أن يجلس على البساط وقال له: اعرض علي بضاعتك فقال له الشاب: يا مولاي لا تذكر لي ذلك فإن بضاعتي ليست مناسبة لك، فقال له تاج الملوك: لا بد من ذلك ثم أمر بعض غلمانه بإحضارها فأحضروها قهراً عنه فلما رآها الشاب جرت دموعه وبكى وأن واشتكى وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
بما بجفنيك من غنج ومن كـحـل وما بقدك من لـين ومـن مـيل
وما بثغرك من خمر ومن شـهـد وما بعطفك من لطف ومن ملـل
عندي زيارة طيف منك يا أمـلـي أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
ثم إن الشاب فتح بضاعته وعرضها على تاج الملوك قطعة قطعة وتفصيلة وأخرج من جملتها ثوباً من الأطلس منسوجاً بالذهب يساوي ألف دينار، فلما فتح الثوب وقع من وسطه خرقة فأخذها الشاب بسرعة ووضعها تحت وركه فقال له تاج الملوك: ما هذه الخرقة؟ فقال: يا مولاي ليس لك بهذه الخرقة حاجة فقال له ابن الملك: أرني أياها قال له: امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:53 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: أنا ما امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها فقال له تاج الملوك: لا بد من كوني أنظر إليها وألح عليه واغتاظ، فأخرجها من تحت ركبتيه وبكى فقال له تاج الملوك: أرى أحوالك غير مستقيمة فأخبرني ما سبب بكائك عند نظرك إلى هذه الخرقة؟ فلما سمع الشاب ذكر الخرقة، تنهد وقال: يا مولاي إن حديثي عجيب وأمري غريب، مع هذه الخرقة وصاحبتها وصاحبة هذه الصور والتماثيل.
ثم نشر الخرقة وإذا فيها غزال مرقومة بالحرير مزركشة بالذهب الأحمر وقبالها صورة غزال آخر وهي مرقومة بالفضة وفي رقبته طوق من الذهب الأمر وثلاث قصبات من الزبرجد فلما نظر تاج الملوك إليه وإلى حسن صنعته قال: سبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم وتعلق قلب تاج الملوك بحديث هذا الشاب فقال له: احك لي قصتك مع صاحبة هذا الغزال.
فقال الشاب: اعلم يا مولاي أن أبي كان من التجار الكبار ولم يرزق ولداً غيري وكان لي بنت عم تربيت أنا وإياها في بيت أبي لأن أباها مات، وكان قبل موته تعاهد هو وأبي على أن يزوجاني بها فلما بلغت مبلغ الرجال وبلغت هي مبلغ النساء لم يحجبوها عني ولم يحجبوني عنها، ثم تحدث والدي مع أمي وقال لها: في هذه السنة نكتب كتاب عزيز على عزيزة واتفق مع أمي على هذا الأمر ثم شرع أبي في تجهيز مؤن الولائم هذا كله وأنا وبنت عمي ننام مع بعضنا في فراش واحد ولم ندر كيف الحال وكانت هي أشعر مني، وأعرف وأدرى، فلما جهز أبي أدوات الفرح ولم يبق غير كتب الكتاب، والدخول على بنت عمي أراد أبي أن يكتب الكتاب بعد صلاة الجمعة، ثم توجه إلى أصحابه من التجار وغيرهم وأعلمهم بذلك ومضت أمي عزمت صواحباتها من النساء ودعت أقاربها. فلما جاء يوم الجمعة غسلوا القاعة المعدة للجلوس وغسلوا رخامها وفرشوا في دارنا البسط ووضعوا فيها ما يحتاج إليه الأمر بعد أن زوقوا حيطانها بالقماش المقصب واتفق الناس أن يجيئوا بيتنا بعد صلاة الجمعة ثم مضى أبي وعمل الحلويات وأطباق السكر وما بقي غير كتب الكتاب، وقد أرسلتني أمي إلى الحمام وأرسلت خلفي بدلة جديدة من أفخر الثياب، فلما خرجت من الحمام لبست تلك البدلة الفاخرة وكانت مطيبة فلما لبستها فاحت منها رائحة زكية عبقت في الطريق، ثم أردت أن أذهب إلى الجامع فتذكرت صاحباً لي فرجعت أفتش عليه ليحضر كتب الكتاب وقلت في نفسي: أشتغل بهذا الأمر إلى أن يقرب وقت الصلاة ثم إني دخلت زقاقاً ما دخلته قط وكنت عرقان من أثر الحمام والقماش الجديد الذي على جسدي فساح عرقي وفحت روائحي فقعدت في رأس الزقاق لأرتاح على مصطبة، وفرشت تحتي منديلاً مطرزاً كان معي فاشتد الحر فعرق جبيني وصار العرق ينحدر على وجهي ولم يمكن مسح العرق عن وجهي بالمنديل لأنه مفروش تحتي، فأردت أن آخذ ذيل فرجيتي وأمسح وجنتي فما أدري إلا ومنديل أبيض وقع علي من فوق وكان ذلك المنديل أرق من النسيم ورؤيته ألطف من شفاء السقيم فمسكته بيدي ورفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل، فوقعت عيناي في عين صاحبة هذا الغزال.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:54 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: فرفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل فوقعت عيني في عين صاحبة هذا الغزال وإذا بها مطلة من طاقة من شباك نحاس لم تر عيني أجمل منها، وبالجملة يعجز عن وصفها لساني فلما رأتني نظرت إليها وضعت إصبعها في فمها ثم أخذت إصبعها الوسطاني وألصقته بإصبعها الشاهد ووضعتهما على صدرها بين نهديها ثم أدخلت رأساً من الطاقة وسدت باب الطاقة وانصرفت فانطلقت في قلبي النار وزاد بي الاستعار وأعقبتني النظرة ألف حسرة وتحيرت لأني لم أسمع ما قالت ولم أفهم ما به أشارت فنظرت إلى الطاقة ثانياً، فوجدتها مطبوقة فصبرت إلى مغيب الشمس فلم أسمع حساً ولم أر شخصاً فلما يئست من رؤيتها قمت من مكاني وأخذت المنديل معي، ثم فتحته ففاحت منه رائحة المسك حصل لي من تلك الرائحة طرب عظيم حتى صرت كأنني في الجنة، ثم نشرته بين يدي فسقطت منه ورقة لطيفة ففتحت الورقة فرأيتها مضمخة بالروائح الزكيات ومكتوب عليها هذه الأبيات:
بعثت له أشكو من ألم الجوى بخط رقيق والخطوط فنون
فقال خليلي ما لخطك هكذا رقيقاً دقيقاً لا يكـاد يبـين
فقلت لأني في نحـول ودقة كذا خطوط العاشقين تكون
ثم بعد أن قرأت الأبيات أطلقت في بهجة المنديل، نظر العين فرأيت في إحدى حاشيته تسطير هذين البيتين:
كتب العذار ويا له من كاتب سطرين في خديه بالريحان
وأخيرة القمرين منه إذا بـدا وإذا انثنى وأخجله الأغصان
وسطر الحاشية الأخرى هذين البيتين:
كتب العذار بعنبـر فـي لـؤلـؤ سطرين من سبج علـى تـفـاح
القتل في الحدق المراضي إذا رنت والسكر في الوجنات لا في الراح
فلما رأيت ما على المنديل من أشعار انطلق في فؤادي لهيب النار، وزادت بي الأشواق والأفكار وأخذت المنديل والورقة وأتيت بهما إلى البيت وأنا لا أدري لي حيلة في الوصال ولا أستطيع في العشق وتفصيل الأجمال، فما وصلت إلى البيت إلا بعد مدة من الليل فرأيت بنت عمي جالسة تبكي فلما رأتي مسحت دموعها وأقبلت علي وقلعتني ثيابي وسألتني عن سبب غيابي وأخبرتني أن جميع الناس من أمراء وكبراء وتجار وغيرهم قد اجتمعوا في بيتنا وحضر القاضي والشهود، وأكلوا الطعام واستمروا مدة جالسين ينتظرون حضورك من أجل كتب الكتاب فلما يئسوا من حضورك تفرقوا وذهبوا إلى حال سبيلهم وقالت لي: أباك اغتاظ بسبب ذلك غيظاً شديداً وحلف أنه لا يكتب كتابنا إلا في السنة القابلة لأنه غرم في هذا الفرح مالاً كثيراً ثم قالت لي: ما الذي جرى لك في هذا اليوم حتى تأخرت إلى هذا الوقت وحصل ما حصل بسبب غيابك؟ فقلت لها: جرى لي كذا وكذا وذكرت لها المنديل وأخبرتها بالخبر من أوله إلى آخره فأخذت الورقة والمنديل، وقرأت ما فيهما وجرت دموعها على خدودها وأنشدت هذه الأبيات:
من قال أول الهـوى اخـتـيار فقل كذبت كلـه اضـطـرار
وليس بعد الاضـطـرار عـار دلت على صحتـه الأخـبـار
ما زيفت على صحيح الـنـقـد فإن تشأ فقـل عـذاب يعـذب
أو ضربان في الحشى أو ضرب نعـمة أو نـقـــمة أو أرب
تأتنس النفس له أو تـعـطـب قد حرت بين عكسه والطـرد
ومـع ذا أيامـه مـواســـم وثغرها على الـدوام بـاسـم
ونفحـات طـيبـهـا نـواسـم وهو لكل مـا يشـين حـاسـم
ما حل قط قلـب نـذل وغـد
ثم إنها قالت لي: فما قالت لك وما أشارت به إليك؟ فقلت لها: ما نطقت بشيء غير أنها وضعت إصبعها في فمها ثم قرنتها بالإصبع الوسطى وجعلت الإصبعين على صدرها وأشارت إلى الأرض ثم أدخلت رأسها وأغلقت الطاقة ولم أرها بعد ذلك فأخذت قلبي معها فقعدت إلى غياب الشمس أنها تطل من الطاقة، ثانياً فلا تفعل فلما يئست منها قمت من ذلك المكان وهذه قصتي وأشتهي منك أن تعينيني على ما بليت فرفعت رأسها إلي وقالت: يا ابن عمي لو طلبت عيني لأخرجتها لك من جفوني، ولا بد أن أساعدك على حاجتك وأساعدها على حاجتها فإنها مغرمة بك كما أنك مغرم بها فقلت لها: وما تفسير ما أشارت به؟ قالت: أما موضع إصبعها في فمها فإنه إشارة إلى أنك عندها بمنزلة روحها من جسدها وإنما تعض على وصالك بالنواجذ وأما المنديل فإنه إشارة إلى سلام المحبين على المحبوبين وأما الورقة فإنها إشارة إلى أن روحها متعلقة بك وأما موضع إصبعيها على صدريها بين نهديها، فتفسيره أنها تقول لك بعد يومين تعال هنا ليزول عني بطلعتك العنا. اعلم يا ابن عمي أنها لك عاشقة وبك واثقة وهذا ما عندي من التفسير لإشارتها ولو كنت أدخل وأخرج لجمعت بينك وبينها في أسرع وقت وأستركما بذيلي. قال الغلام: فلما سمعت ذلك منها شكرتها على قولها وقلت في نفسي: أنا اصبر يومين ثم قعدت في البيت يومين لا أدخل ولا أخرج ولا آكل ولا أشرب ووضعت رأسي في حجر ابنة عمي وهي تسلني وتقول: قوي عزمك وهمتك طيب قلبك وخاطرك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:54 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: فلما انقضى اليومان قالت لي ابنة عمي: طب نفساً وقر عيناً والبس ثيابك وتوجه إليها على الميعاد ثم إنها قامت وغيرت أثوابي وبخرتني. ثم شددت حيلي وقويت قلبي وخرجت وتمشيت إلى أن دخلت الزقاق وجلست على المصطبة قناعه وإذا بالطاقة قد انفتحت فنظرت بعيني إليها، فلما رأيتها وقعت مغشياً علي ثم أفقت فشددت عزمي وقويت قلبي ونظرت إليها ثانياً فغبت عن الوجود، ثم استفقت فرأيت معها مرآة ومنديلاً أحمر، رأتني شمرت عن ساعديها وفتحت أصابعها الخمس، ودقت بها على صدرها بالكف والخمس أصابع ثم رفعت يديها وأبرزت الماء من الطاقة، وأخذت المنديل الأحمر ودخلت به وعادت وأدلته من الطاقة إلى صوب الزقاق ثلاث مرات وهي تدليه وترفعه ثم عصرته ولفته بيدها وطأطأت رأسها ثم جذبتها من الطاقة وأغلقت الطاقة وانصرفت، ولم تكلمني كلمة واحدة بل تركتني حيران لا أعلم ما أشارت به، واستمريت جالساً إلى وقت العشاء، ثم جئت إلى البيت قرب نصف الليل، فوجدت ابنة عمي واضعة يدها على خدها وأجفانها تسكب العبرات وهي تنشد هذه الأبيات:
مالي وللاحـي عـلـيك يعـنـف كيف السلو وأنت غصـن أهـيف
يا طلعة سلبت فـؤادي وانـثـنـت ما للهوى العذري عنها مصـرف
تركية الألحاظ تفعل بـالـحـشـا ما ليس يفعله الصقيل المـرهـف
حملتني ثقل الـغـرام ولـيس لـي جلد على حمل القميص وأضعـف
ولقد بكيت دماً لقـول عـوازلـي من جفن من تهوى بروعك مرهف
يا ليت قلبي مثل قـلـبـك إنـمـا جسمي كخصرك بالنحافة ملتـف
لك يا أميري في الملاحة نـاظـر صعب علي وحاجب لا ينـصـف
كذب الذي قال المـلاحة كـلـهـا في يوسف كم في جمالك يوسـف
أتكلف الإعراض عنـك مـخـافة من أعين الرقباء كـم أتـكـلـف
فلما سمعت شعرها زاد ما بي من الهموم وتكاثرت علي الغموم ووقعت في زوايا البيت فنهضت إلي وحملتني وقلعتني أثوابي ومسحت وجهي بكمها، ثم سألتني عما جرى لي فحكيت لها جميع ما حصل منها فقالت يا ابن عمي أما إشارتها بالكف والخمسة أصابع فإن تفسيره تعال بعد خمسة أيام وأما إشارتها بالمرآة وإبراز رأسها من الطاقة فإن تفسيره اقعد على دكان الصباغ حتى يأتيك رسولي.
فلما سمعت كلامها اشتعلت النار في قلبي وقلت: بالله يا بنت عمي إنك تصدقيني في هذا التفسير لأني رأيت في الزقاق صباغاً يهودياً، ثم بكيت فقال ابنة عمي قوي عزمك وثبت قلبك فإن غيرك يشتغل بالعشق مدة سنين ويتجلد على حر الغرام وأنت لك جمعة فكيف يحصل لك هذا الجزع. ثم أخذت بالكلام وأتت لي بالطعام فأخذت لقمة وأردت أن آكلها فما قدرت فامتنعت من الشراب والطعام وهجرت لذيذ المنام واصفر لوني وتغيرت محاسني لأني ما عشقت قبل ذلك ولا ذقت حرارة العشق إلا في هذه المرة فضعفت بنت عمي من أجلي وصارت تذكر لي أحوال العشاق والمحبين على سبيل التسلي في كل ليلة إلى أن أنام، وكنت أستيقظ فأجدها سهرانة من أجلي ودمعها يجري على خدها ولم أزل كذلك إلى أن مضت الخمسة أيام فقامت ابنة عمي وسخنت لي ماء وحممتني وألبستني ثيابي وقالت لي توجه إليها قضى الله حاجتك وبلغك مقصودك من محبوبتك فمضيت ولم أزل ماشياً إلى أن أتيت إلى رأس الزقاق وكان ذلك في يوم السبت فرأيت دكان الصباغ مقفلة فجلست عليها حتى أذن العصر واصفرت الشمس وأذن المغرب ودخل الليل وأنا لا أدري لها أثراً ولم أسمع حساً ولا خبراً فخشيت على نفسي وأنا جالس وحدي. فقمت وتمشيت وأنا كالسكران إلى أن دخلت البيت، فلما دخلت رأيت ابنة عمي عزيزة وإحدى يديها قابضة على وتد مدقوق في الحائط ويدها الأخرى على صدرها وهي تصعد الزفرات وتنشد هذه الأبيات:
وما وجد أعرابية بان أهلـهـا فحنت إلى بان الحجارة ورنده
إذا آنست ركباً تكفل شوقـهـا بنار قرأه والدمـوع بـورده
بأعظم من وجدي بحبي وإنمـا يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوده
فلما فرغت من شعرها التفتت إلي فرأتني أبكي فمسحت دموعها ودموعي بكمها وتبسمت في وجهي وقالت لي يا ابن عمي هناك الله بما أعطاك فلأي شيء لم تبت الليلة عند محبوبتك ولم تقض منها إربك، فلما سمعت كلامها رفستها برجلي في صدرها فانقلبت على الإيوان فجاءت جبهتها على طرف الإيوان وكان هناك وتد فجاء في جبهتها فتأملتها قد انفتح وسال دمها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:55 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: فلما رفست ابنة عمي في صدرها انقلبت على طرف الإيوان فجاء الوتد في جبينها وسال دمها فسكتت ولم تنطق بحرف واحد، ثم إنها قامت في الحال وأحرقت حرقاً وحشت به ذلك الجرح وتعصبت بعصابة ومسحت الدم الذي سال على البساط وكأن ذلك شيء ما كان، ثم إنها أتتني وتبسمت في وجهي وقالت لي بلين الكلام والله يا ابن عم ما قلت هذا الكلام استهزاء بك ولا بها وقد كنت مشغولة بوجع رأسي ومسح الدم في هذه الساعة قد خفت رأسي وخفت جبهتي فأخبرني بما كان من أمرك فحكيت لها جميع ما وقع لي منها في ذلك اليوم وبعد كلامي بكيت فقالت يا ابن عمي أبشر بنجاح قصدك وبلوغ أملك إن هذه علامة القبول وذلك أنها غابت لأنها تريد أن تخبرك وتعرف هل أنت صابر أو لا وهل أنت صادق في محبتها أو لا، وفي غد توجه إليها في مكانك الأول وانظر ماذا تشير به إليك فقد قربت أفراحك وزالت أتراحك وصارت تسليني على ما بي وأنا لم أزل متزايد الهموم والغموم، ثم قدمت لي الطعام فرفسته فانكبت كل زبدية في ناحية وقلت كل من كان عاشقاً فهو مجنون لا يميل إلى الطعام ولا يلتذ بمنام فقالت لي ابنة عمي عزيزة والله يا ابن عمي إن هذه علامة المحبة وسالت دموعها ولمت شقافة الزبادي ومسحت الطعام وجلست تسايرني وأنا أدعو الله أن يصبح الصباح.
فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح توجهت إليها ودخلت ذلك الزقاق بسرعة وجلست على تلك المصطبة وإذا بالطاقة انفتحت وأبرزت رأسها منها وهي تضحك، ثم رجعت وهي معها مرآة وكيس وقصرية ممتلئة زرعاً أخضر وفي يدها قنديل، فأول ما فعلت أخذت المرآة في يدها وأدخلتها في الكيس ثم ربطته ورمته في البيت ثم أرخت شعرها على وجهها ثم وضعت القنديل على رأس الزرع لحظة ثم أخذت جميع ذلك وانصرفت به وأغلقت الطاقة فانفطر قلبي من هذا الحال ومن إشاراتها الخفية ورموزها المخفية وهي لم تكلمني بكلمة قط فاشتد ذلك غرامي وزاد وجدي وهيامي، ثم إني رجعت على عقبي وأنا باكي العين حزين القلب حتى دخلت البيت فرأيت بنت عمي قاعدة ووجهها إلى الحائط وقد احترق قلبها من الهم والغم والغيرة ولكن نكبتها منعتها أن تخبرني بشيء مما عندها من الغرام لما رأت ما أنا فيه من كثرة الوجد والهيام، ثم نظرت إليها فرأيت على رأسها عصابتين إحداهما من الوقعة على جبهتها والأخرى على عينيها بسبب وجع أصابها من شدة بكائها وفي في أسوأ الحالات تبكي وتنشد هذه الأبيات:
أينما كنت لـم تـزل بـأمـان أيها الراحل المقيم بقـلـبـي
ولك الله حيث أمـسـيت حـار منقذ من صروف دهر وخطب
ليت شعري بأي أرض ومغنى أنت مستوطن بدار وشـعـب
إن يكن شربك الـقـراح زلالا فدموعي من المحاجر شربـي
كل شيء سوى فراقك عـذب كالتجافي بين الرقاد وجنـبـي
فلا فرغت من شعرها نظرت إلي فرأتني وهي تبكي فمسحت دموعها ونهضت إلي ولم تقدر أن تتكلم مما هي فيه من الوجد ولم تزل ساكتة برهة من الزمان، ثم بعد ذلك قالت: يا ابن عمي أخبرني بما حصل لك منها في هذه المرة فأخبرتها بجميع ما حصل لي فقالت لي: اصبر فقد آن أوان وصالك وظفرت ببلوغ آمالك. أما إشارتها لك بالمرآة وكونها أدخلتها في الكيس فإنها تقول لك: اصبر إلى أن تغطس الشمس، وأما إرخاؤها شعرها على وجهها فإنها تقول لك: إذ أقبل الليل وانسدل سواد الظلام على نور النهار فتعال، وأما إشارتها لك بالقصرية التي فيها زرع فإنها تقول لك: إذا جئت فادخل البستان الذي وراء الزقاق، وأما إشارتها لك بالقنديل فإنها تقول لك: إذا جئت البستان فامش فيه وأي موضع وجدت القنديل مضيئاً فتوجه إليه واجلس تحته وانتظرني فإن هواك قاتلي.
فلما سمعت كلام ابنة عمي صحت من فرط الغرام وقلت: كم تعديني وأتوجه إليها ولا أحصل مقصودي ولا أجد لتفسيرك معنى صحيحاً، فعند ذلك ضحكت بنت عمي وقالت لي: بقي عليك من الصبر أن تصبر بقية هذا اليوم إلى أن يولي النهار ويقبل الليل بالاعتكار فتحظى بالوصال وبلوغ الآمال وهذا الكلام صدق بغير يمين، ثم أنشدت هذين البيتين:
درب الأيام تندرج وبيوت الهم لا تلج
رب أمر عز مطلبه قربته ساعة الفرج
ثم إنها أقبلت علي وصارت تسليني بلين الكلام ولم تجسر أن تأتيني بشيء من الطعام مخافة من غضبي عليها ورجاء ميلي إليها ولم يكن لها قصد إلا أنها أتت إلي وقلعتني ثم قالت: يا ابن عمي اقعد معي حتى أحدثك بما يسليك إلى آخر النهار وإن شاء الله تعالى ما يأتي الليل إلا وأنت عند محبوبتك فلم ألتفت إليها وصرت أنتظر مجيء الليل وأقول: يا رب عجل بمجيء الليل، فلما أتى الليل بكت ابنة عمي بكاء شديداً وأعطتني حبة مسك خالص وقالت لي: يا ابن عمي اجعل هذه الحبة في فمك فإذا اجتمعت بمحبوبتك وقضيت منها حاجتك وسمحت لك بسما تمنيت فأنشدها هذا البيت:
ألا أيها العناق بالـلـه خـبـروا إذا اشتد عشق بالفتى كيف يصنع
ثم إنها قبلتني وحلفتني أني لا أنشدها ذلك البيت من الشعر إلا بعد خروجي من عندها فقلت لها سمعاً وطاعة، ثم خرجت وقت العشاء ومشيت ولم أزل ماشياً حتى وصلت إلى البستان فوجدت بابه مفتوحاً فدخلته فرأيت نوراً على بعد فقصدته فلما وصلت إليه وجدت مقعداً عظيماً معقوداً عليه قبة من العاج والأبنوس والقنديل معلق في وسط تلك القبة وذلك المقعد مفروش بالبسط الحرير المزركشة بالذهب والفضة، وهناك شمعة كبيرة موقودة في شمعدان من الذهب تحت القناديل وفي وسط المقعد فسقية فيها أنواع التصاوير وبجانب تلك الفسقية سفرة مغطاة بفوطة من الحرير وإلى جانبها باطية كبيرة من الصيني مملوءة خمراً وفيها قدح من بلور مزركش بالذهب وإلى جانب الجميع طبق كبير من فضة مغطى مكشفته فرأيت فيه من سائر الفواكه ما بين تين ورمان وعنب ونارنج وإترنج وكباد وبينها أنواع الرياحين من ورد وياسمين وآس ونسرين ونرجس ومن سائر المشمومات فهمت بذلك المكان وفرحت غاية الفرح وزال عني الهم والترح لكني في هذا الدار أحداً من خلق الله تعالى.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:56 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ولم أر عبداً ولا جارية ولا من يعاني هذه الأمور، فجلست في ذلك المقعد أنتظر مجيء محبوبة قلبي إلى أن مضى أول ساعة من الليل وثاني ساعة وثالث ساعة فلم تأت واشتد بي الجوع لأن لي مدة من الزمان ما أكلت طعاماً لشدة وجدي، فلما رأيت ذلك المكان وظهر لي صدق بنت عمي في فهم إشارة معشوقتي استرحت ووجدت ألم الجوع وقد شوقتني روائح الطعام الذي في السفرة لما وصلت إلى ذلك المكان.
واطمأنت نفسي بالوصال فاشتهت نفسي الأكل فتقدمت إلى السفرة وكشفت الغطاء فوجدت في وسطها طبقاً من الصيني وفيه أربع دجاجات محمرة ومتبلة بالبهارات وحول ذلك الطبق أربع زبادي واحدة حلوى والأخرى حب الرمان والثالثة بقلاوة والرابعة قطايف وتلك الزبادي ما بين حلو وحامض، فأكلت من القطايف وأكلت قطعة لحم وعمدت إلى البقلاوة وأكلت منها ما تيسر ثم قصدت الحلوى وأكلت ملعقة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعاً وأكلت بعض دجاجة وأكلت لقمة فعند ذلك امتلأت معدتي وارتخت مفاصلي وقد كسلت عن السهر فوضعت رأسي على وسادة بعد أن غسلت يدي فغلبني النوم ولم أعلم بما جرى لي بعد ذلك فما استيقظت حتى أحرقني حر الشمس لأن لي أياماً ما ذقت مناماً، فلما استيقظت وجدت على بطني ملحاً وفحماً فانتصبت واقفاً ونفضت ثيابي وقد التفت يميناً وشمالاً فلم أجد أحداً ووجدت أني كنت نائماً على الرخام من غير فرش فتحيرت في عقلي وحزنت عزناً عميقاً وجرت دموعي على خدي وتأسفت على نفسي فقمت وقصدت البيت فلما وصلت إليه وجدت ابنة عمي تدق بيدها على صدرها وتبكي بدمع يباري السحب الماطرات وتنشد هذه الأبيات:
هب ريح من الحي ونـسـيم فأثار الهوى ينشر هبـوبـه
يا نسيم الصبا هـلـم إلـينـا كل صب بحظه ونصـيبـه
أو قدرنا من الغرام اعتنقـنـا كاعتناق المحب صدر حبيبته
حرم الله بعد وجه ابن عمـي كل عيش من الزمان وطيبه
ليت شعري هل قلبه مثل قلبي ذائب من حر الهوى ولهيبـه
فلما رأتني قامت مسرعة ومسحت دموعها وأقبلت علي بلين كلامها وقالت: يا ابن عمي أنت في عشقك قد لطف الله بك حيث أحبك من تحب وأنا في بكائي وحزني على فراقك من يلومني، ولكن لا آخذك الله من جهتي ثم إنها تبسمت في وجهي تبسم الغيظ ولاطفتني وقلعتني ثيابي ونشرتها وشمتها وقالت: والله ما هذه روائح من حظي بمحبوبه فأخبرني بما جرى لك يا ابن عمي فأخبرتها بجميع ما جرى لي فتبسمت تبسم الغيظ. ثانياً وقالت: إن قلبي ملآن موجع فلا عاش من يوجع قلبك، وهذه المرأة تتعزز عليك تعززاً قوياً والله يا ابن عمي إني خائفة عليك منها، واعلم يا ابن عمي أن تفسير الملح هو أنك مستغرق في النوم فكأنك دلع الطعم بحيث تعارفك النفوس فينبغي لك أن تتملح حتى لا تمجك الطباع، لأنك تدعي أنك من العشاق الكرام والنوم على العشاق حرام فدعواك المحبة كاذبة وكذلك هي محبتها لك كاذبة لأنها لما رأتك نائماً لم تنبهك، ولو كانت محبتها لك صادقة أنبهتك، وأما الفحم فإن تفسير إشارته سود الله وجهك حيث ادعيت المحبة كذباً وإنما أنت صغير لم يكن لك همة إلا الأكل والشرب والنوم فهذا تفسير إشارتها فالله يخلصك منها.
فلما سمعت كلامها ضربت بيدي على صدري وقلت: والله إن هذا هو الصحيح لأني نمت والعشاق لا ينامون فأنا الظالم لنفسي وما كان أضر علي من الأكل والنوم فكيف يكون الأمر، ثم إني زدت في البكاء وقلت لابنة عمي: دليني على شيء أفعله وارحميني يرحمك الله وإلا مت وكانت بنت عمي تحبني محبة شديدة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:56 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك فقالت لي على رأسي وعيني ولكن يا ابن عمي قد قلت لك مراراً لو كنت أدخل وأخرج لكنت أجمع بينك وبينها في أقرب زمن وأغطيكما بذيلي ولا أفعل معك هذا إلا لقصد رضاك وإن شاء الله تعالى أبذل غاية الجهد في الجمع بينكما ولكن اسمع قولي وابلغ أمري واذهب إلى نفس ذلك المكان واقعد هناك فإذا كان وقت العشاء فاجلس في الموضع الذي كنت فيه، واحذر أن تأكل شيئاً لأن الأكل يجلب النوم وإياك أن تنام فإنها لا تأتي لك حتى يمضي الليل ربعه كفاك الله شرها.
فلما سمعت كلامها فرحت وصرت أدعو الله أن يأتي الليل، فلما أردت الانصراف قالت لي ابنة عمي: إذا اجتمعت بها فاذكر لها البيت المتقدم وقت انصرافك فقلت لها: على الرأس والعين فلما خرجت وذهبت إلى البستان وجدت المكان مهيأ على الحالة التي رأيتها أولاً وفيه ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والنقل المشموم وغير ذلك فطلعت المقعد وشممت رائحة الطعام فاشتاقت نفسي إليه فمنعتها مراراً فلم أقدر على منعها فقمت وأتيت إلى السفرة وكشفت غطاءها فوجدت صحن دجاج وحوله أربع زبادي من الطعام فيها أربعة ألوان فأكلت من كل لون لقمة وأكلت ما تيسر من الحلوى وأكلت قطعة لحم وشربت من الزردة وأعجبتني فأكثر الشرب منها بالملعقة حتى شبعت وامتلأت بطني وبعد ذلك انطبقت أجفاني فأخذت وسادة ووضعتها تحت رأسي وقلت لعلي أتكئ عليها ولا أنام فأغمضت عيني ونمت وما إن انتبهت حتى طلعت الشمس فوجدت على بطني كعب عظم وفردة طاب بلح وبزرة خروب وليس في المكان شيء من فرش ولا غيره وكأنه لم يكن فيه شيء بالأمس فقمت ونفضت الجميع عني وخرجت وأنا مغتاظ إلى أن وصلت إلى البيت فوجدت ابنة عمي تصعد الزفرات وتنشد الأبيات:
جسدنا حل وقـلـب جـريح ودموع على الخدود تـسـيح
وحبيب صعب التجني ولكـن كل ما يفعل المليح مـلـيح
يا ابن عمي ملأت بالوجد قلبي إن طرفي من الدموع قريح
فنهرت ابنة عمي وشتمتها فبكت، ثم مسحت دموعها وأقبلت علي وقبلتني، أخذت تضمني إلى صدرها وأنا أتباعد عنها وأعاتب نفسي، فقالت لي: يا ابن عمي كأنك نمت في هذه الليلة، فقلت لها: نعم ولكنني لما انتبهت وجدت كعب عظم على بطني وفردت طاب ونواة بلح وبزرة خروب وما أدري لأي شيء فعلت هكذا. ثم بكيت وأقبلت عليها وقلت لها: فسري لي إشارة فعلها هذا وقولي لي ماذا أفعل وساعديني على الذي أنا فيه فقالت لي: على الرأس والعين أما فردة الطاب التي وضعتها على بطنك فإنها تشير لك إلى أنك حضرت وقلبك غائب وكأنها تقول لك: ليس العشق هكذا فلا تعد نفسك من العاشقين وأما نواة البلح فإنها تشير لك بها إلى أنك لو كنت عاشقاً لكان قلبك محترقاً بالغرام، ولم تذق لذيذ المنام فإن لذة الحب كتمرة ألهبت في الفؤاد جمرة وأما بزرة الخروب فإنها تشير لك به إلى أن قلب المحب مسلوب وتقول لك: اصبر على فراقها صبر أيوب.
فلما سمعت هذا التفسير انطلقت في فؤادي النيران وزادت بقلبي الأحزان فصحت وقلت: قدر الله علي النوم لقلة بختي، ثم قلت لها: يا ابنة عمي بحياتي عندك أن تدبري لي حيلة أتوصل بها إليها فبكت وقالت: يا عزيزي، يا ابن عمي إن قلبي ملآن بالفكر، ولا أقدر أن أتكلم ولكن رح الليلة إلى ذلك المكان واحذر أن تنام فإنك تبلغ المرام هذا هو الرأي والسلام فقلت لها: إن شاء الله لا أنام وإنما أفعل ما تأمريني به، فقامت بنت عمي وأتت بالطعام وقالت لي: كل الآن ما يكفيك حتى لا يبقى في خاطرك شيء فأكلت كفايتي ولما أتى الليل قامت بنت عمي وأتتني ببدلة عظيمة ألبستني إياها وحلفتني أن أذكر لها البيت المذكور وحذرتني من النوم.
ثم خرجت من عند بيت عمي وتوجهت إلى البستان وطلعت إلى البستان وطلعت ذلك المقعد ونظرت إلى البستان وجعلت أفتح عيني بأصابعي وأهز رأسي، حين جن الليل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=8#)

اميرة عبد الدايم
10-08-2015, 08:57 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: وطلعت من ذلك المقعد ونظرت إلى البستان وجعلت أفتح عيني وأهز رأسي حين جن الليل فلما طلعت رجعت من السهر وهبت علي روائح الطعام فازداد جوعي وتوجهت إلى السفرة وكشفت عظاءها، وأكلت من كل لون لقمة، وأكلت قطعة لحم، وأتيت إلى باطية الخمر وقلت في نفسي: أشرب قدحاً، فشربته، ثم شربت الثاني والثالث إلى غاية عشرة وقد ضربني الهواء، فوقعت على الأرض كالقتيل ومازلت كذلك حتى طلع النهار فانتبهت فرأيت نفسي خارج البستان، وعلى بطني شفرة ماضية ودرهم حديد، فارتجفت وأخذتهما وأتيت بهما إلى البيت فوجدت ابنة عمي تقول أني في هذا البيت مسكينة حزينة ليس لي معين إلا البكاء، فلما دخلت وقعت من طولي ورميت السكين والدرهم من يدي وغشي علي فلما أفقت عرفتها بما حصل لي وقلت لها: إني لم أنل أربي فاشتد حزنها علي لما رأت بكائي ووجدي، وقالت لي: إني عجزت عن النوم، فلم تسمع نصحي فكلامي لا يفيدك شيئاً.
فقلت لها: أسألك بالله أن تفسري لي إشارة السكين والدرهم الحديد فقالت: إن الدرهم الحديد فإنها تشير بها إلى عينها اليمنى وأنها تقسم بها وتقول: وحق رب العالمين وعين اليمين إن رجعت ثاني مرة ونمت لأذبحنك بهذه السكين وأنا خائفة عليك يا ابن عمي من مكرها وقلبي ملآن بالحزن عليك فما اقدر أن أتكلم فإن كنت تعرف من أنك إن رجعت إليها لا تنام فارجع إليها واحذر النوم فإنك تفوز بحاجتك وإن عرفت أنك إن رجعت إليها تنام على عادتك ثم رجعت إليها ونمت ذبحتك فقلت لها: وكيف يكون العمل يا بنت عمي أسألك بالله أن تساعديني على هذه البلية.
فقالت: على عيني ورأسي ولكن إن سمعت كلامي وأطعت أمري قضيت حاجتك فقلت لها: إني أسمع كلامك، وأطيع أمرك فقالت: إذا كان وقت الرواح أقول لك ثم ضمتني إلى صدرها ووضعتني على الفراش، ولا زالت تكسبني حتى غلبني النعاس واستغرقت في النوم فأخذت مروحة وجلست عند رأسي تروح على وجهي إلى آخر النهار ثم نبهتني فلما انتبهت وجدتها عند رأسي وفي يدها المروحة وهي تبكي ودموعها قد بلت ثيابها.
فلما رأتني استيقظت مسحت دموعها وجاءت بشيء من الأكل فامتنعت منه فقالت لي: أما قلت لك اسمع مني وكل فأكلت ولم أخالفها صارت تضع الأكل في فمي وأنا أمضغ حتى امتلأت ثم أسقتني نقيع عناب السكر، ثم غسلت يدي ونشفتها بمحرمة، ورشت علي ماء الورد وجلست معها وأنا في عافية.
فلما أظلم الليل وألبستني ثيابي وقالت: يا ابن عمي إسهر جميع الليل ولا تنم فإنها ما تأتيك في هذه الليلة إلا في آخر الليل، وإن شاء الله تجتمع بها في هذه الليلة ولكن لا تنس وصيتي.
ثم بكت فأوجعتني قلبي عليها من كثرة بكائها، وقلت لها: ما الوصية التي وعدتني بها؟ فقالت لي: إذا انصرفت من عندها فأنشدها البيت المقدم ذكره ثم خرجت من عندها وأنا فرحان ومضيت إلى البستان وطلعت المقعد وأنا شبعان فجلست وسهرت إلى ربع الليل ثم طال الليل علي حتى كأنه سنة فمكثت ساهراً، حتى مضى ثلاثة أرباع الليلة وصاحت الديوك فاشتد عندي الجوع من السهر فقمت إلى السفرة وأكلت حتى اكتفيت فثقلت رأسي وأردت أن أنام وإذا بضجة على بعد فنهضت وغسلت يدي وفمي، ونبهت نفسي فما كان إلا قليل وإذا بها أتت ومعها عشر جوار، وهي بينهن كأنها البدر بين الكواكب وعليها حلة من الأطلس الأخضر مزركشة بالذهب الأحمر وهي كما قال الشاعر:
تتيه على العشاق في حلل خضـر مفككة الأزرار محلولة الشعـر
فقلت لها ما الاسم قالت أنا التـي كويت قلوب العاشقين على الجمر
شكوت لها ما أقاسي من الهـوى فقالت إلى صخر شكوت ولم تدر
فقلت لها إن كان قلبك صـخـرة فقد أنبع الله الزلال من الصخـر
فلما رأتني ضحكت وقالت: كيف انتبهت ولم يغلب عليك النوم وحيث سهرت الليل علمت أنك عاشق، لأن من شيم العشاق سهل الليل في مكابدة الأشواق.
ثم أقبلت علي الجواري وغمزتهن فانصرفن عنها وأقبلت علي وضمتني إلى صدرها وقبلتني وقبلتها ومصت شفتي التحتانية ومصصت شفتها الفوقانية، ثم مددت يدي إلى خصرها وغمرته، وما نزلنا في الأرض إلا سواء وحلت سراويلها فنزلت في خلال رجليها وأخذنا في الهراس والتعنيق والغنج والكلام الرقيق والعض وحمل السيقان والطواف بالبيت والأركان إلى أن ارتخت مفاصلها وغشي عليها ودخلت في الغيبوبة وكانت تلك الليلة، مسرة القلب وقرة الناظر كما قال فيها الشاعر:
أهنى ليالي الدهر عندي لـيل لم أخل فيها الكأس من أعمال
فرقت فيها بين جفني والكرى وجمعت بين القرط والخلخال
فلما أصبح الصباح أردت الانصراف وإذا بها أمسكتني وقالت لي: قف حتى أخبرك بشيء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:46 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك قالت: قف حتى أخبرك بشيء وأوصيك وصية فوقفت فحلت منديلاً وأخرجت هذه الخرقة ونشرتها قدامي فوجدت فيها صورة غزال على هذا المثال فتعجبت منها غاية العجب فأخذته من عندها وتواعدت وإياها أن أسعى إليها في كل ليلة في ذلك البستان ثم انصرفت من عندها وأنا فرحان ومن فرحي نسيت الشعر الذي أوصتني به بنت عمي وحين أعطتني الخرقة التي فيها صورة الغزال قالت لي: هذا عمل أختي، فقلت لها: وما اسم أختك؟ قالت: اسمها نور الهدى فاحتفظ بهذه الخرقة ثم ودعتها وانصرفت وأنا فرحان ومشيت إلى أن دخلت على ابنة عمي فوجدتها راقدة فلما رأتني قامت ودموعها تتساقط.
ثم أقبلت علي وقبلت صدري وقالت: هل فعلت ما أوصيتك به من إنشاد بيت الشعر؟ فقلت لها: إني نسيته وما شغلني عنه إلا صورة هذا الغزال ورميت الخرقة قدامها فقامت وقعدت ولم تطق الصبر وأفاضت دمع العين وأنشدت هذين البيتين:
يا طالباً للفراق مهـلاً فلا يغرنك العـنـاق
مهلاً فطبع الـزمـان وآخر الصحبة الفراق
فلما فرغت من شعرها قالت: يا ابن عمي هب لي هذه الخرقة فوهبتها لها فأخذتها ونشرتها ورأت ما فيها، فلما جاء وقت ذهابي قالت ابنة عمي: اذهب مصحوباً بالسلامة ولكن إذا انصرفت من عندها فأنشد بيت الشعر الذي أخبرتك به أولاً ونسيته فقلت لها:أعيديه لي فأعادته ثم مضيت إلى البستان ودخلت المقعد فوجدت الصبية في انتظاري فلما رأتني قامت وقبلتني وأجلستني في حجرها ثم أكلنا وشربنا وقضينا أغراضنا كما تقدم ولا حاجة إلى الإعادة فلما أصبح الصباح أنشدتها بيت الشعر وهو:
ألا أيها العشاق باللـه خـبـروا إذا اشتد عشق الفتى كيف يصنع
فلما سمعته هملت عيناها بالدموع وأنشدت:
يداري هواه ثـم يكـتـم سـره ويصبر في كل الأمور ويخضع
فحفظته وفرحت بقضاء حاجة ابنة عمي فوجدتها راقدة، وأمي عند رأسها تبكي على حالها فلما دخلت عليها قالت لي أمي: تباً لك من ابن عم كيف تترك بنت عمك على استواء ولا تسأل عن مرضها؟ فلما رأتني ابنة عمي، رفعت رأسها وقعدت وقالت لي: يا عزيز هل أنشدتها البيت الذي أخبرتك به؟ فقلت: نعم فلما سمعته بكت وأنشدتني بيتاً آخر، وحفظته فقالت بنت عمي: أسمعني إياه ثم بكت بكاءاً شديداً وأنشدت هذا البيت:
لقد حاول الصبر الجميل ولم يجد له غير قلب في الصبابة يجزع
ثم قالت ابنة عمي: إذا ذهب إليها على عادتك فأنشدها هذا البيت الذي سمعته فقلت لها: سمعاً وطاعة ثم ذهبت إليها في البستان على العادة، وكان بيننا ما كان ما يقصر عن وصفه اللسان فلما أردت الانصراف أنشدتها ذلك البيت وهو له إلى آخره فلما سمعته سالت مدامعها في المحاجر، وأنشدت قول الشاعر:
فإن لم يجد صبراً لكتمـان سـره فليس له عندي سوى الموت أنفع
فحفظته وتوجهت إلى البيت فلما دخلت على ابنة عمي وجدتها ملقاة مغشياً عليها وأمي جالسة عند رأسها، فلام سمعت كلامي فتحت عينيها وقالت: يا عزيز هل أنشدتها بيت الشعر؟ قلت لها: نعم ولما سمعته بكت وأنشدتني هذا البيت فإن لم يجد إلى آخره، فلما سمعته بنت عمي غشي عليها ثانياً فلما أفاقت أنشدت هذا البيت:
سمعنا أطعنا ثم متـنـا فـبـلـغـوا سلامي على كل من كال للوصل يمنع
ثم لما أقبل الليل مضيت إلى البستان على جري عادتي فوجدت الصبية في انتظاري فجلسنا وأكلنا وشربنا وعملنا حظنا ثم نمنا إلى الصباح، فلما أردت الانصراف أنشدتها ما قالته ابنة عمي فلما سمعت ذلك صرخت صرخة عظيمة تضجرت وقالت: والله إن قائلة هذا الشعر قد ماتت، ثم بكت وقالت: ويلك ما تقرب لك قائلة هذا الشعر؟ قلت لها: إنها ابنة عمي قالت: كذبت والله لو كانت ابنة عمك لكان عندك لها من المحبة مثل ما عندها لك فأنت الذي قتلتها قتلك الله كما قتلتها، والله لو أخبرتني أن لك ابنة عم ما قربتك مني فقلت لها: ابنة عمي كانت تفسر لي الإشارات التي كنت تشيرين بي إلي وهي التي علمتني ما أفعل معك وما وصلت إليك إلا بحسن تدبيرها فقالت: وهل عرفت بنا؟ قلت: نعم قالت: حسرك الله على شبابك كما حسرتها على شبابها، ثم قالت لي: رح انظرها فذهبت وخاطري متشوش، وما زلت ماشياً حتى وصلت إلى زقاقنا فسمعت عياطاً فسألت عنه فقيل: إن عزيزة وجدناها خلف الباب ميتة، ثم دخلت الدار فلما رأتني أمي قالت: إن خطيئتها في عنقك لا سامحك الله من دمها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:47 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ثم دخلت الدار فلما رأتي أمي قالت تباً لك من ابن عم، ثم إن أبي جاء وجهزناها وشيعنا جنازتها ودفناها وعملنا على قبرها الختمات ومكثنا على القبر ثلاثة أيام ثم رجعت إلى البيت وأنا حزين عليها فأقبلت علي أمي وقالت لي: إن قصدي أن أعرف ما كنت تفعله معها حتى فقعت مرارتها، وإني يا ولدي كنت أسألها في كل الأوقات عن سبب مرضها فلم تخبرني به ولم تطلعني عليه فبالله عليك أن تخبرني بالذي كنت تصنعه معها حتى ماتت فقلت: ما عملت شيئاً، فقالت: الله يقتص لها منك فإنها ما ذكرت شيئاً بل كتمت أمرها حتى ماتت وهي راضية ولما مات كنت عندها ففتحت عينيها وقالت لي: يا امرأة عمي جعل الله ولدك في حل من دمي ولا آخذه بما فعل معي وإنما نقلني إلى الله من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية. فقلت لها يا ابنتي سلامتك وسلامة شبابك، وصرت أسألها عن سبب مرضها فما تكلمت ثم تبسمت وقالت: يا امرأة عمي إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقول له يقول هاتين الكلمتين عند انصرافه منه: الوفاء مليح والغدر قبيح وهذه سفقة مني عليه لأكون شفيقة عليه في حياتي وبعد مماتي، ثم أعطتني لك حاجة وحلفتني أني لا أعطيها لك حتى أراك تبكي عليها وتنوح الحاجة عندي فإذا رأيتك على الضفة التي ذكرتها أعطيتك إياها فقلت لها: أريني إياها فما رضيت ثم إني اشتغلت بلذاتي ولم أتذكر موت ابنة عمي لأني كنت طائش العقل وكنت أود في نفسي أن أكون طول ليلي ونهاري عند محبوبتي وما صدقت أن الليل أقبل حتى مضيت إلى البستان فوجدت الصبية جالسة على مقالي النار من كثرة الانتظار فما صدقت أنها رأتني فبادرت إلي وتعلقت برقبتي وسألتني عن بنت عمي فقلت لها: إنها ماتت وعملنا لها الذكر والختمات ومضى لها أربع ليالي وهذه الخامسة.
فلما سمعت ذلك صاحت وبكت وقالت: أما قلت لك إنك قتلتها ولو أعلمتني بها قبل موتها لكنت كافأتها على ما فعلت معي من المعروف فإنها خدمتني وأوصلتك إلي ولولاها ما اجتمعت بك وأنا خائفة عليك أن تقع في مصيبة بسبب رزيتها فقلت لها: إنها قد جعلتني في حل قبل موتها، ثم ذكرت لها ما أخبرتني به أمي فقالت: بالله عليك إذا ذهبت إلى أمك فاعرف الحاجة التي عندها فقلت لها: إن أمي قالت لي: إن ابنة عمك قبل أن تموت أوصتني وقالت لي: إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقولي له هاتين الكلمتين: الوفاء مليح والغدر قبيح.
فلما سمعت الصبية ذلك قالت: رحمة الله عليها فإنها خلصتك مني وقد كنت أضمرت على ضررك فأنا لا أضرك ولا أشوش عليك فتعجبت من ذلك وقلت لها: وما كنت تريدين قبل أن تفعليه معي وقد صار بيني وبينك مودة؟ فقالت لي: أنت مولع بي ولكنك صغير السن وقلبك خال من الخداع فأنت لا تعرف مكرنا ولا خداعنا، ولو كانت في قيد الحياة لكانت معينة لك فإنها سبب سلامتك حتى أنجتك من الهلكة، والآن أوصيك أن لا تتكلم مع واحدة ولا تخاطب واحدة من أمثالنا لا صغيرة ولا كبيرة، فإياك ثم إياك ذلك لأنك غير عارف بخداع النساء ولا مكرهن والتي تفسر لك الإشارات قد ماتت وإني أخاف عليك أن تقع في رزية فلا تجد من يخلصك منها بعد موت بنت عمك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:48 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ثم إن الصبية قالت: فواحسرتاه على بنت عمك وليتني علمت بها قبل موتها حتى أكافئها على ما فعلت معي من المعروف رحمة الله تعالى عليها فإنها كتمت سرها ولم تبح بما عندها ولولاها ما كنت تصل إلي أبداً وإني أشتهي عليك أمراً، فقلت: ما هو؟ قالت: إن توصلني إلى قبرها حتى أزورها في القبر الذي هي فيه وأكتب عليه أبياتاً فقلت لها: في غد إن شاء الله تعالى. ثم إني نمت معها تلك الليلة وهي بعد كل ساعة تقول لي: ليتك أخبرتني بابنة عمك قبل موتها فقلت لها: ما معنى هاتين الكلمتين اللتين قالتهما وهما الوفاء مليح والغدر قبيح؟ فلم تجبني.
فلما أصبح الصباح قامت وأخذت كيساً فيه دنانير وقالت لي: قم وأرني قبرها حتى أزوره وأكتب عليه أبياتاً وأعمل عليه قبة وأترحم عليها وأصرف هذه الدنانير صدقة على روحها فقلت لها سمعاً وطاعة، ثم مشيت قدامها ومشت خلفي وصارت تتصدق وهي ماشية في الطريق وكلما تصدقت صدقة تقول: هذه الصدقة على روح عزيزة التي كتمت سرها حتى شربت كأس مناياها ولم تبح بسر هواها. ولم تزل تتصدق من الكيس وتقول: على روح عزيزة حتى وصلنا القبر ونفذ ما في الكيس، فلما عاينت القبر رمت روحها عليه وبكت بكاء شديداً، ثم إنها أخرجت بكاراً من الفولاذ ومطرقة لطيفة وخطب بالبيكار على الحجر الذي على رأس القبر خطاً لطيفاً ورسمت هذه الأبيات:
مرت بقبر دارس وسـط روضة عليه من النعمان سبع شـقـائق
فقلت لمن ذا القبر جاوبني الثرى تأدب فهذا القبر برزخ عـاشـق
فقلت رعاك الله يا ميت الـهـوى وأسكنك الفردوس أعلى الشواهق
مساكين أهل العشق حتى قبورهم عليها تراب الذل بين الـخـلائق
فإن أستطع زرعاً زرعتك روضة وأسقيتها من دمعي المتـدافـق
ثم بكت بكاء شديداً وقامت وقمت معها وتوجهنا إلى البستان فقالت لي: سألتك بالله أن لا تنقطع عني أبداً فقلت سمعاً وطاعة، ثم إني صرت أتردد عليها وكلما بت عندها تحسن إلي وتكرمني وتسألني عن الكلمتين اللتين قالتهما ابنة عمي ومكثت مستغرقاً في تلك اللذات سنة كاملة، وعند رأس السنة دخلت الحمام وأصلحت شأني ولبست بدلة فاخرة من الحمام وشربت قدحاً من الشراب وشممت روائح قماشي المضمغ بأنواع الطيب وأنا خالي القلب من غدرات الزمان وطواق الحدثان فلما جاء وقت العشاء اشتاقت نفسي إلى الذهاب إليها وأنا سكران لا أدري أين أتوجه، فذهبت إليها فمال بي السكر إلى زقاق يقال له: زقاق النقيب فبينما أنا ماش في ذلك لزقاق وإذا بعجوز ماشية وفي إحدى يديها شمعة مضيئة وفي يدها الأخرى كتاب ملفوف.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:49 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب الذي اسمه عزيز قال لتاج الملوك: فلما دخلت الزقاق الذي يقال له زقاق النقيب فمشيت فيه فبينما أنا ماش في ذلك الزقاق وإذا بعجوز ماشية وفي إحدى يديها شمعة مضيئة وفي يدها الأخرى كتاب ملفوف فتقدمت إليها وهي باكية العين وتنشد هذين البيتين:
له در مباشري لقدومكـم فلقد أتى بلطائف المسموع
لو كان يقنع بالخليع وهبته قلباً تمزق ساعة التـوديع
فلما رأتني قالت لي: يا ولدي هل تعرف أن تقرأ؟ فقلت لها: نعم يا خالتي العجوز فقالت لي: خذ هذا الكتاب واقرأه وناولتني إياه فأخذته منها وفتحته وقرأت مضمونه إنه كتاب من عند الغياب بالسلام على الأحباب فلما سمعته فرحت واستبشرت ودعت لي وقالت: فرج الله همك كما فرجت همي، ثم أخذت الكتاب ومشت خطوتين وغلبني حصر البول فقعدت في مكان لأريق الماء ثم إني قمت وتجمرت وأرخيت أثوابي واردت أن أمشي وإذا بالعجوز قد أقبلت علي وقبلت يدي وقالت: يا مولاي الله تعالى يهنيك بشبابك ولا يفضحك أترجاك أن تمشي معي خطوات إلى ذلك الباب فإني أخبرتهم بما أسمعتني إياه من قراءة الكتاب فلم يصدقون فامش معي خطوتين واقرأ لهم الكتاب من خلف الباب واقبل دعائي لك فقلت لها: وما قصة هذا الكتاب؟ فقالت لي: يا ولدي هذا الكتاب جاء من عند ولدي وهو غائب عني مدة عشرة سنين فإنه سافر بمتجر ومكث في الغربة تلك المدة فقطعنا الرجاء منه وظننا أنه مات ثم وصل إلينا منه هذا الكتاب وله أخت تبكي عليه في مدة غيابه آناء الليل وأطراف النهار.
فقلت لها: إنه طيب بخير فلم تصدقني وقالت لي: لا بد أن تأتيني بمن يقرأ هذا الكتاب فيخبرني حتى يطمئن قلبي ويطيب خاطري وأنت تعلم يا ولدي أن المحب مولع بسوء الظن فأنعم علي بقراءة هذا الكتاب وأنت واقف خلف الستارة وأخته تسمع من داخل الباب لأجل أن يحصل لك ثواب من قضى لمسلم حاجة نفس عنه كربة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مكروب كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه اثنتين وسبعين كربة من كرب يوم القيامة وأنا قصدتك فلا تخيبني فقلت لها: سمعاً وطاعة وتقدمت فمشت قدامي ومشيت خلفها قليلاً حتى وصلت إلى باب دار عظيمة وذلك الباب مصفح بالنحاس الأحمر فوقفت خلف الباب وصاحت العجوز بالعجمية فما أشعر إلا وصبية قد أقبلت بخفة ونشاط فلما رأتني قالت بلسان فصيح عذب: ما سمعت أحلى منه يا أمي أهذا الذي جاء يقرأ الكتاب؟ فقالت لها: نعم فمدت يدها إلي بالكتاب وكان بينها وبين الباب نحو نصف قصبة فمددت يدي لأتناول الكتاب وأدخلت رأسي وأكتافي من الباب لأقرب فما أدري إلا والعجوز قد وضعت رأسها في ظهر ويدي ماسكة الباب فالتفت فرأيت نفسي في وسط الدار من داخل الدهليز ودخلت العجوز أسرع من البرق الخاطف ولم يكن لها شغل إلا قفل الباب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:51 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: إن الصبية لما رأتني من داخل الباب بالدهليز أقبلت علي وضمتني إلى صدرها ثم قالت لي: يا عزيزي أي الحالتين أحب إليك: الموت أم الحياة؟ فقلت لها: الحياة فقالت: إذا كانت الحياة أحب إليك فتزوج بي فقلت: أنا أكره أن أتزوج يمثلك فقالت لي: إن تزوجت بي تسلم من بنت الدليلة المحتالة فقلت لها: ومن الدليلة المحتالة؟ فضحكت وقالت: كيف لا تعرفها وأنت لك في صحبتها اليوم سنة وأربعة شهور أهلكها الله تعالى، والله ما يوجد أمكر منها، وكم شخصاً قتلت قبلك وكم عملة وكيف سلمت منها ولم تقتلك أو تشوش عليك ولك في صحبتها هذه المدة؟ فلما سمعت كلامها تعجبت غاية العجب، فقلت لها: يا سيدتي ومن عرفك بها؟ فقالت: أنا أعرفها مثل ما يعرف الزمان مصائبه لكن قصدي أن تحكي لي جميع ما وقع لك منها حتى أعرف ما سبب سلامتك منها، فحكيت لها جميع ما جرى لي معها ومع ابنة عمي عزيزة وقالت: عوضك الله فيها خيراً يا عزيز فإنها هي سبب سلامتك من بنت الدليلة المحتالة، ولولاها لكنت هلكت وأنا خائفة عليك من مكرها وشرها ولكن ما أقدر أن أتكلم فقلت لها: والله إن ذلك كله قد حصل فهزت رأسها وقالت: لا يوجد اليوم مثل عزيزة فقلت: وعند موتها أوصتني أن أقول هاتين الكلمتين لا غير وهما: الوفاء مليح والغدر قبيح.
فلما سمعت ذلك مني، قالت: يا عزيز والله إن هاتين الكلمتين هما اللتان خلصتاك منها وبسببهما ما قتلتك فقد خلصتك بنت عمك حية وميتة والله إني كنت أتمنى الاجتماع بك ولو يوماً واحداً فلم أقدر على ذلك إلا في هذا الوقت حتى تحيلت عليك بهذه الحيلة وقد تمت وأنت الآن صغير لا تعرف مكر النساء ولا دواهي العجائز فقلت: لا والله فقالت لي: طب نفساً وقر عيناً فإن الميت مرحوم والحي ملطوف وأنت شاب مليح وأنا ما أريدك إلا بسنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومهما أردت من مال وقماش يحضر لك سريعاً ولا أكلفك بشيء أبداً وأيضاً عندي دائماً الخبز مخبوزاً والماء في الكوز وما أريد منك إلا أن تعمل معي كما يعمل الديك فقلت لها: وما الذي يعمله الديك؟ فضحكت وصفقت بيدها ووقعت على قفاها من شدة الضحك، ثم إنها قعدت وقالت لي: أما تعرف صنعة الديك؟ فقلت لها: والله ما أعرف صنعة الديك قالت: صنعة الديك أن تأكل وتشرب وتنكح فخجلت أنا من كلامها ثم إني قلت: هذه صنعة الديك؟ قالت نعم وما أريدك إلا أن تشد وسطك وتقوي عزمك وتنكح ثم إنها صفقت بيدها وقالت: يا أمي أحضري من عندك وإذا بالعجوز قد أقبلت بأربعة شهود عدول ثم إنها أوقدت أربع شمعات فلما دخل الشهود سلموا علي وجلسوا فقامت الصبية وأرخت عليها إزاراً ووكلت بعضهم في ولاية عقدها وقد كتبوا الكتاب وأشهدت على نفسها أنها قبضت جميع المهر مقدماً ومؤخراً وأن في ذمتها إلي عشرة آلاف درهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:52 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ثم إنها أعطت الشهود أجرتهم وانصرفوا من حيث أتوا فعند ذلك قامت الصبية وقلعت أثوابها وأتت في قميص رفيق مطرز بطراز من الذهب وقلعت لباسها وأخذت بيدي وطلعت بي فوق السرير وقالت لي: ما الحلال من عيب ووقعت على السرير وانسطحت على ظهرها ورمتني على بطنها ثم شهقت شهقة وأتبعت الشهقة بغنجة ثم كشفت الثوب حتى جعلته فوق نهديها فلما رأيتها على تلك الحالة لم أتمالك نفسي دون أن أولجته فيها بعد أن مصصت شفتها وهي تتأوه وتظهر الخشوع والخضوع والبكاء والدموع وأذكرتني في هذا الحال قول من قال:
ولما كشفت الثوب عن سطح فرجها وجدت به ضيقاً كخلقي وأرزاقـي
فأولجت فيها نصفه فـتـنـهـدت فقلت لماذا فقالت على الـبـاقـي
ثم قالت: يا حبيبي أعمل خلاصك فأنا جاريتك خذه هاته كله بحياتي عندك هاته حتى أدخله بيدي وأريح فؤادي ولم تزل تسمعني الغنج والشهيق في خلال البوس والتعنيق، حتى صار صياحنا في الطريق وحظينا بالسعادة والتوفيق ثم نمنا إلى الصباح وأردت أن أخرج وإذا هي أقبلت علي ضاحكة وقالت: هل تحسب أن دخول الحمام مثل خروجه وما أظن إلا أنك تحسبني مثل بنت الدليلة المحتالة إياك وهذا الظن فما أنت إلا زوجي بالكتاب والسنة وإن كنت سكران فأفق لعقلك إن هذه الدار التي أنت فيها لا تفتح إلا في كل سنة يوم قم إلى الباب الكبير وانظره فقمت إلى الباب الكبير فوجدته مغلقاً مسمراً، فقالت: يا عزيز إن عندنا من الدقيق والحبوب والفواكه والرمان والسكر واللحم والغنم والدجاج وغير ذلك ما يكفينا أعواماً عديدة ولا يفتح بابنا من هذه الليلة إلا بعد سنة فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت: وأي شيء يضرك وأنت تعرف صنعة الديك التي أخبرتك بها؟ ثم ضحكت فضحكت أنا وطاوعتها فما قالت ومكثت عندها وأنا أعمل صنعة الديك آكل واشرب وأنكح حتى مر علينا عام إثني عشر شهراً. فلما كملت السنة حملت مني ورزقت منها ولداً وعند رأس السنة سمعت فتح الباب، وإذا بالرجال دخلوا بكعك ودقيق وسكر فأردت أن أخرج فقالت: اصبر إلى وقت العشاء ومثلما دخلت فأخرج فصبرت إلى وقت العشاء وأردت أن أخرج وأنا خائف مرجوف وإذا هي قالت: والله ما أدعك تخرج حتى أحلفك أنك تعود في هذه الليلة، قبل أن يغلق الباب فأجبتها إلى ذلك وحلفتني بالإيمان الوثيقة على السيف والمصحف والطلاق أني أعود إليها ثم خرجت من عندها ومضيت إلى البستان فوجدته مفتوحاً كعادته فاغتظت وقلت في نفسي: إني غائب عن هذا المكان سنة كاملة وجئت على غفلة فوجدته مفتوحاً يا ترى هل الصبية باقية على حالها أولا فلا بد أن أدخل وأنظر قبل أن أروح إلى أمي وأنا في وقت العشاء ثم دخلت البستان وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:53 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن عزيز قال لتاج الملوك: ثم دخلت البستان ومشيت حتى أتيت المقعد فوجدت بنت دليلة المحتالة جالسة ورأسها على ركبتها ويدها على خدها وقد تغير لونها وغارت عيناها فلما رأتني قالت: الحمد لله على السلامة وهمت أن تقوم فوقعت من فرحتها فاستحييت منها، وطأطأت رأسي.
ثم تقدمت إليها وقبلتها وقلت له: كيف عرفت أني أجيء إليك في هذه الساعة؟ قالت: لا علم لي بذلك والله إن لي سنة لم أذق فيها نوماً بل أسهر كل ليلة في انتظار، وأنا على هذه الحالة من يوم خرجت من عندي وأعطيتك البدلة القماش الجديدة ووعدتني أنك تجيء إلي وقد انتظرتك فما أتيت لا أول ليلة ولا ثاني ليلة ولا ثالث ليلة فاستمريت منتظرة لمجيئك والعاشق هكذا يكون وأريد أن تحكي لي ما سبب غيابك عني هذه السنة؟ فحكيت لها.
فلما علمت أني تزوجت اصفر لونها ثم قلت لها: إني أتيتك هذه الليلة وأروح قبل الصباح فقالت: أما كفاها أنها تزوجت بك وعملت عليك حيلة وحبستك عندها سنة كاملة حتى حلفتك بالطلاق أن تعود إليها قبل الصباح ولم تسمح لك بأن تتفسح عند أمك ولا عندي ولم يهن عليها أن تبيت عند أحدنا ليلة واحدة فكيف حال من غبت عنها سنة كاملة وقد عرفتك قبلها؟ ولكن رحم الله عزيزة فإنها جرى لها ما لم يجر لأحد وصبرت على شيء لم يصبر عليه مثلها وماتت مقهورة منك وهي التي حمتك مني، وكنت أظنك تجيء فأطلقت سبيلك مع أني كنت أقدر على حبسك وعلى هلاكك، ثم بكت واغتاظت ونظرت إلي بعين الغضب.
فلما رأيتها على تلك الحالة ارتعدت فرائصي وخفت منها وصرت مثل الفولة على النار ثم قالت لي: ما بقي فيك فائد بعدما تزوجت وصار لك ولد فأنت لا تصلح لعشرتي لأنه لا ينفعني إلا الأعزب وأما الرجل المتزوج فإنه لا ينفعني وقد بعتني بتلك العاهرة والله لأحسرّنها عليك وتصير لي ولا لها ثم صاحت فما أدري إلا وعشر جوار أتين ورمينني على الأرض فلما وقعت تحت أيديهن قامت هي وأخذت سكيناً وقالت: لأذبحنك ذبح التيوس ويكون هذا أقل جزائك على ما فعلت مع ابنة عمك فلما نظرت إلى روحي وأنا تحت جواريها وتعفر خدي بالتراب ورأيت السكين في يدها تحققت الموت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:54 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك: ثم استغثت بها فلم تزدد إلا قسوة وأمرتهن أن يكتفنني فكتفنني ورمينني على ظهري وجلسن على بطني وأمسكن رأسي، وقامت جاريتان فأمرتهما أن يضرباني فضرباني حتى أغمي علي وخفي صوتي فلما استفقت قلت في نفسي: إن موتي مذبوحاً أهون علي من هذا الضرب، وتذكرت كلمة ابنة عمي حيث قالت: كفاك الله شرها، فصرخت وبكيت حتى انقطع صوتي ثم سنت السكين وقال للجواري: اكشفن عنه، فألهمني الله أن أقول الكلمتين اللتين أوصتني بهما ابنة عمي وهما: الوفاء مليح والغدر قبيح فلما سمعت ذلك صاحت وقالت: رحمك الله يا عزيزة سلامة شبابك، نفعت ابن عمك في حياتك وبعد موتك ثم قالت لي: والله إنك خلصت من يدي بواسطة هاتين الكلمتين لكن لا بد أن أعمل فيك أثراً لأجل نكاية تلك العاهرة التي حجبتك عني، ثم صاحت علي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد المئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عزيز قال: وصاحت على الجواري وقالت لهن: اركبن عليه، وأمرتهن أن يربطن رجلي بالحبال ففعلن ذلك، ثم قامت من عندي وركبت طاجناً من نحاس على النار وصبت فيه سيرجاً وقلت فيه جبناً وأنا غائب عن الدنيا ثم جاءت عندي وحلت لباسي وربطت محاشمي وناولته الجاريتين، وقالت لهما: جروا الحبل فجرتاه فصرت من شدة الألم في دنيا غير هذه الدنيا.
ثم رفعت يدها وقطعت ذكري بموس وبقيت مثل المرأة ثم كوت موضع القطع وكبسته بذرور وأنا مغمى علي.
فلما أفقت كان الدم قد انقطع فأسقتني قدحاً من الشراب ثم قالت لي: رح الآن لمن تزوجت بها وبخلت علي بليلة واحدة رحم الله ابنة عمك التي هي سبب نجاتك ولولا أنك أسمعتني كلمتيها لكنت ذبحتك فاذهب في هذه الساعة لمن تشتهي، وأنا ما كان لي عندك سوى ما قطعته والآن ما بقي لي فيك رغبة ولا حاجة لي بك فقم وملس على رأسك وترحم على ابنة عمك، ثم رفستني برجلها فقمت وما قدرت أن أمشي فتمشيت قليلاً قليلاً، حتى وصلت إلى الباب فوجدته مفتوحاً فرميت نفسي فيه وأنا غائب عن الوجود وإذا بزوجتي خرجت وحملتني وأدخلتني القاعة فوجدتني مثل المرأة فنمت واستغرقت في النوم فلما صحوت وجدت نفسي مرمياً على باب البستان، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:56 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندن قال للملك ضوء المكان: ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك: فلما صحوت وجدت نفسي مرمياً على باب البستان فقمت وأنا أتضجر وتمشيت حتى أتيت إلى منزلي فدخلت فيه فوجدت أمي تبكي علي وتقول: يا هل ترى يا ولدي أنت في أي أرض؟ فدنوت منها ورميت نفسي عليها فلما نظرت إلي ورأتني وجدتني على غير استواء وصار على وجهي الاصفرار والسواد، ثم تذكرت ابنة عمي وما فعلت معي من المعروف وتحققت أنها كانت تحبني فبكيت عليها وبكت أمي، ثم قالت إلي: ولدي إن والدك قد مات فازددت غيظاً وبكيت حتى أغمي علي.
فلما أفقت نظرت إلى موضع ابنة عمي التي كانت تقعد فيه فبكيت ثانياً حتى أغمي علي من شدة البكاء وما زلت في بكاء ونحيب إلى نصف الليل فقالت لي أمي: إن لوالدك عشرة أيام وهو ميت فقلت لها: أنا لا أفكر في أحد أبداً غير ابنة عمي لأني أستحق ما حصل لي حيث هملتها وهي تحبني فقالت: وما حصل لك؟ فحكيت لها ما حصل لي فبكت ساعة، ثم قامت وأحضرت لي شيئاً من المأكول فأكلت قليلاً وشربت وأعدت لها قصتي، وأخبرتها جميع ما وقع لي فقالت: الحمد لله حيث جرى لك هذا وما ذبحتك ثم إنها عالجتني وداوتني حتى برت وتكاملت عافيتي فقال لي: يا ولدي الآن أخرج لك الوديعة التي أودعتها ابنة عمك عندي فإنها لك وقد حلفتني أني لا أخرجها لك حتى أراك تتذكرها وتحزن عليها وتقطع علائقك من غيرها والآن رجوت فيك هذه الخصال ثم قامت وفتحت صندوقاً وأخرجت منه هذه الخرقة التي فيها صورة هذا الغزال وهي التي وهبتها لها أولاً فلما أخذتها وجدت مكتوباً فيها هذه الأبيات:
أقمتم عيوني في الهوى وأقعدتم وأسجرتموا جفني القريح ونمتم
وقد حلمتوا بين الفؤاد وناظـري فلا القلب يسلوكم ولو ذاب منكم
وعاهدتموني أنكم كاتموا الهوى فأغراكم الواشي وقال وقلتـم
فبالله إخواني إذا مت فاكتبـوا على لوح قبري إن هذا متـيم
فلما قرأت هذه الأبيات بكيت بكاء شديداً ولطمت على وجهي وفتحت الرقعة فوقعت منها ورقة أخرى ففتحتها فإذا مكتوب فيها: اعلم يا ابن عمي أني جعلتك في حل من دمي وأرجو الله أن يوفق بينك وبين من تحب ولكن إذا أصابك شيء من دليلة المحتالة فلا ترجع إليها ولا لغيرها وبعد ذلك فاصبر على بليتك ولولا أجلك المحتم لهلكت من الزمان الماضي ولكن الحمد لله الذي جعل يومي قبل يومك وسلامي عليك واحتفظ على هذه الخرقة التي فيها صورة الغزال ولا تفرط فيها فإن تلك الصورة كانت تؤانسني إذا غبت عني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 06:58 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك: إن ابنة عمي قالت لي: إن قدرت على من صورت هذه الصورة ينبغي أنك تتباعد عنها ولا تخلها تقرب منك، ولا تتزوج بها وإن لم تقدر عليها ولا تجد لك إليها سبيلاً فلا تقرب واحدة من النساء بعد واعلم أن التي صورت هذه الصورة تصور في كل سنة صورة مثلها وترسلها إلي إلى أقصى البلاد لأجل أن يشيع خبرها وحسن صنعتها التي يعجز عنها أهل الأرض وأما محبوبتك الدليلة المحتالة، فإنها لما وصلت إليها هذه الخرقة التي فيها صورة الغزال صارت تريها للناس وتقول لهم: إن لي أختاً تصنع هذا مع أنها كاذبة في قولها هتك الله سترها وما أوصيتك بهذه الوصية إلا لأنني أعلم أن الدنيا قد تضيق عليك بعد موتي وربما تتغرب بسبب ذلك وتطوف البلاد وتسمت بصاحبة هذه الصورة فتتشوق نفسك إلى معرفتها واعلم أن الصبية التي صورت هذه الصورة بنت ملك جزائر الكافور.
فلما قرأت تلك الورقة وفهمت ما فيها بكيت وبكت أمي لبكائي وما زلت أنظر إليها وأبكي إلى أن اقبل الليل ولم أزل على تلك الحالة مدة سنة وبعد السنة تجهز تجار من مدينتي إلى السفر وهم هؤلاء الذين أنا معهم في القافلة فأشارت علي أمي أن أتجهز وأسافر معهم وقالت لي: لعل السفر يذهب ما بك من هذا الحزن وتغيب سنة أو سنتين أو ثلاثاً حتى تعود القافلة فلعل صدرك ينشرح وما زالت تلاطفني بالكلام حتى جهزت متجراً وسافرت معهم وأنا لم تنشف لي دمعة مدة سفري وفي كل منزلة ننزل بها أنشر هذه الخرقة قدامي وأنظر إلى هذه الصورة فأتذكر ابنة عمي وأبكي عليها كما تراني فإنها كانت تحبني محبة زائدة وقد ماتت مقهورة مني وما فعلت معها إلا الضرر مع أنها لم تفعل معي إلا الخير ومتى رجعت التجار من سفرهم أرجع معهم وتكمل مدة غيابي سنة وأنا في حزن زائد، وما زاد همي وحزني إلا لأني جزت علي جزائر الكافور وقلعة البلور وهي سبع جزائر والحاكم عليهم ملك يقال له شهرمان وله بنت يقال لها دنيا فقيل لي إنها هي التي تصور صورة الغزلان وهذه الصورة التي معك من جملة تصويرها.
فلما علمت ذلك زادت بي الأشواق وغرقت في بحر الفكر والاحتراق، فبكيت على روحي لأني بقيت مثل المرأة ولم تبق لي آلة مثل الرجال ولا حيلة لي ومن يوم فراقي لجزائر الكافور وأنا باكي العين حزين القلب ولي مدة على هذا الحال وما أدري هل يمكنني أن أرجع إلى بلدي وأموت عند والدتي أو لا وقد شبعت من الدنيا ثم بكى وأن واشتكى ونظر إلى صورة الغزال وجرى دمعه على خده وسال وأنشد هذين البيتين:
وقائل قال لـي لا بـد مـن فـرج فقلت للغيظ كم لا بد مـن فـرج
فقال لي بعد حين قلت يا عجـبـي من يضمن العمر لي يا بارد الحجج
وهذه حكايتي أيها الملك فلما سمع تاج الملوك قصة الشاب، تعجب غاية العجب وانطلقت من فؤاده النيران حين سمع بجمال السيدة دنيا، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=9#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:00 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: ثم إن تاج الملوك قال للشاب: والله لقد جرى لك شيء ما جرى لأحد مثله، ولكن هذا تقدير ربك وقصدي أن أسألك عن شيء فقال عزيز: وما هو؟ فقال: تصف لي كيف رأيت تلك الصبية التي صورت الغزال فقال: يا مولاي إني توصلت إليها بحيلة وهو أني لما دخلت مع القافلة إلى بلادها كنت أخرج وأدور في البساتين وهي كثيرة الأشجار، وحارس البساتين شيخ طاعن في السن فقلت له: لمن هذا البستان؟ فقال لي: لابنة الملك وتفرج في البستان فتشم رائحة الأزهار فقلت له: أنعم علي بأن أقعد في هذا حتى تمر علي أن أحظى منها بنظرة.
فقال الشيخ: لا بأس بذلك فلما قال ذلك أعطيته بعض الدراهم وقلت له: اشتر لنا شيئاً نأكله ففرح بأخذ الدراهم وفتح الباب وأدخلني معه وسرنا وما زلنا سائرين إلى أن وصلنا إلى مكان لطيف وأحضر لي شيئاً من الفواكه اللطيفة وقال لي: اجلس هنا حتى أذهب وأعود إليك وتركني ومضى فغاب ساعة ثم رجع ومعه خروف مشوي فأكلنا حتى اكتفينا وقلبي مشتاق إلى رؤية الصبية فبينما نحن جالسون وإذا بالباب قد انفتح، فقال لي: قم اختف واختفيت وإذا بطواشي أسود أخرج رأسه من الباب وقال: يا شيخ باب البستان وإذا بالسيدة دنيا طلعت من الباب فلما رأيتها ظننت أن القمر نزل في الأرض فاندهش عقلي وصرت مشتاق إليها كاشتياق الظمآن إلى الماء وبعد ساعة أغلقت الباب ومضت.
فعند ذلك خرجت أنا من البستان وقصدت منزلي وعرفت أني لا أصل إليها ولا أنا من رجالها خصوصاً وقد صرت مثل المرأة فقلت في نفسي: إن هذه ابنة الملك وأنا تاجر فمن أين لي أن اصل إليها فلما تجهز أصحابي للرحيل تجهزت أنا وسافرت معهم وهم قاصدون هذه المدينة، فلما وصلنا إلى هذا الطريق اجتمعنا بك وهذه حكايتي وما جرى لي والسلام.
فلما سمع تاج الملوك ذلك الكلام اشتغل قلبه بحب السيدة دنيا ثم ركب جواده وأخذ معه عزيز وتوجه به إلى مدينة أبيه وأفرد له داراً ووضع له فيها كل ما يحتاج إليه، ثم تركه ومضى ودموعه جارية على خدوده لأن السماع يحل محل النظر والاجتماع وما زال تاج الملوك على تلك الحالة، حتى دخل عليه أبوه فوجده متغير اللون فعلم أنه مهموم ومغموم فقال له: يا ولدي أخبرني عن حالك وما جرى لك حتى تغير لونك فأخبره بجميع ما جرى له من قصة دنيا من أولها إلى آخرها، وكيف عشقها على السماع ولم ينظرها بالعين، فقال: يا ولدي إن أباها ملك وبلاده بعيدة عنا، فدع عنك هذا وادخل قصر أمك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:00 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن والد تاج الملوك قال له: يا ولدي إن أباها ملك وبلاده بعيدة عنا فدع عنك هذا وادخل قصر أمك فإن فيه خمسمائة جارية كالأقمار فمن أعجبتك منهن فخذها وإن لم تعجبك منهن نخطب بنتاً من بنات الملوك تكون أحسن من السيدة دنيا فقال له: يا والدي لا أريد غيرها وهي التي صورت صورة الغزال التي رأيتها فلا بد منها وإلا أهجج في البراري واقتل روحي بسببها فقال له: يا ولدي أمهل علي حتى أرسل إلى أبيها وأخطبها منه وأبلغك المرام مثل ما فعلت لنفسي مع أمك وإن لم يرض زلزلت عليه مملكته وجردت عليه جيشاً يكون آخره عندي وأوله عنده، ثم دعا الشاب عزيز وقال: يا ولدي هل أنت تعرف الطريق؟ قال: نعم. قال له: أشتهي منك أن تسافر مع وزيري فقال له: سمعاً وطاعة. ثم جهز عزيز مع وزيره وأعطاهم الهدايا فسافروا أياماً وليالي إلى أن أشرفوا على جزائر الكافور فأقاموا على شاطئ نهر وأنفذ الوزير رسولاً من عنده إلى الملك ليخبره بقدومهم، وبعد ذهاب الرسول بنصف يوم لم يشعر إلا وحجاب الملك وأمراؤه قد أقبلوا عليهم ولاقوهم من مسيرة فرسخ فنقلوهم وساروا في خدمتهم إلى أن دخلوا بهم على الملك فقدموا له الهدايا وأقاموا عنده أربعة أيام وفي اليوم الخامس قام الوزير ودخل على الملك ووقف بين يديه وحدثه بحديثه وأخبره بسبب مجيئه فصار الملك متحيراً في رد الجواب لأن ابنته لا تحب الزواج وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلى بعض الخدام وقال له: اذهب إلى سيدتك دنيا وأخبرها بما سمعت وبما جاء به هذا الوزير، فقام الخادم وغاب ساعة ثم عاد إلى الملك وقال له: يا ملك الزمان لما دخلت على السيدة دنيا أخبرتها بما سمعت فغضبت غضباً شديداً، ونهضت علي بمسوقة وأرادت كسر رأسي ففررت منها هارباً وقالت لي: إن كان يغضبني على الزواج فالذي أتزوج به أقتله فقال أبوها للوزير وعزيز سلما على الملك وأخبراه بذلك وإن ابنتي لا تحب الزواج. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:02 PM
بلغني أيها الملك السعيد عند ذلك رجع الوزير ومن معه من غير فائدة وما زالوا مسافرين إلى أن دخلوا على الملك وأخبروه، فعند ذلك أمر النقباء أن ينبهوا العسكر إلى السفر من أجل الحرب والجهاد فقال له الوزير: لا تفعل ذلك فإن الملك لا ذنب له وإنما الامتناع من ابنته فإنها حين علمت بذلك أرسلت تقول: إن غصبني على الزواج أقتل من أتزوج به وأقتل نفسي بعده، فلما سمع الملك كلام الوزير خاف على ولده تاج الملوك وقال: إن حاربت أباها وظفرت بابنته قتلت نفسها ثم إن الملك أعلم ابنه تاج الملوك بحقيقة الأمر فلما علم بذلك قال لأبيه: يا والدي أنا لا أطيق الصبر عنها فأنا أروح إليها وأتسبب في اتصالي بها ولو أموت ولا أفعل غير هذا فقال له أبوه: وكيف تروح؟ فقال: أروح في صفة تاجر فقال الملك: إن كان ولا بد فخذ معك الوزير وعزيز، ثم إنه أخرج شيئاً من خزانته وهيأ له متجراً بمائة ألف دينار واتفقا معه على ذلك.
فلما جاء الليل ذهب تاج الملوك وعزيز إلى منزل الوزير وباتا هناك تلك الليلة وصار تاج الملوك مسلوب الفؤاد ولم يطب له أكل ولا رقاد بل هجمت عليه الأفكار وغرق منها في بحار وهزه الشوق إلى محبوبته فأفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين:
ترى هل لنا بعد البعاد وصول فأشكو إليكم صبوتي وأقـول
تذكرتكم والليل ناء صباحـه وأسهرتموني والأنام غفـول
فلما فرغ من شعره بكى بكاء شديداً وبكا معه عزيز وتذكر ابنة عمه وما زالا يبكيان إلى أن أصبح الصباح ثم قام تاج الملوك ودخل على والدته وهو لابس أهبة السفر فسألته عن حاله فأخبرها بحقيقة الأمر فأعطته خمسين ألف دينار ثم ودعته وخرج من عندها ودعت له بالسلامة والاجتماع بالأحباب ثم دخل على والده واستأذنه أن يرحل فأذن له وأعطاه خمسين ألف دينار وأمر أن تضرب له خيمة وأقاموا فيها يومين ثم سافروا واستأنس تاج الملوك بعزيز وقال له: يا أخي أنا ما بقيت أطيق أن أفارقك فقال عزيز: وأنا الآخر كذلك وأحب أن أموت تحت رجليك ولكن يا أخي قلبي اشتغل بوالدتي، فقال له تاج الملوك: لما نبلغ المرام لا يكون إلا خيراً. وكان الوزير قد وصى تاج الملوك باصطبار وصار عزيز ينشد له الأشعار ويحدثه بالتواريخ والأخبار ولم يزالوا سائرين بالليل والنهار مدة شهرين فطالت الطريق على تاج الملوك واشتد عليه الغرام وزاد به الوجد والهيام، فلما قربوا من المدينة فرح تاج الملوك غاية الفرح وزال عنه الهم والترح ثم دخلوها وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى سوق البر. فلما رأى التجار تاج الملوك وشاهدوا حسنه وجماله تحيرت عقولهم وصاروا يقولون: هل رضوان فتح أبواب الجنان وسها عنها فخرج هذا الشاب البديع الحسن، وبعضهم يقول: لعل هذا من الملائكة، فلما دخلوا عند التجار سألوا عن دكان شيخ السوق فدلوهم عليه فتوجهوا إليه فلما قربوا قام إليهم هو ومن معه من التجار وعظموهم خصوصاً الوزير الأجل فإنهم رأوه رجلاً كبيراً مهاباً ومعه تاج الملوك وعزيز فقال التجار لبعضهم: لا شك أن هذا الشيخ والد هذين الغلامين فقال الوزير: من شيخ فيكم؟ فقالوا ها هو فنظر إليه الوزير وتأمله فرآه رجلاً كبيراً صاحب هيبة ووقار وخدم وغلمان، ثم إن شيخ السوق حياهم تحية الأحباب وبالغ في إكرامهم وأجلسهم جنبه وقال لهم: هل لكم حاجة نفوز بقضائها؟ فقال الوزير: نعم إني رجل كبير طاعن في السن ومعي هذان الغلمان وسافرت بهما سائر الأقاليم والبلاد وما دخلت بلدة إلا أقمت بها سنة كاملة حتى يتفرجا عليها ويعرفها أهلها وإني قد أتيت بلدكم هذه واخترت المقام فيها وأشتهي منك دكاناً تكون من أحسن المواضع حتى أجلسهما فيها ليتاجرا أو يتفرجا على هذه المدينة ويتخلقا بأخلاق أهلها ويتعلما البيع والشراء والأخذ والعطاء، فقال شيخ السوق: لا بأس بذلك.
ثم نظر إلى الولدين وفرح بهما وأحبهما حباً زائداً وكان شيخ السوق مغرماً بفاتك اللحظات عليه حب البنين على البنات ويميل إلى الحموضة فقال في نفسه: سبحان خالقهما ومصورهما من ماء مهين، ثم قام واقفاً في خدمتهما كالغلام بين أيديهما، بعد ذلك سعى وهيأ لهما الدكان وكانت في وسط السوق ولم يكن أكبر منها ولا أوجه منها عندهم لأنها كانت متسعة مزخرفة فيها رفوف من عاج وأبنوس، ثم سلم المفاتيح للوزير وهو في صفة تاجر وقال: جعلها الله مباركة على ولديك فلما أخذ الوزير مفاتيح الدكان توجه إليها والغلمان ووضعوا فيها أمتعتهم وأمر غلمانهم أن ينقلوا إليها جميع ما عندهم من البضائع والقماش، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:03 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير لما أمر غلمانه أن ينقلوا البضائع والقماش وكان ذلك يساوي خزائن مال فنقلوا جميع ذلك إلى الدكان وباتوا تلك الليلة فلما أصبح الصباح أخذهما الوزير ودخل بهما الحمام فلما دخلوا الحمام تنظفوا وأخذوا غاية حظهم، وكان كل من الغلامين ذا جمال باهر فصارا في الحمام على قول الشاعر:
بشرى لقـيتـه إذ لامـسـت يده
جسماً تولد بين المـاء والـنـور
ما زال يظفر لطفاً من صناعتـه
حتى جنى المسك من تمثال كافور
ثم خرجا من الحمام وكان شيخ السوق لما سمع بدخولهما الحمام قعد في انتظارهما وإذا بهما قد أقبلا وهما كالغزالين وقد احمرت خدودهما واسودت عيونهما ولمعت أبدانهما حتى كأنهما غصنان مثمران أو قمران زاهيان فقال لهما: يا أولادي حمامكم نعيم دائم فقال تاج الملوك بأعذب كلام ليتك كنت معنا، ثم إن الاثنين قبلا يديه ومشيا قدامه حتى وصلا إلى الدكان تعظيماً له لأنه كبير السوق وقد أحسن إليهما بإعطائهما الدكان، فلما رأى أردافهما في ارتجاج زاد به الوجد وهاج وشخر ونخر ولم يبق مصطبراً فأحدق بهما العينين وأنشد هذين البيتين:
<
يطالع القلب باب الاختصاص به
وليس يقرأ فيه مبحث الشركه
لا غرو في كونه يرتج من قول
فكم لذا الفلك الدوار من حركه
فلما سمعا هذا الشعر أقسما عليه أن يدخل الحمام ثانياً وكانا قد تركا الوزير داخل الحمام فلما دخل شيخ السوق إلى الحمام ثاني مرة سمع الوزير بدخوله فخرج إليه من الخلوة واجتمع به في وسط الحمام وعزم عليه فامتنع فأمسك بإحدى يديه تاج الملوك وبيده الأخرى عزيز ودخلا به أخرى فانقاد لهما الشيخ الخبيث فحلف تاج الملوك أن لا يحميه غيره وحلف عزيز أن لا يصب عليه الماء غيره فقال له الوزير: إنهما أولادك فقال شيخ السوق أبقاهما الله لك لقد حلت في مدينتنا البركة والسعود بقدومكم وقدوم أتباعكم، ثم أنشد هذين البيتين:
أقبلت فاخضرت لدينا الربا
وقد زهت بالزهر للمجتلى
ونادت الأرض ومن فوقها
أهلاً وسهلاً بك من مقبل
فشكروه على ذلك، ومازال تاج الملوك يحميه وعزيز يصب عليه الماء وهو يظن روحه في الجنة حتى أتما خدمته فدعا لهما وجلس جنب الوزير على أنه يتحدث معه ولكن معظم قصده النظر إلى تاج الملوك وعزيز، ثم بعد ذلك جاء لهم الغلمان بالمناشف فتنشفوا ولبسوا حوائجهم ثم خرجوا من الحمام فأقبل الوزير على شيخ السوق وقال له يا سيدي إن الحمام نعيم الدنيا فقال شيخ السوق: جعله الله لك ولأولادك عافية وكفاهما الله شر العين، فهل تحفظون شيئاً مما قاله البلغاء في الحمام فقال تاج الملوك: أنا أنشد لك بيتين وهما:
إن عيش الحمام أطيب عيش
غير أن المقام فيه قـلـيل
جنة تكره الإقـامة فـيهـا
وجحيم يهيب فيها الدخـول
فلما فرغ تاج الملوك من شعره قال عزيز وأنا أحفظ في الحمام شيئاً، فقال شيخ السوق أسمعني إياه فأنشد هذين البيتين:
وبيت له من جامد الصخر أزهار
أنيق إذا أضرمت حوله الـنـار
تراه جحيماً وهو في الحق جـنة
وأكثر ما فيها شموس وأقمـار
فلما فرغ عزيز من شعره تعجب شيخ السوق من شعرهما وفصاحتهما وقال لهما: والله لقد حزتما الفصاحة والملاحة فاسمعا أنتما مني، ثم أطرب بالنغمات وأنشد الأبيات:
يا حسن نار والنعيم عذابـهـا
تحيا بهـا الأرواح والأبـدان
فأعجبت لبيت لا يزال نعيمـه
غضاً وتوقد تحته الـنـيران
عيش السرور إن ألم به وقـد
سفحت عليه دموعها الغدران
فلما سمعوا ذلك تعجبوا من هذه الأبيات، ثم إن شيخ السوق عزم عليهم فامتنعوا ومضوا إلى منزلهم ليستريحوا من تعب الحمام، ثم أكلوا وشربوا وباتوا تلك الليلة في منزلهم. في أتم ما يكون من الحظ والسرور فلما أصبح الصباح قاموا من نومهم وتوضأوا وواصلوا فرضهم وأصبحوا، ولما طلع النهار وفتحت الدكاكين والأسواق خرجوا من المنزل وتوجهوا إلى السوق وفتحوا الدكان وكان الغلمان قد هيأوها أحسن هيئة وفرشوها بالبساط الحرير ووضعوا فيها مرتبتين كل واحدة منهما تساوي مائة دينار وجعلوا فوق كل مرتبة نطفاً ملوكياً دائره من الذهب.
فجلس تاج الملوك على مرتبة وجلس عزيز على الأخرى والوزير في وسط الدكان ووقف الغلمان بين أيديهم وتسامعت بهم الناس فازدحموا عليهم وباعوا بعض أقمشتهم وشاع ذكر تاج الملوك في المدينة واشتهر فيها خبر حسنه وجماله ثم أقاموا على ذلك أياماً وفي كل يوم تهرع الناس إليهم فأقبل الوزير على تاج الملوك وأوصاه بكتمان أمره وأوصى عليه عزيز ومضى إلى الدار ليدير أمراً يعود نفعه عليهم وصار تاج الملوك وعزيز يتحدثان وصار تاج الملوك يقول عسى أن يجيء أحد من عند السيدة دنيا ومازال تاج الملوك على ذلك أياماً وليالي وهو لا ينام وقد تمكن منه الغرام وزاد به النحول والأسقام حتى حرم لذيذ المنام وامتنع عن الشراب ولطعام وكان كالبدر في تمامه فبينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:04 PM
بلغني أيها الملك السعيد بينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه وتقدمت إليه وخلفها جاريتان وما زالت ماشية حتى وقفت على دكان تاج الملوك فرأت قده واعتداله وحسنه وجماله فتعجبت من ملاحته ورشحت في سراويلها، ثم قالت: سبحان من خلقك من ماء مهين سبحان من جعلك فتنة للعالمين ولم تزل تتأمل فيه وتقول: ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم ثم دنت منه وسلمت عليه فرد عليها السلام وقام لها واقفاً على الأقدام وابتسم في وجهها هذا كله بإشارة عزيز ثم أجلسها إلى جانبه وصار يروح عليها إلى أن استراحت، ثم إن العجوز قالت لتاج الملوك: يا ولدي يا كامل الأوصاف والمعاني هل أنت من هذه الديار؟ فقال تاج الملوك بكلام فصيح عذب مليح: والله يا سيدتي عمر ما دخلت هذه الديار إلا هذه المرة ولا أقمت فيها إلا على سبيل الفرجة فقالت: لك الإكرام من قادم على الرحب والسعة ما الذي جئت به معك من القماش فأرني شيئاً مليحاً فإن المليح لا يحمل إلا المليح.
فلما سمع تاج الملوك كلامها خفق قلبه ولم يفهم معنى كلامها، فغمزه عزيز بالإشارة فقال لها تاج الملوك: عندي كل ما تشتهين من الشيء الذي لا يصلح إلا للملوك وبنات الملوك فلمن تريدين حتى اقلب عليك ما يصلح لأربابه وأراد بذلك الكلام أن يفهم معنى كلامها فقالت له: أريد قماشاً يصلح للسيدة دنيا بنت الملك شهرمان. فلما سمع تاج الملوك ذكر محبوبته فرح فرحاً شديداً وقال لعزيز: ائتني بأفخر ما عندك من البضاعة فأتاه عزيز ببقجة وحلها بين يديه. فقال لها تاج الملوك: اختاري ما يصلح لها فإن هذا الشيء لا يوجد عند غيري فاختارت العجوز شيئاً يساوي ألف دينار وقالت: بكم هذا؟ وصارت تحك بين أفخاذها بكلية يدها فقال لها: وهل أساوم مثلك فيه ذا الشيء الحقير الحمد لله الذي عرفني بك فقالت له العجوز: أعوذ وجهك المليح برب الفلق، إن وجهك مليح وفعلك مليح هنيئاً لمن تنام في حضنك وتضم قوامك الرجيح وتحظى بوجهك الصبيح وخصوصاً إذا كانت صاحبة حسن مثلك. فضحك تاج الملوك حتى استلقى على قفاه ثم قال: يا قاضي الحاجات على أيدي العجائز الفاجرات، فقالت: يا ولدي ما الاسم؟ قال: اسمي تاج الملوك فقالت: إن هذا الاسم من أسماء الملوك ولكنك في زي التجار. فقال لها عزيز: من محبته عند أهله ومعزته عليهم سموه بهذا الاسم. فقالت العجوز: صدقت كفاكم الله شر الحساد ولو فتئت بمحاسنكم الأكباد. ثم أخذت القماش ومضت وهي باهتة من حسنه وجماله وقده واعتداله، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا وقالت لها: يا سيدتي جئت لك بقماش مليح فقالت لها: يا سيدتي ها هو فقبليه وانظريه. فلما رأته السيدة دنيا قالت لها: يا دادتي إن هذا قماش مليح ما رأيته في مدينتنا فقالت العجوز: يا سيدتي إن بائعه أحسن منه كأن رضوان فتح أبواب الجنان وسها فخرج منها التاجر الذي يبيع هذا القماش، وأنا أشتهي في هذه الليلة أن يكون عندك وينام بين نهودك، فإنه فتنة لمن يراه وقد جاء مدينتنا بهذه الأقمشة لأجل الفرجة، فضحكت السيدة دنيا من كلام العجوز وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:06 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة دنيا حين ضحكت من كلام العجوز وقالت: أخزاك الله يا عجوز النحس إنك خرفت ولم يبق لك عقل ثم قالت: هات القماش حتى أبصره جيداً فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله فقالت لها العجوز: يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون على وجه الأرض فقالت لها السيدة دنيا: هل سألتيه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له؟ فقالت العجوز وقد هزت رأسها: حفظ الله فراستك، والله إن له حاجة وهل أحد يخلو من حاجة؟ فقالت لها السيدة دنيا: اذهبي إليه وسلمي عليه وقولي له: شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح وقال في نفسه: قد قضيت حاجتي ثم قال للعجوز: لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب فقالت: سمعاً وطاعة، فلما سمع ذلك منها قال لعزيز: ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات:
كتبت إليك يا سؤلي كتـابـاً
بما ألقاه من ألم الـفـراق
فأول ما أسطر نار قلـبـي
وثانيه غرامي واشتـياقـي
وثالثه مضى عمري وصبري
ورابعه جميع الوجد باقـي
وخامسه متى عيني تـراكـم
وسادسه متى يوم التلاقـي
ثم كتب في إمضائه: إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال ولو بطيف الخيال لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب، ثم أفاض دمع العين وكتب هذين البيتين:
كتبت إليك والعبرات تجري
ودمع العين ليس له انقطاع
ولست ببائس من فضل ربي
عسى يوم يكون به اجتماع
ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز وقال: أوصليه إلى السيدة دنيا فقالت: سمعاً وطاعة ثم أعطاها ألف دينار وقال: اقبلي مني هذه الهدية، فأخذتها وانصرفت داعية له، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا فلما رأتها قالت: يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له؟ فقالت لها: يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه، وقرأته وفهمت معناه ثم قالت: من أين إلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني؟ ثم لطمت وجهها وقالت: لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه.
فقالت العجوز: وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش؟ فقالت لها: ويلك ما فيه ذلك وما فيه إلا عشق ومحبة وهذا كله منك وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام، فقالت لها العجوز: يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر، سلامتك من اللوم والعتاب وما عليك من نباح الكلاب، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته.
فقالت السيدة دنيا: أخاف أن أكاتبه فيطمع فقالت العجوز: إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه، فقالت: علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات:
يا مدعي الحب والبلوى مع السهر
وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر
أتطلب الوصل يا مغرور من قمر
وهل ينال المنى شخص من القمر
إني نصحتك عما أنت طـالـبـه
فأقصر فإنك في هذا على خطر
وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد
أتاك مني عذاب زائد الـضـرر
وحق من خلق الإنسان من علـق
ومن أنار ضياء الشمس والقمـر
لئن عـدت لـمـا أنـت ذاكـره
لأصلبنك في جزع من الشـجـر
ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز، وقالت لها: أعطيه له وقولي له: كف عن هذا الكلام فقالت لها سمعاً وطاعة، ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها، فلما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارهما فلما رآها كاد أن يطير من الفرح فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه فأخرجت له الورقة وناولته إياها وقالت له: اقرأ ما فيها ثم قالت له: إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك وردت لك الجواب.
فشكرها تاج الملوك على ذلك وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له: يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك؟ فقال لها: إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد.
فقالت له العجوز: وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك فقال لها تاج الملوك: كل ما تفعليه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وعارفة بأبواب الدناسة وكل عسير عليك يسير والله على كل شيء قدير، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات:
أمست تهددني بالقتل واحـزنـي
والقتل لي راحة والموت مقدور
والموت أغنى لصب أن تطول به
حياته وهو ممنوع ومقـهـور
بالله زوروا محباً قل نـاصـره
فإنني عبد والعـبـد مـأسـور
يا سادتي فارحموني في محبتكـم
فكل من يعشق الأحرار معذور
ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له: طب نفساً وقر عيناً، فلا بد أن أبلغك مقصودك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.



https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:15 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قامت وتركت تاج الملوك على النار وتوجهت إلى السيدة دنيا فرأتها متغيرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك فناولتها الكتاب فازدادت غيظاً، وقالت للعجوز: أما قلت لك أنه يطمع فينا؟ فقالت لها: وأي شيء من هذا الكتاب حتى يطمع فيك؟ فقالت لها السيدة دنيا: اذهبي إليه وقولي له إن راسلتها بعد ذلك ضربت عنقك فقالت لها العجوز: اكتبي له هذا الكلام في مكتوب وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفاً فأخذت ورقة وكتبت فيها هذه الأبيات:
أيا غافلاً عن حادثـا الـطـوارق
وليس إلى نيل الوصال بسـابـق
أتزعم يا مغرور أن تدرك السهـا
وما أنت للبدر المنير بـلا حـق
فكيف ترجينا وتأمـل وصـلـنـا
لتحظى بضم للقدود الـرواشـق
فدع عنك هذا القصد خيفة سطوتي
بيوم عبوس فيه شيب المـفـارق
ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك فلما رآها قام على قدميه وقال: لا أعدمني الله بركة قدومك فقالت له العجوز: خذ جواب مكتوبك فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاء شديداً، وقال إني أشتهي من يقتلني الآن فإن القتل أهون علي من هذا الأمر الذي أنا فيه ثم أخذ دواة وقلماً وقرطاس وكتب مكتوباً ورقم هذين البيتين:
فيا منيتي لا تبتغي الهجر والجفا
فإني محب في المحبة غـارق
ولا تحسبيني في الحياة مع الجفا
فروحي من بعد الأحبة طالـق
ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال له: قد أتعبتك بدون فائدة وأمر عزيز أن يدفع لها ألف دينار وقال لها: يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال فقالت له: يا ولدي والله ما أشتهي لك إلا الخير ومرادي أن تكون عندك فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة وهي الشمس الطالعة وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام ثم ودعته وطيبت قلبه وانصرفت ولم تزل تمشي حتى دخلت السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها.
فلما جلست عندها حكت رأسها وقالت: يا سيدتي عساك أن تفلي شوشتي فإن لي زماناً ما دخلت الحمام فكشفت السيدة دنيا عن مرفقيها وحلت شعر العجوز وصارت تفلي شوشتها فسقطت الورقة من رأسها فرأتها السيدة دنيا فقالت: ما هذه الورقة؟ فقالت: كأني قعدت على دكان التاجر فتعلقت معي هذه الورقة هاتيها حتى أوديها له ففتحتها السيدة دنيا وقرأها وفهمت ما فيها فاغتاظت غيظاً شديداً وقالت: كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس فصاحت على الجواري والخدم وقالت: أمسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم فنزلوا عليها ضرباً بالنعال حتى غشي عليها.
فلما أفاقت قالت لها: والله يا عجوز السوء لولا خوفي من الله تعالى لقتلتك ثم قالت لهم: أعيدوا الضرب فضربوها حتى غشي عليها ثم أمرتهم أن يجروها ويرموها خارج الباب فسحبوها على وجهها ورموها قدام الباب.
فلما أفاقت قامت تمشي وتقعد حتى وصلت إلى منزلها وصبرت إلى الصباح ثم قامت وتمشت حتى أتت إلى تاج الملوك وأخبرته بجميع ما جرى لها، فصعب عليه ذلك وقال لها: يعز علي يا أمي ما جرى لك ولكن كل شيء بقضاء وقدر فقالت له: طب نفساً وقر عيناً فإني لا أزال أسعى حتى أجمع بينك وبينها وأوصلك إلى هذه العاهرة التي أحرقتني بالضرب.
فقال لها تاج الملوك: أخبريني ما سبب بغضها للرجال؟ فقالت: إنها رأت مناماً أوجب ذلك فقال لها: وما ذلك المنام؟ فقالت: إنها كانت نائمة ذات ليلة فرأت صياداً أنصب شركاً في الأرض وبذر حوله قمحاً ثم جلس قريباً منه فلم يبق شيء من الطيور إلا وقد أتى إلى ذلك الشرك، ورأت في الطيور حمامتين ذكراً وأنثى. فبينما هي تنظر إلى الشرك وإذا برجل الذكر تعلق في الشرك وصار يتخبط فنفرت عنه جميع الطيور ومرت فرجعت إليه امرأته وحامت عليه ثم تقدمت إلى الشرك والصياد غافل فصارت تنقر العين التي فيها رجل الذكر وصارت تجذبه بمنقارها حتى خلصت رجله من الشرك وطارت الطيور هي وإياه فجاء بعد ذلك الصباح وأصلح الشرك وقعد بعيداً عنه فلم يمض غير ساعة حتى نزلت الطيور وعلق الشرك في الأنثى فنفرت عنها جميع الطيور ومن جملتها الطير الذكر ولم يعد لأنثاه فجاء الصياد وأخذ الطير الأنثى وذبحها فانتبهت مرعوبة من منامها وقالت: كل ذكر مثل هذا ما فيه خير والرجال جميعهم ما عندهم خير للنساء.
فلما فرغت من حديثها لتاج الملوك قال لها: يا أمي أريد أن أنظر إليها نظرة واحدة ولو كان ذلك مماتي فتحيلي لي بحيلة حتى أنظرها فقالت له: اعلم أن لها بستاناً تحت قصرها وهو برسم فرجتها وإنها تخرج إليه في كل شهر مرة من باب السر وتقعد فيه عشرة أيام وقد جاء أوان خروجها إلى الفرجة، فإذا أرادت الخروج أجيء إليك أعلمك حتى تخرج وتصادفها واحرص على أنك لا تفارق البستان فلعلها إذا رأت حسنك وجمالك يتعلق قلبها بمحبتك فإن المحبة أعظم أسباب الاجتماع فقال: سمعاً وطاعة، ثم قام من الدكان هو وعزيز وأخذا معهما العجوز ومضيا إلى منزلهما وعرفاه لها ثم إن تاج الملوك قال لعزيز: يا أخي ليس لي حاجة بالدكان وقد قضيت حاجتي منها ووهبتها لك بجميع ما فيها لأنك تغربت معي وفارقت بلادك فقبل عزيز منه ذلك ثم جلسا يتحدثان وصار تاج الملوك يسأله عن غريب أحواله وما جرى له وبعد ذلك أقبلا على الوزير وأعلماه بما عزم عليه تاج الملوك وقالا له: كيف العمل؟ فقال: قوموا بنا إلى البستان فلبس كل واحد منهم أفخر ما عنده وخرجوا وخلفهم ثلاثة مماليك وتوجهوا إلى البستان فرأوه كثير الأشجار غزير الأنهار ورأوا الخولي جالساً على الباب فسلموا عليه فرد عليهم السلام فناوله الوزير مائة دينار وقال: أشتهي أن تأخذ هذه النفقة وتشتري لنا شيئاً نأكله فإننا غرباء ومعي هؤلاء الأولاد وأردت أن أفرجهم فأخذ البستاني الدنانير وقال لهم: ادخلوا وتفرجوا وجميعه ملككم واجلسوا حتى أحضر لكم بما تأكلون ثم توجه إلى السوق ودخل الوزير وتاج الملوك وعزيز داخل البستان بعد أن ذهب البستاني إلى السوق ثم بعد ساعة أتى ومعه خروف مشوي ووضعه بين أيديهم فأكلوا وغسلوا أيديهم وجلسوا يتحدثون فقال الوزير: أخبرني عن هذا البستان هل هو لك أم أنت مستأجره؟ فقال الشيخ: ما هو لي وإنما لبنت الملك السيدة دنيا فقال الوزير: كم لك في كل شهر من الأجرة؟ فقال: دينار واحد لا غير فتأمل الوزير في البستان فرأى هناك قصراً عالياً إلا أنه عتيق فقال الوزير: أريد أن أعمل خيراً تذكرني به فقال: وما تريد أن تفعل من الخير؟ فقال: خذ هذه الثلثمائة دينار فلما سمع الخولي بذكر الذهب قال: يا سيدي مهما شئت فافعل ثم أخذ الدنانير فقال له: إن شاء الله تعالى نفعل في هذا المحل خيراً، ثم خرجوا من عنده وتوجهوا إلى منزلهم وباتوا تلك الليلة.
فلما كان الغد أحضر الوزير مبيضاً ونقاشاً وصانعاً جيداً، وأحضر لهم جميع ما يحتاجون إليه من الآلات ودخل بهم البستان وأمرهم ببياض ذلك القصر وزخرفته بأنواع النقش ثم أمر بإحضار الذهب واللازورد وقال للنقاش: اعمل في صدر هذا الإيوان آدمي صياد كأنه نصب شركه، وقد وقعت فيه حمامة واشتبكت بمنقارها في الشرك.
فلما نقش النقاش جانباً وفرع من نقشه، قال له الوزير: افعل في الجانب الآخر مثل الأول وصور صورة حمامة في الشرك وأن الصياد أخذها ووضع السكين على رقبتها وأعمل في الجانب الآخر صورة جارح كبير قد قنص ذكر الحمام وأنشب فيه مخالبه ففعل ذلك فلما فرغ من هذه الأشياء التي ذكرها الوزير ودعوا البستاني، ثم توجهوا إلى منزلهم وجلسوا يتحدثون. هذا ما كان من أمر هؤلاء. وأما ما كان من أمر العجوز فإنها انقطعت في بيتها واشتاقت بنت الملك إلى الفرجة في البستان وهي لا تخرج إلا بالعجوز فأرسلت إليها وصالحتها وطيبت خاطرها وقالت: إني أريد أن أخرج إلى البستان لأتفرج على أشجاره وأثماره وينشرح صدري بأزهاره، فقالت لها العجوز: سمعاً وطاعة، ولكن أريد أن أذهب إلى بيتي وألبس أثوابي وأحضر عندك فقالت: اذهبي إلى بيتك ولا تتأخري عني فخرجت العجوز من عندها وتوجهت إلى تاج الملوك وقالت له: تجهز والبس أفخر ثيابك واذهب إلى البستان فقال: سمعاً وطاعة وجعلت بينها وبينه إشارة، ثم توجهت إلى السيدة دنيا وبعد ذهابها قام الوزير وعزيز وألبسا تاج الملوك بدلة من أفخر ملابس الملوك تساوي خمسة آلاف دينار وشد في وسطه حياصة من الذهب مرصعة بالجواهر والمعادن ثم توجه إلى البستان.
فلما وصل إلى باب البستان وجد الخولي جالساً هناك فلما رآه البستاني نهض له على الأقدام وقابله بالتعظيم والإكرام وفتح له الباب وقال له: ادخل وتفرج في البستان ويعلم البستاني أن بنت الملك تدخل البستان في هذا اليوم فلما دخل تاج الملوك لم يلبث إلا مقدار ساعة وسمع ضجة فلم يشعر إلا والخدم والجواري خرجوا من باب السر فلما رآهم الخولي ذهب إلى تاج الملوك، وأعلمه بمجيئها وقال له: يا مولاي كيف يكون العمل وقد أتت ابنة الملك السيدة دنيا؟ فقال: لا بأس عليك فإني أختفي في مواضع البستان فأوصاه البستاني بغاية الاختفاء، ثم تركه وراح فلما دخلت بنت الملك هي وجواريها والعجوز في البستان قالت العجوز في نفسها: متى كان الخدم معنا فإننا لا ننال مقصودنا ثم قالت لابنة الملك: يا سيدتي إني أقول لك عن شيء فيه راحة لقلبك فقالت السيدة دنيا: قولي ما عندك؟ فقالت العجوز: يا سيدتي إن هؤلاء الخدم لا حاجة لك بهم في هذا الوقت ولا ينشرح صدرك ما داموا معنا فاصرفيهم عنا، فقالت السيدة دنيا: صدقت، ثم صرفتهم، وبعد قليل تمشت فصار تاج الملوك ينظر إليها وإلى حسنها وجمالها وهي لا تشعر بذلك وكلما نظر إليها يغشى عليه مما يرى من بارع حسنها، وصارت العجوز تسارقها الحديث إلى أن أوصلتها إلى القصر الذي أمر الوزير بنقشه، ثم دخلت ذلك القصر وتفرجت على نقشه وأبصرت الطيور، والصياد والحمام. فقالت: سبحان الله إن هذه صفة ما رأيته في المنام، وصارت تنظر إلى صور الطيور والصياد والشرك وتتعجب ثم قالت: يا دادتي كنت ألوم الرجال وأبغضهم ولكن انظري الصياد كيف ذبح الطير الأنثى وتخلص الذكر، وأراد أن يجيء إلى الأنثى ويخلصها فقابله الجارح وافترسه وصارت العجوز تتجاهل عليها وتشاغلها بالحديث إلى أن قربا من المكان المختفي فيه تاج الملوك فأشارت إليه العجوز أن يتمشى تحت شبابيك القصر.
فبينما السيدة دنيا كذلك إذ لاحت منها التفاتة فرأته وتأملت جماله وعده واعتداله، ثم قالت: يا دادتي من أين هذا الشاب المليح؟ فقالت: لا أعلم به غير أني أظن أنه ولد ملك عظيم فإنه بلغ من الحسن النهاية ومن الجمال الغاية فهامت به السيدة دنيا وانحلت عرى عزائمها وانبهر عقلها من حسنه وجماله وقده واعتداله وتحركت عليها الشهوة، فقالت للعجوز: يا دادتي إن هذا الشاب مليح. فقالت لها العجوز: صدقت يا سيدتي، ثم إن العجوز أشارت إلى ابن الملك أن يذهب إلى بيته وقد التهب به نار الغرام وزاد به الوجد والهيام فسار وودع الخولي وانصرف إلى منزله ولم يخالف العجوز وأخبر الوزير وعزيز بأن العجوز أشارت إليه بالانصراف فصارا يصبرانه ويقولان له: لولا أن العجوز تعلم في رجوعك مصلحة ما أشارت عليك به، هذا ما كان من أمر تاج الملوك والوزير وعزيز. وأما ما كان من أمر ابنة الملك السيدة دنيا فإنها غلب عليها الغرام وزاد بها الوجد والهيام، وقالت للعجوز: ما أعرف اجتماعي بهذا الشاب إلا منك فقالت لها العجوز: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أنت لا تريدين الرجال وكيف حلت بك من عشقه الأوجال ولكن والله ما يصلح لشبابك إلا هو. فقالت لها السيدة دنيا: يا دادتي أسعفيني عليه ولك عندي ألف دينار وخلعة بألف دينار وإن لم تسعفيني بوصاله فإني ميتة لا محالة. فقالت العجوز امض أنت إلى قصرك وأنا أتسبب في اجتماعكما، وأبذل روحي في مرضاتكما، ثم إن السيدة دنيا توجهت إلى قصرها وتوجهت العجوز إلى تاج الملوك فلما رآها نهض لها على الأقدام وقابلها بإعزاز وإكرام وأجلسها إلى جانبه فقالت له: إن الحيلة قد تمت وحكت له ما جرى لها مع السيدة دنيا فقال لها: متى يكون الاجتماع؟ قالت: في غد، فأعطاها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت، وما زالت سائرة حتى دخلت على السيدة دنيا فقالت لها: يا دادتي ما عندك من خبر الحبيب شيء؟ فقالت لها: قد عرفت مكانه وفي غد أكون به عندك.
ففرحت السيدة دنيا بذلك وأعطتها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت إلى منزلها وباتت فيه إلى الصباح، ثم خرجت وتوجهت إلى تاج الملوك وألبسته لبس النساء وقالت له: امش خلفي وتمايل في خطواتك ولا تستعجل في مشيك ولا تلتفت إلى من يكلمك، وبعد أن أوصت تاج الملوك بهذه الوصية خرجت وخرج خلفها، وهو في زي النسوان وصارت تعلمه في الطريق حتى لا يفزع ولم تزل ماشية وهو خلفها حتى وصلا إلى باب القصر فدخلت وهو وراءها وصارت تخرق الأبواب والدهاليز إلى أن جاوزت به سبعة أبواب ولما وصلت إلى الباب السابع قالت لتاج الملوك: قوي قلبك، وإذا زعقت عليك وقلت لك: يا جارية اعبري فلا تتوان في مشيك وهرول فإذا دخلت الدهليز فانظر إلى شمالك ترى إيواناً فيه خمسة أبواب وادخل الباب السادس فإن مرادك فيه.
فقال تاج الملوك: وأين تروحين أنت؟ فقالت له: ما أروح موضعاً غير أني ربما أتأخر عنك وأتحدث مع الخادم الكبير، ثم مشت وهو خلفها حتى وصلت إلى الباب الذي فيه الخادم الكبير فرأى معها تاج الملوك في صورة جارية فقال لها: ما شأن هذه الجارية التي معك؟ فقالت له: هذه جارية قد سمعت السيدة دنيا بأنها تعرف الأشغال وتريد أن تشتريها فقال لها الخادم: أنا لا أعرف جارية ولا غيرها ولا يدخل أحد حتى أفتشه كما أمرني الملك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:16 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت للبواب وقد أظهرت الغضب: أنا أعرف أنك عاقل ومؤدب فإذا كان حالك قد تغير فإني أعلمها بذلك وأخبرها أنك تعرضت لجاريتها.
ثم زعقت على تاج الملوك وقالت له: اعبري يا جارية فعند ذلك عبر إلى داخل الدهليز كما أمرته وسكت الخادم ولم يتكلم، ثم إن تاج الملوك عد خمسة أبواب ودخل الباب السادس فوجد السيدة دنيا واقفة في انتظاره، فلما رأته عرفته فضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم دخلت العجوز عليهما وتحيلت على صرف الجواري ثم قالت السيدة دنيا للعجوز: كوني أنت البوابة ثم اختلت هي وتاج الملوك ولم يزالا في ضم وعناق والتفاف ساق على ساق إلى وقت السحر.
ولما أصبح الصباح غلقت عليهما الباب ودخلت مقصورة أخرى وجلست على جري عادتها وأتت إليها الجواري فقضت حوائجهن وصارت تحدثهن، ثم قالت لهن: اخرجن الآن من عندي فإني أريد أن أنشرح وحدي، فخرجت الجواري من عندها ثم إنها أتت إليهما ومعها شيء من الأكل فأكلوا وأخذوا في الهراش إلى وقت السحر فأغلقت عليهما مثل اليوم الأول، ولم يزالا على ذلك مدة شهر كامل. هذا ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا. وأما ما كان من أمر الوزير وعزيز فإنهما لما توجه تاج الملوك إلى قصر بنت الملك ومكث تلك المدة علما أنه لا يخرج منه أبداً وأنه هالك لا محالة فقال عزيز: يا والدي ماذا نصنع؟ فقال الوزير: يا ولدي إن هذا الأمر مشكل وإن لم نرجع إلى أبيه ونعلمه فإنه يلومنا على ذلك ثم تجهزا في الوقت والساعة وتوجها إلى الأرض الخضراء والعمودين وتخت الملك سليمان شاه وسارا يقطعان الأودية في الليلة والنهار إلى أن دخلا على الملك سليمان شاه وأخبراه بما جرى لولده وأنه من حين دخل قصر بنت الملك لم يعلموا له خبر فعند ذلك قامت عليه القيامة واشتدت به الندامة وأمر أن ينادي في مملكته بالجهاد ثم أبرز العساكر إلى خارج مدينته ونصب لهم الخيام وجلس في سرادقه حتى اجتمعت الجيوش من سائر الأقطار، وكانت رعيته تحبه لكثرة عدله وإحسانه ثم سار في عسكر سد الأفق متوجهاً في طلب ولده تاج الملوك. هذا ما كان من أمر هؤلاء.
وأما ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا فإنهما أقاما على حالهما نصف سنة وهما كل يوم يزدادان محبة في بعضهما وزاد على تاج الملوك العشق والهيام والوجد والغرام حتى أفصح لها عن الضمير وقال لها: اعلمي يا حبيبة القلب والفؤاد أني كلما أقمت عندك ازددت هياماً ووجداً وغراماً لأني ما بلغت المرام بالكلية فقالت له: وما تريد يا نور عيني؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=10#)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:17 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن دنيا قالت لتاج الملوك: وما تريد يا نور عيني وثمرة فؤادي، إن شئت غير الضم والعناق والتفاف الساق على الساق فافعل الذي يرضيك وليس لله فينا شريك فقال: ليس مرادي هكذا وإنما مرادي أن أخبرك بحقيقتي فاعلمي إني لست بتاجر بل أنا ملك ابن ملك واسم أبي الأعظم سليمان شاه الذي أنفذ الوزير رسولاً إلى أبيك ليخطبك لي فلما بلغك الخبر ما رضيت، ثم إنه قص عليها قصته من الأول إلى الآخر وليس في الإعادة إفادة، وأريد الآن أن أتوجه إلى أبي ليرسل رسولاً إلى أبيك ويخطبك منه ونستريح.
فلما سمعت ذلك الكلام فرحت فرحاً شديداً لأنه وافق غرضها ثم على هذا الاتفاق، واتفق في الأمر المقدور أن النوم غلب عليهما في تلك الليلة من دون الليالي واستمرا إلى أن طلعت الشمس، وفي ذلك الوقت كان الملك شهرمان جالساً في دست مملكته وبين يديه أمراء دولته إذ دخل عليه عريف الصياغ وبيده حق كبير وفتحه بين يدي الملك وأخرج منه علبة لطيفة تساوي مائة ألف دينار لما فيها من الجواهر واليواقيت والزمرد والتفت إلى الخادم الكبير الذي جرى له مع العجوز ما جرى وقال له: يا كافور خذ هذه العلبة وامض بها إلى السيدة دنيا فأخذها الخادم ومضى حتى وصل إلى مقصورة بنت الملك فوجد بابها مغلقاً والعجوز نائمة على عتبته فقال الخادم: إلى هذه الساعة وأنتم نائمون؟ فلما سمعت العجوز كلام الخادم انتبهت من منامها وخافت منه وقالت له: اصبر حتى آتيك بالمفتاح ثم خرجت على وجهها هاربة.
هذا ما كان من أمرها. وأما ما كان من أمر الخادم فإنه عرف أنها مرتابة فخلع الثياب ودخل المقصورة فوجد السيدة دنيا معانقة لتاج الملوك وهما نائمان، فلما رأى ذلك تحير في أمره وهم أن يعود إلى الملك فانتبهت السيدة دنيا فوجدته فتغيرت واصفر لونها وقالت له: يا كافور استر ما ستر الله فقال: أنا ما أقدر أن أخفي شيئاً عن الملك، ثم أقفل الباب عليهما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-11-2015, 07:19 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم لما أقفل الباب عليهما رجع إلى الملك فقال له: هل أعطيت العلبة لسيدتك؟ فقال الخادم: خذ العلبة ها هي وأنا لا أقدر أن أخفي شيئاً، اعلم أني رأيت عند السيدة دنيا شاباً جميلاً نائماً معها في فراش واحد وهما متعانقان فأمر الملك بإحضارهما فلما حضرا بين يديه قال لهما: ما هذه الفعال؟ واشتد به الغيظ فأخذ نمشة وهم أن يضرب به تاج الملوك وقال له: ويلك من أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن هو أبوك وما جسرك على ابنتي؟ فقال تاج الملوك: اعلم أيها الملك إن قتلتني هلكت وندمت أنت ومن معك في مملكتك فقال له الملك: ولم ذلك؟ فقال: اعلم أني ابن الملك سليمان شاه وما تدري إلا وقد أقبل عليك بخيله ورجاله. فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام أراد أن يؤخر قتله ويضعه في السجن حتى ينظر صحة قوله، فقال له وزيره: يا ملك الزمان الرأي عندي أن تعجل قتل هذا العلق فإنه تجاسر على بنات الملوك فقال السياف: اضرب عنقه فإنه خائن، فأخذه السياف وشد وثاقه ورفع يده وشاور الأمراء أولاً وثانياً وقصد بذلك أن يكون في الأمر توان فزعق عليه الملك وقال: متى تشاور إن شاورت مرة أخرى ضربت عنقك، فرفع السياف يده حتى بان شعر إبطه وأراد أن يضرب عنقه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 10:59 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن السياف رفع يده وأراد أن يضرب عنقه وإذا بزعقات عالية والناس أغلقوا الدكاكين فقال السياف: لا تعجل ثم أرسل من يكشف الخبر فمضى الرسول ثم عاد إليه وقال له: رأيت عسكراً كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج وخيلهم في ركض وقد ارتجت لهم الأرض وما أدري خبرهم، فاندهش الملك وخاف على ملكه أن ينزع منه ثم التفت إلى وزيره وقال له: أما خرج أحد من عسكرنا إلى هذا العسكر؟ فما أتم كلامه إلا وحجابه قد دخلوا عليه ومعهم رسل الملك القادم ومن جملتهم الوزير فابتدأه بالسلام فنهض لهم قائماً وقربهم وسألهم عن شأن قدومهم فنهض الوزير من بينهم وتقدم إليه وقال له: اعلم أن الذي نزل بأرضك ليس كالملوك المتقدمين ولا مثل السلاطين السالفين. فقال له الملك: ومن هو؟ قال الوزير: هو صاحب العدل والأمان الذي سارت بعلو همته الركبان السلطان سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء والعمودين وجبال أصفهان وهو يحب العدل والإنصاف ويكره الجور والاعتساف ويقول لك: إن ابنه عندك وفي مدينتك وهو حشاشة قلبه وثمرة فؤاده، فإن وجده سالماً فهو المقصود وأنت المشكور المحمود وإن كان فقد من بلادك أو أصابه شيء فأبشر بالدمار وخراب الديار لأنه يصير بلدك قفراً ينعق فيها البوم والغراب، وها أنا قد بلغتك الرسالة والسلام.
فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام من الرسول انزعج فؤاده وخاف على مملكته وزعق على أرباب دولته ووزرائه وحجابه ونوابه فلما حضروا قال لهم: ويلكم انزلوا وفتشوا على ذلك الغلام وكان تحت يد السياف وقد تغير من كثرة ما حصل من الفزع، ثم إن الرسول لاحت منه التفاتة فوجد ابن ملكه على نطع الدم فعرفه وقام ورمى روحه عليه وكذلك بقية الرسل ثم تقدموا وحلوا وثاقه وقبلوا يديه ورجليه ففتح تاج الملوك عينيه فعرف وزير والده وعرف صاحبه عزيز فوقع مغشياً عليه من شدة فرحته بهما.
ثم إن الملك شهرمان صار متحيراً في أمره وخاف خوفاً شديداً لا تحقق مجيء هذا العسكر بسبب هذا الغلام فقام وتمشى إلى تاج الملوك وقبل رأسه ودمعت عيناه وقال له: يا ولدي لا تؤاخذني ولا تؤاخذ المسيء بفعله فارحم شيبتي ولا تخرب مملكتي فدنا منه تاج الملوك وقبل يده وقال له: لا باس عليك وأنت عندي بمنزلة والدي ولكن الحذر أن يصيب محبوبتي السيدة دنيا شيء.
فقال الملك شهرمان: لا تخف عليها فما يحصل لها إلا السرور، وسار الملك يعتذر إليه ويطيب خاطر وزير الملك سليمان شاه ووعده بالمال الجزيل على أن يخفي من الملك ما رآه، ثم بعد ذلك أمر كبراء دولته أن يأخذوا تاج الملوك ويذهبوا به إلى الحمام ويلبسوه بدلة من خيار الملابس ويأتوا بسرعة ففعلوا ذلك وأدخلوه الحمام وألبسوه البدلة التي أفردها له الملك شهرمان ثم أتوا به إلى المجلس.
فلما دخل على الملك شهرمان وقف له هو وجميع أرباب دولته وقام الجميع في خدمته. ثم إن تاج الملوك جلس يحدث وزير والده وعزيز بما وقع له، فقال له الوزير وعزيز: ونحن في تلك المدة مضينا إلى والدك فأخبرناه بأنك دخلت سراية بنت الملك ولم تخرج والتبس علينا أمرك، فحين سمع بذلك جهز العساكر ثم قدمنا هذه الديار وكان في قدومنا الفرح والسرور. فقال لهما: لا زال الخير يجري على أيديكما أولاً وآخراً، وكان الملك في ذلك الوقت قد دخل على ابنته السيدة دنيا فوجدها تبكي على تاج الملوك وقد أخذت سيفاً وركزت قبضته إلى الأرض وجعلت ذبابته على رأس قلبها بين نهديها وانحنت على السيف وصارت تقول: لا بد أن أقتل نفسي ولا أعيش بعد حبيبي. فلما دخل عليها أبوها ورآها على هذه الحالة صاح عليها وقال لها: يا سيدة بنات الملوك لا تفعلي وارحمي أباك وأهل بلدتك، ثم تقدم إليها وقال لها: أحاشيك أن يصيب والدك بسببك سوء، ثم أعلمها بالقصة وأن محبوبها ابن الملك سليمان شاه يريد زواجها وقال لها: إن أمر الخطبة والزواج مفوض إلى رأيك، فتبسمت وقالت له: أما قلت لك إنه ابن سلطان فأنا أخليه يصلبك على خشبة لا تساوي درهمين. فقال لها: بالله عليك أن ترحمي أباك فقالت له: رح إليه وائتني به فقال لها: على الرأس والعين، ثم رجع من عندها سريعاً ودخل على تاج الملوك وشاوره بهذا الكلام، ثم قام معه وتوجها إليها فلما رأت تاج الملوك عانقته قدام أبيها وتعلقت به وقالت له: أوحشتني، ثم التفتت إلى أبيها وقالت: هل أحد يفرط في مثل هذا الشاب المليح وهو ملك ابن ملك؟ فعند ذلك خرج الملك شهرمان ورد الباب عليهما ومضى إلى وزير أبي تاج الملوك ورسله وأمرهم أن يعلموا السلطان شاه بأن ولده بخير وعافية وهو في ألذ عيش، ثم إن السلطان شهرمان أمر بإخراج الضيافات والعلوفات إلى عساكر السلطان سليمان شاه والد تاج الملوك فلما خرجوا جميع ما أمر به أخرج مائة من الخيل ومائة هجين ومائة مملوك ومائة عبد ومائة جارية وأرسل الجميع إليه هدية، ثم بعد ذل توجه إليه هو وأرباب دولته وخواصه حتى صاروا في ظاهر المدينة.
فلما علم بذلك السلطان سليمان شاه تمشى خطوات إلى لقائه وكان الوزير وعزيز أعلماه ففرح وقال: الحمد لله الذي بلغ ولدي مناه، ثم إن الملك سليمان شاه أخذ الملك شهرمان بالحضن وأجلسه بجانبه على السرير وصار يتحدث هو وإياه ثم قدموا لهم الطعام فأكلوا حتى اكتفوا ثم قدموا لهم الحلويات ولم يمض إلا قليل حتى جاء تاج الملوك وقدم عليه بلباسه وزينته، فلما رآه والده قام له وقبله وقام له جميع من حضر وجلس بين أيديهم ساعة يتحدثون.
فقال الملك سليمان شاه: إني أريد أن أكتب كتاب ولدي على ابنتك على رؤوس الأشهاد فقال له: سمعاً وطاعة، ثم أرسل الملك شهرمان إلى القاضي والشهود فحضروا وكتبوا الكتاب وفرح العساكر بذلك وشرع الملك شهرمان في تجهيز ابنته. ثم قال تاج الملوك لوالده أن عزيزاً رجل من الكرام وقد خدمني خدمة عظيمة وتعب وسافر معي وأوصلني إلى بغيتي ولم يزل يصبر لي حتى قضيت حاجتي ومضى معنا سنتان وهو مشتت من بلاده، فالمقصود أننا نهيء له تجارة لن بلاده قريبة. فقال له والده: نعم ما رأيت، ثم هيأوا له مائة حمل من أغلى القماش وأقبل عليه تاج الملوك وودعه وقال له: اقبل هذه على سبيل الهدية فقبلها منه وقبل الأرض قدامه وقدام والده سليمان شاه ثم ركب تاج الملوك وسافر مع عزيز قدر ثلاثة أميال وبعدها أقسم عليه عزيز أن يرجع. وقال: بالله لولا والدتي ما صبرت على فراقك، فبالله عليك لا تقطع أخبارك عني، ثم ودعه ومضى إلى مدينته فوجد والدته بنت له في وسط الدار قبراً وصارت تزوره، ولما دخل الدار وجدها قد حلت شعرها ونشرته على القبر وهي تفيض دمع العين وتنشد هذين البيتين:
بالله يا قبر هل زالت محاسنـه
أو قد تغير ذات المنظر النضر
يا قبر ما أنت بستان ولا فلـك
فكيف يجمع فيك البدر والزهر
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات:
مالي مررت على القبور مسلما
قبر الحبيب فلم يرد جـوابـي
قال الحبيب وكيف رد جوابكـم
وأنا رهين جـنـادل وتـراب
أكل التراب محاسني فنسيتكـم
وحجبت عن أهلي وعن أحبابي
فلما أتمت شعرها إلا وعزيز داخل عليها، فلما رأته قامت إليه واحتضنته وسألته عن سبب غيابه فحدثها بما وقع له من أوله إلى آخره وأن تاج الملوك أعطاه من المال والأقمشة مائة حمل من القماش ففرحت بذلك وأقام عزيز عند والدته متحيراً فيما وقع له من الدليلة المحتالة التي خصته. هذا ما كان من أمر عزيز. وأما ما كان من أمر تاج الملوك فإنه دخل بمحبوبته السيدة دنيا وأزال بكارتها، ثم إن الملك شهرمان شرع في تجهيز ابنته للسفر مع زوجها وأبيه فأحضر لهم الزاد والهدايا والتحف، ثم حملوا وسار معهم الملك شهرمان ثلاثة أيام لأجل الوداع فأقسم عليه الملك سليمان شاه بالرجوع فرجع وما زال تاج الملوك ووالده وزوجته سائرين في الليل والنهار حتى أشرفوا على بلادهم وزينت لهم المدينة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:00 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سليمان شاه لما وصل إلى بلده جلس على سرير مملكته وابنه تاج الملوك في جانبه ثم أعطى وهب وأطلق من كان في الحبوس، ثم عمل لولده عرساً ثانياً واستمرت به المغاني والملاهي شهراً كاملاً. وازدحمت المواشط على السيدة دنيا وهي لا تمل من الجلاء ولا يمللن من النظر إليها، ثم دخل تاج الملوك على زوجته بعد أن اجتمع مع أبيه وأمه وما زالوا في ألذ العيش وأهنأه.
فعند ذلك قال ضوء المكان للوزير دندان: إن مثلك من ينادم الملوك ويسلك في تدبيرهم أحسن السلوك هذا كله وهم محاصرون للقسطنطينية حتى مضى عليهم أربع سنين ثم اشتاقوا إلى أوطانهم وضجرت العساكر من الحصار وإدامة الحرب في الليل والنهار فأمر الملك ضوء المكان بإحضار بهرام ورستم وتركاش، فلما حضروا قال لهم: اعلموا أننا قمنا هذه السنين وما بلغنا مراماً فازددنا غماً وهماً، وقد أتينا لنخلص ثأر الملك عمر النعمان فقلت أخي شركان فصارت الحسرة حسرتين والمصيبة مصيبتين، هذا كله من العجوز ذات الدواهي فإنها قتلت السلطان في مملكته وأخذت زوجته الملكة صفية وما كفاها ذلك حتى عملت الحيلة علينا، وذبحت أخي وقد حلفت الأيمان العظيمة أنه لا بد من أخذ الثأر فما تقولون أنتم فافهموا هذا الخطاب وردوا علي الجواب فأطرقوا رؤوسهم وأحالوا الأمر على الوزير دندان.
فعند ذلك تقدم الوزير دندان إلى الملك ضوء المكان، وقال له: اعلم يا ملك الزمان أنه ما بقي في إقامتنا فائدة والرأي أننا نرحل إلى الأوطان ونقيم هناك برهة من الزمان ثم نعود ونغزوا عبدة الأصنام فقال الملك: نعم هذا الرأي لأن الناس اشتاقوا إلى رؤية عيالهم وأنا أيضاً أقلقني الشوق إلى ولدي كان ما كان وإلى ابنة أخي قضى فكان لأنها في دمشق ولا أعلم ما كان من أمرهما.
فلما سمعت العساكر ذلك فرحوا ودعوا للوزير دندان ثم إن الملك ضوء المكان أمر المنادي أن ينادي بالرحيل بعد ثلاثة أيام، فابتدأوا في تجهيز أحوالهم وفي اليوم الرابع دقت الكاسات ونشرت الرايات، وتقدم الوزير دندان في مقدم العسكر وسار الملك في وسط العساكر، وبجانبه الحاجب الكبير وسارت الجيوش ومازالوا مجدين السير بالليل والنهار حتى وصلوا إلى مدينة بغداد ففرحت بقدومهم الناس وزال عنهم الهم والبأس ثم ذهب كل أمير إلى داره وطلع الملك إلى قصره ودخل على ولده كان ما كان، وقد بلغ من العمر سبع سنين وصار ينزل ويركب ولما استراح الملك من السفر دخل الحمام هو وولده كان ما كان ثم رجع وجلس على كرسي مملكته ووقف الوزير دندان بين يديه وطلعت الأمراء وخواص الدولة ووقفوا في خدمته. فعند ذلك أمر الملك ضوء المكان بإحضار صاحبه الوقاد، الذي أحسن إليه في غربته فحضر بين يديه فلما رآه الملك ضوء المكان قادماً عليه نهض له قائماً وأجلسه إلى جانبه وكان الملك ضوء المكان قد أخبر الوزير دندان بما فعل معه صاحبه الوقاد من المعروف فعظم في عينه وفي أعين الأمراء وكان الوقاد قد غلظ وسمن من الأكل والراحة، وصار عنقه كعنق الفيل وبطنه كبطن الدرفيل وصار طائش العقل لأنه كان لا يخرج من المكان الذي هو فيه فلم يعرف الملك بسيماه.
أقبل عليه الملك وبش في وجهه وحياه أعظم التحيات وقال له: ما أسرع ما نسيتني فأمعن فيه النظر فلما تحققه وعرفه قام له على الأقدام قال له: يا حبيبي من عملك سلطاناً؟ فضحك عليه فأقبل عليه الوزير بالكلام وشرح له بالقصة وقال له: إنه كان أخاك وصاحبك والآن صار ملك الأرض ولا بد أن يصل إليك منه خير كثير وها أنا أوصيك إذا قال لك: تمن علي فلا تتمن إلا شيئاً عظيماً لأنك عنده عزيز. فقال الوقاد: أخاف أن أتمنى عليه شيئاً فلا يسمح لي به أو لا يقدر عليه فقال له: والله لا بد أن أتمنى عليه الشيء الذي هو في خاطري وكل يوم أرجو منه أن يسمح لي به فقال له الوزير: طيب قلبك والله لو طلبت ولاية دمشق موضع أخيه لولاك عليها.
فعند ذلك قام الوقاد على قدميه فأشار له ضوء المكان أن يجلس فأبى، وقال: معاذ الله قد انفضت أيام قعودي في حضرتك فقال له السلطان: لا بل هي باقية إلى الآن فإنك كنت سبباً لحياتي والله لو طلبت مني مهما أردت لأعطيتك إياه فيمن علي الله، فقال: الله يا سيدي إني أخاف أن أتمنى شيئاً فلا تسمح لي به أو لا تقدر عليه. فضحك السلطان وقال له: لو تمنيت نصف مملكتي لشاركتك فيها فتمن ما تريد، قال الوقاد: أخاف أن أتمنى شيئاً لا تقدر عليه فغضب السلطان وقال له: تمن ما أردت فقال له تمنين عليك أن تكتب لي مرسوماً بمرافقة جميع الوقادين الذين في مدينة القدس فضحك السلطان وجميع من حضر وقال له: تمن غير هذا.
فقال الوقاد: أنا ما قلت لك إني أن أتمنى شيئاً لا تسمح لي به وما تقدر عليه فغمره الوزير ثانياً وثالثاً وفي كل مرة يقول: أتمنى عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس أو في دمشق فانقلب الحاضرون على ظهورهم من الضحك عليه وضربه الوزير.
فالتفت الوقاد إلى الوزير وقال له: ما تكون حتى تضربني ومالي ذنب فإنك أنت الذي قلت لي تمن شيئاً عظيماً.
ثم قال: دعوني أسير إلى بلادي فعرف السلطان أنه يلعب فصبر قليلاً، ثم أقبل عليه وقال له: يا أخي تمن علي أمراً عظيماً بمقامي لائقاً فقال له: أتمنى سلطنة دمشق موضع أخيك، فكتب له التوقيع بذلك وقال للوزير دندان ما يروح معه غيرك، وإذا أردت العودة فأحضر معك بنت أخي قضى فكان.
فقال الوزير سمعاً وطاعة، ثم أخذ الوقاد ونزل به وتجهز للسفر، وأمر ضوء المكان أن يخرجوا للوقاد تختاً جديداً وطقم سلطنة وقال للأمراء: من كان يحبني فليقدم إليه هدية عظيمة.
ثم سماه السلطان الزبلكان ولقبه بالمجاهد وبعد كملت حوائجه وطلع الزبلكان وفي خدمته الوزير دندان ثم دخل على ضوء المكان ليودعه فقام له وعانقه وأوصاه بالعدل بين الرعية وأمره أن يأخذ الأهبة للجهاد بعد سنتين ثم ودعه وانصرف.
وسار الملك المجاهد المسمى بالزبلكان، بعد أن أوصاه الملك ضوء المكان بالرعية خيراً وقدمت له الأمراء المماليك فبلغوا خمسة آلاف مملوك وركبوا خلفه وركب الحاجب الكبير وأمير الديلم بهرام وأمير الترك رستم وأمير العرب تركاش وساروا في توديعه ما زالوا سائرين معه ثلاثة أيام ثم عادوا إلى بغداد وسار السلطان الزبلكان هو والوزير دندان.
وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور بأن الملك ضوء المكان سلطن على دمشق ملكاً يقال له: الزبلكان ولقبه بالمجاهد، فلما وصل إليهم الخبر زينوا له المدينة وخرج إلى ملاقاته كل من في دمشق ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة ووقف الوزير دندان في خدمته يعرفه منازل الأمراء ومراتبهم وهم يدخلون عليه ويقبلون يديه ويلوحون له.
فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب، ثم فتح خزائن الأموال وأنفقها على جميع العساكر كبيراً وصغيراً، وحكم وعدل وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان قضى فكان وجعل لها محفة من الإبريسم وجهز الوزير وقدم له شيئاً من المال.
فأتى الوزير دندان، وقال له: أنت قريب عهد بالملك وربما تحتاج إلى الأموال أو نرسل إليك نطلب منك مالاً للجهاد أو غير ذلك ولما تهيأ الوزير دندان للسفر ركب السلطان المجاهد إلى وداعه وأحضر قضى فكان وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوار برسم الخدمة.
وبعد أن سافر الوزير دندان رجع الملك المجاهد إلى مملكة ليدبرها واهتم بآلة السلاح وصار ينتظر الوقد الذي يرسل فيه الملك ضوء المكان هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان.
وأما ما كان من أمر الوزير دندان فإنه لم يزل يقطع المراحل بقضى فكان حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسل يعلم ضوء المكان بقدومه فركب وخرج إلى لقائه فأراد الوزير دندان أن يترجل. فأقسم عليه الملك ضوء المكان أن لا يفعل فسار راكباً حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم قضى فكان بنت أخيه شركان ففرح وقال له: دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام.
ثم بعد ذلك تعال عندي فقال: حباً وكرامة، ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه قضى فكان وهي ابنة ثمان سنين فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها وأعطاها حلياً ومصاغاً عظيماً، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها كان ما كان في مكان واحد وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور.
وأما كان ما كان فإنه كان مولعاً بمكارم الأخلاق ولكنه لا يفكر في عاقبة شيء ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين وصارت قضى فكان تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر، ويتعلمان الضرب بالسيف والطعن بالرمح حتى بلغ عمر كل منهما اثنتي عشرة سنة.
ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد، فأحضر الوزير دندان وقال له: اعلم أني عزمت على شيء وأريد إطلاعك عليه فأسرع في رد الجواب.
فقال الوزير دندان: ما هو يا ملك الزمان، قال: عزمت على أن أسلطن ولدي كان ما كان وأفرح به في حياتي وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات فما عندك من الرأي؟ فقبل الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان. وقال له: اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد أن ما خطر ببالك مليح غير أنه لا يناسب في هذا الوقت الخصلتين، الأولى: أن ولدك كان ما كان صغير السن، والثانية: ما جرت به العادة أن من سلطن ولده في حياته لا يعيش إلا قليلاً، وهذا ما عندي من الجواب.
فقال: اعلم أيها الوزير أننا نوصي عليه الحاجب الكبير صار منا وعلينا، وقد تزوج أختي، فهو في منزلة أخي، فقال الوزير: افعل ما بدا لك فنحن ممتثلون أمرك.
فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره وكذلك أكابر مملكته وقال لهم إن هذا ولدي كان ما كان قد علمتم أنه فارس الزمان وليس له نظير في الحرب والطعان وقد جعلته سلطاناً عليكم والحاجب الكبير وصي عليه.
فقال الحاجب: يا ملك الزمان إنما أنا غريس نعمتك فقال ضوء المكان: أيها الحاجب إن ولدي كان ما كان وابنة أخي قضى فكان ولدا عم وقد زوجتها به وأشهد الحاضرين على ذلك.
ثم نقل لولده المال ما يعجز عن وصفه اللسان وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك ففرحت، وقالت: إن الاثنين ولداي والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان.
فقال: يا أختي إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه ثم يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأياماً وقد أيقن بكأس الحمام ولزم الوساد وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد وبعد سنة أحضر ولده كان ما كان والوزير دندان، وقال: يا ولدي إن هذا الوزير والدك من بعدي، واعلم أني راحل من الدار الفانية إلى الدار الباقية وقد قضيت غرضي من الدنيا ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك.
فقال ولده: وما تلك الحسرة يا والدي؟ فقال: يا ولدي أن أموت ولم تأخذ بثأر جدك عمر النعمان، وعمك الملك شركان من عجوز يقال لها ذات الدواهي فإن أعطاك الله النصر لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار وإياك من كر العجوز وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان فقال له ولده: سمعاً وطاعة ثم هملت عيناه بالدموع.
وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان وصار أمر المملكة للحاجب فصار يحكم ويأمر وينهي واستمر على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه ومازالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب.
وأما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب وكذلك ابنة عمه قضى فكان وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي فيخدمه بالليل.
وإذا أصبح يخرج هو وبنت عمه على عادتهما وطالت بضوء المكان التوجعات فبكى وأنشد هذه الأبيات:
تفانت قوتي ومضى زماني
وها أنا قد بقيت كما تراني
فيوم العز كنت أعز قـومـي
وأسبقهم إلى نـيل الأمـانـي
وقد فارقت ملكي بعـد عـزي
إلى ذل تخـلـل بـالـهـوان
ترى قبل الممات أرى غلامي
يكون على الورى ملكاً مكاني
ويفتك بالـعـداة لأخـذ ثـأر
بضرب السيف أو طعن السنان
أنا المغبون فـي هـزل وجـد
إذا مولاي لا يشفي جنـانـي
فلما فرغ من شعره وضع رأسه على الوسادة ونام فرأى في منامه قائلاً يقول له أبشر فإن ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد فانتبه من منامه مسروراً ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات فأصاب أهل بغداد مصاب عظيم وبكى عليه الوضيع والعظيم ومضى عليه الزمان كأنه ما كان وتغير حال كان ما كان وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وعياله في بيت على حدتهم.
فلما رأت أم كان ما كان ذلك صارت في أذل الأحوال ثم قالت لا بد من قصد الحاجب الكبير وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطاناً فوجدته جالساً على فراشه.
فدخلت عند زوجته نزهة الزمان، وقالت: إن الميت ماله صاحب فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال والآن انقلبت علينا الزمان وقصدنا الدهر بالعدوان، وأتيت إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء والبنات، ث أنشدت هذه الأبيات:
كفاك بان الموت بادي العجـائب
وما غائب الأعمار عنا بغـائب
وما هـذه الأيام إلا مـراحـل
مواردها ممزوجة بالمصـائب
وحاضر قلبي مثل فقـد أكـارم
أحاطب بهم مستعظمات النوائب
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه كان ما كان فقربتها وأقبلت عليها وقالت: أنا والآن غنية وأنت فقيرة فوالله تركنا افتقارك إلا خوفاً من انكسار قلبك، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك، فبيتنا بيتك ولك وما لنا وعليك ما علينا.
ثم خلعت عليها ثياباً فاخرة وأفردت لها مكاناً في القصر ملاصقا لمقصورتها وأقامت عندهم في عشية طيبة هي وولدها كان ما كان وخلعت عليه ثياب الملوك وأفردت لهما جواري برسم كل منهما.
ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة ذكرت لزوجها حديث زوجة أخيها ضوء المكان فدمعت عيناه وقال: إن شئت أنت تنتظري الدنيا بعدك فانظريها بعد غيرك فأكرمي مثواها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:01 PM
بلغني أيها الملك السعيد هذا ما كان من أمر نزهة الزمان وزوجها وأم ضوء المكان.
وأما ما كان من أمر كان ما كان وابنة عمه قضى فكان فإنهما كبرا وترعرعا حتى صار كأنهما غصنان مثمران أو قمران أزهران.
وبلغنا من العمر خمسة عشر عاماً وكانت قضى فكان من أحسن البنات المخدرات، بوجه جميل وخصر نحيل وردف ثقيل وريق كالسلسبيل وقد رشيق وثغر ألذ من الرحيق كما قال فيها بعض واصفيها هذين البيتين:
كان سلاف الخمر من ريقها بدت
وعنقودها من ثغرها الدر يقطف
وأعنابها مالت إذا ما ثـنـيتـهـا
فسبحان خلاق لـهـا لا يكـيف
وقد جمع الله كل المحاسن فيها فقدها يخجل الأغصان والورد يطلب من خدها الأمان وأما الريق فإنه يهزأ بالرحيق تسر القلب والناظر كما قال فيها الشاعر:
مليحة الوصف قد تمت محاسنها
أجفانها تفضح التكحيل بالكحل
كأن ألحاظها في قلب عاشقهـا
سيف بكف أمير المؤمنين علي
وأما كان ما كان فإنه كان بديع الجمال فائق الكمال عز في الحسن عن مثال الشجاعة تلوح بين عينيه تشهد له لا عليه وقيل كل القلوب إليه وحين اخضر منه العذار كثرت فيه الأشعار كقول بعضهم:
ما بان عذري فيه حتـى عـذرا
ومشى الدجى في خده متحـيرا
فأعجب لهم شهدوا ومسكنهم لظى
ولباسهم فيها الحرير الأخضـر
واتفق في بعض الأعياد أن قضى فكان خرجت تعيد على بعض أقاربها من الدولة والحواري حواليها، والحسن قد عمها وورد الخد يحسد خالها والأقحوان يبتسم عن بارق ثغرها فجعل كان ما كان يدور حولها ويطلق النظر إليها وهي كالقمر الزاهر فقوى جنانه بالشعر لسانه وأنشد هذين البيتين:
متى يشتفي قلب الدنو من الـبـعـد
ويضحك ثغر الوصل من زائد الصد
فيا ليت شعري هـل أبـيتـن لـيلة
بوصل حبيب عنده بعض ما عنـدي
فلما سمعت قضى فكان هذا الشهر أظهرت له الملامة والعتاب وتوعدته بأليم العقاب فاغتاظ كان ما كان وعاد إلى بغداد وهو غضبان ثم طلعت قضى فكان إلى قصرها وشكت ابن عمها إلى أمها فقالت لها: يا بنتي لعله ما أرادك بسوء وهل هو إلا يتيم ومع هذا لم يذكر شيئاً يعيبك فإياك أن تعلمي بذلك أحداً، فربما بلغ الخبر إلى السلطان فيقصر عمره ويخمد ذكره ويجعل أثره كأمس الدابر والميت الغابر وشاع في بغداد حب كان ما كان لقضى فكان وتحدثت به النسوان ثم إن كان ما كان ضاق صدره وقل صبره اشتغل باله ولم يخف على الناس حاله واشتهى أن يبوح بما في قلبه من لوعة البين فخاف من غضبها وأنشد هذين البيتين:
إذا خفت يوماً عتاب التـي
تغير أخلاقها الـصـافـية
صبرت عليها كصبر الفتى
على الكي في طلب العافية
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:01 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب الكبير لما صار سلطان، ثم أنه بلغه حب كان ما كان لقضي فكان فندم على جعلهما معاً في محل واحد.
ثم دخل على زوجته نزهة الزمان وقال: إن الجمع بين الخلفة والنار لمن أعظم الأخطار وليست الرجال على النساء بمؤتمنين ما دامت العيون في عج والمعاطف في لين وابن أخيك كان ما كان قد بلغ مبلغ الرجال فيجب منعه عن الدخول على ربات الحجال ومنع ابنتك عن الرجال أوجب لأن مثلها ينبغي أن يحجب. فقالت: صدقت أيها الملك العاقل والهمام الكامل فلما أصبح الصباح جاء كان ما كان ودخل على عمته نزهة الزمان على جري عادته وسلم عليها، فردت عليه السلام وقالت له: عندي لك كلام ما كنت احب أن أقوله لك. ولكن أخبرك به رغماً عني. فقال لها: وما ذاك الكلام؟ قالت: إن الملك سمع بحبك لقي فكان فأمر بحجبها عنك وإذا كان لك حاجة فأنا أرسلها إليك من خلف الباب ولا تنظر قضي فكان.
فلما سمع كلامها رجع ولم ينطق بحرف واحد وأعلم والدته بما قالته عمته فقالت له: إنما نشأ هذا من كثرة كلامك وقد علمت أن حديث حبك لقضي فكان شاع وانتشر في كل مكان وكيف تأكل زادهم بعد ذلك وتعشق ابنتهم؟ فقال: إني أريد الزواج بها لأنها بنت عمي وأنا أحق بها فقالت له أمه: أسكت لئلا يصل الخبر إلى الملك سلسان فيكون ذلك سبباً لغرقك في بحر الأحزان وهم يبعثوا لنا في هذه الليلة عشاء ولو كنا في بلد غير هذه لمتنا من ألم الجوع أو ذل السؤال.
فلما سمع كان ما كان كلام أمه زادت بقلبه الحسرات وأنشد هذه الأبيات:
أقلي من اللوم الـذي لا يفـارق
فقلبي إلى من تيمتني مفـارق
ولا تطلبي عند الـصـبـر ذرة
فصبري وبيت الله من طالـق
إذا سامني اللوام نهيا عصيتهـم
وهاأنا في دعوى المحبة صادق
وقد منعوني عنوة أن أزورهـا
وإني والرحمن ما أنا فـاسـق
وإن عظامي حين تسمع ذكرها
تشابه طيراً خلقهـن بـواشـق
ألا قل لمن قد لام في الحب أنني
وحق إلهي لبنت عمي لعاشـق
ولما فرغ من شعره قال لأمه: ما بقي لي عند عمتي ولا عند هؤلاء القوم مقام بل أخرج من القصر وأسكن في أطراف المدينة بجوار قوم صعاليك، ثم خرج وفعل كما قال وصارت أمه تتردد إلى بيت الملك سلسان وتأخذ منه ما تقتات به هي وإياه.
ثم إن قضي فكان اختلت بأم كان ما كان وقالت لها: يا امرأة عمي، كيف حال ولدك؟ فقالت: أنه باكي العين حزين القلب ليس له من أسر الغرام فكاك ومقتنص من هواك في أشراك، فبكت قضي فكان وقالت: والله ما هجرته بغضاً له ولكن خوفاً عليه من الأعداء وعندي من الشوق أضعاف ما عنده ولولا عثرات لسانه وخفقان جنانه ما قطع أبي عنه إحسانه وأولاه منعه وحرمانه ولكن أيام الورى دول والصبر في كل الأمور أجمل ولعل من حكم بالفراق أن يمن علينا بالتلاق. ثم أفاضت دمع العين وأنشدت هذين البيتين:
فعندي يا ابن عمي من غرامي
كأمثال الذي قد حل عـنـدك
ولكن كتمت عن الناس وجدي
فهلا كنت أنت كتمت وجدك
فشكرتها أم كان ما كان وخرجت من عندها وأعلمت ولدها كان ما كان بذلك فزاد شوقه إليها وقال: ما أبدلها من الحور بألفين وأنشد هذين البيتين:
فو الله لا أصغي إلى قـوم لائم
ولا بحت بالسر الذي كنت كاتما
وقد غاب عني من أرجى وصاله
وقد سهرت عيني وقد بات نائما
ثم مضت الأيام والليالي وهو يتقلب على جمر المقالي حتى مضى له من العمر سبعة عشر عاماً وقد كمل حسنه، ففي بعض الليالي أخذه السهر وقال في نفسه: ما لي أرى جسمي يذوب وإلى متى لا أقدر على نيل المطلوب وما لي عيب سوى عدم الجاه والمال. ولكن عند الله بلوغ الآمال، فينبغي أن أشرد نفسي عن بلادها حتى تموت أو تحظى بمرادها. ثم أضمر هذه العزمات وأنشد هذه الأبيات:
دع مهجتي تزداد في خفقانـهـا
ليس التذلل في الورى من شأنها
واعذر فإن حشاشتي كصحـيفة
لا شك أن الدمع من عنوانـهـا
ها بنت عمي قد بـدت حـورية
نزلت إلينا عن رضا رضوانهـا
من رام ألحاظ العيون معارضـاً
فتكاتها لم ينج من عـدوانـهـا
سأسير في الأرض الوسيعة منقذاً
نفسي وأمنحها سوى حرمانهـا
وأعود مسرور الفؤاد بمطلـبـي
وأقاتل الأبطال في مـيدانـهـا
ولسوف أشتاق الغـنـائم عـائداً
وأصول مقتدراً على أقرانـهـا
ثم إن كان ما كان خرج من القصر حافياً في قميص قصير الأكمام وعلى رأسه لبدة لها سبعة أعوام وصحبته رغيف له ثلاثة أيام، ثم سار في حندس الظلام حتى وصل إلى باب بغداد فوقف هناك. ولما فتحوا باب المدينة كان أول من خرج منه، ثم صار يقطع الأودية والقفار في ذلك النهار ولما أتى الليل طلبته أمه فلم تجده فضاقت عليها الدنيا باتساعها ولم تلتذ بشيء من متاعها ومكثت تنتظر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم إلى أن مضى عشرة أيام فلم تر له خبراً فضاق صدرها ونادت قائلة: يا مؤنسي قد هيجت أحزاني حيث فارقتني وتركت أوطاني يا وولدي من أي الجهات أناديك؟ ويا هل ترى أي بلدٍ يأويك؟ ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات:
علمنا بأن بعد غيبـتـكـم نـبـلـى ومدت قسى للفراق لـنـا نـبـلا
وقد خلفوني بعـد شـد رحـالـهـم أعالج كرب الموت إذ قطعوا الرملا
لقد هتف بي حنـين لـيل حـمـامة مطوقة ناحت فقلت لهـا مـهـلا
لعمرك لو كانت كمثـلـي حـزينة لما لبست طوقاً ولا خضبت رجـلا
وفارقني ألفي فـألـفـيت بـعـده دواعي الهم لا تفارقـنـي أصـلا
ثم أنها امتنعت من الطعام والشراب وزادت في البكاء والانتحاب وصار بكائها على رؤوس الأشهاد. واشتهر حزنها بين العباد والبلاد، وصار الناس يقولون أين عينك يا ضوء المكان ويا ترى ما جرى على كان ما كان حتى بعد عن وطنه وخرج من المكان. وكان أبوه يشبع الجيعان ويأمر بالعدل والإحسان، ووصل خبر كان ما كان إلى الملك سلسان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:02 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان وصل إليه خبر كان ما كان من الكبار وقال: إنه ولد ملكنا ومن ذرية الملك عمر النعمان وقد بلغنا أنه تغرب عن الأوطان. فلما سمع الملك سلسان هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً وتذكر إحسان أبيه إليه وانه أوصاه عليه فحزن على كان ما كان وقال: لابد من التفتيش عليه في سائر البلاد ثم بعث في طلبه الأمير تركاش في مائة فارس فغاب عشرة أيام ثم رجع وقال له: ما اطلعت له على خبر ولا وقفت له على أثر. فحزن عليه الملك سلسان حزناً شديداً، وأما أمه فإنها صارت لا يقر لها قرار ولا يطاوعها اصطبار وقد مضى له عشرون يوماً. هذا ما كان من أمر هؤلاء.
و أما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لما خرج من بغداد صار متحيراً في أمره ولم يدر إلى أين يتوجه، ثم إنه سافر في البر ثلاثة أيام وحده ولم ير راجلاً ولا فارساً فطار رقاده وزاد سهاده وتفكر أهله وبلاده وصار يتقوت من نبات الأرض ويشرب من أنهارها ويقبل وقت الحر تحت أشجارها، ثم خرج من تلك الطريق إلى طريق أخرى وسار فيها ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أشرف على أرض معشبة الفلوات مليحة النبات وهذه الأرض قد شربت من كؤوس الغمام على أصوات القمري والحمام فاخضرت رباها وطاب فلاها فتذكر كان ما كان بلاد أبيه فأنشد من فرط ما هو فيه:
خرجت وفي أملي عودة ولكني لست أدري متى
وشردني أنني لـم أجـد سبيلاً إلى دفع ما قد أتى
فلما فرغ من شعره أكل من ذلك النبات وتوضأ وصلى ما كان عليه من الفريضة وجلس يستريح ومكث طول ذلك النهار، فلما جاء الليل نام واستمر نائماً إلى نصف الليل ثم انتبه فسمع صوت إنسان ينشد هذه الأبيات:
ما العيش إلا أن يرى لك بارق من ثغر من تهوى ووجه رائق
والموت أسهل من صدود حبيبة لم يغشني منها خـيال طـارق
يا فرحة الندماء حيث تجمعـوا وأقام معشوق هناك وعاشـق
لا سيما وقت الربـيع وزهـره طاب الزمان بما إليه تسابـق
يا شارب الصهباء دونك ما ترى أرض مزخرفة ومـاء دافـق
فلما سمع كان ما كان هذه الأبيات هاجت به الأشجان وجرت دموعه على خده كالغدران وانطلقت من قلبه النيران فقام ينظر قائل هذا الكلام فلم ير أحداً في جنح الظلام فأخذه القلق ونزل في مكانه إلى أسفل الوادي ومشى على شاطئ النهر فسمع صاحب الصوت يصعد الزفرات وينشد هذه الأبيات:
إن كنت تضمر ما في الحب إشفاقاً فأطلق الدمع يوم البين إطـلاقـا
بيني وبين أحبائي عـهـود هـوى لذا إليهم أظل الدهر مـشـتـاقـا
يرتاح قلبي إلى تيم ويطـربـنـي نسيم تيم إذا مـا هـب أشـواقـا
يا سعد هل ربة الخلخال تذكرنـي بعد البعاد لنا عـهـداً ومـيثـاقـا
وهل تعود ليالي الوصل تجمعـنـا يوماً ويشرح كل بعضٍ ما لاقـى
قالت فتنت بنا وجدا فقلـت لـهـا كم قد فتنت رعاك الله عـشـاقـا
لا متع الله طرفي في محاسنـهـا إن كان من بعدها طيب الكرى ذاقا
يا لسعة في فؤادي ما رأيت لـهـا سوى الوصال ورشف الثغر ترياقا
فلما سمع كان ما كان هذه الأشعار من صاحب الصوت ثاني مرة ولم ير شخصه عرف أن القائل عاشق منع من الوصول إلى من يحبه فقال في نفسه: لعلي اجتمع بهذا فيشكو كل واحد لصاحبه وأجعله أنيسي في غيبتي، ثم تنحنح ونادى: أيها السائر في الليل العاكر تقرب مني وقص علي لعلك تجدني معيناً لك على بليتك. فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام أجابه قائلاً: أيها المنادي السامع لإنشادي من تكون من الفرسان وهل أنت من الأنس أو الجان؟ فعجل علي بكلامك قبل دنو حمامك وامش، فقال كان ما كان: لاتفعل يا أخا العرب لأن أهلي لا يشتروني بفضة ولا ذهب وأنا رجل فقر ولا معي قليل ولا كثير فدع عنك هذه الأخلاق واتخذني من الرفاق واخرج بنا من أرض العراق. فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام وكان اسمه صباح غضب وزاد به الالتهاب وقال له: ويلك تراددني في الجواب يا أخس الكلاب، أدر كتافك وإلا أنزلت عليك العذاب، فتبسم كان ما كان وقال: كيف أدير الكتاف، أما عندك أوصاف؟ أما تخشى معايرة العربان حيث تأسر غلاماً بالذل والهوان وما اختبرته في حومة الميدان وعلمت أهو فارس أم جبان؟.
فضحك صباح وقال: يا الله العجب إنك في سن الغلام ولكنك كبير الكلام لأن هذا القول لا يصدر إلا عن البطل المصدام. فقال كان ما كان: الإنصاف أنك إذا شئت أخذي أسيراً خادماً لك أن ترمي سلاحك وتخفف لباسك وتصارعني وكل من صرع صاحبه بلغ منه مرامه وجعله غلامه.
فضحك صباح وقال: ما أظن كثرة كلامك إلا لدنو حمامك، ثم رمى سلاحه وشمر أذياله ودنا من كان ما كان وتجاذبا فوجده البدوي يرجح عليه كما يرجح للقنطار على الدينار، ونظر إلى ثبات رجليه في الأرض فوجدهما كالمأذنتين المؤسستين أو الجبلين الراسخين فعرف في نفسه قصر باعه وندم على الدنو من صراعه وقال في نفسه: ليتني قاتلته بسلاحي، ثم إن كان ما كان قبضه وتمكن منه وهزه فأحس أن أمعاءه تقطعت في بطنه.
فصاح أمسك يدك يا غلام فلم يلتفت إلى ما أبداه من الكلام بل حمله من الأرض وقصد به النهر فناداه صباح قائلاً: أيها البطل ما تريد أن تفعل بي قال: أريد أن أرميك في هذا النهر فإنه يوصلك إلى دجلة، والدجلة يوصلك إلى نهر عيسى ونهر عيسى يوصلك إلى الفرات والفرات يلقيك إلى بلادك فيراك قومك فيعرفونك ويعرفون مروءتك وصدق محبتك. فصاح صباح ونادى: يا فارس البطاح لا تفعل فعل القباح أطلقني بحياة بنت عمك سيدة الملاح فحطه كان ما كان في الأرض فلما رأى نفسه خالصاً ذهب إلى ترسه وسيفه وأخذهما وصار يشاور نفسه على الهجوم عليه فعرف كان ما كان ما يشاور نفسه عليه فقال له: قد عرفت ما في قلبك حيث أخذت سيفك وترسك فإنه قد خطر ببالي أنه ليس لك يد في الصراع تطول، ولو كنت على فرس تجول لكنت بسيفك تصول وهاأنا أبلغك ما تختار حتى لا يبقى في قلبك إنكار فأعطني الترس واهجم علي بسيف فإما تقتلني أو أقتلك. فرمى الترس وجرد سيفه وهجم به على كان ما كان فتناول الترس بيمينه وصار يلاقي به عن نفسه وصار صباح يضربه ويقول: مابقي إلا هذه الضربة الفاصلة فيتلقاها كان ما كان وتروح ضائعة ولم يكن مع كان ما كان ما يضرب به ولم يزل صباح يضرب بالسيف حتى كلت يده وعرف كان ما كان ضعف قوته وانحلال عزيمته فهجم عليه وهزه وألقاه في الأرض وكتفه بحبائل سيفه وجره من رجليه إلى جهة النهر. فقال صباح: ما تريد أن تصنع بي يا فارس الزمان وبطل الميدان؟ قال: ألم أقل لك أنني أرسلك إلى قومك في النهر حتى لا يشغل خاطرهم عليك وتتعوق عن عرس بنت عمك فتضجر صباح وبكى وصاح وقال: لا تفعل بي يا فارس الزمان واجعلني لك من بعض الغلمان. ثم أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين:
تغربت عن أهلي فيا طول غربتي ويا ليت شعري هل أموت غريبا
أموت وأهلي ليس تعرف مقتلـي وأودي غريباً لا أزور حـبـيبـا
فرحمه كان ما كان، وأطلقه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أنه يصحبه في الطريق ويكون له نعم الرفيق، ثم إن صباحاً أراد أن يقبل يد كان ما كان فمنعه من تقبيلها، ثم قام البدوي إلى جرابه وفتحه وأخذ منه ثلاث قرصات شعير وحطها قدام كان ما كان وجلس معه على شاطئ النهر وأكلا مع بعضهما، ثم توضأ وصليا وجلسا يتحدثان فيم ألقياه من صروف هذا الزمان.
فقال كان ما كان للبدوي: أين تقصد؟ فقال صباح: أقصد بغداد بلدك، وأقيم بها حتى يرزقني الله بالصداق فقال له: دونك والطريق. ثم ودعه البدوي وتوجه في طريق بغداد وأقام كان ما كان وقال في نفسه: يا نفسي أي وجه للرجوع مع الفقر والفاقة والله لا أرجع خائباً ولابد لي من الفرج إن شاء الله تعالى، ثم تقدم إلى النهر وتوضأ وصلى. فلما سجد ووضع جبهته على التراب ونادى به ربه قائلاً: اللهم منزل القطر ورازق الدود في الصخر أسألك أن ترزقني بقدرتك ولطيف رحمتك ثم سلم من صلاته وضاق به كل مسلك.
فبينما هو جالس يلتفت يميناً وشمالاً وإذا بفارس أقبل على جواد، وقد اقتعد ظهره وأرخى عنانه فاستوى كان ما كان جالساً وبعد ساعة وصل إليه الفارس وهو في آخر نفس لأنه كان به جرح بالغ. فلما وصل إليه جرى دمعه على خده مثل أفواه القرب وقال لكان ما كان: يا وجه العرب اتخذني ما عشت لك صديقاً فإنك لا تجد مثلي واسقني قليلاً من الماء، وإن كان شرب الماء لا يصلح للجروح سيما وقت خروج الروح وإن عشت أعطيتك ما يدفع فقرك وإن مت فأنت المسعود بحسن نيتك وكان تحت الفارس حصان يتحير في حسنه الإنسان ويكل عن وصفه اللسان وله قوائم مثل أعمدة الرخام معد ليوم الحرب والزحام، فلما نظر كان ما كان إلى ذلك الحصان أخذه الهيام وقال في نفسه: إن هذا الحصان لا يكون في هذا الزمان ثم أنه أنزل الفارس ورفق به وجرعه يسيراً من الماء ثم صبر عليه حتى أخذ الراحة وأقبل عليه وقال له: من الذي فعل بك هذه الفعال؟ فقال الفارس: أن أخبرك بحقيقة الحال. إني رجل سلال غيار طول دهري أسل الخيل وأختلسها في الليل والنهار واسمي غصان آفة كل فرس وحصان وقد سمعت بهذا الحصان في بلاد الروم عند الملك أفريدون وقد سماه بالقانون ولقبه بالمجنون وقد سافرت إلى القسطنطينية من أجله وصرت أراقبه فبينما أنا كذلك إذ خرجت عجوز معظمة عند الروم وأمرها عندهم في الخداع متناهي تسمى شواهي ذات الدواهي، ومعها هذا الجواد وصحبتها عشرة عبيد لا غير برسم خدمة هذا الحصان وهي تقصد بغداد تريد الدخول على الملك سلسان لتطلب منه الصلح والأمان، فخرجت في أثرهم طمعاً في الحصان وما زلت أتابعهم، ولا أتمكن من الوصول إليه لأن العبيد شداد الحرس عليه إلى أن أتوا تلك البلاد وخفت أن يدخلوا مدينة بغداد، فبينما أنا أشاور نفسي في سرقة الحصان إذ طلع عليهم غبار حتى سد الأقطار ثم انكشف الغبار عن خمسين فارساً مجتمعين لقطع الطريق على التجار ورئيسهم يقال لهم كهرداش ولكنه في الحرب كأسد يجعل الأبطال كالفراش. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:03 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الفارس المجروح قال لكان ما كان: فخرج على العجوز ومن معها كهرداش ثم أحاط بهم وهاش وناش فلم تمض ساعة حتى ربط العشرة عبيد والعجوز وتسلم الحصان وسار بهم وهو فرحان فقلت في نفسي: قد ضاع تعبي وبلغت أربي ثم صبرت حتى أنظر ما يؤول الأمر إليه.
فلما رأت العجوز روحها في الأسر بكت وقالت لكهرداش: أيها الفارس الهمام والبطل الضرغام ماذا تصنع بالعجوز والعبيد وقد لغت من الحصان ما تريد؟ وخادعته بلين الكلام، وحلفت أنها تسوق له الخيل والأنعام فأطلقها هي والعبيد، ثم سار هو والعبيد وأصحابه وتبعتهم حتى وصلت إلى هذه الديار وانا ألاحظه. فلما وجدت إليه سبيلاً سرقته وركبته، وأخرجت من مخلاتي سوطاً فضربته، فلما أحسوا بيلحقوني وأحاطوا بي من كل مكان ورموني بالسهام والسنان وأنا ثابت عليه وهو يقاتل عني بيديه ورجليه إلى أن خرج بي من بينهم مثل النجم الطارق والسهم الراشق، ولكن لما اشتد الكفاح أصابني بعض الجراح وقد مضى لي على ظهره ثلاثة أيام ولم أستطعم بطعام وقد ضعفت مني القوى وهانت علي الدنيا أحسنت إلي وأشفقت علي وأراك عاري الجسد ظاهر عليك الكمد، ويلوح عليك أثر النعمة فما يقال لك؟.
فقال: أنا يقال لي كان ما كان ابن الملك ضوء المكانبن الملك عمر النعمان قد مات والدي وربيت يتيماً وتولى رجل لئيم وصار ملكاً على الحقير والعظيم ثم حدثه بحديثه من أوله إلى آخره. فقال الرجل السلال وقد رق له: إنك ذو حسب عظيم وشر جسيم وليس لك شأن وتصير أفرس هذا الزمان فإن قدرت أن تحملني وتركب ورائي وتوديني إلى بلادي يكن لك الشرف في الدنيا والجر في يوم التناد فإنه لم يبق لي قوة أمسك بها نفسي وإن أمت في الطريق فزت بهذا الحصان وأنت أولى به من كل إنسان. فقال له كان ما كان والله لو قدرت أن أحملك على أكتافي لفعلت ولو كان عمري بيدي لأعطيتك نصفه من غير هذا الجواد لأني من أهل المعروف وإغاثة الملهوف وفعل الخير لوجه الله تعالى يسد سبعين باباً من البلاء، وعزم على أن يمله على الحصان ويسير متوكلاً على اللطيف الخبير. فقال له: اصبر علي قليلاً ثم أغمض عينيه وفتح يديه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله وتهيأ للممات وأنشد هذه الأبيات:
ظلمت العباد وطفـت الـبـلاد وأمضيت عمري بشرب الخمور
وخضت السيول لسل الـخـيول وهدم الطلول بفعل الـنـكـور
وأمري عظيم وجرمي جـسـيم وفاتول منـي تـمـام الأمـور
وأملت أنـي أنـال الـمـنـى بذاك الحصان فأعيا مـسـيري
وطول الحـياة أسـل الـخـيول فكانت وفاتي عـنـد الـغـدير
وآخر أمـري أنـي تـعـبـت لرزق الغري اليتيم الـفـقـير
فلما فرغ من شعره أغمض عينيه وفتح فاه وشهق شهقة ففارق الدنيا فحفر له كان ما كان حفرة وواراه التراب، ثم مسح وجه الحصان ورآه لا يوجد في حوزة الملك سلسان، ثم أتته الأخبار من التجار بجميع ما جرى في غيبته بين الملك سلسان والوزير دندان خرج عن طاعة الملك سلسان هو ونصف العسكر وحلفوا أنهم ما لهم سلطان إلا كان ما كان واستوثق منهم بالأيمان ودخل بهم إلى جزائر الهند والبربر وبلاد السودان واجتمع معهم عساكر مثل البحر الزاخر لا يعرف لهم أول من آخر وعزم على أن يرجع بجميع الجيوش إلى البلاد ويقتل من يخالفه من العباد وأقسم أنه لا يرد سيف الحرب إلى غمده حتى يملك كان ما كان.
فلما بلغته هذه الأخبار غرق في بحر الأفكار، ثم إن الملك سلسان علم أن الدولة انحرفت عليه الكبار والصغار فغرق في بحر الهموم والأكدار وفتح الخزائن وفرق على أرباب الدولة الأموال والنعم وتمنى أن يقدم عليه كان ما كان ويجذب قلبه إليه بالملاطفة والإحسان ويجعله أميراً على العساكر الذين لم يزالوا تحت طاعته لتقوى به شرارة جمرته، ثم إن كان ما كان لما بلغه ذلك الخبر من التجار رجع مسرعاً إلى بغداد على ظهر ذلك الجواد.
فبينما الملك سلسان في ربكته حيران إذ سمع بقدوم كان ما كان فأخرج جميع العساكر ووجهاء بغداد ولاقوه ومشوا قدامه إلى القصر ودخلت الطواشية بالأخبار إلى أمه فجاءت إليه وقبلته بين عينيه، فقال: يا أماهد عيني أمضي إلى عمي السلطان سلسان الذي غمرني بالنعمة والإحسان.
ثم إن أرباب الدولة تحيروا في وصف ذلك الحصان وفي وصف صاحبه سيد الفرسان وقالوا للملك سلسان: أيها الملك إننا ما رأينا مثل هذا الإنسان ثم ذهب الملك سلسان وسلم عليه.
فلما رآه كان ما كان مقبلاً عليه قام إليه وقبل يديه ورجليه وقدم إليه الحصان هدية فرحب به وقال: أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان، والله لقد ضاقت بي الأرض لأجل غيبتك والحمد لله على سلامتك.
و أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:04 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان قال أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان والله لقد ضاقت بي الأرض لجل غيبتك والحمد لله على سلامتك، ثم نظر السلطان إلى هذا الحصان المسمى القانون، فعرف أنه الحصان الذي رآه سنة كذا وكذا في حصار عبدة الصلبان مع أبيه ضوء المكان حين قتل عمه شركان وقال له لو قدر عليه أبوك لاشتراه بألف جواد ولكن الآن عاد العز إلى أهله وقد قبلناه ومنا لك وهبنا هو أنت أحق به من كل إنسان لأنك سيد الفرسان. ثم أمر أن يحضر لكان ما كان خلعة سنية وجملة من الخيل وأفرد له في القصر أكبر الدور وأقبل عليه العز والسرور. وأعطاه مالاً جزيلاً وأكرمه غاية الإكرام لأنه كان يخشى عاقبة الوزير دندان ففرح بذلك كان ما كان وذهب عنه الذل والهوان ودخل بيته وأقبل على أمه وقال: يا أمي ما حال ابنة عمي، فقالت والله يا ولدي انه كان عندي من غيبتك ما شغلني عن محبوبتك فقال يا أمي اذهبي إليها وأبلي عليها لعلها تجود علي بنظرة فقالت له إن المطامع تذل أعناق الرجال فدع عنك هذا المقال لئلا يقضي بك إلى الوبال فأنا أذهب إليها ولأ أدخل بهذا الكلام عليها.
فلما سمع من أمه ذلك أخبرها بما قاله السلال من أن العجوز ذات الدواهي طرقت البلاد وعزمت على أن تدخل بغداد وقال هي التي قتلت عمي وجدي ولا بد أن أكشف العار وآخذ بالثأر ثم ترك أمه وأقبل على عجوز عاهرة محتالة ماكرة اسمها سعدانة وشكا إليها حاله وما تجده من حب قضي فكان وسألها أن تتوجه العجوز إليها وتستعطفها عليه، فقالت له العجوز سمعاً وطاعة ثم فارقته ومضت إلى قصر قضي فكان واستعطفت قلبها عليه، ثم رجعت إليه وأعلمته بأن قضي فكان تسلم عليه ووعدتها أنها في نصف الليل تجيء إليه.
و أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:05 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت لكان ما كان بأنها ستجيء إليك في نصف الليل ففرح لوعد ابنة عمه قضي فكان، فلما جاء نصف الليل أتته بملاءة سوداء من الحرير ودخلت عليه ونبهته من نومه وقالت له كيف تدعي أنك تحبني وأنت خلي البال نائم على أحسن حال، فانتبه وقال والله يا منية القلب أني ما نمت إلا طمعاً في أن يزورني منك طيف الخيال فعند ذلك عاتبت بعتاب لطيف
لو كنت تصدق في المحبة ما جنحت إلى المـنـام
يا مدعي طرق المحـبة في المـودة والـغـرام
والله يا ابـن الـعـم مـا رقدت عيون المستهـام
فاستحيا منها كان ما كان، وتعانقا وتشاكيا ألم الفراق وعظيم الوجد والاشتياق ولم يزالا كذلك إلى أن بدت غرة الصباح وطلع الفجر ولاح فبكى كان ما كان بكاءً شديداً وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
فيا زائري من بعد فرط صـدوده وفي الثغر منه الدر في نظم عقده
فقبلته ألـفـاً وعـانـقـت قـده وبت وخدي لاصق تحـت خـده
إلى أن بدا نور الصباح فراعـنـا كحد حسام لاح من جوف غمـده
فلما فرغ من شعره ودعته قضي فكان ورجعت إلى خدرها وأظهرت بعض الجواري على سرها فذهبت جارية منهن إلى الملك سلسان وأعلمته بالخبر فتوجه إلى قضي فكان وجرد عليها الحسام وأراد أن يضرب عنقها فدخلت عليه أمها نزهة الزمان، وقالت له بالله لا تفعل بها ضرراً فإنك إن فعلت بها ضرراً يشيع الخبر بين الناس وتبقى معيرة عند ملوك الزمان وإن كان ما كان صاحب عرض ومروءة ولا يفعل أمراً يعاب عليه فاصبر ولا تعجل فإن أهل القصر وجميع بغداد قد ضاع عندهم أن الوزير دندان، قاد العسكر من جميع البلدان وجاء بهم ليملكوا كان ما كان.
فقال لها لابد أن أرميه في بلية بحيث لا أرض تقله ولا سماء تظلله وإني ما طيبت خاطره إلا لأجل أهل مملكتي، لئلا يميلوا إليه وسوف ترين ما يكون، ثم تركها وخرج يدير أمر مملكته هذا ما كان من أمر الملك سلسان. وأما كان ما كان فإنه أقبل على أمه في ثاني يوم وقال لها: يا أمي إني عزمت على شن الغارات وقطع الطرقات وسوق الخيل والنعم والعبيد والمماليك وإذا كثر مالي وحسن حالي خطبت قضي فكان من عمي سلسان، فقالت: يا ولدي إن أموال الناس غير سائبة، لأن دونها ضرب الصفاح وطعن الرمح ورجالاً تقتنص الأسود وتصيد الفهود فقال لها كان ما كان: هيهات أن أرجع عن عزيمتي إلا إذا بلغت منيتي ثم أرسل العجوز إلى قضي فكان ليعلمها أنه يريد السير حتى يحصل لها مهراً يصلح لها وقال للعجوز لابد أن تأتيني منها بالجواب. فقالت له: سمعاً وطاعة ثم ذهبت إليها ورجعت له بالجواب. وقالت له إنها في منتصف الليل تكون عندك فأقام سهران إلى نصف الليل من قلقه فلم يشعر إلا وهي داخلة عليه وتقول له: روحي فداك من السهر فنهض لها قائماً وقال: يا منية القلب روحي فداك من جميع الأسواء ثم أعلمها بما عزم عليه فبكت فقال لها: لا تبكي يا بنت العم فأنا الذي حكم علينا بالفراق أن يمن علينا بالتلاق والوفاق ثم إن كان ما كان أخذ في السفر ودخل عل أمه وودعها ونزل من القصر ونقله بسيفه ونعمم وتلثم وركب جواده القانون ومشى في شوارع المدينة وهو كالبدر حتى وصل إلى باب بغداد وإذا برفيقه صباح بن رباح خارج من المدينة، فلما رآه جرى في ركابه وحياه فرد عليه السلام فقال صباح يا أخي كيف صار لك هذا الجواد وهذا المال، وأنا الآن لا أملك غير سيفي؟ فقال له كان ما كان: لا يرجع الصياد بصيد إلا إلى قدر نبته وبعد فراقك بساعة حصلت لي السعادة وهل لك أن تأتي معي وتخلص النية في صحبتي ونسافر في تلك البرية؟ فقال: ورب الكعبة ما بقيت أدعوك إلا مولاي ثم جرى قدام الجواد وسيفه على عاتقه وجرابه بين كتفيه ولم يزالا سائرين في البر أربعة أيام وهما يأكلان من صيد الغزلان ويشربان من ماء العيون وفي اليوم الخامس أشرفا على تلٍ عال تحته مراتع فيهاإبل وغنم وبقر خيل قد ملأت الروابي والبطاح وأولادها الصغار تلعب حول المراح.
فلما رأى ذلك كان ما كان، زادت به الأفراح وامتلأ صدره بالإنشراح وعول على القتال وأخذ النياق والجمال فقال لصباح: انزل بنا على هذا المال الذي عن أهله وحيد ونقاتل دونه القريب والبعيد حتى يكون لنا في أخذه نصيب فقال صباح: يا مولاي إن أصحابه خلق كثير وجم غفير وفيهم أبطال من فرسان ورجال وإن رمينا أرواحنا في هذا الخطب الجسيم فإننا نكون من هوله على خطر عظيم فضحك كان ما كان وعلم أنه جبان فتركه وانحدر من الرابية عازماً على شن الغارات وترنم بإنشاد هذه الأبيات:
وآل نعمان هم ذوو الهـمـم
والسادة الضاربون في القسم
قوم إذا ما الهياج قام لـهـم
قاموا بأسواقه علـى قـدم
تنام عين الفقـير بـينـهـم
ولا يرى قبح صور العـدم
وإنني أرتـجـي مـعـاونة
من مالك الملك بارئ النسم
ثم حمل على ذلك المال مثل الجمل الهائج وساق جميع الإبل والبقر والغنم والخيل قدامه فتبادرت إليه العبيد بالسيوف النقال والرماح الطوال وفي أولهم فارس تركي إلا أنه شديد الحرب والكفاح عارف بأعمال سمر القنا وبيض الصفاح فحمل على كان ما كان وقال له: ويلك لو علمت لمن هذا المال ما فعلت هذه الفعال، اعلم أن هذه الأموال للعصابة الرومية والفرقة الجركسية الذين ما فيهم إلا كل بطل عابس وهم مائة فارس قد خرجوا عن طاعة كل سلطان وقد سرق منهم حصان وحلفوا بان لا يرجعوا من هنا إلا به.
فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صاح قائلاً: هذا هو الحصان الذي تعنون وأنتم له طالبون وفي قتالي بسببه راغبون فبارزوني كلكم أجمعون وشانكم وما تريدون، ثم صرخ بين أذني القانون فخرج عليهم مثل الغول وعطف على الفارس وطعنه فأخرج كلاه ومال على ثانٍ وثالث ورابع فأعدمهم الحياة فعند ذلك هابته العبيد فقال لهم: يا بني الزواني سوقوا المال والخيول وإلا خضبت من دمائكم سناني فساقوا المال وأخذوا في الانطلاق وانحدر إليه صباح وأعلن بالصياح وزادت به الأفراح وإذا بغبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وبان من تحته مائة فارس مثل الليوث العوابس. فلما رآهم صباح فر إلى الرابية وترك البطاح وصار يتفرج على الكفاح، وقال ما أنا بفارس إلا في اللعب والمزاح ثم إن المائة فارس داروا حول كان ما كان وأحاطوا به من كل مكان فتقدم إليه منهم وقال: أين تذهب بهذا المال؟ فقال له كان ما كان: دونك والقتال واعلم أم من دونه أسداً أروع وبطل صميدع وسيفاً أينما مال قطع فلما سمع الفارس ذلك الكلام لتفت إليه فرآه فارساً كالأسد الضرغام إلا أن وجهه بدر التمام وكان ذلك الفارس رئيس المائة فارس واسمه كهرداش.
فلما رأى كان ما كان مع كمال فروسيته بديع المحاسن يشبه حسنه حسن معشوقة له يقال لها فاتن وكانت من أحسن النساء وجهاً قد أعطاها الله من الحسن والجمال وكرم الخصال ما يعجز عن وصفه اللسان ويشغل قلب كل إنسان وكانت فرسان القوم تخشى سطوتها وأبطال ذلك القطر تخاف هيبتها وحلفت أنها لا تتزوج إلا من يقهرها وكان كهرداش من جملة خطابها فقالت لأبيها: ما يقربني إلا من يقهرني في الميدان وموقف الحرب والطعان. فلما بلغ كهرداش هذا القول اختشى أن يقاتل جارية وخاف من العار فقال في بعض خواصه: أنت كامل الخصال في الحسن والجمال فلو قاتلتها وكانت أقوى منك فإنك تغلبها لأنها إذا رأت حسنك وجمالك تنهزم قبالك حتى تملكها لأن النساء لهن غرض في الرجال ولا يخفى عنك هذا الحال، فأبى كهرداش وامتنع من قتالها واستمر على امتناعه من القتال إلى أن جرت له مع كان ما كان هذه الأفعال فظن أنه محبوبته فاتن قد عشقته لما سمعت بحسنه وشجاعته فتقدم إلى كان ما كان وقال: ويلك يا فاتن قد أتيت لتريني شجاعتك فانزلي عن جوادك حتى أتحدث معك فإني قد سقت هذه الأموال وقطعت الطريق على الفرسان والأبطال وكل هذا لحسنك وجمالك الذي ما له مثيل وتزوجيني حتى تخدمك بنات الملوك وتصيري ملكة هذه الأقطار.
فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صارت ناره غيظه في اضطرام وقال: ويلك يا كلب الأعجام دع فاتناً وما بها ترتاب وتقدم إلى الطعن والضراب فعن قليل تبقى على التراب ثم صال وجال وطلب الحرب والنزال فلما نظر كهرداش إليه علم أنه فارس همام وبطل مصدام وتبين خطأ ظنه حيث لاح له عذار أخضر فوق خده كآس نبت خلال ورد أحمر وقال للذين معه: ويلكم ليحمل واحد منكم عليه ويظهر له السيف البتار والرمح الخطار واعلموا أن قتال الجماعة للواحد عار ولو كان في سنان رمحه بشعلة نار فعند ذلك حمل عليه فارس تحته جواد أدهم بتحجيل وغرة كالدرهم يحير العقل والناظر كما قال فيه الشاعر:
قد جاءك المهر الذي نزل الوغى
جذلان يخلط أرضه بسـمـائه
وكأنما لطم الصبـاح جـبـينـه
واقتص منه فخاض في أحشائه
ثم إن الفارس حمل عليه كان ما كان وتجاولا في الحرب برهة من الزمان وتضاربا ضرباً يحير الأفكار ويغشي الأبصار فسبقه كان ما كان بضربة بطل شجاع قطعت منه العمامة والمغفر فمال عن جواده كأنه البعير إذا انحدر وحمل عليه الثاني والثالث والرابع والخامس ففعل بهم كالأول، ثم حمل عليه الباقون وقد اشتد بهم القلق وزادت الحرق فما كان إلا ساعة التقطهم بسنان رمحه. فنظر كهرداش إلى هذا الحال فخاف من الإرتحال وعرف من نفسه أن عنده ثبات الجنان واعتقد أنه أوجد الأبطال والفرسان فقال لكان ما كان: قد وهبت لك دمك ودم أصحابي فخذ من المال ما شئت واذهب إلى حال سبيلك فقد رحمتك لحسن شبابك والحياة أولى بك، فقال له كان ما كان: لا عدمت مروءة الكرام ولكن اترك عنك هذا الكلام وفز بنفسك ولا تخشى الملام ولا تطمع نفسك في رد الغنيمة واسلك لنجاة نفسك طريقة مستقيمة فعند ذلك اشتد بكهرداش الغضب وحصل عنده ما يوجب العطب فقال لكان ما كان: ويلك لو عرفت من أنا ما نطقت بهذا الكلام في حومة الزحام فاسأل عني الأسد البطاش المعروف بكهرداش الذي نهب الملوك الكبار وقطع الطريق على جميع السفار وأخذ أموال التجار وهذا الحصان الذي تحتك طلبتي وأريد أن تعرفني كيف وصلت إليه حتى استوليت عليه، فقال: اعلم أن هذا الجواد كان سائراً إلى عمي الملك سلسان تحت عجوز كبيرة ولنا عندها ثأر من جهة جدي الملك عمر النعمان وعمي الملك شركان، فقال كهرداش: ويلك ومن أبوك لا أم لك فقال: اعلم أني كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن عمر النعمان. فلما سمع كهرداش هذا الخطاب قال: لا يستنكر عليك الكمال والجمع بين الفروسية والجمال، ثم قال له: توجه بأمان فإن أباك كان فضل وإحسان فقال له كان ما كان: أنا والله ما أوقرك يا مهان، فاغتاظ البدوي ثم حمل كل منهما على صاحبه فشدت لهما الخيل أذانها ورفعت أذنابها ولم يزالا يصطدمان حتى ظن كل منهما أن السماء قد انشقت، ثم بعد ذلك تقاتلا ككباش النطاح واختلفت بينهما طعنات الرماح فحاوله كهرداش بطعنة فزاغ عنها كان ما كان ثم كر عليه وطعنه في صدره فطلع السنان يلمع من ظهره وجمع الخيل والأسلاب وصاح في العبيد: دونكم والسوق الشديد.
فنزل عند ذلك صباح وجاء إلى كان ما كان وقال له: أحسنت يا فارس الزمان إني دعوت لك واستجاب ربي دعائي، ثم إن صباح قطع رأس كهرداش فضحك كان ما كان وقال له: ويلك يا صباح إني كنت أظن أنك فارس الحرب والكفاح فقال: لا تنسى عبدك من هذه الغنيمة لعلي أصل بسببها إلى زواج بنت عمي نجمة فقال له: لا بد لك من نصيب ولكن كن محافظاً على الغنيمة والعبيد، ثم إن كان ما كان سار متوجهاً إلى الديار ولم يزل سائراً بالليل والنهار حتى أشرف على مدينة بغداد وعلمت به جميع الأجناد ورأوا ما معه من الغنيمة والأموال ورأس كهرداش على رمح صباح وعرف التجار رأس كهرداش ففرحوا وقالوا: لقد أراح الله الخلق منه لأنه كان قاطع الطريق وتعجبوا من قتله ودعوا لقاتله، وأتى أهل بغداد إلى كان ما كان بما جرى من الأخبار فهابته جميع الرجال وخافته الفرسان والأبطال وساق ما معه إلى أن أوصله تحت القصر وركز الرمح الذي عليه رأس كهرداش إلى باب القصر وهب للناس وأعطاهم الخيل والجمال فأحبه أهل بغداد ومالت إليه القلوب ثم أقبل على صباح وأنزله في بعض الأماكن الفساح ثم دخل على أمه وأخبرها بما جرى له في سفره.
وقد وصل إلى الملك خبره فقام من مجلسه واختلى بخواصه وقال لهم: اعلموا أني أريد البوح لكم بسري وأبدي لكم مكنون أمري اعلموا أن كان ما كان هو الذي يكون سبباً لانقلاعنا من هذه الأوطان لأنه قتل كهرداش مع أن قبائل من الأكراد والأتراك وأمرنا معه يل إلى الهلاك وأكثر خوفنا من أقاربه، وقد علمتم بما فعل الوزير دندان فإنه جحد معروفي بعد الإحسان وخانني في الأيمان وبلغني أنه جمع عساكر البلدان وقصد أن يسلطن كان ما كان لأن السلطنة كانت لأبيه وجده، ولا شك أنه قاتلي لا محالة. فلما سمع خواً مملكته منه هذا الكلام قالوا له: أيها الملك إنه أقل من ذلك ولولا أننا علمنا بأنه تربيتك لم يقبل عليه منا أحد واعلم أننا بين يديك إن شئت قتله قتلناه وإن شئت ابعاده أبعدناه، فلما سمع كلامهم قال: إن قتله هو الصواب ولكن لابد من أخذ الميثاق فتحالفوا على أنهم لا بد أن يقتلوا كان ما كان فإذا أتى الوزير دندان وسمع بقتله تضعف قوته عما هو عازم عليه. فلما أعطوه العهد والميثاق على ذلك أكرمهم غاية الإكرام ثم دخل بيته وقد تفرق عنه الرؤساء وامتنعت العساكر من الركوب والنزول حتى يبصروا ما يكون لأنهم رأوا غالب العسكر مع الوزير دندان، ثم إن الخبر وصل إلى قضى فكان فحصل عندها غم زائد وأرسلت إلى العجوز التي عادتها أن تأتيها من عند ابن عمها بالأخبار فلما حضرت عندها أمرتها أن تذهب إليه وتخبره بالخبر، فلما سمع ذلك قال: بلغي بنت عمي سلامي وقولي لها: إن الأرض لله عز وجل يورثها من يشاء من عباده، وما أحسن قول الشاعر:
الملك لله ومن يظفر بنيل منـي يردده قهر ويضمن عنده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة من التراب لكان الأمر مشتركا
فرجعت العجوز إلى بنت عمه وأخبرتها بما قاله وأعلمتها بأن كان ما كان أقام في المدينة، ثم إن الملك سلسان صار ينتظر خروجه من بغداد ليرسل وراءه من يقتله فاتفق أنه خرج إلى الصيد والقنص وخرج صباح معه لأنه كان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً فاصطاد عشر غزلان وفيهن غزالة حلاء العيون صارت تتلفت يميناً وشمالاً فأطلقها فقال له صباح: لأي شيء أطلقت هذه الغزالة؟ فضحك كان ما كان وأطلق الباقي وقال: إن من المروءة إطلاق الغزلان التي لها أولاد وما تتلفت تلك الغزالة إلا لأن لها أولاد فأطلقتها وأطلقت الباقي في كرامتها. فقال له صباح: أطلقني حتى أروح إلى أهلي فضحك وضربه بعقب الرمح على قلبه فوقع على الأرض يتلوى كاثعبان، فبينما هما كذلك وإذا بغبرة سائرة وخيل تركض وبان من تحتها فرسان شجعان وسبب ذلك أن الملك سلسان أخبروه أن كان ما كان خرج إلى الصيد والقنص فأرسل أمير من الديلم يقال له جامع ومعه عشرين فراساً ودفع لهم المال ثم أمرهم أن يقتلوا كان ما كان فلما قربوا منه حملوا عليه وحمل عليهم فقتلهم عن آخرهم وإذا بالملك سلسان ركب وسار ولحق بالعسكر فوجدهم مقتولين فتعجب ورجع وإذا بأهاليهم قبضوا عليه وشدوا وثاقه، ثم إن كان ما كان توجه بعد ذلك من المكان وتوجه معه صباح البدوي. فبينما هو سائر في صريقه رأى شاباً على باب داره فألقى كان ما كان عليه السلام فرد الشاب عليه السلام ثم دخل وخرج ومعه قصعتان إحداهما فيها لبن والثانية ثريد والسمن في جوانبها يموج ووضع القصعتين قدام كان ما كان وقال له: تفضل علينا بالأكل من زادنا فامتنع كان ما كان وقال له الشاب: مالك أيها الإنسان لا تأكل؟ فقال له كان ما كان: اعلم أن الملك سلسان غصب ملكي ظلماً وعدواناً ثم إن ذلك الملك كان لأبي وجدي من قبلي فاستولى عليه قهراً بعد موت أبي ولم يعتبرني لصغر سني فنذرت أنني لا آكل لأحد زاد حتى أشفي فؤادي من غريمي. فقال له الشاب: ابشر فقد وفى الله نذرك واعلم أنه مسجون في مكان وأظنه يموت قريباً، فقال له كان ما كان: في أي بيت هو معتقل؟ فقال له: في تلك القبة العالية فنظر كان ما كان إلى قبة عالية ورأى الناس في تلك القبة يدخلون وعلى سلسان يلطمون وهو يتجرع غصن المنون فقام كان ما كان ومشى حتى وصل إلى تلك القبة وعاين ما فيها ثم عاد إلى موضعه وقعد على الأكل وأكل ما تيسر ووضع ما بقي من اللحم في مزودة ثم جلس مكانه ولم يزل جالساً إلى أن أظلم الليل ونام الشاب الذي ضيفه ثم ذهب كان ما كان إلى القبة التي فيها سلسان وكان حولها كلاب يحرسونها فوثب عليه كلب من الكلاب فرمى له قطعة لحم من الذي في مزوده وما زال يرمي للكلاب لحماً حتى وصل إلى القبة وتوصل إلى أن صار عند الملك سلسان ووضع يده على رأسه، فقال له بصوت عال: من أنت؟ فقال: أن كان ما كان الذي سعيت في قتله فأوقعك الله في سوء تدبيرك أما يكفيك أخذ ملكي وملك أبي وجدي حتى تسعى في قتلي؟ فحلف له الملك سلسان الأيمان الباطلة أنه لم يسع في قتله وأن هذا الكلام غير صحيح فصفح عنه كان ما كان وقال له: اتبعني فقال: لا أقدر أن أخطو خطوة واحدة لضعف قوتي، فقال كان ما كان: إذا كان الأمر كذلك نأخذ لنا فرسين ونركب أنا وأنت ونطلب البر ثم فعل كما قال وركب هو وسلسان وسارا حتى الصباح ثم صليا الصبح وسارا ولم يزالا كذلك حتى وصلا إلى بستان فجعلا يتحدثان فيه ثم قام كان ما كان إلى سلسان وقال له: هل بقي في لقبك من أمر تكرهه؟ قال سلسان: لا والله ثم اتفقوا على أنهم يرجعا إلى بغداد.
فقال صباح البدوي أنا أسبقكما لأبشر الناس فسبق يبشر النساء والرجال فخرجت إليه الناس بالدفوف والمزامير وبرزت قضي فكان وهي مثل البدر بهي الأنوار في دياجي الإعتكار فقابلها كان ما كان وحنت الأرواح للأرواح واشتاقت الأشباح للأشباح ولم يبق لأهل القصر حديث إلا في كان ما كان وشهد له الفرسان أنه أشجع أهل الزمان وقالوا: لا يصلح أن يكون سلطاناً علينا إلا كان ما كان ويعود إلى ملك جده كما كان وأما سلسان فإنه دخل على نزهة الزمان فقالت له: إني أرى الناس ليس لهم حديث إلا في كان ما كان ويصفونه بأوصاف يعجز عنها اللسان. فقال لها: ليس الخبر كالعيان، فإني رأيته ولم أر فيه صفة من صفات الكمال وما كل ما يسمع يقال ولكن الناس يقلد بعضهم بعضاً في مدحه ومحبته وأجرى الله على ألسنة الناس مدحه حتى مالت إليه قلوب أهل بغداد والوزير دندان الغادر الخوان قد جمع له عساكر من سائر البلدان ومن الذي يكون صاحب الأقطار ويرضى أي يكون تحت يد حاكم يتيم ما له مقدار فقالت له نزهة الزمان: وعلى ماذا عولت؟ قال: عولت على قتله ويرجع الوزير دندان خائباً في قصده، ويدخل تحت أمري وطاعتي ولا يبقى له إلا خدمتي فقالت له نزهة الزمان: الغدر قبيح بالأجانب فكيف بالأقارب والصواب أن تزوجه ابنتك قضي فكان وتسمع ما قيل فيما مضى من الزمان:
إذا رفع الزمان عليك شخصـاً وكنت أحق فمنه ولو تصاعـد
أنله حتـى رتـبـتـه تـجـده ينيلك إن دنوت وإن تـبـاعـد
ولا تقـل الـذي تـدريه فـيه تكن ممن عن الحسنى تقاعـد
فكم في الخدر أبهى من عروسه ولكن للعروس الدهر سـاعـد
فلما سمع سلسان هذا الكلام وفهم الشعر والنظام قام مغضباً من عندها وقال: لولا أني أعرف أنك تمزحين لعلوت رأسك بالسيف وأخمدت أنفاسك، فقالت: حيث غضبت مني فأنا أمزح معك ثم وثبت إليه وقبلت رأسه ويديه وقالت له: الصواب ما تراه وسوف أتدبر أنا وأنت في حيلة نقتله بها. فلما سمع منها هذا الكلام فرح وقال لها: عجلي بالحيلة وفرجي كربتي فلقد ضاق علي باب الحيل فقالت له: سوف أتحيل لك على إتلاف مهجته فقال لها: بأي شيء؟ فقالت له: بجاريتنا التي اسمها باكون فإنها بالمكر ذات فنون وكانت هذه الجارية من أنحس العجائز وعدم الخبث في مذهبها غير جائز وكانت ربت كان ما كان وقضي فكان غير أن كان ما كان يميل إليها كثيراً ومن فرط ميله كان ينام تحت رجليها. فلما سمع الملك سلسان من زوجته هذا الكلام قال: إن هذا الرأي هو الصواب، ثم أحضر الجارية باكون وحدثها بما جرى وأمرها أن تسعى في قتله ووعدها بكل جميل، فقالت له: أمرك مطاع ولكن أريد يا مولاي أن تعطيني خنجراً قد سقي بماء الهلاك لأعجل لك بإتلافه فقال لها سلسان: مرحباً بك ثم أحضر لها خنجراً يكاد أن يسبق القضاء وكانت هذه الجارية قد سمعت الحكايات والأشعار وتحفظ النوادر والأخبار فأخذت الخنجر وخرجت من الديار مفكرة فيما يكون به الدمار وأتت إلى كان ما كان وهو قاعد ينتظر وعد السيدة قضي فكان وكان في تلك الليلة قد تذكر بنت عمه قضي فكان فالتهبت من حبها في قلبه النيران.
فبينما هو كذلك وإذا بالجارية باكون داخلة عليه وهي تقول: آن أوان الوصال ومضت أيام الإنفصال فلما سمع ذلك قال لها: كيف حال قضي فكان فقالت له باكون: اعلم أنها مشتغلة بحبك فعند ذلك قام كان ما كان إليها وخلع أثوابها عليها ووعدها بكل جميل فقالت له: اعلم أنني أنام عندك الليلة وأحدثك بما سمعت من الكلام وأسليك بحديث كل متيم أمرضه الغرام، فقال له كان ما كان: حدثيني بحديث يفرح به قلبي ويزول به كربي فقالت له باكون: حباً وكرامةً ثم جلست إلى جانبه وذلك الخنجر من داخل أثوابها، فقالت له: اعلم أن أعذب ما سمعت أذني أن رجلاً كان يعشق الملاح وصرف عليهن ماله حتى افتقر وصار لا يملك شيئاً فضاقت عليه الدنيا فصار يمشي في الأسواق ويفتش على شيء يقتات به بينما هو ماش وإذا بقطعة مسمار شكته في إصبعه فسال دمه فقعد ومسح الدم وعصب إصبعه ثم قال وهو يصرخ، حتى جاز على الحمام ودخلها ثم قلع ثيابه فلما صار داخل الحمام وجدها نظيفة فجلس على الفسقية وما زال ينزح الماء على رأسه إلى أن تعب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:05 PM
بلغني أيها الملك السعيد، ثم خرج إلى الحوض البارد فلم يجد أحداً فاختلى بنفسه وأطلع قطعة حشيش وبلعها فساحت في مخه فانقلب على الرخام وخيل له الحشيش أن مهتاراً كبيراً يكبسه وعبدين واقفان على رأسه واحد معه الطاسة والآخر معه آلة الحمام وما يحتاج إليه البلان فلما رأى ذلك قال في نفسه: كأن هؤلاء غلطوا في أو من طائفتنا الحشاشين، ثم إنه مد رجليه فتخيل له أن البلان قال له: يا سيدي قد أزف الوقت على طلوعك، واليوم نوبتك فضحك وقال في نفسه: ما شاء الله يا حشيش ثم قعد وهو ساكت، فقام البلان وأخذ بيده وأدار على وسطه مئزراً من الحرير الأسود ومشى وراءه العبدان بالطاسات والحوائج ولم يزالا به حتى أدخلاه الخلوة، وأطلقا فيها البخور فوجدها ملآنة من سائر الفواكه والمشموم، وشقا له بطيخة وأجلساه على كرسي من الآبنوس ووقف البلان يغسله والعبدان يصبان الماء ثم دلكوا دلكاً جيداً وقالوا له: يا مولانا الصاحب نعيم دائم، ثم خرجوا وردوا عليه الباب.
فلما خيل له ذلك قام ورفع المئزر من وسطه وصار يضحك إلى أن غشي عليه واستمر ساعة يضحك، ثم قال في نفسه: ما لهم يخاطبونني خطاب الوزير ويقولون: يا مولانا الصاحب فلعل الأمر التبس عليهم في هذه الساعة بعد ذلك يعرفونني ويقولون هذا زليط ويشبعون صكاً في رقبتي، ثم إنه استحمى وفتح الباب، فتخيل له أن مملوكاً صغيراً وطواشياً قد دخلا عليه فالمملوك معه بقجة ففتحها وأخرج منها ثلاث فوط من الحرير فرمى الأولى على رأسه والأخرى على أكتافه وحزمه بالثالثة، وقدم له الطواشي قبقاباً فلبسه وأقبلت عليه مماليكه وطواشيه وصاروا يستندونه وكل ذلك حصل وهو يضحك إلى أن خرج وطلع الليوان فوجد فرشاً عظيماً، لا يصلح إلا للملوك وتبادرت إليه الغلمان وأجلسوه على المرتبة وصاروا يكبسونه، حتى غلب عليه النوم.
فلما نام رأى في حضنه صبية فباسها ووضعها بين فخذيه وجلس منها مجلس الرجل من المرأة وقبض ذكره بيده وسحبها وعصرها تحت عنده وإذا بواحد يقول: إنتنبه يا زليط قد جاء الظهر وأنت نائم ففتح عينيه فوجد نفسه على الحوض البارد وحول هجماعة يضحكون عليه وعضوه قائم والفوطة انحلت من وسطه وتبين له كل هذا أضغاث أحلام أو تخيلات حشيش فاغتم ونظر إلى الذي نبهه وقال: كنت اصبر حتى أحطه فقال له الناس: أما تستحي يا حشاش وأنت نائم وذكرك قائم وصكوه حتى احمر قفاه وهو جيعان وقد ذاق طعم السعادة في المنام. فلما سمع كان ما كان من الجارية هذا الكلام ضحك حتى استلقى على قفاه وقال لباكون: يا دادتي إن هذا حديث عجيب فإني ما سمعت مثل هذه الحكاية فهل عندك غيرها؟ فقالت، ثم إن الجارية باكون لم تزل تحدث كان ما كان بمخاوف حكايات ونوادر مضحكات حتى غلبه النوم ولم تزل تلك الجارية جالسة عند رأسه حتى مضى غالب الليل فقالت في نفسها: هذا وقت تجوز الفرصة ثم نهضت وسلت الخنجر ووثبت على كان ما كان وأرادت ذبحه وإذ بأم كان ما كان دلت عليهما فلما رأتها باكون قامت لها واستقبلتها، ثم لحقها الخوف فصارت تنتفض كأنها الحمى فلما رأتها أم كان ما كان تعجبت ونبهت ولدها من النوم.
فلما استيقظ وجد أمه جالسة فوق رأسه وكان السبب في حياته مجيئها وسبب مجيء أمه أن قضي فكان سمعت الحديث والإتفاق على قتله فقالت لأمه: يا زوجة العم الحقي ولدك قبل أن تقتله العاهرة باكون وأخبرتها بما جرى من أوله إلى آخره فخرجت وهي لا تعقل شيئاً حتى دخلت في الساعة التي نام فيها وهمت باكون عليه تريد ذبحه فلما استيقظ قال لأمه: لقد جئت يا في وقت طيب ودادتي باكون حاضرة عندي في تلك الليلة، ثم التفت إلى باكون وقال لها: بحياتي عليك هل تعرفين حكاية أحسن من هذه الحكاية التي جدلتيني بها؟ فقالت له: وأين ما حدثتك به سابقاً مما أحدثك به الآن فإنه أعذب وأغرب ولكن أحكيه لك في غير هذا الوقت ثم قامت باكون وهي لا تصدق بالنجاة فقاله لها ك مع السلامة، ولمحت بمكرها أن أمها عندها خبر بما حصل فذهبت إلى حالها.
فعند ذلك قالت له والدته: يا ولدي هذه ليلة مباركة حيث نجاك الله من الملعونة فقال لها: وكيف ذلك؟ فأخبرته بالأمر من أوله إلى آخره فقال لها: يا والدتي الحي ما له قاتل وإن قتل لا يموت ولكن الأحوط لنا أن نرحل عن هؤلاء الأعداء والله يفعل ما يريد.
فلما أصبح الصباح خرج كان ما كان من المدينة واجتمع بالوزير دندان، وبعد خروجه حصلت أمور بين الملك سلسان ونزهة الزمان أوجبت خروج نزهة الزمان أيضاً من المدينة فاجتمعت بهم واجتمع عليهم جميع أرباب دولة الملك سلسان الذين يميلون إليهم فجلسوا يدبرون الحيلة، فاجتمع رأيهم على غزو ملك الروم وأخذ الثأر فلما توجهوا إلى غزو ملك الروم وقعوا في أسر الملك رومزان بعد أمور يطول شرحها كما يظهر من السياق.
فلما أصبح الصباح أمر الملك رومزان أن يحضر كان ما كان والوزير دندان وجماعتهما فحضروا بين يديه وأجلسهم بجانبه وأمر بإحضار الموائد فأكلوا وشربوا واطمأنوا بعد أن أيقنوا بالموت لما أمر بإحضارهم، وقالوا لبعضهم: إنه ما أرسل إلينا إلا لأنه يريد قتلنا. وبعد أن اطمأنوا قال لهم: إني رأيت مناماً قصصته على الرهبان فقالوا: ما يفسره لك إلا الوزير دندان فقال الوزير دندان: خير ما رأيت يا ملك الزمان فقال له: أيها الوزير رأيت إني في حفرة على ضفة بئر أسود وكان قوماً يعذبونني فأردت القيام فلما نهضت وقفت على أقدامي وما قدرت على الخروج من تلك الحفرة، ثم التفت فيها فرأيت فيها منطقة من ذهب فمددت يدي لآخذها فلما رفعتها من الأرض رأيتها منطقتين فشددت وسطي بهما فإذا هما قد صارتا منطقة وحدة وهذا أيها الوزير منامي والذي رأيته في لذيذ أحلامي فقال له الوزير دندان: اعلم يا مولانا أن رؤياك تدل على أن لك أخاً أو ابن أخ أو ابن عم أو أحد يكون من أهلك من دمك ولحمك وعل كل حال هو من العصب. فلما سمع الملك هذا الكلام نظر إلى كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان والوزير دندان ومن معهم من الأساري وقال في نفسه: إذا رميت رقاب هؤلاء انقطعت قلوب عسكرهم بهلاك أصحابهم ورجعت إلى بلادي عن قريب لئلا يخرج الملك من يدي ولما صمم على ذلك استدعى بالسياف وأمره أن يضرب رقبة كان ما كان من وقته وساعته وإذا بداية الملك قد أقبلت في تلك الساعة فقالت له: أيها الملك السعيد على ماذا عولت؟ فقال لها: عولت على قتل هؤلاء الأساري الذين في قبضتي، وبعد ذلك أرمي رؤوسهم إلى أصحابهم، ثم أحمل أنا وأصحابي عليهم حملة واحدة فنقتل الذي نقتله ونهزم الباقي وتكون هذه وقعة الإنفصال وأرجع إلى بلادي عن قريب قبل أن يحدث بعد الأمور أمور في مملكتي، فعندما سمعت منه دايته هذا الكلام أقبلت عليه وقالت له بلسان الإفرنج: كيف يطيب عليك أن تقتل ابن أخيك وأختك وابنة أختك. فلما سمع الملك من دايته هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً، وقال لها: يا ملعونة ألم تعلمي أن أمي قد قتلت وأن أبي قد مات مسموماً وأعطيتيني خرزة وقلت لي إن هذه الخرزة كانت لأبيك فلم لا تصدقيني في الحديث؟ فقالت له: كل ما أخبرتك به صدق، ولكن شأني وشأنك عجيب وأمري وأمرك غريب فأنني أنا اسمي مرجانة واسم أمك ابريزة وكانت ذات حسن وجمال وشجاعتها تضرب بها الأمثال واشتهرت بالشجاعة بين الأبطال وأما أبوك فإنه الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان من غير شك ولا ريب ولا زحم بالغيب وكان قد أرسل ولده شركان إلى بعض غزواته صحبة هذا الوزير دندان وكان منهم الذي كان، وكان أخوك الملك شركان تقدم على الجيوش وانفرد وحده عن عسكر ه فوقع عند أمك الملكة ابريزة في قصرها ونزلنا وإياها في خلوة للصراع فصادفنا ونحن في تلك الحالة فتصارع مع أمك فغلبته لباهر حسنها وشجاعتها ثم استضافته أمك مدة خمسة أيام في قصرها فبلغ أباها ذلك الخبر من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وكانت أمك قد أسلمت على يد شركان أخيك فأخذها وتوجه بها إلى مدينة بغداد سراً وكنت أنا وريحانة وعشرون جارية معها وكنا قد أسلمنا كلنا على يد الملك شركان، فلما دخلنا على أبيك الملك عمر النعمان ورأى أمك الملكة ابريزة وقع في قلبه محبتها فدخل عليها ليلة واختلى بها فحملت بك وكان مع أمك ثلاث خرزات فاعطتها لأبيك فأعطى خرزة لابنته نزهة الزمان، وأعطى الثانية لأخيك ضوء المكان وأعطى الثالثة لأخيك الملك شركان فأخذته منه الملكة ابريزة وحفظتها لك فلما قربت ولادتها اشتاقت أمك إلى أهلها واطلعتني على سرها فاجتمعت بعبد أسود يقال له الغضبان وأخبرته بالخبر سراً ورغبته في أن يسافر معنا فأخذنا العبد وطلع بنا من المدينة وهرب بنا وكانت أمك قربت ولادتها. فلما دخلنا على أوائل بلادنا في مكان منقطع أخذ أمك الطلق بولادتها، فحدث العبد نفسه بالخنا فأتى أمك فلما قرب منها راودها على الفاحشة فصرخت عليه صرخة عظيمة وانزعجت منه فمن عظم انزعاجها، وضعتك حالاً وكان في تلك الساعة قد طلع علينا في البر من ناحية بلادنا غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار فخشي العبد على نفسه من الهلاك فضرب الملكة ابريزة بسيفها فقتلها من شدة غيظه وركب جواده وتوجه إلى حال سبيله وبعدما راح العبد انكشف الغبار عن جدك الملك حردوب ملك الروم فرأى أمك ابنته وهي في ذلك المكان قتيلة على الأرض جديلة فصعب ذلك عليه، وكبر لديه وسألني عن سبب قتلها وعن سبب خروجها خفية عن بلاد أبيها فحكيت له جميع ذلك من الأول إلى الآخر وهذا هو سبب العداوة بين أهل الروم وبين أهل بغداد. فعند ذلك احتملنا أمك وهي قتيلة ودفناها في قصرها وقد احتملتك أنا وربيتك وعلقت لك الخرزة التي كانت مع أمك الملكة ابريزة، ولما كبرت وبلغت مبلغ الرجال لم يمكنني أن أخبرك بحقيقة الأمر لأنني لو أخبرتك بذلك لثارت بينكم الحروب وقد أمرني جدك بالكتمان ولا قدرة لي على مخالفة أمر جدك حردوب ملك الروم فهذا سبب كتمان الخبر عنك وعدم إعلامك بأن أباك الملك عمر النعمان.
فلما استقللت بالمملكة أخبرتك وما أمكنني أن أعلمك إلا في هذا الوقت يا ملك الزمان وقد كشفت السر والبرهان وهذا ما عندي من الخبر وأنت برأيك أخبر، وكان الأساري قد سمعوا من الجارية مرجانة داية الملك هذا الملك جميعه فصاحت نزهة الزمان من وقتها وساعتها صيحة عظيمة وقالت هذا الملك رومزان أخي من أبي عمر النعمان وأمه الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وأنا أعرف هذه الجارية حق المعرفة.
فلما سمع الملك رومزان هذا الكلام أخذته الحدة وصار متحيراً في أمره وأحضر من وقته وساعته نزهة الزمان بين يديه، فلما رآها حن الدم للدم واستخبرها عن قصته فحكت له فوافق كلامها كلام دايته فصح عند الملك أنه من غير شك ولا ارتياب وأن أباه الملك عمر النعمان فقام من تلك الساعة وحل كتاف أخته نزهة الزمان فتقدمت إليه وقبلت يديه ودمعت عيناها فبكى الملك لبكائها وأخذه حنو الأخوة ومال قلبه إلى ابن أخيه السلطان كان ما كان وقام ناهضاً على قدميه وأخذ السيف من السياف فأيقن الأسارى بالهلاك لما رأوا منه ذلك فأمر بإحضارهم بين يديه وفك وثاقهم وقال لدايته مرجانة: اشرحي حديثك الذي شرحتيه إلى هؤلاء الجماعة. فقالت دايته مرجانة: اعلم أيها الملك أن هذا الشيخ هو الوزير دندان وهو لي أكبر شاهد لأنه يعرف حقيقة الأمر، ثم إنها أقبلت عليهم من وقتها وساعتها وعلى من حضرهم من ملوك الروم وملوك الإفرنج وحدثتهم بذلك الحديث والملكة نزهة الزمان والوزير دندان ومن معها من الأسارى يصدقونها على ذلك، وفي آخر الحديث لاحت من الجارية مرجانة التفاتة فرأت الخرزة الثالثة بعينها رفيقة الخرزتين اللتين كانتا مع الملكة ابريزة في رقبة السلطان كان ما كان فعرفتها فصاحت صيحة عظيمة دوى لها الفضاء وقالت للملك: يا ولدي اعلم أنه قد زاد في ذلك صدق يقيني لأن هذه الخرزة التي في رقبة هذا الأسير نظير الخرزة التي وضعتها في عنقك وهذا الأسير هو ابن أخيك وهو كان ما كان، ثم إن الجارية التفت إلى كان ما كان وقالت له: أرني هذه الخرزة يا ملك الزمان فنزعها من عنقه وناولها لتلك الجارية داية الملك رومزان فاخذتها منه ثم سألت نزهة الزمان عن الخرزة الثالثة فأعطتها لها. فلما صارت الخرزتان في يد الجارية ناولتهما للملك رومزان فظهر له الحق والبرهان وتحقق أنه عم السلطان كان ما كان وأن أباه الملك عمر النعمان، فقام من وقته وساعته إلى الوزير دندان وعانقه ثم عانق الملك كان ما كان وعلا الصياح بكثرة الأفراح، وفي تلك الساعة انتشرت البشائر ودقت الكاسات والطبول وزمرت الزمور وزادت الأفراح وسمع عساكر العراق والشام ضجيج الروم بالأفراح فركبوا عن آخرهم وركب الملك الزبلكان وقل في نفسه: يا ترى ما سبب هذا الصياح والسرور الذي في عسكر الإفرنج والروم؟ وأما عساكر العراق فإنهم قد أقبلوا وعلى القتال عولوا وصاروا في الميدان ومقام الحرب والطعان.
فالتفت الملك رومزان فرأى العساكر مقبلين للحرب متهيئين فسأل عن سبب ذلك فأخبروه بالخبر فأمر قضي فكان ابنة أخيه شركان أن تسير من وقتها وساعتها إلى عسكر الشام والعراق وتعلمهم بحصول الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عم السلطان كان ما كان فسارت قضي فكان بنفسها ونفت عنها الشرور والأحزان حتى ولت الملك الزبلكان وسلمت عليه وأعلمته بما جرى من الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عمها وعم كان ما كان وحين أقبلت عليه وجدته باكي العين خائفاً على الأمراء والأعيان فشرحت له القصة من أولها إلى آخرها فزادت أفراحهم وزالت أتراحهم وركب الملك الزبلكان هو وجميع الأكابر والأعيان وسارت قدامهم الملكة قضي فكان حتى أوصلتهم إلى سرادق الملك رومزان، فلما دخلوا عليه وجدوه جالساً مع ابن أخيه السلطان كان ما كان وقد استشاره هو والوزير دندان في أمر الملك الزبلكان فاتفقوا على أنهم يسلمون إليه مدينة دمشق الشام ويتركونه ملكاً عليها كما كان مثل العادة وهم يدخلون إلى العراق فجعلوا الملك الزبلكان عاملاً على دمشق الشام، ثم أمروه بالتوجه إليها فتوجه بعساكره إليها ومشوا معه ساعة لأجل الوداع واجتمع العسكران مع بعضهم، ثم إن الملوك قالوا لبعضهم: ما بقيت قلوبنا تستريح ولا يشفي غيظنا إلا بأخذ الثأر وكشف العار بالإنتقام من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي.
فعند ذلك سار الملك رومزان مع خواصه وأرباب دولته وفرح السلطان كان ما كان بعمه الملك رومزان ودعا للجارية مرجانة حيث عرفتهم ببعضهم ثم ساروا ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى أرضهم فسمع الحاجب الكبير سلسان فطلع وقبل يد الملك رومزان فخلع عليه، ثم إن الملك رومزان جلس وأجلس ابن أخيه السلطان كان ما كان إلى جانبه، فقال كان ما كان لعمه الملك رومزان: يا عم ما يصلح هذا الملك إلا لك، فقال له: معاذ الله أن أعارضك في ملكك فعند ذلك أشار إليهما الوزير دندان أن يكون الاثنان في الملك سواء وكل واحد يحكم يوماً فارتضيا بذلك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:06 PM
بلغني أيها الملك السعيد أنهما اتفقا على أن كل واحد يحكم يوماً واحداً، ثم أولموا الولائم وذبحوا الذبائح وزادت بهم الأفراح وأقاموا على ذلك مدة من الزمان كل ذلك والسلطان كان ما كان يقطع ليله مع بنت عمه قضي فكان، وبعد تلك المدة بينما وهم قاعدون فرحون بهذا الأمر وانصلاح الشأن إذ ظهر لهم غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وقد أتى إليهم من التجار صارخ يستغيث وهو يصيح ويقول: يا ملوك الزمان كيف أسلم في بلاد الكفار وأنهب في بلادكم وهي بلاد العدل والأمان؟ فأقبل عليه الملك رومزان وسأله عن حاله فقال له: أنا تاجر من التجار ولي غائب عن الأوطان مدة مديدة من الزمان واستغرقت في البلاد نحو عشرين سنة من الأعوام وأن معي كتاباً من مدينة دمشق كان قد كتبه إلي المرحوم الملك شركان وسبب ذلك أنني أهديت له جارية، فلما قربت من تلك البلاد وكان معي مائة حمل من تحف الهند وأتيت بها إلى بغداد التي هي حرمكم ومحل أمنكم وعدلكم خرجت علينا عربان ومعهم أكراد مجتمعة من جميع البلاد فقتلوا رجالي ونهبوا أموالي وهذا شرح حالي، ثم إن التاجر بكى بين الملك رومزان وحوقل واشتكى فرحمه الملك ورق إليه وكذلك رحمه ابن أخيه الملك كان ما كان وحلفوا أنهم يخرجون إليه فخرجوا إليه في مائة فارس كل فارس يعد بين الرجال بألوف وذلك التاجر سار أمامهم يدلهم على الطريق، ولم يزالوا سائرين ذلك النهار وطول الليل إلى السحر حتى أشرفوا على واد غزير الأنهار كثير الأشجار فوجد القوم قد تفرقوا في ذلك وقسموا بينهم أحمال ذلك التاجر وبقي البعض فأطبق عليهم المائة فارس وأحاطوا بهم من كل مكان وصاح عليهم الملك رومزان وابن أخيه كان ما كان، فما كان غير ساعة حتى أسروا الجميع وكانوا ثلاثمائة فارس مجتمعين من أوباش العربان فلما أسروهم أخذوا ما معهم من مال التاجر وشدوا وثاقهم وطلعوا بهم إلى مدينة بغداد، فعند ذلك جلس الملك رومزان هو وابن أخيه الملك كان ما كان على تخت واحد مع بعضهما ثم عرضوا الجميع بين أيديهما وسألاهم عن حالهم وعن كبارهم فقالوا: ما لنا كبار سوى ثلاثة أشخاص وهم الذين جمعونا من سائر النواحي والأقطار فقالا لهم: ميزونا بأعيانهم فميزوهم لهما فأمر بالقبض عليهم وإطلاق بقية أصحابهم بعد أخذ جميع ما معهم من الأموال وتسليمه للتاجر، فتفقد التاجر قماشه وماله فوجده قد هلك ربعه فوعدوه أنهم يعوضون له جميع ما ضاع منه، فعند ذلك أخرج التاجر كتابين أحدهما بخط شركان والآخر بخط نزهة الزمان وقد كان التاجر اشترى نزهة الزمان من البدوي وهي بكر وقدمها لأخيها شركان وجرى بينهما ما جرى، ثم سمع أن الملك كان ما كان وقف على الكتابين وعرف خط عمه شركان وسمع حكاية عمته نزهة الزمان فدخل بذلك الكتاب الثاني الذي كانت كتبته للتاجر الذي ضاع منه المال وأخبرها كان ما كان بقصة التاجر من أولها إلى آخرها فعرفته نزهو الزمان وعرفت خطها. وأخرجت للتاجر الضيافات وأوصت عليه أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان فأمر له بأموال وعبيد وغلمان من أجل خدمته وأرسلت إليه نزهة الزمان مائة ألف درهم من المال وخمسين حملاً من البضائع وقد أتحفته بهدايا وأرسلت إليه تطلبه. فلما حضر طلعت وسلمت عليه وأعلمته أنها بنت الملك عمر النعمان وأن أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان ففرح التاجر بذلك فرحاً شديداً وهنأها بسلامتها واجتماعها بأخيها وابن أخيها وقبل يديها وشكرها على فعلها وقال لها: والله ما ضاع الجميل معك، ثم دخلت إلى خدرها وأقام التاجر عندهم ثلاثة أيام، ثم ودعهم ورحل إلى الشام وبعد ذلك أحضر الملوك الثلاثة أشخاً اللصوص الذين كانوا رؤساء قطاع الطريق وسألوهم عن حالهم فتقدم واحد منهم وقال: اعلموا أني رجل بدوي أقف في الطريق لأخطف الصغار والبنات البكار وأبيعهم للتجار ودمت على ذلك مدة من الزمان إلى هذه الأيام وأغراني الشيطان فاتفقت مع هذين الشقيين على جمع الأوباش من الأغراب والبلدان لأجل نهب الأموال وقطع طريق التجار، فقلوا له: احك لنا على أعجب ما رأيت في خطفك الصغار والبنات، فقال لهم: أعجب ماجرى لي يا ملوك الزمان أنني من مدة اثنتين وعشرين سنة خطفت بنتاً من بيت المقدس، ذات يوم من الأيام وكانت تلك البنت ذات حسن وجمال غير أنها كانت خدامة وعليها أثواب خلقة وعلى رأسها قطعة عباءة فرأيتها قد خرجت من الخان فخطفتها بحيلة في تلك الساعة، وحملتها على جمل وسقت بها، وكان أملي في أنني أذهب بها إلى أهلي في لبرية وأجعلها عندي ترعى الجمال وتجمع البعر من الوادي فبكت بكاءً شديداً فدنوت منها وضربتها ضرباً وجيعاً وأخذتها إلى مدينة دمشق فرآها معي تاجر فتحير عقله لما رآها وأعجبته فصاحتها وأراد اشتراءها مني ولم يزل يزيدني في ثمنها حتى بعتها له بمائة ألف درهم، فعندما طلبتها له رأيت منها فصاحة عظيمة وبلغني أن التاجر كساها كسوة مليحة وقدمها إلى صاحب دمشق فأعطاه قدر المبلغ الذي دفعه إلي مرتين وهذا يا ملوك الزمان أعجب ما جرى، ولعمري إن ذلك الثمن قليل في تلك البنت.
فلما سمع الملوك هذه الحكاية ولما سمعت نزهة الزمان من البدوي ما حكاه صار الضياء في وجهها ظلاماً وصاحت وقالت لأخيها رومزان: إن هذا البدوي الذي خطفني من بيت المقدس بعينه من غير شك، ثم إن نزهة الزمان حكت لهم جميع ما جرى لها معه في غربتها من الشدائد والضرب والجوع والذل والهوان، ثم قالت لهم: الآن حل لي قتله، ثم جذبت السيف وقامت إلى البدوي لقتله وإذا هو صاح وقال: يا ملوك الزمان لا تدعوها تقتلني حتى احكي لكم ما جرى لي من العجائب فقال لها ابن أخيها كان ما كان: يا عمتي دعيه يحكي لنا حكاية وبعد ذلك افعلي ما تريدين، فرجعت عنه فقال له الملوك: الآن احك لنا حكاية.
فقال: يا ملوك الزمان إن حكيت لكم حكاية عجيبة تعفوا عني قالوا: نعم، فابتدأ البدوي يحدثهم بأعجب ما وقع له وقال: اعلموا أني من مدة يسيرة أرقت ليلة أرقاً شديداً وما صدقت أن الصباح طلعت حتى قمت من وقتي وساعتي وتقلدت بسيفي وركبت جوادي واعتقلت رمحي وخرجت أريد الصيد والقنص، فواجهني جماعة في الطريق فسألوني عن قصدي فأخبرتهم به فقالوا: ونحن رفقاؤك فنزلنا كلنا مع بعضنا فبينما نحن سائرون وإذا بنعامة ظهرت لنا فقصدناها ففرت من بين أيدينا وهي فاتحة أجنحتها ولم تزل شاردة ونحن خلفها إلى الظهر حتى رمتنا في برية لا نبات فيها ولا ماء ولا نسمع فيها غير صفير الحيات وزعيق الجان وصريخ الغيلان. فلما وصلنا إلى ذلك المكان غابت عنا فلم ندر أفي سماء طارت أم في الأرض غارت فرددنا رؤوس الخيل وأردنا الرواح، ثم رأيت أن الرجوع في هذا الوقت الشديد الحر لا خير فيه ولا إصلاح وقد اشتد علينا الحر وعطشنا عطشاً شديداً ووقفت خيولنا فأيقنا بالموت. فبينما نحن كذلك إذ نظرنا من بعيد مرجاً أفيح فيه غزلان تمرح وهناك خيمة مضروبة وفي جابن الخيمة حصان مربوط وسنان يلمع على رمح مركوز فانتعشت نفوسنا من بعد اليأس ورددنا رؤوس خيلنا نحو تلك الخيمة نطلب ذلك المرج والماء وتوجه إليه جميع أصحابي وأنا في أولهم ولم نزل سائرين حتى وصلنا إلى ذلك المرج فوقفنا على عين فشربنا وسقينا خيلنا فأخذتني حمية الجاهلية وقصدت باب ذلك الخباء فرأيت فيه شاباً لا نبات بعارضيه وهو كأنه هلال وعن يمينه جارية هيفاء كأنها قضيب بان، فلما نظرت إليها وقعت محبتها في قلبي فسلمت على ذلك الشاب فرد علي السلام فقلت: يا أخا العرب أخبرني من أنت وما تكون لك تلك الجارية التي عندك؟ فأطرق الشاب رأسه إلى الأرض برهة ثم رفع رأسه وقال: أخبرني من أنت وما الخيل التي معك؟ فقلت: أنا حماد بن الفزاري الفارس الموصوف الذي أعد بين العرب بخمسمائة فارس ونحن خرجنا من محلنا نريد الصيد والقنص فأدركنا العطش فقصدت أنا باب تلك الخيمة لعلي أجد عندكم شربة ماء.
فلما سمع مني ذلك الكلام التفت إلى جارية مليحة وقال: ائتي إلى هذا الرجل بالماء وما حصل من الطعام فقامت الجارية تسحب أذيالها والحجال الذهب تخشخش في رجليها وهي تتعثر في شعرها وغابت قليلاً ثم أقبلت وفي يدها اليمنى إناء من فضة مملوء ماء بارد وفي يدها اليسرى قدح ملآن تمراً ولبناً وما حضر من لحم الوحوش فما استطعت أن آخذ من الجارية طعاماً ولا شراباً من شدة محبتي لها فتمثلت بهذين
كأن الخضاب على كـفـهـا غراب على ثـلـجة واقـف
ترى الشمس والبدر من وجهها قريبـين خـاف وذا خـائف
ثم قلت للشاب بعد أن أكلت وشربت: يا وجه العرب اعلم أني أوقفك على حقيقة خبري وأريد أن تخبرني بحالك وتوقفني على حقيقة خبرك، فقال الشاب: أما هذه الجارية فهي أختي فقلت: أريد أن تزوجني بها طوعاً وإلا أقتلك وآخذها غصباً، فعند ذلك أطرق الشاب رأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع بصره إلي وقال لي: لقد صدقت في دعواك أنك فارس معروف وبطل موصوف وأنك أسد البيداء ولكن إن هجمتم علي غدراً وقتلتموني قهراً وأخذتم أختي فإن هذا يكون عاراً عليكم، وإن كنتم على ما ذكرتم من أنكم فرسان تعدون من الأبطال ولا تبالون بالحرب والنزال فأمهلوني قليلاً حتى ألبس آلة حربي وأتقلد سيفي وأعتقل برمحي وأركب فرسي وأصير وإياكم في ميدان الحرب فإن ظفرتم بي وقتلتموني فهذه الجارية أختي لكم.
فلما سمعت منه هذا الكلام قلت له: إن هذا هو الإنصاف وما عندنا خلاف، ثم رددت رأس جوادي إلى خلفي وقد زاد بي الجنون في محبة تلك الجارية ورجعت إلى أصحابي ووصفت لهم حسنها وجمالها وحسن الشاب الذي عندها وشجاعته وقوة جنانه وكيف أنه يصادم ألف فارس، ثم أعلمت أصحابي بجميع ما في الخباء من الأموال والتحف وقلت لهم:اعلموا أن هذا الشاب ما هو منقطع في تلك الأرض إلا لكونه ذا شجاعة عظيمة وأنا أوصيكم أن كل من يقتل هذا الغلام يأخذ أخته، فقالوا: رضينا بذلك، ثم إن أصحابي لبسوا آلة حربهم وركبوا خيولهم وقصدوا الغلام فوجدوه قد لبس آلة حربه وركب جواده ووثبت إليه أخته وتعلقت بركابه وبلت برقعها بدموعها وهي تنادي بالويل والثبور من خوفها على أخيها وتنشد هذه الأبيات:
إلى الله أشكـو مـحـنة وكـآبة لعل إله العرش يرهقهم رعبـا
يريدون قتلاً يا أخـي تـعـمـدا ولا شيء من قبل القتال ولا ذنبا
وقد عرف الأبطال أنـك فـارس وأشجع من حل المشارق والغربا
تحامي من الأخت التي قل عزمها فأنت أخوها وهي لك تدعو الربّا
فلا تترك الأعداء تملك مهجتـي وتأخذني قهراً وتأسرني غصبـا
ولست وحق الله أبقـى بـبـلـدة وأسكن لحداً فيه أفترش التربـا
فلما سمع أخوها شعرها بكى بكاءً شديداً ورد جواده إلى أخته وأجابها على شعرها بقوله:
قفي وانظري مني وقوع عجائب إذا ما التقينا حين أثخنهم صربا
وإن برز الليث المقـدم فـيهـم وأشجعهم قلباً وأثبتـهـم لـبـا
سأسقيه مني ضربة ثعـلـبـية وأترك الرمح يستغرق الكعبـا
وإن لم أقاتل عنك أختي فليتني قتيل وليت الطير تنهبني نهبا
أقاتل عنك ما استطعت تكرما هذا حديث بعدنا يملأ الكتبـا
فلما فرغ من شعره قال: يا أختي اسمعي ما أقول لك وما أوصيك به،فقالت له: سمعاً وطاعة، فقال لها: إن هلكت فلا تمكني أحداً من نفسك، فعند ذلك لطمت على وجهها وقالت: معاذ الله أن أراك صريعاً وأمكن الأعداء مني، فعند ذلك مد الغلام يده إليها وكشف برقعها عن وجهها فلاحت لنا صورتها كالشمس من تحت الغمام فقبلها بين عينيها وودعها وبعد ذلك التفت وقال لنا: يا فرسان هل أنتم ضيفان أو تريدون الضرب والطعان، فإن كنتم ضيفاناً فأبشروا بالقرى وإن كنتم تريدون القمر الزاهر فليبرز لي منكم فارس بعد فارس في هذا الميدان ومقام الحرب والطعان، فعند ذلك برز إليه شجاع فقال له الشاب: ما اسمك وما اسم أبيك فإني حالف أني ما أقتل من اسمه موافق لاسمي واسم أبيه موافق لاسم أبي، فإن كنت بهذا الوصف فقد سلمت إليك الجارية، فقال له الفارس: اسمي بلال فأجابه الشاب بقوله:
كذبت في قولك مـن بـلال وجئت بالزور وبالمـحـال
إن كنت شهماً فاستمع مقالي مجندل الأبطال في المجـال
وصارمي ماض كما الهلال فاصبر لطعن مرجف الجبال
ثم حملا على بعضهما فطعنه الشاب في صدره فخرج السنان من ظهره ثم برز إليه واحد فقال الشاب:
يا أيها الكلب وخيم الرجـس فأين عال سعره من بخـس
وإنما الليث الكريم الجنـس من لم يبال في الوغى بنفس
ثم لم يمهله الشاب دون أن تركه غريقاً في دمه، ثم نادى الشاب هل من مبارز؟ فبرز إليه واحد فانطلق على الشاب وجعل يقول:
إليك أقبلت وفي قلبي لـهـب منه أنادي عند صحبي بالحرب
لما قتلت اليوم سادات العـرب فاليوم لا تلقى فكاكاً من طلب
فلما سمع الشاب كلامه أجاب بقوله:
كذبت بئس أنت من الشيطان قد جئت بالزور والبهتـان
اليوم تلقى فاتك الـسـنـان في موقف الحرب والطعان
ثم طعنه في صدره فطلع السنان من ظهره، ثم قال: هل من مبارز؟ فخرج إليه الرابع وسأله الشاب عن اسمه فقال له الفارس: اسمي هلال فأنشد يقول:
أخطأت إذا أردت خوض بحري وجئت بالزور وكـل أمـري
أنا الذي تسمع مني شـعـري أختلس النفس ولسـت تـدري
ثم حملا على بعضهما واختلف بينهما ضربتا فكانت ضربة الشاب هي السابقة إلى الفارس فقتله وصار كل من نزل إليه يقتله، فلما نظرت أصحابي قد قتلوا قلت في نفسي: إن نزلت إليه في الحرب لم أطقه وإن هربت أبقى معيرة بين العرب، فلم يمهلني الشاب دون أن انقض علي وجذبني بيده فأطاحني من سرجي فوقعت مغشياً علي ورفع سيفه وأراد أن يضرب عنقي فتعلقت باذياله فحملني بكفه فصرت معه كالعصفور، فلما رأت ذلك الجارية فرحت بفعل أخيها وأقبلت عليه وقبلته بين عينيه، ثم إنه سلمني إلى أخته وقال لها: دونك وإياه وأحسني مثواه لأنه دخل في زمامنا، فقبضت الجارية على أطواق درعي وصارت تقودني كما تقود الكلب وفكت عن أخيها لامة الحرب وألبسته بدلة ونصبت له كرسياً من العاج فجلس عليها وقالت له: بيض
تقول وقد رأت في الحرب أختي لوامع غرتي مثل الـشـعـاع
ألا لـلـه درك مـن شـجـاع تذل لحربـه أسـد الـبـقـاع
فقلت لها سلي الأبطال عـنـي إذا ما فـر أربـاب الـقـراع
أنا المعروف في سعدي وجـدي وعزمي قد علا أي ارتـفـاع
أيا حماد قد نـازلـت جـيشـاً يريك الموت يسعى كالأفاعـي
فلما سمعت شعره حرت في أمري ونظرت إلى حالتي وما صرت إليه من الأسر وتصاغرت إلى نفسي، ثم نظرت إلى الجارية أخت الشاب وإلى حسنها فقلت في نفسي: هذه الفتنة وصرت أتعجب من جمالها، وأجريت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
خليلي كف عن لومي وعذلي فإنني للـمـلامة غـير واع
كلفت بـغـادة لـم تـبـد إلا أن دعتني في محبتها الدواعي
أخوها في الهوى أمسى رقيبي وصاحب همة وطويل بـاع
ثم إن الجارية أحضرت لأخيها الطعام فدعاني إلى الأكل معه ففرحت وأمنت على نفسي من القتل، ولما فرغ أخوها من الأكل أحضرت له آنية المدان، ثم إن الشاب أقبل على المدان وشرب حتى شعشع المدام في رأسه واحمر وجهه، فالتفت إلي وقال: أنا عابد بد تميم بن ثعلبة، إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=11#)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:07 PM
بلغني أيها الملك السعيد أن البدوي حماد قال: ثم أن عابد بن تميم بن ثعلبة قال لي: إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك وحياني بقدح شربته وحياني بثان وثالث ورابع فشربت الجميع ونادمني وحلفني أني لا أخونه فحلفت له ألفاً وخمسمائة يمين أني لا أخونه قط بل أكون له معيناً. فعند ذلك أمر أخته أن تأتيني بعشر خلع من الحرير وهذه بدلة منها على جسدي وأمرها أن تأتيني بناقة من أحسن النياق فاتتني بناقة محملة من التحف والزاد وأمرها أن تحضر لي الحصان الأشقر فأحضرته لي ثم وهب لي جميع ذلك وقمت عندهم ثلاثة أيام قال لي: يا أخي حماد أريد أن أنام قليلاً لأريح نفسي وقد استأمنت على نفسي وإن رأيت خيلاً ثائرة فلا تفزع منها واعلم أنهم من ثعلبة يطلبون حربي، ثم توسد رأسه ونام.
فلما استغرق في النوم وسوس لي إبليس بقتله فقمت بسرعة وجذبت سيفه من تحت رأسه وضربته ضربة أطحت رأسه عن جثته فعلمت بي أخته فوثبت من جانب الخباء ورمت بنفسها على أخيها وشقت عليها الثياب وأنشدت هذه الأبيات:
إلى الأهل بلغ ذا الشآم الـخـبـر وما لامرئ مما الحكيم قضى مفر
وأنت صريع يا أخي متـجـنـدل ووجهك يحكي حسنه دورة القمر
لقد كان يوم الشؤم يوم لـقـبـتـه ورمحك بعد اطراد قد انكـسـر
وبعدك لا يرتاح للـخـيل راكـب ولا تلد الأنثى نظيرك مـن ذكـر
وأصبح حماد لـك الـيوم قـاتـلاً وقد خان أيماناً وبالعهد قد غـدر
يريد بـهـذا أن ينـال مــراده لقد كذب الشيطان في كل ما أمر
فلما فرغت من شعرها قالت: يا ملعون الجدين لماذا قتلت أخي وخنته وكان مراده أن يردك إلى بلادك بالزاد والهدايا وكان مراده أن يزوجني لك في أول الشهر، ثم جذبت سيفاً كان عندها وجعلت قائمه في الأرض وطرفه في صدرها وانحنت عليه حتى طلع من ظهرها فخرت على الأرض ميتة فحزنت عليها وندمت حيث لا ينفع الندم وبكيت، ثم قمت مسرعاً إلى الخباء وأخذت ما خف حمله وغلا ثمنه وسرت إلى حال سبيلي، ومن خوفي وعجلتي لم ألتفت إلى أحد من أصحابي ولا دفنت الصبية ولا الشاب، وهذه الحكاية أعجب من حكايتي الأولى مع البنت الخادمة التي خطفتها من بيت المقدس.
فلما سمعت نزهة الزمان من البدوي هذا الكلام تبدل النور في عينيها بالظلام وقامت وجردت السيف وضربت به البدوي على عاتقه فأطلعته من علائقه فقال لها الحاضرون: لأي شيء استعجلت على قتله؟ فقالت: الحمد لله الذي فسح من أجلي حتى أخذت ثأري بيدي، ثم أنها أمرت العبيد أن يجروه من رجليه ويرموه للكلاب وبعد ذلك أقبلوا على الاثنين الباقيين من الثلاثة وكان أحدهم عبداً أسود فقالوا له: ما اسمك أنت فأصدقنا في حديثك قال: اسمي الغضبان وأخبرهم بما وقع له مع الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وكيف قتلها وهرب، فلم يتم العبد كلامه حتى رمى الملك رومزان رقبته بالحسام وقال: الحمد لله الذي أحياني وأخذت ثأر أمي بيدي وأخبره أن دايته مرجانة حكت له عن هذا العبد الذي اسمه الغضبان، وبعد ذلك أقبلوا على الثالث وكان هو الجمال الذي اكتراه بيت المقدس إلى حمل ضوء المكان وتوصيله إلى المارستان الذي في دمشق الشام فذهب به وألقاه في المستوقد وذهب في حال سبيله، ثم قالوا له: أخبرنا أنت بخبرك وأصدق في حديثك فحكى لهم جميع ما وقع له مع السلطان ضوء المكان وكيف حمله من بيت المقدس بالدراهم وهو ضعيف على أن يوصله إلى الشام ويرميه بالمارستان وكيف جاء له أهل المقدس بالدراهم فأخذها وهرب بعد أن رماه في مستوقد الحمام.
فلما أتم كلامه أخذ السلطان كان ما كان السيف وضربه فرمى عنقه وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى جازيت هذا الخائن بما فعل مع أبي، فإني قد سمعت هذه الحكاية بعينها من والدي السلطان ضوء المكان، فقال الملوك لبعضهم: ما بقي علينا إلا العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي فإنها سبب هذه البلايا حيث أوقعنا في الرزايا ومن لنا بها حتى نأخذ منها الثأر ونكشف العار، فقال لهم الملك رومزان عم كان ما كان: لا بد من حضورها ثم إن الملك رومزان كتب كتاباً من وقته وساعته وأرسله إلى جدته العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وذكر لها فيه أنه غاب عن مملكته دمشق والموصل والعراق وكسر عسكر المسلمين وأسر ملوكهم وقال: أريد أن تحضري عندي من كل بد أنت والملكة صفية بنت الملك أفريدون ملك القسطنطينية ومن شئتم من أكابر النصارى من غير عسكر، فإن البلاد أمان لأنها صارت تحت أيدينا.
فلما وصل الكتاب إليها وقرأته وعرفت خط الملك رومزان فرحت فرحاً شديداً وتجهزت من وقتها وساعتها للسفر هي والملكة صفية أم نزهة الزمان ومن صحبتهم ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بغداد فتقدم الرسول وأخبرهم بحضورها فقال رومزان: إن المصلحة تقتضي أن نلبس اللبس الإفرنجي ونقابل العجوز حتى نأمن من خداعها وحيلها فقالوا سمعاً وطاعة ثم أنهم لبسوا لباس الإفرنج فلما رأت ذلك قضي فكان قالت: وحق الرب المعبود لولا أني أعرفكم لقلت أنكم إفرنج، ثم إن الملك رومزان تقدم أمامهم وخرجوا يقابلون العجوز في ألف فارس، فلما وقعت العين على العين ترجل رومزان عن جواده وسعى إليها فلما رأته وعرفته ترجلت إليه وعانقته ففرط بيده على أضلاعها حتى كاد أن يقصفها فقالت: ما هذا؟ فلم تتم كلامها حتى نزل إليها كان ما كان والوزير دندان وزعقت الفرسان على من معها من الجواري والغلمان وأخذوهم جميعهم ورجعوا إلى بغداد وأمرهم رومزان أن يزينوا بغداد فزينوها ثلاثة أيام، ثم أخرجوا شواهي الملقبة بذات الدواهي وعلى رأسها طرطور أحمر مكلل بروث الحمير وقدامها مناد ينادي: هذا جزاء من يتجارى على الملوك وعلى أولاد الملوك ثم صلبوها على باب بغداد.
و لما رأى أصحابها ما جرى أسلموا كلهم جميعاً ثم إن كان ما كان وعمه رومزان ونزهة الزمان والوزير دندان تعجبوا لهذه السيرة العجيبة وأمروا الكتاب أن يؤرخوها في الكتب حتى تقرأ من بعدهم وأقاموا بقية الزمان في ألذ عيش وأهنأه إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر ما انتهى إلينا من تصاريف الزمان بالملك عمر النعمان وولده شركان وولده ضوء المكان وولده كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان، ثم إن الملك قال لشهرزاد: أشتهي أن تحكي لي شيئاً من حكاية الطيور، فقالت: حباً وكرامة فقالت لها أختها: لم أر الملك في طول هذه المدة انشرح صدره غير هذه الليلة وأرجو أن تكون عاقبتك معه محمودة.
و أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-15-2015, 11:08 PM
وفي الليلة الرابعة والستون

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية النصرانية لما قالت هذا الكلام لشركان وهو يسمعه أخذته النخوة والحمية وغيره الأبطال وأراد أن يظهر لها نفسه ويبطش بها ولكن رده عنها فرط جمالها وبديع حسنها فأنشد هذا البيت: وإذا المليح أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع ثم صعدت وهو في أثرها فنظر شركان إلى ظهر الجارية، فراى أردافها تتلاطم كالأمواج في البحر الرجراج فأنشد هذه الأبيات: في وجهها شافع يمحو إساءتهـا من القلوب وجيه حيثما شفعـا إذا تأملتها ناديت مـن عـجـب البدر في ليلة الإكمال قد طلعـا لو أن عفريت بلقيس يصارعهـا من فرط قوته في ساعة صرعا
ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى باب مقنطر وكانت قنطرته من رخام ففتحت الجارية الباب ودخلت ومعها شركان وسارا إلى دهليز طويل مقبى على عشر قناطر معقودة وعلى كل قنطرة قنديل من البلور يشتعل كاشتعال الشمس، فلقيها الجواري في آخر الدهليز بالشموع المطيبة وعلى رؤوسهن العصائب المزركشة بالفصوص من أصناف الجواهر وسارت وهن أمامها وشركان وراءها إلى أن وصلوا إلى الدير فوجد بداخل ذلك الدير أسرة مقابلة لبعضها وعليها ستور مكللة بالذهب وأرض الدير مفروشة بأنواع الرخام المجزع، وفي وسطه بركة ماء عليها أربع وعشرين قارورة من الذهب والماء يخرج منها كاللجين ورأى في الصدر سريراً مفروشاً بالحرير الملوكي فقالت له الجارية: اصعد يا مولاي على هذا السرير فصعد شركان فوق السرير، وذهبت الجارية وغابت عنه فسأل عنها بعض الخدام فقالوا له: إنها ذهبت إلى مرقدها ونحن نخدمك كما أمرت، ثم إنها قدمت إليه من غرائب الألوان فأكل حتى اكتفى ثم بعد ذلك قدمت إليه طشتاً وإبريقاً من الذهب فغسل يديه وخاطره مشغول بعسكره لكونه لا يعلم ما جرى لهم بعد ويتذكر أيضاً كيف نسي وصية أبيه فصار متحيراً في أمره نادماً على ما فعل إلى أن طلع الفجر وبان النهار وهو يتحسر على ما فعل وصار مستغرقاً في الفكر وأنشد هذه الأبيات: لم أعدم الحزم ولـكـنـنـي دهيت في الأمر فما حيلتـي لو كان من يكشف عني الهوى برئت من حولي ومن قوتـي وإن قلبي في ضلال الهـوى صب وأرجو الله في شدتـي فلما فرغ من شعره رأى بهجة عظيمة قد أقبلت فنظر فإذا هو بأكثر من عشرين جارية كالأقمار حول تلك الجارية وهي بينهن كالبدر بين الكواكب وعليها ديباج ملوكي وفي وسطها زنار مرصع بأنواع الجواهر وقد ضم خصرها وأبرز ردفها فصارا كأنهما كثيب بلور تحت قضيب من فضة ونهداها كفحلي رمان، فلما نظر شركان ذلك كاد عقله أن يطير من الفرح ونسي عسكره ووزيره وتأمل رأسها فرأى عليها شبكة من اللؤلؤ مفصلة بأنواع الجواهر والجواري عن يمينها ويسارها يرفعن أذيالها وهي تتمايل عجباً فعند ذلك وثب شركان قائماً على قدميه من هيبة حسنها وجمالها فصاح: واحسرتاه من هذا الزنار وأنشد هذه الأبيات: ثقـيلة الأرداف مــائلة خرعوبة ناعمة النـهـد تكتمت ما عندها من جوى ولست أكتم الذي عنـدي خدامها يمشين من خلفهـا كالقبل في حل وفي عقد ثم إن الجارية جعلت تنظر إليه طويلاً وتكرر فيه النظر إلى أن تحققته وعرفته فقالت له بعد أن أقبلت عليه: قد أشرق بك المكان يا شركان كيف كانت ليلتك يا همام بعدما مضينا وتركناك؟ ثم قالت له إن الكذب عند الملوك منقصة وعار ولا سيما عند أكابر الملوك وأنت شركان بن عمر النعمان فلا تنكر نفسك وحسبك ولا تكتم أمرك عني ولا تسمعني بعد ذلك غير الصدق. إن الكذب يورث البغض والعداوة، فقد نفذ فيك سهم القضا فعليك بالتسليم والرضا. فلما سمع كلامها لم يمكنه الإنكار فأخبرها بالصدق وقال لها: أنا شركان بن عمر النعمان الذي عذبني الزمان وأوقعني في هذا المكان، فمهما شئت فافعليه الآن، فأطرقت برأسها إلى الأرض برهة ثم التفتت إلهي وقالت له: طب نفساً وقر عيناً فإنك ضيفي وصار بيننا وبينك خبز وملح وحديث ومؤانسة فأنت في ذمتي وفي عهدي فكن آمناً. وحق المسيح لو أراد أهل الأرض أن يؤذوك لما وصلوا إليك إلا إن خرجت روحي من أجلك، ولو كان خاطري في قتلك لقتلتك في هذا الوقت. ثم تقدمت إلى المائدة وأكلت من كل لون لقمة، فعند ذلك أكل شركان ففرحت الجارية وأكلت معه إلى أن اكتفيا،وبعد أن غسلا أيديهما قامت وأمرت الجارية أن تأتي بالرياحين وآلات الشراب من أواني الذهب والفضة والبلور وأن يكون الشراب من سائر الألوان المختلفة والأنواع النفيسة فأتتها بجميع ما طلبته، ثم إن الجارية ملأت أولاً القدح وشربته قبله كما فعلت في الطعام، ثم ملأت ثانياً وأعطته إياه فشرب فقالت له: يا مسلم انظر كيف أنت في ألذ عيش ومسرة، ولم تزل تشرب معه إلى أن غاب عن رشده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:21 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية ما زالت تشرب وتسقي شركان إلى أن غاب عن رشده من الشراب ومن سكر محبتها، ثم إنها قالت الجارية: يا مرجانة هات لنا شيئاً من آلات الطرب فقالت: سمعاً وطاعة، ثم غابت لحظة وأتت بعود جلقي وجنك عجمي وناي تتري وقانون مصري، فأخذت الجارية العود وأصلحته وشدت أوتاره وغنت عليه بصوت رخيم أرق من النسيم وأعذ من ماء التنسيم وأنشدت مطربة بهذه الأبيات: عفا الله عن عينينك كم سفكت دما وكم فوقت منك اللواحظ أسهما أجل حبيباً حائراً في حـبـيبـه حراً عـيه أن يرق ويرحـمـا هنيئاً لطرف فيك بات مسـهـداً وطوبى لقلب ظل فيك متـيمـا تحكمت في قتلي فإنك مالـكـي بروحي أفدي الحاكم المتحكمـا ثم قامت واحدة من الجواري ومعها آلتها وأنشدت تقول عليها أبيات بلسان الرومية فطرب شركان، ثم غنت الجارية سيدتهن أيضاً وقالت: يا مسلم أما فهمت ما أقول؟ قال: لا ولكن ما طربت إلا على حسن أناملك، فضحكت وقالت له: إن غنيت لك بالعربية ماذا تصنع؟ فقال: ما كنت أتمالك عقلي، فأخذت آلة الطرب وغيرت الضرب وأنشدت هذه الأبيات: طعم التفريق مـر فهل لذلك صـبـر أهوى ظريفاً سباني بالحسن والهجر مر فلما فرغت من شعرها نظرت إلى شركان فوجدته قد غاب عن وجوده ولم يزل مطروحاً بينهن ممدوداً ساعة ثم أفاق وتذكر الغناء فمال طرباً، ثم إن الجارية أقبلت هي وشركان على الشراب ولم يزالا في لعب ولهو إلى أن ولى النهار بالرواح ونشر الليل الجناح فقامت إلى مرقدها فسأل شركان عنها فقالوا له أنها مضت إلى مرقدها فقال: في رعاية الله وحفظه، فلما أصبح أقبلت عليه الجارية وقالت له: إن سيدتي تدعوك إليها فقام معها وسار خلفها فلما قرب من مكانها زفته الجواري بالدفوف والمغاني إلى أن وصل إلى باب كبير من العاج مرصع بالدر والجوهر فلما دخلوا منه وجد داراً كبيرة أيضاً وفي صدرها إيوان كبير مفروش بأنواع الحرير وبدائر ذلك شبابيك مفتحة مطلة على أشجار وأنهار وفي البيت صور مجسمة يدخل فيها الهواء فتتحرك في جوفها آلات فيتخيل للناظر أنها تتكلم والجارية جالسة تنظر إليهم، فلما نظرته الجارية نهضت قائمة غليه وأخذت يده وأجلسته بجانبها وسألته عن مبيته فدعا لها ثم جلسا يتحدثان فقالت له: أتعرف شيئاً مما يتعلق بالعاشقين والمتيمين؟ فقال: نعم أعرف شيئاً من الأشعار فقالت أسمعني فأنشد هذه الأبيات: لا.. لا أبوح بحب عزة إنهـا أخذت علي مواثقاً وعهـودا وهبان مدين والذين عهدتهـم يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعاً وسجـودا فلما سمعته قالت: لقد كان باهراً كثيراً في الفصاحة بارع البلاغة لأنه بالغ في وصفه العزة حيث قال، وأنشدت هذين البيتين: لو أن عزة حاكمت شمس الضحى في الحسن عند موفق لقضي لها وسعت إلي بغيب عـزة نـسـوة جعل الإله خدودهن نعـالـهـا ثم قالت: وقيل أن عزة كانت في غاية الحسن والجمال ثم قالت له: يا ابن الملك إن كنت تعرف شيئاً من كلام جميل فأنشدنا منه، ثم قال: إني أعرف به كل واحد، ثم أنشد من شعر جميل هذا البيت: تريدين قتلي لا تريدين غـيره ولست أرى قصداً سواك أريد فلما سمعت ذلك قالت له: أحسنت يا ابن الملك، ما الذي ارادته عزة بجميل حتى قال هذا الشطر؟ أي: تريدين قتلي لا تريدين غيره، فقال لها شركان: يا سيدتي لقد أرادت به ما تريدين مني ولا يرضيك، فضحكت لما قال لها شركان هذا الكلام، ولم يزالا يشربان إلى أن ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فقامت الجارية وذهبت مرقدها ونامت ونام شركان في مرقده إلى أن أصبح الصبح، فلما أفاق أقبلت عليه الجواري بالدفوف وآلات الطرب كالعادة ومشى الجواري حوله يضربن بالدفوف والآلات إلى أن خرج من تلك الدار ودخل داراً غيره أعظم من الأولى وفيها من التماثيل وصور الوحوش ما لا يوصف فتعجب شركان مما رأى من صنع ذلك المكان فأنشد هذه الأبيات:
أجني رقيبي من ثمار قلائد در النحور منضداً بالعسجد وعيون ماء من سبائك فـضة وخدود ورد في وجوه زبرجد فكأنما لون البنفسج قد حكـى زرق العيون وكحلت بالأثمد فلما رأت الجارية شركان قامت له وأخذت يده وأجلسته إلى جانبها وقالت له: أنت ابن الملك عمر النعمان فهل تحسن لعب الشطرنج؟ فقال: نعم، ولكن لا تكوني كما قال الشاعر: أقول والوجد يكويني وينـشـرنـي ونهلة من رضاب الحب تروينـي حضرت شطرنج من أهوى فلاعبني بالبيض والسود ولكن ليس يرضيني كأنما الشاة عند الرخ مـوضـعـه وقد تفقـد دسـتـا بـالـفـرازين فإن نظرت إلى معنى لواحظـهـا فإن ألحاظهـا يا قـوم تـردينـي ثم قدم الشطرنج ولعبت معه فصار شركان كلما أراد أن ينظر إلى نقلها نظر إلى وجهها فيضع الفرس موضع الفيل ويضع الفيل موضع الفرس فضحكت وقالت: إن كان لعبك هكذا فأنت لا تعرف شيئاً فقال: هذا أول دست لا تحسبيه، فلما غلبته رجع وصف القطع ولعب معها فغلبته ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً، ثم التفتت إليه وقالت له: أنت في كل شيء مغلوب فقال: يا سيدتي مع مثلك يحسن أن أكون مغلوباً، ثم أمرت بإحضار الطعام فأكلا وغسلا أيديهما وأمرت بإحضار الشراب فشربا وبعد ذلك أخذت القانون وكان لها بضرب القانون معرفة جيدة فأنشدت هذه الأبيات: الدهر ما بين مطوي ومبسـوط ومثله مثل محرور ومخـروط فاضرب على إن كنت مقتـدراً أن لا تفارقني في وجه التفريط ثم إنهما لم يزالا على ذلك إلى أن أقبل الليل فكان ذلك اليوم أحسن من اليوم الذي قبله، فلما أقبل الليل مضت الجارية إلى مرقدها وانصرف شركان إلى موضعه فنام إلى الصباح ثم أقبلت عليه الجواري بالدفوف وآلات الطرب وأخذوه كالعادة إلى أن وصلوا إلى الجارية فلما رأته نهضت قائمة وأمسكته من يده وأجلسته بجانبها وسألته عن مبيته فدعا لها بطول البقاء، ثم أخذت العود وأنشدت هذين البيتين: لا تركننن إلى الفراق فإنه مـر الـمـذاق الشمس عند غروبهـا تصفر من ألم الفراق فبينما هما على هذه الحالة وإذا هما بضجة فالتفتا فرأيا رجالاً وشباناً مقبلين وغالبهم بطارقة بأيديهم السيوف مسلولة تلمع وهم يقولون بلسان رومية: وقعت عندنا يا شركان فأيقن الهلاك، فلما سمع شركان هذا الكلام قال في نفسه: لعل هذه الجارية الجميلة خدعتني وأمهلتني إلى أن جاء رجالها وهم البطارقة الذين خوفتني بهم، ولكن أنا الذي جنيت على نفسي وألقيتها في الهلاك. ثم التفت إلى الجارية ليعاتبها فوجد وجهها قد تغير بالاصفرار، ثم وثبت على قدميها وهي تقول لهم: من أنتم؟ فقال لها البطريق المقدم عليهم: أيتها الملكة الكريمة والدرة اليتيمة أما تعرفين الذي عندك من هو؟ قالت له: لا أعرفه فمن هو؟ فقال لها: هذا مخرب البلدان وسيد الفرسان هذا شركان ابن الملك عمر النعمان هذا الذي فتح القلاع وملك كل حصن منيع، وقد وصل خبره إلى الملك حردوب والدك من العجوز ذات الدواهي وتحقق ذلك ملكنا نقلاً عن العجوز وها أنت قد نصرت عسكر الروم بأخذ هذا الأسود المشؤوم. فلما سمعت كلام البطريق نظرت إليه وقالت له: ما اسمك؟ قالت لها: اسمي ماسورة بن عبدك موسورة بن كاشردة بطريق البطارقة قالت له: كيف دخل علي بغير إذني؟ فقال لها: يا مولاتي إني لماوصلت إلى الباب ما منعني حاجب ولا بواب بل قام جميع البوابين ومشوا بين أيدينا كما جرت به العادة إنه إذا جاء غيرنا يتركونه واقفاً على الباب حتى يستأذنوا عليه الدخول وليس هذا وقت إطالة الكلام والملك منتظر رجوعنا إليه بهذا الملك الذي هو شرارة جمرة عسكر الإسلام لأجل أن يقتله ويرحل عسكره إلى المواضع الذي جاؤوا منه من غير أن يحصل لنا تعب في قتالهم. فلما سمعت الجارية هذا الكلامقالت له: إن هذا الكلام غير حسن ولكن قد كذبت العجوز ذات الدواهي ظنها قد تكلمت بكلام باطل لا تعلم حقيقته. وحق المسيح الذي هتدي ما هو شركان وغلا كنت أسرته ولكن رجل أتى إلينا وقدم علينا فطلب الضيافة فأضفناه، فإذا تحققنا أنه شركان بعينه وثبت عندنا أنه هو من غير شك فلا يليق بمروءتي أن أمكنكم منه لأنه دخل تحت عهدي وذمتي، فلا تخونوني في ضيفي ولا تفضحوني بين الأنام بل ارجع أنت إلى الملك أبي وقبل الأرض بين يديه وأخبره بأن الأمر بخلاف ما قالته العجوز ذات الدواهي. فقال البطريق ماسورة: يا إبريزة أنا ما أقدر أن أعود إلى الملك إلا بغريمه. فلما سمعت هذا الكلام قالت: لا كان هذا الأمر فإنه عنوان السفه لأن هذا الرجل واحد وأنتم مائة، فإذا أردتم مصادمته فابرزوا له واحداً بعد واحد ليظهر عند الملك من هو البطل منكم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:23 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة أبريزة لما قالت للبطريق ذلك قال: وحق المسيح لقد قلت الحق ولكن ما يخرج له ولا غيري فقالت الجارية: اصبر حتى أذهب إليه وأعرفه بحقيقة الأمر وأنظر ما عنده من الجواب فإن أجاب الأمر كذلك وإن أبى فلا سبيل لكم إليه وأكون أنا ومن في الدير فداءه. ثم أقبلت على شركان وأخبرته بما كان فتبسم وعلم أنها لم تخبر أحداً بأمره وإنما شاع خبره حتى وصل إلى الملك بغير إرادتها فرجع باللوم على نفسه وقال: كيف رميت روحي في بلاد الروم؟ ثم إنه لما سمع كلام الجارية قال لها: إن بروزهم لي واحداً واحد جحاف بهم فهلا يبرزون لي عشرة بعد عشرة؟ وبعد ذلك وثب على قدميه وسار إلى أن أقبل عليهم وكان معه سيفه وآلة حربه، فلما رآه البطريق وثب إليه وحل عليه فقابله شركان كأنه الأسد وضربه بالسيف على عاتقه فخرج السيف يلمع من أمعائه، فلما نظرت الجارية ذلك عظم قدر شركان عندها وعرفت أنها لم تصرعه حين صرعته بقوتها بل بحسنها وجمالها. ثم إن الجارية أقبلت على البطارقة وقالت لهم: خذوا بثأر صاحبكم فخرج له أخو المقتول وكان جباراً عنيداً فحمل على شركان فلم يمهله شركان دون أن ضربه بالسيف على عاتقه فخرج السيف يلمع من أمعائه. فعند ذلك نادت الجارية وقالت: يا عباد المسيح خذوا بثأر صاحبكم، فلم يزالوا يبرزوا إليه واحداً بعد واحد وشركان يلعب فيهم بسيفه حتى قتل منهم خمسين بطريقاً والجارية تنظر غلتهم وقد قذف الله الرعب في قلوب من بقي منهم وقد تأخروا عن البراز ولم يجسروا على البراز إليه واحداً واحداً بل حملوا عليه حملة واحدة بأجمعهم وحمل عليهم بقلب أقوى من الحجر إلى أن طحنهم طحن الدروس وسلب منهم العقول والنفوس فصاحت الجارية على جواريها وقالت لهن: من بقي في الدير؟ فقلن لها: لم يبق إلا البوابين، ثم إن الملكة لاقته وأخذته بالأحضان وطلع شركان معها إلى القصر بعد فراغه من القتال، وكان قد بقي منهم قليل كامن في زوايا الدير فلما نظرت الجارية إلى ذلك لقليل قامت من عند شركان ثم رجعت إليه وعليها زردية ضيقة العيون وبيدها صارم مهند وقالت: وحق المسيح لا أبخل بنفسي على ضيفي ولا أتخلى عنه ولم أبق بسبب ذلك معيرة في بلاد الروم ثم إنها تأملت البطارقة فوجدتهم قد قتل منهم ثمانون وانهزم منهم عشرون، فلما نظرت إلى ما صنع بالقوم قالت له: بمثلك تفتخر الفرسان فلله درك يا شركان، ثم إنه قام بعد ذلك يمسح سيفه من دم القتلى وينشد هذه الأبيات:
وكم من فرقة في الحرب جاءت تركت كمماتهم طعم السـبـاع سلوا عني إذا شـئتـم نـزالـي جميع الخلق في يوم الـقـراع تركت ليوثهم في الحرب صرعى على الرمضاء في تلك البقـاع
فلما فرغ من شعره أقبلت عليه الجارية مبتسمة وقبلت يده وقلعت الدرع الذي كان عليها فقال لها: يا سيدتي لأي شيء لبست الدرع الزرد وشهرت حسامك؟ قالت: حرصاً عليك من هؤلاء اللئام، ثم إن الجارية دعت البوابين وقالت لهم: كيف تركتم أصحاب الملك يدخلون منزلي بغير إذني؟ فقالوا لها: أيتها الملكة ما جرت العادة أن نحتاج إلى استئذان منك على رسل الملك خصوصاً البطريق الكبير، فقالت لهم: أظنكم ما أردتم إلا هتكي وقتل ضيفي ثم أمرت شركان أن يضرب رقابهم وقالت لباقي خدامها أنهم يستحقون أكثر من ذلك، ثم التفتت لشركان وقالت له: الآن ظهر لك ما كان خافياً فها أنا أعلمك بقصتي: اعلم أني بنت ملك الروم حردوب واسمي إبريزة والعجوز التي تسمى ذات الدواهي جدتي أم أبي وهي التي أعلمت أبي بك ولا بد أنها تدبر حيلة في هلاكي خصوصاً وقد قتلت بطارقة أبي وشاع أني قد تحزبت مع المسلمين، فالرأي السديد أنني أترك الإقامة هنا ما دامت ذات الدواهي خلفي، ولكن أريد منك أن تفعل معي مثل ما فعلت معك من الجميل، فإن العداوة قد أوقعت بيني وبين أبي فلا تترك من كلامي شيئاً فإن هذا كله ما وقع إلا من أجلك. فلما سمع شركان هذا الكلام طار عقله من الفرح واتسع صدره وانشرح وقال: والله لا يصل إليك أحداً ما دامت روحي في جسدي ولكن هل لك صبر على فراق والدك وأهلك؟ قالت: نعم فحلفها شركان وتعاهدا على ذلك، فقالت له: إنك ترجع بعسكرك إلى بلادك فقال لها: يا سيدتي إن أبي عمر النعمان أرسلني إلى قتال والدك بسبب المال الذي أخذه ومن جملته الثلاث خرزات الكثيرة البركات فقالت له: طب نفساً وقر عيناً فها أنا أحدثك بحديثها وأخبرك بسبب معاداتهما لملك القسطيطينية وذلك أن لنا عيداً يقال له عيد الدير كل سنة تجتمع فيه الملوك من جميع الأقطار وبنات الأكابر والتجار ويقعدون فيه سبعة أيام وأنا من جملتهم، فلما وقعت بيننا العداوة منعني أبي من حضور ذلك العيد مدة سبع سنين فاتفق في سنة من السنين أن بنات الأكابر من سائر الجهات قد جاءت من أماكنها إلى الدير في ذلك العيد على العادة ومن جملة من جاء إليه بنت ملك القسطنطينية وكان يقال لها صفية فأقاموا في الدير ستة أيام وفي اليوم السابع انصرف الناس فقالت صفية: أنا ما أرجع إلى القسطنطينية إلا فيال بحر فجهزوا لها مركباً فنزلت فيها هي وخواصها وأحلوا القلوع وساروا، فبينما هم سائرون وإذا بريح قد هبت عليهم فأخرج المركب عن طريقها وكان هناك بالقضاء والقدر مركب نصارى من جزيرة الكافور وفيها خمسمائة إفرنجي ومعهم العدة والسلاح وكان لهم مدة في البحر. فلما لاح لهم قلع المركب التي فيها صفية ومن معها من البنات انقضوا علها مسرعين فما كان غير ساعة حتى وصلوا إلى ذلك المركب ووضعوا فيه الكلاليب وجروها وحلوا قلوعهم وقصدوا جزيرتهم فما بعدوا غير قليل حتى انعكس عليهم الريح فجذبهم إلى شعب بعد أن مزق قلوع مركبهم وقربهم منا فخرجنا فرأيناهم غنيمة قد انساقت إلينا، فأخذناهم وقتلناهم واغتنمنا ما معهم من الأموال والتحف وكان في مركبهم أربعون جارية ومن جملتهم ابنة الملك أفريدون ملك القسطنطينية، فاختار أبي منهن عشر جواري وفيهن ابنة الملك وفرق الباقي على حاشيته ثم عزل خمسة منهن ابنة الملك من العشر جواري وأرسل تلك الخمسة هدية إلى والدك عمر النعمان مع شيء من الجوخ ومن قماش الصوف ومن قماش الحرير الرومي فقبل الهدية أبوك واختار من الخمس جواري صفية ابنة الملك أفريدون. فلما كان أول هذا العام أرسل أبوها إلى والدي مكتوباً فيه كلام لا ينبغي ذكره حيث راح يهدده في ذلك المكتوب ويوبخه ويقول له: إنكم أخذتم مركبنا منذ سنتين وكان في يد جماعة لصوص من الإفرنج وكان من جملة ما فيه ابنتي صفية ومعها من الجواري نحو ستين جارية ولم ترسلوا إلى أحداً يخبرني بذلك وأنا لا أقدر أن أظهر خبرها خوفاً أن يكون في حقي عاراً عند الملوك من أجل هتك ابنتي فكتمت أمري إلى هذا العام والذي بين لي كذلك أني كاتبت هؤلاء اللصوص وسألتهم عن خبر ابنتي وأكدت لهم أن يفتشوا عليها ويخبروني عند أي ملك هي من ملوك الجزائر، فقالوا: والله ما خرجنا بها من بلادك ثم قال في المكتوب الذي كتبته لوالدي إن لم يكن مرادكم معاداتي ولا فضيحتي ولا هتك ابنتي فساعة وصول كتابي إليكم ترسلوا إلي ابنتي من عندكم وإن أهملتم كتابي وعصيتم أمري فلا بد لي من أن أكافئكم على قبيح أفعالكم وسوء أعمالكم. فلما وصلت هذه المكاتبة إلى أبي وقرأها وفهم ما فيها شق عليه ذلك وندم حيث لا يعرف أن صفية بنت الملك في تلك الجواري ليردها إلى والدها فصار متحيراً في أمره ولم يمكنه بعد هذه المدة الطويلة أن يرسل إلى الملك النعمان ويطلبها منه ولا سيما وقد سمعنا من مدة يسيرة أنه رزق من جاريته التي قال لها صفية بنت الملك أفريدون أولاد، فلما تحققا ذلك علمنا أن هذه الورطة هي المصيبة العظمى ولم يكن لأبي حيلة، غير أنه كتب جواباً للملك أفريدون يعتذر إليه ويحلف له بالأقسام أنه لا يعلم أن ابنته من جملة الجواري التي كانت في ذلك المركب ثم أظهر له على أنه أرسلها إلى الملك عمر أتنعمان وأنه رزق منها أولاد، فلما وصلت رسالة أبي إلى أفريدون ملك القسطنطينية قام وقعد وأرغى وأزبد وقال: كيف تكون ابنتي مسبية بصفة الجواري وتتداولها أيدي الملوك ويطئونها بلا عقد، ثم قال: وحق المسيح والدين الصحيح أنه لا يمكنني أن أتعاقد مع هذا الأمر دون أخذ الثأر وكشف العار، فلا بد من أن أفعل فعلاً يتحدث به الناس من بعدي، وما زال صابراً إلى أن عمل الحيلة ونصب مكيدة عظيمة وأرسل رسلاً إلى والدك عمر النعمان وذكر له ما سمعت من الأقوال حتى جهزك والدك بالعساكر التي معك من أجلها وسيرك إليه حتى يقبض عليك أنت ومن معك من عساكرك، وأما الثلاث خرزات التي أخبر والدك بها في مكتوبه فليس لذلك صحة وإنما كانت مع صفية ابنته وأخذها أبي حين استولى عليها هي والجواري التي معها ثم وهبها إلي وهي عندي الآن، فاذهب أنت إلى عسكرك وردهم قبل أن يتوغلوا في بلاد الإفرنج والروم فإنكم إذا توغلتم في بلادهم يضيقون عليكم الطرق ولا يكن لكم خلاص من أيديهم إلى يوم الجزاء والقصاص، وأنا اعرف أن الجيوش مقيمون في مكانهم لأنك أمرتهم بالإقامة ثلاثة أيام مع أنهم فقدوك في هذه المدة ولم يعلموا ماذا يفعلون. فلما سمع شركان هذا لكلام صار مشغول الفكر بالأوهام، ثم إنه قبل يد الملكة إبريزة وقال: الحمد لله الذي منّ علي بك وجعلك سبباً لسلامتي ومن معي ولكن يعز علي فراقك ولاأعلم ما يجري عليك من بعدي؟ فقالت له: اذهب أنت الآن إلى عسكرك وردهم وإن كانت الرسل عندهم فاقبض عليهم، حتى يظهر لكم الخبر وأنتم بالقرب من بلادكم، وبعد ثلاثة أيام أنا ألحقكم وماتدخلون بغداد إلا وأنا معكم فندخل كلنا سواء. فلما أراد الانصراف قالت له: لا تنسى العهد الذي بيني وبينك ثم إنها نهضت قائمة معه لأجل التوديع والعناق وإطفاء نار الأشواق وبكت بكاء يذيب الأحجار وأرسلت الدموع كالأمطار فلما رأى منها ذلك البكاء والدموع اشتد به الوجد والولوع ونزع في الوداع دمع العين وأنشد هذين البيتين: ودعتها ويدي اليمين لأدمعـي ويدي اليسار لضمة وعـنـاق قال أما تخشى الفضيحة قلت لا يوم الوداع فضيحة العـشـاق
ثم فارقها شركان ونزلا من الدير وقدموا له جواده وخرج متوجهاً إلى الجسر فلما وصل إليه مر من فوقه ودخل بين تلك الأشجار فلما تخلص من الأشجار ومشى في ذلك المرج وإذا هو بثلاثة فوارس فأخذ لنفسه الحذر منهم وشهر سيفه وانحدر فلما قربوا منه ونظر بعضهم بعضاً عرفوه وعرفهم ووجد أحدهم الوزير دندان ومعه أميران وعندما عرفوه ترجلوا له وسلوا عليه وسأله الوزير دندان عن سبب غيابه فأخبره بجميع ماجرى له من الملكة إبريزة من أوله إلى آخره فحمد الله تعالى على ذلك ثم قال شركان: ارحلوا بنا من هذه البلاد لأن الرسل الذين جاؤوا معنا رحلوا من عندنا، ليعلموا ملكهم بقدومنا فربما أسرعوا إلينا وقبضوا علينا ثم نادى شركان في عسكره بالرحيل فرحلوا كلهم ولم يزالوا سائرين مجدين في السير حتى وصلوا إلى سطح الوادي وكانت الرسل قد توجهوا إلى ملكهم، وأخبروه بقدوم شركان فجهز إليه عسكراً ليقبضوا عليه وعلى من معه، هذا ما كان من أمر الرسل وملكهم. وأما ما كان من أمر شركان فإنه سافر بعسكره مدة خمسة وعشرين يوماً حتى أشرفوا على أوائل بلادهم فلما وصلوا هناك أمنوا على أنفسهم ونزلوا لأخذ الراحة فخرج إليهم أهل تلك البلاد بالضيافات وعليق البهائم ثم أقاموا يومين ورحلوا طالبين ديارهم وتأخر شركان بعدهم في مائة فارس وجعل الوزير دندان أميراً على من معه من الجيش فسار الوزير دندان بمن معه مسيرة يوم ثم بعد ذلك ركب شركان هو والمائة فارس الذين معه، وساروا مقدار فرسخين حتى وصلوا إلى محل مضيق بين جبلين وإذا أمامهم غبرة وعجاج فمنعوا خيولهم من السير مقدار ساعة حتى انكشف الغبار وبان من تحته مائة فارس ليوث عوابس وفي الحديد والزرد غواطس فلما قربوا من شركان ومن معه صاحوا عليهم وقالوا: وحق يومنا ومريم إننا قد بلغنا ما أملناه ونحن خلفكم مجدون السير ليلاً ونهاراً حتى سبقناكم إلى هذا المكان فانزلوا عن خيولكم وأعطونا أسلحتكم، وسلموا لنا أنفسكم حتى نجود عليكم بأرواحكم. فلما سمع شركان ذلك الكلام لاجت عيناه واحمرت وجنتاه وقال لهم: يا كلاب النصارى كيف تجاسرتم علينا وجئتم بلادنا ومشيتم أرضنا وما كفاكم ذلك حتى تخاطبونا بهذا الخطاب أظننتم أنكم تخلصون من أيدينا وتعودون إلى بلادكم؟ ثم صاح على المائة فارس الذين معه وقال لهم: دونكم وهؤلاء الكلاب فإنهم في عددكم ثم سل سيفه وحمل عليهم وحملت معه المائة فارس فاستقبلتهم الإفرنج بقلوب أقوى من الصخر واصطدمت الرجال بالرجال ووقعت الأبطال بالأبطال والتحم القتال واشتد النزال وعظمت الأهوال وقد بطل القيل والقال ولم يزالوا في الحرب والكفاح والضرب بالصفاح حتى ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فانفصلوا عن بعضهم واجتمع شركان بأصحابه فلم يجد أحداً منهم مجروحاً غير أربعة أنفس حصل لهم جراحات سليمة. فقال لهم شركان: أنا عمري أخوض بحر الحرب العجاج المتلاطم من السيوف بالأمواج وأقاتل الرجال فوالله ما لقيت أصبر على الجلاد، وملاقاة الرجال مثل هؤلاء الأبطال فقالوا له: اعلم أيها الملك أن فهم فارساً إفرنجياً، وهو المقدم عليهم له شجاعة وطعنات نافذات، غير أن كل من وقع منا بين يديه يتغافل عنه ولا يقتله فوالله لو أراد قتلنا لقتلنا بأجمعنا، فتحير شركان لما سمع ذلك المقال وقال في غد نصطف ونبارزهم فها نحن مائة وهم مائة ونطلب النصر عليهم من رب السماء وباتوا تلك الليلة على ذلك الاتفاق وأما الإفرنج فإنهم اجتمعوا عند مقدمهم وقالوا له: إننا ما بلغنا اليوم في هؤلاء إرباً فقال لهم: في غد نصطف ونبارزهم واحداً بعد واحد فباتوا على ذلك الاتفاق أيضاً فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح وطلعت الشمس على رؤوس الروابي والبطاح وسلمت على محمد زين الملاح ركب الملك شركان وركب معه المائة فارس وأتوا إلى الميدان كلهم فوجدوا الإفرنج قد اصطفوا للقتال فقال شركان لأصحابه: إن أعداءنا قد اصطفوا فدونكم والمبادرة إليهم، فنادى مناد من الإفرنج: لا يكون قتالنا في هذا اليوم إلا مناوبة بأن يبرز بطل منكم إلى بطل منا.
فعند ذلك برز فارس من أصحاب شركان وسار بين الصفين وقال: هل من مبارز؟ هل من مناجر؟ لا يبرز لي اليوم كسلان ولا عاجز، فلم يتم كلامه حتى برز إليه فارس من الإفرنج غريق في سلاحه وقماشه من ذهب، وهو راكب على جواد أشهب وذلك الإفرنجي لا نبات بعارضيه فسار جواده حتى وقف في وسط الميدان وصادمه بالضرب والطعان فلم يكن غير ساعة حتى طعنة الإفرنجي بالرمح فنكسه عن جواده وأخذه أسيراً وقاده حقيراً ففرح به قومه ومنعوه أن يخرج إلى الميدان وأخرجوا غيره، وقد خرج إليه من المسلمين آخر وهو أخو الأسير ووقف معه في الميدان وحمل الاثنان على بعضهما ساعة يسيرة ثم كر الإفرنجي على المسلم وغالطه وطعنه بعقب الرحم فنكسه عن جواده وأخذه أسيراً وما زال يخرج إليهم من المسلمين واحداً بعد واحد والإفرنج يأسرونهم إلى أن ولى النهار وأقبلا لليل باعتكار وقد أسروا من المسلمين عشرون فارساً. فلما عاين شركان ذلك عظم عليه الأمر، فجمع أصحابه وقال لهم: ما هذا الأمر الذي حل بنا أنا أخرج في غد إلى الميدان وأطلب براز الإفرنجي المقدم عليهم وأنظر ما الذي حمله على أن يدخل بلادنا وأحذره من قتالنا، فإن أبى قاتلناه وإن صالحناه وباتوا على هذا الحال إلى أن أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح ثم ركب الطائفتان واصطف الفريقان فلما خرج شركان إلى الميدان رأى الإفرنج قد ترجل منهم أكثر من نصفهم قدام فارس منهم ومشوا قدامه إلى أن صاروا في وسط الميدان فتأمل شركان ذلك الفارس، فرآه الفارس المقدام عليهم وهو لابس قباء من أطلس أزرق وجهه فيه كالبدر إذا أشرق ومن فوقه زردية ضيفة العيون وبيده سيف مهند وهو راكب على جواد أدهم في وجهه غرة كالدرهم وذلك الإفرنجي لا نبات بعارضيه: ثم إنه لكز جواده حتى صار في وسط الميدان، وأشار إلى المسلمين وهو يقول بلسان عربي فصيح: يا شركان يا ابن عمر النعمان الذي ملك الحصون والبلدان دونك والحرب والطعان وأبرز إلى من قد ناصفك في الميدان، فأنت سيد قومك وأنا سيد قومي فمن غلب منا صاحبه أخذه هو وقومه تحت طاعته فما استتم كلامه حتى برز له شركان وقلبه من الغيظ ملآن وساق جواده، حتى دنا من الإفرنجي في الميدان فكر عليه الإفرنجي كالأسد الغضبان، وصدمه صدمة الفرسان وأخذا في الطعن والضرب وصارا إلى حومة الميدان كأنهما جبلان يصطدمان أو بحران يلتطمان ولم يزالا في قتال وحرب ونزال من أول النهار إلى أن اقبل الليل بالاعتكار ثم انفصل كل منهما من صاحبه وعاد إلى قومه. فلما اجتمع شركان بأصحابه قال لهم: ما رأيت مثل هذا الفارس قط إلا أني رأيت منه خصلة لم أرها من أحد غيره وهو أنه إذا لاح في خصمه مضرب قاتل يقلب الرمح ويضرب بعقبه ولكن ما أدري ماذا يكون مني ومنه ومرادي أن يكون عسكرنا مثله ومثل أصحابه وبات شركان، فلما أصبح الصباح خرج له الإفرنجي ونزل في وسط الميدان وأقبل عليه شركان ثم أخذا في القتال وأوسعا في الحرب والمجال وامتدت إليهما الأعناق ولم يزالا في حرب وكفاح وطعن بالرماح إلى أن ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار ثم افترقا ورجعا إلى قومهم وصار كل منهما يحكي لأصحابه ما لاقاه من صاحبه ثم إن الإفرنجي قال لأصحابه: في غد يكون الانفصال وباتوا تلك الليلة إلى الصباح ثم ركب الاثنان وحملا على بعضهما، ولم يزالا في الحرب إلى نصف النهار وبعد ذلك عمل الإفرنجي ولكز جواده ثم جذبه اللجام فعثر به فرماه فانكب عليه شركان، وأراد أن يضربه بالسيف خوفاً أن يطول به المطال فصاح به الإفرنجي وقال: يا شركان ما هكذا تكون الفرسان، إنما هو فعل المغلوب بالنسوان.
فلما سمع شركان من ذلك الفارس هذا الكلام، رفع طرف إليه وأمعن النظر فيه فوجده الملكة إبريزة التي وقع له معها ما وقع في الدير، فلما عرفها رمى السيف من يده وقبل الأرض بين يديها، وقال لها: ما حملك على هذه الأفعال؟ فقالت له: أردت أن أختبرك في الميدان، وأنظر ثباتك في الحرب والطعان وهؤلاء الذين معي كلهن جواري وكلهن بنات أبكار وقد قهرن فرسانك في حزمة الميدان ولولا أن جوادي قد عثر بي، لكنت ترى قوتي وجلادي فتبسم شركان من قولها وقال: الحمد لله على السلامة وعلى اجتماعي بك يا ملكة الزمان، ثم إن الملكة إبريزة صاحت على جواريها وأمرتهن بالرحيل بعد أن يطلقن العشرين أسيراً الذين كن أسرتهن من قوم شركان، فامتثلت الجواري أمرها ثم قبلن الأرض بين يديها، فقال لهن: مثلكن من يكون عند الملوك مدخراً للشدائد ثم إنه أشار إلى أصحابه أن يسلموا عليها فترجلوا جميعاً وقبلوا الأرض بين يدي الملكة إبريزة ثم ركب المائتا فارس وساروا في الليل والنهار مدة ستة أيام وبعد ذلك أقبلوا على الديار، فأمر شركان الملكة إبريزة وجواريها أن ينزعن ما عليهن من لباس الإفرنج، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=12#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=12#)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:24 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان أمر الملكة إبريزة وجواريها أن ينزعن ما عليهن من الثياب وأن يلبسن لباس بنات الروم ففعلن ذلك، ثم إنه أرسل جماعة من أصحابه إلى بغداد ليعلم والده عمر النعمان بقدومه، ويخبره أن الملكة إبريزة بنت ملك الروم جاءت صحبته لأجل أن يرسل مركباً لملاقاتهم ثم إنهم نزلوا من وقتهم وساعتهم في المكان الذي وصلوا إليه وباتوا فيه إلى الصباح فلما أصبح ركب شركان هو ومن معه وركبت أيضاً الملكة إبريزة هي ومن معها واستقبلوا المدينة وإذا بالوزير دندان قد أقبل في ألف فارس من أجل ملاقاة الملكة إبريزة هي وشركان وكان خروجه بإشارة الملك عمر النعمان كما أرسل إليه ولده شركان فلما قربوا منهما توجهوا إليهما وقبلوا الأرض بين أيديهما، ثم ركبا وركبوا معهما وصاروا في خدمتهما حتى وصلا إلى المدينة وطلعا قصر الملك ودخل شركان على والده، فقام إليه واعتنقه وسأل عن الخبر فأخبره بما قالته الملكة إبريزة وما اتفق له معها، وكيف فارقت مملكتها وفارقت أباها، وقال لها إنها اختارت الرحيل معنا والقعود عندنا وأن ملك القسطنطينية أراد أن يعمل لنا حيلة من أجل صفية بنته لأن ملك الروم قد أخبره بحكايتها وبسبب إهدائها إليك وأن ملك الروم ما كان يعرف ذلك ما كان أهداها إليك بل كان يردها إلى والدها ثم قال شركان لوالده: وما يخلصنا من هذه الحيل والمكايد إلا إبريزة بنت ملك القسطنطينية وما رأينا أشجع منها ثم أنه شرع يحكي لأبيه ما وقع له معها من أوله إلى آخره من أمر المصارعة والمبارزة. فلما سمع الملك عمر النعمان من ولده شركان ذلك الكلام عظمت إبريزة عنده وصار يتمنى أن يراها، ثم إنه طلبها لأجل أن يسألها فعند ذلك ذهب شركان إليها وقال لها: إن الملك يدعوك فأجابت بالسمع والطاعة، فأخذها شركان وأتى بها إلى والده وكان والده قاعداً على كرسيه وأخرج من كان عنده ولم يبق عنده غير الخدم فلما دخلت الملكة إبريزة على الملك عمر النعمان وقبلت الأرض بين يديه وتكلمت بأحسن الكلام فتعجب الملك من فصاحتها وشكرها على ما فعلت مع ولده شركان وأمرها بالجلوس فجلست وكشفت عن وجهها فلما رآها الملك خبل بينه وبين عقله ثم إنه قربها إليه وأدناها منه وأفرد لها قصراً مختصاً بها وبجواريها ورتب ثم أخذ يسألها عن تلك الخرزات الثلاث التي تقدم ذكرها سابقاً فقالت له: إن تلك الخرزات معي يا ملك الزمان ثم إنها قامت ومضت إلى محلها وفتحت صندوقاً وأخرجت منه علبة وأخرجت من العلبة حقاً من الذهب وفتحته وأخرجت منه تلك الخرزات الثلاث ثم قبلته وناولتها للملك وانصرفت فأخذت قلبه معها وبعد انصرافها أرسل إلى ولده شركان فحضر فأعطاه خرزة من الثلاث خرزات فسأله عن الاثنتين الأخريين فقال: يا ولدي قد أعطيت منهما واحد لأخيك ضوء المكان والثانية لأختك نزهة الزمان.
فلما سمع شركان أن له أخاً يسمى ضوء المكان وما كان يعرف إلا أخته نزهة الزمان التفت إلى والده الملك النعمان وقال له: يا والدي ألك ولد غيري؟ قال: نعم وعمره الآن ست سنين ثم أعلمه أن اسمه ضوء المكان وأخته نزهة الزمان وأنهما ولدا في بطن واحد فصعب عليه ذلك ولكنه كتم سره وقال لوالده: على بركة الله تعالى ثم رمى الخرزة من يده ونفض أثوابه فقال له الملك: مالي أراك قد تغيرت لما سمعت هذا الخبر مع أنك صاحب المملكة من بعدي وقد عاهدت امرأة الدولة على ذلك، وهذه خرزة لك من الثلاث خرزات؟ فأطرق شركان برأسه إلى الأرض واستحى أن يكافح والده ثم قام هو لا يعلم كيف يصنع من شدة الغيظ وما زال ماشياً حتى دخل قصر الملكة إبريزة فلما أقبل عليها نهضت إليه قائمة وشكرته على أفعاله ودعت له ولوالده وجلست وأجلسته في جانبها فلما استقر به الجلوس رأت في وجهه الغيظ فسألته عن حاله، وما سبب غيظه فأخبرها أن والده الملك عمر النعمان رزق من صفية ولدين ذكراً وأنثى، وسمى الولد ضوء المكان والأنثى نزهة الزمان وقال لها: إنه أعطاهما خرزتين وأعطاني واحدة فتركتها وأنا إلى الآن لم أعلم بذلك إلا في هذا الوقت فخنقني الغيظ، وقد أخبرتك بسبب غيظي ولم أخف عنك شيئاً وأخشى عليك أن يتزوجك فإني رأيت منه علامة الطمع في أنه يتزوج بك فيما تقولين أنت في ذلك؟ فقالت: اعلم يا شركان أن أباك ما له حكم علي ولا يقدر أن يأخذني بغي بغير رضاي وإن كان يأخذني غصباً قتلت روحي وأما الثلاث خرزات فما كان على بالي أنه ينعم علي أحد من أولاده بشيء منها وما ظننت إلا أنه يجعلها في خزائنه مع ذخائره ولكن أشتهي من إحسانك أن تهب لي الخرزة التي أعطاها لك والدك إن قبلتها منه فقال سمعاً وطاعة، ثم قالت له: لا تخف وتحدثت معه ساعة وقالت له: إني أخاف أن يسمع أبي أني عندكم فيسعى في طلبي ويتفق هو والملك أفريدون من أجل ابنته صفية فيأتيان إليكم بعساكر وتكون ضجة عظيمة. فلما سمع شركان ذلك قال لها: يا مولاتي إذا كنت راضية بالإقامة عندنا لا تفكري فيهم فلو اجتمع علينا كل من في البر والبحر لغلبناهم فقالت: ما يكون إلا الخير وها أنتم إن أحسنتم إلي إن قعدت عندكم وإن أسأتموني رحلت من عندكم ثم إنها امرت الجواري بإحضار شيء من الأكل فقدمن المائدة فأكر شركان شيئاً يسيراً ومضى إلى داره مهموماً مغموماً، هذا ما كان من أمر شركان. وأما ما كان من أمر أبيه عمر النعمان فإنه بعد انصراف ولده شركان من عنده قام ودخل على جاريته صفية ومعه تلك الخرزات فلما رأته نهضت قائمة على قدميها إلى أن جلس فأقبل عليه ولداه ضوء المكان ونزهة الزمان فلما رآهما قبلهما وعلق على كل واحد منهما خرزة ففرحا بالخرزتين وقبلا يديه وأقبلا على أمهما ففرحت بهما ودعت للملك بطول الدوام فقال لها الملك: يا صفية حيث أنك ابنة الملك أفريدون ملك القسطنطينية لأي شيء لم تعلميني لأجل أن أزيد في إكرامك ورفع منزلتك؟ فلما سمعت صفية ذلك قالت: أيها الملك وماذا أريد أكثر من هذا زيادة على هذه المنزلة التي أنا فيها، فها أنا مغمورة بأنعامك وخيرك وقد رزقني الله منك بولدين ذكر وأنثى، فأعجب الملك عمر النعمان كلامها واستظرف عذوبة ألفاظها ودقة فهمها وظرف أدبها ومعرفتها ثم إنه مضى من عنده من عندها وأفرج لها ولأولادها قصراً عجيباً ورتب لهم الخدم والحشم والفقهاء والحكماء والفلكية والأطباء والجرائحية وأوصاهم بهم وزاد في رواتبهم وأحسن إليهم غاية الإحسان، ثم رجع إلى قصر المملكة والمحاكمة بين الناس هذا ما كان من أمره مع صفية وأولادها.
وأما ما كان من أمره مع الملكة إبريزة فإنه اشتغل بحبها وصار ليلاً ونهاراً مشغوفاً بها وفي كل ليلة يدخل إليها ويتحدث عندها ويلوح لها بالكلام فلم ترد له جواباً بل تقول: يا ملك الزمان أنا في هذا الوقت مالي غرض في الرجال فما رأى تمنعها منه اشتد به الغرام وزاد عليه الوجد والهيام، فلما أعياه ذلك أحضر وزيره دندان وأطلعه على ما في قلبه من محبة الملكة إبريزة ابنة الملك حردوب وأخبره أنها لا تدخل في طاعته وقد قتله حبها ولم ينل منها شيئاً فلما سمع الوزير دندان ذلك قال للملك: إذا جن الليل فخذ معك قطعة بنج مقدار مثقال وادخل عليها واشرب معها شيئاً من الخمر فإذا كان وقت الفراغ من الشرب فأعطها القدح الأخير واجعل فيه ذلك البنج واسقها إياه فإنها ما تصل إلى مرقدها، إلا وقد تحكم عليها البنج فتبلغ غرضك منها وهذا ما عندي من الرأي، فقال له الملك: نعم ما أشرت به علي ثم إنه عمد إلى غزائنه وأخرج منها قطعة بنج مكرر لو شمه الفيل لرقد من السنة إلى السنة ثم إنه وضعها في جيبه وصبر إلى أن مضى قليل من الليل ودخل على الملكة إبريزة في قصرها، فلما رأته نهضت إليه قائمة فأذن لها بالجلوس وجلس عندها وصار يتحدث معها في أمر الشراب فقدمت سفرة الشراب وصفت له الأواني وصار يشرب معها وينادمها إلى أن دب السكر في رأس الملكة إبريزة. فلما علم الملك عمر النعمان ذلك أخرج قطعة البنج من يده وجعلها بين أصابعه وملأ كأساً بيده وشربه وملأ ثانياً وأسقط قطعة البنج من جيبه فيه وهي لا تشعر بذلك، ثم قال لها: خذي اشربي فأخذته الملكة إبريزة وشربته فما كان إلا دون ساعة حتى تحكم البنج عليها وسلب إدراكها فقام إليها ملقاة على ظهرها وقد كانت قلعت السراويل من رجليها ورفع الهواء ذيل قميصها عنها فلما دخل عليها الملك ورآها على تلك الحالة ووجد عند رأسها شمعة وعند رجليها شمعة تضيء على ما بين فخذيها خيل بينه وبين عقله ووسوس له الشيطان، فما تمالك نفسه حتى قلع يراويله ووقع عليها وأزال بكارتها وقام من فوقها ودخل إلى جارية من جواريها يقال لها مرجانة وقال لها: ادخلي على سيدتك وكلميها فدخلت الجارية على سيدتها، فوجدت دمها يجري على سيقانها وهي ملقاة على ظهرها فمدت يدها إلى منديل من مناديلها وأصلحت به شأن سيدتها ومسحت عنها ذلك الدم. فلما أصبح الصباح تقدمت الجارية مرجانة وغسلت وجه سيدتها ويديها ورجليها ثم جاءت بماء الورد وغسلت وجهها وفمها فعند ذلك عطست الملكة إبريزة وتقيأت ذلك البنج لنزلت قطعة البنج من باطنها كالقرص، ثم إنها غسلت فمها ويدها وقالت: أعلميني بما كان من أمري فأخبرتها أنها رأتها ملقاة على ظهرها ودمها سائل على فخذيها فعرفت أن الملك عمر النعمان قد وقع بها وواصلها وتحت حيلته عليها فاغتمت لذلك غماً شديداً وحجبت نفسها وقالت لجواريها: امنعوا كل من أراد أن يدخل علي وقولوا له: إنها ضعيفة حتى أنظر ماذا يفعل الله بي. فعند ذلك وصل الخبر إلى الملك عمر النعمان بأن الملكة إبريزة ضعيفة فصار يرسل إليها الأشربة والسكر والمعاجين وأقامت على ذلك شهوراً وهي محجوبة، ثم إن الملك قد بردت ناره وانطفأ شوقه إليها وصبر عنها وكانت قد علقت به، فلما مرت عليها أشهر وظهر الحمل وكبر بطنها ضاقت بها الدنيا فقالت لجاريتها مرجانة: اعلمي أن القوم ما ظلموني وإنما أنا الجانية على نفسي حيث أبي وأمي ومملكتي وأنا قد كرهت الحياة وضعفت همتي ولم يبق عندي من الهمة ولا من القوة شيء، وكنت إذا ركبت جوادي أقدر عليه وأنا الآن لا أقدر الركوب ومتى ولدت عندهم صرت معيرة عند الجواري وكل من في القصر يعلم أنه أزال بكارتي سفاحاً وإذا رجعت لأبي بأي وجه ألقاه وبأي وجه أرجع إليه وما أحسن قول الشاعر:
بم التغلل من أهلي ولا وطني ولا نديم ولا كأس ولا سكن
فقالت لها مرجانة: الأمر أمرك وأنا في طوعك فقالت: وأنا اليوم أريد أن أخرج سراً بحيث لا يعلم بي أحد غيرك وأسافر إلى أبي وأمي فإن اللحم إذا أنتن ما له إلا أهله والله يفعل بي ما يريد، فقالت لها: ما تفعلين أيتها الملكة؟ ثم إنها جهزت أحوالها وكتمت سرها وصبرت أياماً حتى خرج الملك للصيد والقنص وخرج ولده شركان إلى القلاع ليقيم بها مدة من الزمان فأقبلت إبريزة على جاريتها مرجانة وقالت لها: أريد أن أسافر في هذه الليلة ولكن كيف أصنع في المقادير وقد قرب؟ وإن قعدت خمسة أيام أو أربعة وضعت هنا ولم أقدر أن أروح بلادي وهذا ما كان مكتوباً على جبيني ومقدراً علي في الغيب. ثم تفكرت برهة وبعد ذلك قالت لمرجانة: انظري لنا رجلاً يسافر معنا ويخدمنا في الطريق فإنه ليس لي قوة على حمل السلاح، فقالت مرجانة: والله يا سيدتي ما أعرف غير عبد أسود اسمه الغضبان وهو من عبيد الملك عمر النعمان وهو شجاع ملازم لباب قصرنا فإن الملك أمره أن يخدمنا وقد غمرناه بإحساننا فها أنا أخرج إليه وأكلمه في شأن هذا الأمر وأعده بشيء من المال وأقول له: إذا أردت المقام عندنا أزوجك بمن تشاء، وكان قد ذكر لي قبل اليوم أنه كان يقطع الطريق فإن هو وافقنا بلغنا مرادنا ووصلنا إلى بلادنا. فقالت لها: هاتيه عندي حتى أحدثه، فخرجت له مرجانة وقالت له: يا غضبان قد أسعدك الله إن قبلت من سيدتك ما تقوله لك من الكلام ثم أخذت بيده واقبلت على سيدتها فلما رآها قبل الأرض بين يديها فحين رأته نفر قلبها منه لكنها قالت في نفسها: إن الضرورة لها أحكام وأقبلت عليه تحدثه وقلبها نافر منه وقالت له: يا غضبان هل فيك مساعدة لنا على غدرات الزمان وإذا أظهرتك على أمري تكون كاتماً له. فلما نظر العبد إليها ورأى حسنها ملكت قلبه وعشقها لوقته وقال لها: يا سيدتي إن أمرتيني بشيء لا أخرج عنه فقالت له: أريد منك في هذه الساعة أن تأخذني وتأخذ جاريتي هذه وتشد لنا راحلتين وفرسين من خيل الملك وتضع على كل فرس خرجاً من المال وشيئاً من الزاد وترحل معنا إلى بلادنا وإن أقمت عندنا زوجناك من تختارها من جواري وإن طلبت الرجوع إلى بلادك أعطيناك ما تحب ثم ترجع إلى بلادك بعد أن تأخذ ما يكفيك من المال. فلما سمع الغضبان ذلك الكلام فرح فرحاً شديداً وقال: يا سيدتي إني أخدمكما بعيوني وأمضي معكما وأشد لكما الخيل. ثم مضى وهو فرحان وقال في نفسه: قد بلغت ما أريد منهما، وإن لم يطاوعني قتلتهما وأخذت ما معهما من المال وأضمر ذلك في سره، ثم مضى وعاد ومعه راحلتان وثلاث من الخيل وهو راكب إحداهن وأقبل على الملكة إبريزة وقدم إليها فرساً فركبتها وهي متوجعة من الطلق فما قدرت أن تمسك نفسها على الفرس، فقالت للغضبان: أنزلني فقد لحقني الطلق وقالت لمرجانة: انزلي واقعدي تحتي وولديني، فعند ذلك نزلت مرجانة من فوق رأسها ونزل الغضبان من فوق فرسه وشد لجام الفرسين ونزلت الملكة إبريزة من فوق فرسها وهي غائبة عن الدنيا من شدة الطلق، وحين رآها الغضبان نزلت على الأرض وقف الشيطان في وجهه فشهر حسامه في وجها وقال: يا سيدتي ارحميني بوصلك، فلما سمعت مقالته التفتت إليه وقالت له: ما بقي إلا العبيد السود بعد ما كنت لا أرضى بالملوك الصناديد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:25 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن لملكة إبريزة لما قالت للعبد، العبد هو الغضبان: ما بقي إلا العبيد السود ثم صارت تبكته وأظهرت له الغيظ وقالت له: ويلك ما هذا الكلام الذي تقوله لي؟ فلا تتكلم بشيء من هذا في حضرتي واعلم أنني لا أرضى بشيء مما قلته ولو سقيت كأن الردى ولكن اصبر حتى أصلح الجنين وأصلح شأني وأرمي الخلاص ثم بعد ذلك إن قدرت علي فافعل بي ما تريد وإن لم تترك فاحش الكلام في هذا الوقت فإني أقتل نفسي بيدي وأرتاح من هذا كله، ثم أنشدت هذه الأبيات: أيا غضبان دعني قد كفانـي مكايدة الحوادث والـزمـان عن الفحشاء ري قد نهـانـي وقال النار مثوى من عصاني وإني لا أميل بفـعـل سـوء بعين النقص دعني لا تراني ولم تترك الفحشـاء عـنـي وترعى حرمتي فيمن رعاني
لأسرح طاقتي لرجال قومي وأجلب كل قاصيها ودانـي ولو قطعت بالسيف اليمانـي لما خليت فحـاشـاً يرانـي من الأحرار والكبراء طـرا فكيف العبد من نسل الزواني فلما سمع الغضبان ذلك الشعر غضب عضباً شديداً واحمرت مقلته واغبرت سحنته وانتفخت ناخره وامتدت مشافره وزادت به النفرات وأنشد هذه الأبيات: أيا إبريزة لا تـتـركـينـي قتيل هواك باللحظ اليمانـي فقلبي قد تقطع من جـفـاك وجسمي ناحل والصبر فاني ولفظك قد سبى الألباب سحراً فعقلي نازح والشوق دانـي ولو أجلبت ملء الأرض جيشاً لأبلغ مأربي في ذا الرمـان فلما سمعت إبريزة كلامه بكت بكاء شديداً وقالت: ويلك يا غضبان وهل بلغ من قدرك أن تخاطبني بهذا الخطاب يا ولد الزنا وتربية الخنا، أتحسب أن الناس كلهم سواء؟ فلما سمع ذلك العبد النحس هذا الكلام غضب منها غضباً شديداً وتقدم إليها وضربها بالسيف فقتلها وساق جوادها بعد أن أخذ المال وفر بنفسه هارباً في الجبال. هذا ما كان من أمر الغضبان، وأما ما كان من أمر الملكة إبريزة فإنها صارت طريحة على الأرضوكان الولد الذي ولدته ذكراً فحملته مرجانة في حجرها وصرخت صرخة عظيمة وشقت أثوابها وصارت تحثو التراب على رأسها وتلطم على خدها حتى طلع الدم من وجهها وقالت: واحسرتاه كيف قتل سيدتي عبد أسود لا قيمة له بعد فروسيتها؟ فبينما هي تبكي وإذا بغبار قد ثار حتى سد الأقطار ولما انكشف ذلك الغبار بان من تحته عسكر جرار وكانت العساكرعساكر ملك الروم والد الملكة إبريزة، وسبب ذلك أنه لما سمع أن ابنته هربت هي وجواريها إلى بغداد وأنها عند الملك عمر النعمان خرج بمن معه ليسأل المسافرين من أين أتوا لعله يعلم بخبر ابنته وكان على بعد هؤلاء الثلاثة ابنته والعبد الغضبان وجاريتها مرجانة فقصدهم ليسألهم، فلما قصدهم خاف العبد على نفسه بسبب قتلها فنجا بنفسه فلما أقبلوا عليها رآها أبوها مرمية على الأرض وجاريتها تبكي عليها، فرمى نفسه من فوق جواده ووقع على الأرض مغشياً عليه فترجل كل من كان معه من الفرسان والأرماء والوزراء وضربوا الخيام ونصبوا قبة الملك حردوب ووقف أرباب الدولة خارج تلك القبة، فلما رأت مرجانة سيدها عرفته وزادت في البكاء والنحيبز فلما أفاق الملك من غشيته سألها عن الخبر فأخبرته بالقصة وقالت له: إن الذي قتل ابنتك عبد أسود من عبيد الملك عمر النعمان وأخبرته بما فعله الملك عمر النعمان بابنته. فلما سمع الملك حردوب ذكلك الكلام اسودت الدنيا في وجهه وبكى بكاء شديداً، ثم أمر بإحضار محفة وحمل ابنته فيها ومضى إلى قيسارية وأدخلوها القصر ثم إن الملك حردوب دخل على أمه ذات الدواهي وقال لها: أهكذا يفعلون المسلمون ببنتي؟ فإن الملك عمر النعمان أزال بكارتها قهراً، وبعد ذلك قتلها عبد أسود من عبيده فواحق المسيح لا بد من أخذ ثأر ابنتي أو كشف العار عن عرضي وإلا قتلت نفسي بيدي، ثم بكى بكاء شديداً، فقالت له أمه ذات الدواهي: ما قتل ابنتك إلا مرجانة لأنها كانت تكرهها في الباطن ثم قالت لولدها: لا تحزن من أخذ ثأرها فواحق المسيح، لا أرجع عن الملك النعمان حتى أقتله وأقتل أولاده ولأعملن معه عملاً تعجز عنه الدهاة والأبطال ويتحدث عنه المتحدثون في جميع الأقطار ولكن ينبغي لك أن تمتثل أمري في كل ما أقوله وأنت تبلغ ما تريد فقال: وحق المسيح لا أخالفك أبداً فيما تقولينه.
قالت له: إئتني بجوار نهد أبكار وائتني بحكماء الزمان وأجزل لهم العطايا وامرهم أن يعلموا الجواري الحكمة والأدب وخطاب الملوك ومنادمتهم والأشعار وأن يتعلموا بالحكمة والمواعظ، ويكون الحكماء مسلمين لأجل أن يعلموهن أخبار العرب وتواريخ الخلفاء وأخبار من سلف من ملوك الإسلام ولو أقمنا على ذلك عشرة أعوام وطول روحك واصبر فإن بعض الأعراب يقول: أن أخذ الثأر بعد أربعين عاماً مدته قليلة، ونحن إذا علمنا تلك الجواري بلغنا من عدونا ما نختار لأنه ممن يحب الجواري وعنده ثلثمائة وست وستون جارية وازددن مائة جارية من خواص جواريك اللاتي كن مع المرحومة فإذاتعلم الجواري ما أخبرتك من العلوم فإني آخذهن بعد ذلك وأسافر بهن فلما سمع الملك حردوب كلام أمه ذات الدواهي فرح فرحاً شديداً وقبل رأسها، ثم أرسل من وقته وساعته المسافرين والقصاد إلى أطراف البلاد، ليأتوا إليه بالحكماء من المسلمين فامتثلوا أمره وسافروا إلى بلاد بعيدة، وأتوا بما طلبه من الحكماء والعلماء فلما حضروا بين يديه أكرمهم غاية الإكرام وخلع عليهم الخلع ورتب لهم الرواتب والجرايات ووعدهم بالمال الجزيل إذا فعلوا ما أمرهم به، ثم أحضر لهم الجواري، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:26 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العلماء والحكماء لما حضروا عند الملك حردوب أكرمهم إكراماً زائداً وأحضروا الجواري بين أيديهم وأوصاهم أن يعلموهن الحكمة والأدب فامتثلوا أمره. هذا ما كان من أمر الملك حردوب وأما ما كان من أمر الملك عمر النعمان فإنه لما عاد من الصيد والقنص وطلع القصر طلب الملكة إبريزة فلم يجدها ولم يخبره أحد عنها فعظم عليه ذلك، وقال: كيف تخرج هذه الجارية من القصر ولم يعلم بها أحد، فإن كانت مملكتي على هذا الأمر فإنها ضائعة المصلحة ولا ضابط بها فما بقيت أخرج إلى الصيد والقنص حتى ارسل إلى الأبواب من يتوكل بها واشتد حزنه وضاق صدره، لفراق الملكة إبريزة فبينما هو كذلك وإذا بولده شركان قد أتى من سفره، فأعلمه والده بذلك وأخبره أنها هربت وهو في الصيد والقنص فاغتم شركان ذلك غماً شديداً ثم إن الملك صار يتفقد أولاده كل يوم ويكرمهم وكان قد أحضر العلماء والحكماء ليعلموهم العلم، ورتب لهم الرواتب فلما رأى شركان ذلك الأمر غضب غضباً شديداً وحسد أخوته على ذلك إلى أن ظهر أثر الغيظ في وجهه ولم يزل متمرضاً حتى هذا الأمر. فقال له والده يوماً من الأيام: مالي أراك تزداد ضعفاً في جسمك واصفرار في لونك؟ فقال له شركان: يا والدي كلما رأيتك تقرب أخواتي وتحسن إليهم يحصل عندي حسد وأخاف أن يزيد بي الحسد فأقتلهم وتقتلني أنت بسببهم إذا أنا قتلتهم فمرض جسمي وتغير لوني بسبب ذلك، ولكن أنا أشتهي من أحسانك أن تعطيني قلعة من القلاع حتى أقيم بها بقية عمري، فإن صاحب المثل يقول: بعدي عن حبيبي أجمل وأحسن عين لا تنظر وقلب لا يحزن. ثم أطرق برأسه إلى الأرض. فلما سمع الملك عمر النعمان كلامه عرف سبب ما هو فيه من التغير فأخذ بخاطره وقال له: يا ولد إني أجيبك إلى ما تريد، وليس في ملكي أكبر من قلعة دمشق فقد ملكتها من هذا الوقت، ثم أحضر الموقعين في الوقت والساعة وأمرهم بكتابة تقليد ولده شركان ولاية دمشق الشام فكتبوا له ذلك وجهزوه وأخذ الوزير دندان معه وأوصاه بالمملكة والسياسة وقلده أموره، ثم ودعه والده وودعته الأمراء وأكابر الدولة وسار بالعسكر حتى وصل إلى دمشق فلما وصل إليها دق له أهلنا الكاسات، وصاحوا بالبوقات وزينوا المدينة، وقابلوه بموكب عظيم سار فيه أهل الميمنة ميمنة وأهل الميسرة ميسرة فهذا ما كان من أمر شركان.
وأما ما كان من أمر والده عمر النعمان فإنه بعد سفر ولده شركان أقبل عليه الحكماء وقالوا له: يا مولانا إن أولادك تعلموا الحكمة والأدب فعند ذلك فرح عمر النعمان فرحاً شديداً وأنعم على جميع الحكماء حيث رأى ضوء المكان كبر وترعرع وركب الخيل وصار له من العمر أربع عشر سنة وطلع مشتغلاً بالدين والعبادة محباً للفقراء وأهل العلم والقرآن، وصار أهل بغداد بحبونه نساء ورجالاً إلى أن طاف بغداد محمل العراق من أهل الحج، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى ضوء المكان مركب المحمل اشتاق إلى الحج فدخل على والده وقال له: إني أتيت إليك لأستأذنك في أن أحج، فمنعه من ذلك، وقال له: اصبر إلى العام القابل وأنا أتوجه إلى الحج وآخذك معي. فلما رأى الأمر يطول عليه دخل على أخته نزهة الزمان، فوجدها قائمة تصلي فلما قضت الصلاة قال لها: إني قد قتلني الشوق إلى حج بين الله الحرام وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام واستأذنت والدي فمنعني من ذلك، فالمقصود أن آخذ شيئاً من المال وأخرج إلى الحج سراً ولا أعلم أبي بذلك، فقالت له أخته: بالله عليك أن تأخذني معك ولا تحرمني من زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إذا جن الظلام فاخرجي من هذا المكان ولا تعلمي أحداً بذلك. فلما كان نصف الليل قامت نزهة الزمان وأخذت شيئاً من المال ولبست لباس الرجال وكانت قد بلغت من العمر مثل عمر ضوء المكان ومشت متوجهة إلى باب القصر فوجدت أخاها ضوء المكان قد جهز الجمال فركب وأركبها وسارا ليلاً واختلطا بالحجيج ومشيا إلى أن صارا في وسط الحجاج العراقيين وما زالا سائرين وكتب الله لهما السلامة، حتى دخلا مكة المشرفة ووقفا بعرفات وقضيا مناسك الحج ثم توجها إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فزاراه، وبعد ذلك أرادا الرجوع مع الحجاج إلى بلادهما فقال ضوء المكان لأخته: يا أختي أريد أن أزور بيت المقدس والخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقالت له: وأنا كذلك واتفقا على ذلك ثم خرجا واكترى له ولها مع المقادسة وجهزا حالهما وتوجها مع الركب فحصل لأخته في تلك الليلة حمى باردة فتشوشت ثم شفيت وتشوش الآخر فصارت تلاطفه في ضعفه ولم يزالا سائرين إلى أن أدخلا بيت المقدس واشتد المرض على ضوء المكان ثم إنهما نزلا في خان هناك واكتريا لهما فيه حجرة واستقرا فيها ولم يزل المرض يتزايد على ضوء المكان حتى أنحله وغاب عن الدنيا.
فاغتمت لذلك أخته نزهة الزمان وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله هذا حكم الله ثم إنها قعدت هي وأخوها في ذلك المكان وقد زاد به الضعف وهي تخدمه وتتفق عليه وعلى نفسها حتى فرغ ما معها من المال وافتقرت ولم يبق معها دينار ولا درهم فأرسلت صبي الخان إلى السوق بشيء من قماشها فباعه وأنفقته على أخيها ثم باعت شيئاً آخر ولم تزل تبيع من متاعها شيئاً فشيئاً حتى لم يبق لها غير حصير مقطعة فبكت، وقالت: لله الأمر من قبل ومن بعد ثم قال لها أخوها: يا أختي إني قد أحسست بالعافية وفي خاطري شيء من اللحم المشوي فقالت له أخته: إني ما لي وجه للسؤال، ولكن غداً أدخل بيت أحد الأكابر وأخدم وأعمل بشيء نقتات به أنا وأنت ثم تفكرت ساعة وقالت: إني لا يهون علي فراقك وأنت في هذه الحالة ولكن لا بد من طلب المعاش قهراً عني فقال لها أخوها: بعد العز تصبحين ذليلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم بكى وبكت وقالت له: يا أخي نحن غرباء وقد أقمنا هنا سنة كاملة ما دق علينا الباب أحد فهل نموت من الجوع؟ فليس عندي من الرأي غلا أني أخرج وأخدم وآتيك بشيء تقتات به إلى أن تبرأ منمرضك ثم نسافر إلى بلادنا ومكثت تبكي ساعة، ثم بعد ذلك قامت نزهة الزمان وغطت رأسها بقطعة عباءة من ثياب الجمالين كان صاحبها نسيها عندهما وقبلت راس أخيها وغطته وخرجت من عنده وهي تبكي ولم أين تمضي وما زال أخوها ينتظرها إلى أن قرب وقت العشاء، ولم تأت فمكث بعد ذلك هو ينتظرها إلى أن طلع النهار فلم تعد إليه ولم يزل على هذه الحالة يومين فعظم ذلك عنده وارتجف قلبه عليهاواشتد به الجوع، فخرج من الحجرة وصاح على صبي الخان وقال له: أريد أن تحملني إلى السوق فحمله والقاه في السوق فاجتمع عليه أهل القدس وبكوا عليه لما رأوه على تلك الحالة وأشار إليهم بطلب شيء يأكله فجاؤوا له من التجار الذين في السوق ببعض دراهم واشتروا له شيئاً وأطعموه إياه، ثم حملوه ووضعوه على دكان وفرشوا له قطعة برش ووضعوا عند رأسه إبريقاً. فلما أقبل الليل انصرف عنه الناس وهم حاملون همه، فلما كان نصف الليل تذكر أخته فازداد به الضعف وامتنع من الأكل والشرب وغاب عن الوجود فقام أهل السوق وأخذوا له من التجار ثلاثين درهماً، واكتروا له له جملاً وقالوا للجمال: احمل هذا وأوصله إلى دمشق وأدخله المارستان لعله أن يبرأ فقال لهم: على الرأس ثم قال في نفسه: كيف أمضي بهذا المريض وهو مشرف على الموت؟ ثم خرج به إلى مكان واختفى به إلى الليل ثم ألقاه على مزبلة مستوقد حمام ثم مضى إلى حال سبيله. فلما أصبح الصباح طلع وقاد الحمام إلى شغله فوجده ملقى على ظهره فقال في نفسه: لأي شيء ما يرمون هذا الميت إلا هنا؟ ورفسه برجله فتحرك فقال الوقاد الواحد منكم يأكل قطعة حشيش ويرمي نفسه في أي موضع كان ثم نظر إلى وجهه فرآه لا نبات بعارضيه، وهو ذو بهاء وجمال فأخذته الرأفة عليه وعرف أنه مريض وغريب فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله إني دخلت في خطيئة هذا الصبي وقد أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام الغريب لا سيما إذا كان الغريب مريضاً ثم حمله وأتى به إلى منزله ودخل به على زوجته وأمرها أن تخدمه وتفرش له بساطاً ففرشت له وجعلت تحت رأسه وسادة وسخنت له ماء وغسلت له يديه ورجليه ووجهه وخرج الوقاد إلى السوق وأتى له بشيء من ماء الورد والسكر، ورش على وجهه وسقاه السكر وأخرج له قميصاً نظيفاً وألبسه إياه فشم نسيم الصحة وتوجهت إليه العافية واتكأ على المخدة ففرح الوقاد بذلك وقال: الحمد لله على عافية هذا الصبي اللهم إني أسألك بسرك المكنون أن تجعل سلامة هذا الشاب على يدي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)



http://www.alhaqlah.com/images/like_share/share.gif (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=12#)
|
http://www.alhaqlah.com/images/like_share/like.png (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=75536&page=12#)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:27 PM
الت: بلغني أيها الملك السعيد وما زال الوقاد يتعهده ثلاثة أيام، وهو يسقيه السكر وماء الحلاف وماء الورد ويتعطف عليه ويتلطف به حتى عادت الصحة في جسمه وفتح عينيه فاتفق أن الوقاد دخل عليه فرآه جالساً وعليه آثار العافية فقال له: ما حالك يا ولدي في هذا الوقت؟ فقال ضوء المكان بخير وعافية فحمد الوقاد ربه وشكره ثم نهض إلى السوق واشترى له عشر دجاجات وأتى إلى زوجته، وقال لها: اذبحي له في كل يوم اثنتين واحدة في أول النهار وواحدة في آخر النهار فقامت وذبحت له دجاجة وسلقتها، وأتت بها إليه وأطعمته إياها وسقته مرقتها فلما فرغ من الأكل قدمت له ماء مسخناً فغسل يديه واتكأ على الوسادة وغطته بملاءة فنام إلى العصر ثم قامت وسلقت دجاجة أخرى وأتته بها وفسختها وقالت له: كل يا ولدي فبينما هو يأكل وإذا بزوجها قد دخل فوجدها تطعمه فجلس عند رأسه وقال له: ما حالك يا ولدي في هذا الوقت؟ فقال: الحمد لله على العافية جزاك الله عني خير. ففرح الوقاد بذلك ثم إنه خرج وأتى بشراب البنفسج وماء الورد وسقاه وكان ذلك الوقاد يعمل في الحمام كل يوم بخمسة دراهم فيشتري له بدرهم فراريج وما زال يلاطفه إلى أن مضى عليه شهر من الزمان حتى زالت عنه آثار المرض وتوجهت إليه العافية ففرح الوقاد هو وزوجته بعافية ضوء المكان وقال: يا ولدي هل لك أن تدخل معي الحمام؟ قال: نعم فمضى إلى السوق وأتى له بمكاري وأركبه حماراً وجعل يسنده إلى أن وصل إلى الحمام ثم دخل معه الحمام وأجلسه في داخله ومضى إلى السوق واشترى له سدراً ودقاقاً وقال لضوء المكان: يا سيدي بسم الله أغسل لك جسدك وأخذ الوقاد يحك لضوء المكان رجليه، وشرع يفسل له جسده بالسدر والدقاق، وغذا ببلان قد أرسله معلم الحمام إلى ضوء المكان فوجد الوقاد يحك رجليه فتقدم إليه البلان، وقال له: هذا نقص في حق المعلم. فقال الوقاد: والله إن المعللم غمرنا بإحسانه فشرع البلان يحلق رأس ضوء المكان ثم اغتسل هو والوقاد وبعد ذلك رجع به الوقاد إلى منزله وألبسه قميصاً رفيقاً وثوباً من ثيابه وعمامة لطيفة وأعطاه حزاماً وكانت زوجة الوقاد قد ذبحت دجاجتين وطبختهما. فلما طلع ضوء المكان وجلس على الفراش قام الوقاد وأذاب له السكر في ماء الورد وسقاه ثم قدم له السفرة وصار الوقاد يفسخ له من ذلك الدجاج ويطعمه ويسقيه من المسلوقة إلى ان اكتفى وغسل يديه وحمد الله تعالى على العافية ثم قال الوقاد: أنت الذي منّ الله بك علي وجعل سلامتي على يديك، فقال الوقاد: دع عنك هذا الكلام وقل لنا ما سبب مجيئك إلى هذه المدينة ومن أنت فإني أرى على وجهك آثار النعمة؟ فقال له ضوء المكان: قل لي أنت كيف وقعت بي حتى أخبرك بحديثي؟ فقال له الوقاد: أما أنا فإني وجدتك مرمياً على القمامة في المستوقد حين لاح الفجر لما توجهت إلى أشغالي ولم أعرف من رماك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:28 PM
الت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوقاد قال: لم أعرف من رماك فأخذتك عندي وهذه حكايتي فقال ضوء المكان: سبحان من يحيي العظام، وهي رميم إنك يا أخي ما فعلت الجميل إلا مع أهله وسوف تجني ثمرة ذلك ثم قال للوقاد: وأنا الآن في أي بلاد؟ فقال الوقاد: أنت في مدينة القدس فعند ذلك تذكر ضوء المكان غربته وفراق أخته وبكى حيث باح بسره إلى الوقاد وحكى له حكايته ثم أنشد هذه الأبيات:
لقد حملوني في الهوى غير طاقتي ومن أجلهم قامت علي الـقـيامة ألا فارقوا يا هاجرين بمهجـتـي فقد رق لي من بعدكم كل شامت ولا تمنعوا أن تسمحوا لي بنظـرة تخفف أحوالي فرط سبـابـتـي سألت فؤادي الصبر عنكم فقال لي إليك فإن الصبر من غير عادتـي
ثم زاد بكائه فقال له الوقاد: لا تبك واحمد الله على السلامة والعافية. فقال ضوء المكان: كم بيننا وبين دمشق؟ فقال: ستة أيام فقال ضوء المكان: هل لك أن ترسلني إليها؟ فقال له الوقاد: يا سيدي كيف أدعك تروح وأنت شاب صغير فإن شئت السفر إلى دمشق فأنا الذي أروح معك وإن أطاعتني زوجتي وسافرت معي أقمت هناك فإنه لا يهون علي فراقك، ثم قال الوقاد لزوجته: هل لك أن تسافري معي إلى دمشق الشام أو تكوني مقيمة هنا، حتى أوصل سيدي هذا إلى دمشق الشام وأعود إليك فإنه يطلب السفر إليها فإني والله لا يهون علي فراقه وأخاف عليه من قطاع الطرق. فقال له زوجته: أسافر معكما فقال الوقاد: الحمد لله على الموافقة ثم أن الوقاد قام وباع أمتعته وأمتعة زوجته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:29 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوقاد اتفق هو وزوجته على السفر مع ضوء المكان وعلى أنهما يمضيان معه إلى دمشق ثم إن الوقاد باع أمتعته وأمتعة زوجته ثم اكترى حماراً وأركب ضوء المكان إياه وسافروا ولم يزالوا مسافرين ستة أيام إلى أن دخلوا دمشق فنزلوا هناك في آخر النهار وذهب الوقاد واشترى شيئاً من الأكل والشرب على العادة وما زالوا على ذلك الحال خمسة أيام وبعد ذلك مرضت زوجة الوقاد أياماً قلائل وانتقلت إلى رحمة الله تعالى فعظم ذلك على ضوء المكان لأنه قد اعتاد عليها وكانت تخدمه، وحزن عليها الوقاد حزناً شديداً فالتفت ضوء المكان إلى الوقاد، فوجده حزيناً فقال له: لا تحزن فإننا كلنا داخلون في هذا الباب فالتفت الوقاد إلى ضوء المكان وقال له: جزاك الله خيراً يا ولدي فالله تعالى يعوض علينا بفضله ويزيل عنا الحزن فهل لك يا ولدي أن تخرج بنا ونتفرج في دمشق، لنشرح خاطرك؟ فقال له ضوء المكان: الرأي رأيك فقام الوقاد ووضع يده في يد ضوء المكان وسارا إلى أن أتيا تحت إصطبل والى دمشق فوجدا جمالاً محملة صناديق وفرشاً وقماشاً من الديباج وغيره وجنائب مسرجة ونجاتي وعبيداً ومماليك والناس في هرج فقال ضوء المكان: يا ترى لمن تكون هؤلاء المماليك والجمال والأقمشة وسأل بعض الخدم عن ذلك، فقال له المسؤول: هذه هدية من أمير دمشق يريد إرسالها إلى الملك عمر النعمان مع خراج الشام فلما سمع ضوء المكان هذا الكلام تغرغرت عيناه بالدموع وأنشد يقول: إن شكونا البعاد ماذا تـقـول أو تلفنا الشوق فكيف السبـيل أو رأينا رسلاً تترجـم عـنـا ما يودي شكوى لمحب رسول أو صبرنا فما من الصبر عندي بعد فقد الأحبـاب إلا قـلـيل وقال أيضاً: رحلوا غائبين عن جفن عيني ليس تحلوا والاشتياق يحول غاب عني جمالهم فحـيانـي أذكر الوجد في حديث يطول ولما فرغ من شعره بكى، فقال له الوقاد: يا ولدي نحن ما صدقنا أنك جاءتك العافية فطب نفساً ولا تبك فإني أخاف عليك من النكسة، وما زال يلاطفه ويمازحه وضوء المكان يتنهد ويتحسر على غربته وعلى فراقه لأخته ومملكته ويرسل العبرات ثم أنشد هذه الأبيات:
تزود من الدنيا فـإنـك راحـل وأيقن بأن الموت لا شك نـازل نعيمك في الدنيا غرور وحسـرة وعيشك في الدنيا محال وبـال ألا إنما الدنيا كمـنـزل راكـب أناخ عيناً وهو في الصبح راحل
ثم إن ضوء المكان جعل يبكي وينتحب على غربته وكذلك الوقاد صار يبكي على فراق زوجته ولكنه مازال يتلطف بضوء المكان إلى أن أصبح الصباح فلما طلعت الشمس قال له الوقاد: كأنك تذكرت بلادك؟ فقال له ضوء المكان: نعم ولا أستطيع أن أقيم هنا وأستودعك الله فإني مسافر مع هؤلاء القوم وأمشي معهم قليلاً قليلاً حتى أصل بلادي. فقال له الوقاد: وأنا معك فإني لا أقدر أن أفارقك فإني عملت معك حسنة، وأريد أن أتممها بخدمتي لك، فقال له ضوء المكان: جزاك الله عني خيراً وفرح ضوء المكان بسفر الوقاد معه ثم إن الوقاد خرج من ساعته واشترى حماراً وهيأ زاداً، وقال لضوء المكان: اركب هذا الحمار في السفر فإذا تعبت من الركوب فانزل وامش فقال له ضوء المكان: بارك الله فيك وأعانني على مكافأتك فإنك فعلت معي من الخير ما لا يفعله أحد مع أخيه ثم صبرا إلى أن جن الظلام فحملا زادهما وأمتعتهما على ذلك الحمار وسافرا. هذا ما كان من أمر ضوء المكان والوقاد. وأما ما كان من أمر أخته نزهة الزمان فإنها لما فارقت أخاها ضوء المكان خرجت من الخان الذي كانا فيه في القدس بعد أن التفت بالعباءة لأخل أن تخدم أحداً وتشتري لأخيها ما اشتهاه من اللحم المشوي، وصارت تبكي في الطريق وهي لا تعرف أين تتوجه وصار خاطرها مشغولاً بأخيها وقلبها مفتكر في الأهل والأوطان، فصارت تتضرع إلى الله تعالى في دفع هذه البليات وأنشدت هذه الأبيات: جن الظلام وهاج الوجد بالسـقـم والشوق حرك ما عندي من الألم ولوعة البين في الأحشاء قد سكنت والوجد صيرني في حالة العـدم والحزن أقلقني والشوق أحرقنـي والدمع باح بحب لي مكـتـتـم وليس لي حيلة في الوصل أعرفها حتى تزحزح ما عندي من الغمم فنار قلبي بـالأشـواق مـوقـدة ومن لظاها يظل الصب في نقـم يا من يلوم على ما حل بي وجرى إني صبرت على ما خط بالقلـم أقسمت بالحب مالي سلـوة أبـداً يمين أهل الهوى مبرورة القسـم يا ليل بلغ رواة الحب عن خبري واشهد بعلمك أني فيك لـم أنـم ثم إن نزهة الزمان أخت ضوء المكان صارت تمشي وتلتفت يميناً ويساراً وإذا بشيخ مسافر من البدو ومعه خمسة أنفار من العرب قد التفت إلى نزهة الزمان فرآها جميلة وعلى رأسها عباءة مقطعة، فتعجب من حسنها وقال في نفسه: إن هذه جميلة ولكنها ذات قشف فإن كانت من أهل المدينة أو كانت غريبة فلا بد لي منها، ثم إنه تبعها قليلاً قليلاً حتى تعرض لها في الطريق في مكان ضيق وناداها ليسألها عن حالها وقال لها: يا بنية هل انت حرة أم مملوكة؟ فلما سمعت كلامه نظرت إليه وقال له: بحياتك لا تجدد علي الأحزان، فقال لها: إني رزقت ست بنات مات لي منهن خمسة وبقيت واحدة وهي أصغرهن وأتيت إليك لأسألك هل أنت من أهل المدينة أو غريبة لأجل أن آخذك وأجعلك عندها لتؤانسيها فتشتغل بك عن الحزن على أخواتها فإن لم يكن لك أحد جعلتك مثل واحدة منهن وتصيرين مثل أولادي. فلما سمعت نزهة الزمان كلامه قالت في سرها: عسى أن آمن على نفسي عند هذا الشيخ ثم أطرقت برأسها من الحياء وقالت: يا عم أنا بنت غريبة ولي أخ ضعيف فأنا أمضي معك إلى بيتك بشرط أن أكون عندك بالنهار وبالليل أمضي إلى أخي فإن قبلت هذا الشرط مضيت معك لأني غريبة، وكنت عزيزة فأصبحت ذليلة حقيرة وجئت أنا وأخي من بلاد الحجاز وأخاف أن أخي لا يعرف مكاناً لي.
فلما سمع البدوي كلامها قال في نفسه: والله إني فزت بمطلوبي، ثم قال لها: ما أريد إلا لتؤانسي بنتي نهاراً وتمضي إلى أخيك ليلاً وإن شئت فانقليه إلى مكاننا. ولم يزل البدي يطيب قلبها ويلين لها الكلام إلى أن وافقته على الخدمة ومشى قدامها وتبعته ولم يزل سائر إلى جماعته وكانوا قد هيئوا الجمال ووضعوا عليها الأحمال ووضعوا فوقها الماء والزاد وكان البدوي قاطع الطريق وخائن الرفيق وصاحب مكر وحيل ولم يكن عنده بيت ولا ولد وإنما قال ذلك الكلام حيلة على هذه البنت المسكينة لأمر قدره الله. ثم إن البدوي صار يحدثها في الطريق إلى أن خرج من مدينة القدس واجتمع برفاقه فوجدهم قد رحلوا الجمال فركب البدوي وأردفها خلفه وساروا معظم الليل فعرفت نزهة الزمان أن كلام البدوي كان حيلة عليها وأنه مكر بها، فصارت تبكي وتصرخ وهم في الطريق قاصدين الجبال خوفاً من أن يراهم أحد، فلما صاروا قريب الفجر نزلوا عن الجمال وتقدم البدوي إلى نزهة الزمان وقال لها: يا مدنية ما هذا البكاء، والله إن لم تتركي البكاء ضربتك إلى أن تهلكي يا قطعة حضرية. فلما سمعت نزهة الزمان كلامه كرهت الحياة وتمنت الموت فالتفتت إليه وقالت له: يا شيخ السوء يا شبيهة جهنم كيف استأمنتك وأنت تخونني وتمكر بي؟ فلما سمع البدوي كلامها قال لها: يا قطعة حضرية لك لسان تجاوبينني به وقام إليها ومعه سوط فضربها وقال: إن لم تسكتي قتلتك فسكتت نزهة ثم تفكرت أخاها وما هو فيه من الأمراض فبكت سراً، وفي ثاني يوم التفتت إلى البدوي وقالت له: كيف تعمل على هذه الحيلة حتى أتيت بي إلى هذه الجبال القفرة وما قصدك مني؟ فلما سمع كلامها قسا قلبه وقال لها: يا قطعة حضرية ألك لسان تجاوبينني وأخذ السوط ونزل على ظهرها إلى أن غشي عليها فانكبت على رجليه وقبلتهما فكف عنها الضرب وصار يشتمها ويقول لها: وحق طرطوري إن سمعتك تبكين قطعت لسانك ودسته في فرجك يا قطعة حضرية، فعند ذلك سكتت ولم ترد جواباً وآلمها الضرب فقعدت على قراقيصها وجعلت رأسها في طوقها وصارت تتفكر في حالها وفي حال أخيها وفي ذلها بعد العز وفي مرض أخيها ووحدته واغترابهما وأرسلت دموعها على الوجنات وأنشدت هذه الأبيات: من عادة الدهـر إدبـار وإقـبـال فمايدوم لـه بـين الـورى حـال وكل شيء من الـدنـيا لـه أجـل وتنقضي لجمـيع الـنـاس آجـال كما أحمل الضيم والأهوال يا أسفـي من عيشة كلـهـا ضـيم وأهـوال لا أسعد الله أيامـاً عـززت بـهـا دهراً وفي طي ذاك الـعـز إذلال قد خاب قصدي وآمالي بها انصرمت وقد تقطع بالـتـغـريب أوصـال يا من يمر على دار بها سـكـنـي بلغه عنـي أن الـدمـع هـطـال فلما سمع البدوي شعرها عطف عليها ورثى لها ورحمها وقام إليها ومسح دموعها وأعطاها قرصاً من شعير وقال لها: أنا لا أحب من يجاوبني في وقت الغيظ وأنت بعد ذلك لا تجاوبينني بشيء من هذا الكلام الفاحش وأنا أبيعك لرجل جيد مثلي يفعل معك الخير مثل ما فعلت معك، قالت: نعم ما تفعل، ثم إنها لما طال عليها الليل وأحرقها الجوع أكلت من ذلك القرص الشعير شيئاً يسيراً، فلما انتصف الليل أمر البدوي جماعته أن يسافروا، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:30 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البدوي لما أعطى نزهة الزمان القرص الشعير ووعدها أن يبيعها لرجل يجيد مثله قالت له: نعم ما تفعل، فلما انتصف الليل وأحرقها الجوع أكلت من القرص الشعير شيئاً يسيراً. ثم إن البدوي العجوز وضع نزهة الزمان خلفه وساروا وما زالوا سائرين مدة ثلاثة أيام ثم دخلوا مدينة دمشق ونزلوا في خان السلطان بجانب باب الملك وقد تغير لون نزهة الزمان من الحزن وتعب السفر فصارت تبكي من أجل ذلك فأقبل عليها البدوي وقال لها: يا حضرية وحق طرطوري إن لم تتركي هذا البكاء لا أبيعك إلا ليهودي ثم إنه قام وأخذ بيدها وأدخلها في مكان وتمشى إلى السوق ومر على التجار الذين يتجرون في الجواري وصار يكلمهم ثم قال لهم: عندي جارية أتيت بها معي وأخوها ضعيف فأرسلته إلى أهلي في مدينة القدس لأجل أن يداووه حتى يبرأ وقصدي أن أبيعها ومن يوم ضعف أخوها وهي تبكي وصعب عليها فراقه وأريد أن الذي يشتريها مني يلين لها الكلام ويقول لها: إن أخاك عندي في القدس ضعيف وأنا أرخص له ثمنها فنهض رجل من التجار وقال له: كما عمرها؟ فقال: هي بكر بالغة ذات عقل وأدب وفطنة وحسن وجمال، ومن حين أرسلت أخاها إلى القدس اشتغل قلبها وتغيرت محاسنها وانهزل سمنها. فلما سمع التاجر ذلك تمشى مع البدوي وقال له: اعلم يا شيخ العرب أني أروح معك وأشتري منك الجارية التي تمدحها وتشكر عقلها وأدبها وحسنها وجمالها وأعطيك ثمنها وأشترط عليك شروطاً أن قبلها نقدت لها ثمناً وإن لم تقبلها رددتها عليك، فقال له البدوي: إن شئت فاطلع بها إلى السلطان واشترط علي ما شئت من الشروط فإنك إذا أوصلتها إلى الملك شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان ربما تليق بعقله فيعطيك ثمنها ويكثر لك الربح فيها. فقال له البدوي: قبلت منك هذا الشرط، ثم مشى الاثنان إلى أن اقبلا على المكان الذي فيه نزهة الزمان ووقف البدوي على باب الحجرة وناداها: يا ناحبة، وكان قد سماها بهذا الاسم فلما سمعته بكت ولم تجبه فالتفت البدوي إلى التاجر وقال له: ها هي قاعدة دونك فأقبل عليها وانظرها ولاطفها مثل ما أوصيتك، فتقدم التاجر إليها فرآها بديعة الحسن والجمال لاسيما وكانت تعرف بلسان العرب. فقال التاجر: إن كانت كما وصفت لي فإني أبلغ بها عند السلطان ما أريد ثم أن التاجر قال لها: السلام عليك يا بنية كيف حالك؟ فالتفتت إليه وقالت: كان ذلك في الكتاب مسطورا، ونظرت إليه فإذا هو رجل ذو وقار ووجه حسن فقالت في نفسها: أظن أن هذا جاء ليشتريني ثم قالت: إن امتنعت عنه صرت عند هذا الظالم فيهلكني من الضرب فعلى كل حال هذا رجل وجهه حسن وهو أرجى للخير من هذا البدوي الجلف، ولعله ما جاء إلا ليسمع منطقي فأنا أجاوبه جواباً حسناً كل ذلك وعينها على الأرض ثم رفعت بصرها إليه وقالت بكلام عذب: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا سيدي بهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأما سؤالك عن حالي فإن شئت أن تعرفه فلا تتمنه إلا لأعدائك ثم سكتت فلما سمع التاجر كلامها طار عقله فرحاً بها والتفت إلى البدوي وقال له: كم ثمنها فإنها جليلة فاغتاظ البدوي وقال له: أفسدت علي الجارية بهذا الكلام لأي شيء تقول إنها جليلة مع أنها من رعاع الناس فأنا لا أبيعها لك.
فلما سمع التاجر كلامه عرف أنه قليل العقل فقال له: طب نفساً وقر عيناً فأنا أشتريها على هذا العيب الذي ذكرتها فقال له البدوي: وكم تدفع لي فيه؟ فقال له التاجر: ما يسمي الولد إلا أبوه فاطلب فيها مقصودك فقال له البدوي ما يتكلم إلا أنت فقال التاجر في نفسه: إن هذا البدوي جلف يابس الرأس وأنا لا أعرف لها قيمة إلا أنها ملكت قلبي بفصاحتها وحسن منظرها وإن كانت تكتب وتقرأ فهذا من تمام النعمة عليها وعلى من يشتريها. لكن هذا البدوي لا يعرف لها قيمة. ثم التفت إلى البدوي وقال له: يا شيخ العرب أدفع لك فيها مائتي دينار سالمة ليدك غير الضمان وقانون السلطان. فلما سمع البدوي اغتاظ غيظاً شديداً وصرخ في ذلك التاجر وقال له: قم إلى حال سبيلك لو أعطيتني مائة دينار في هذه القطعة العباءة التي علها ما بعتها لك فأنا لا أبيعها بل أخليها عندي ترعى الجمال وتطحن الطحين ثم صاح عليها وقال: تعالي يا منتنة أنا لا أبيعك ثم التفت إلى التاجر وقال له: كنت أحسبك أهل معرفة. وحق طرطوري إن لم تذهب عني لأسمعتك ما لا يرضيك. فقال التاجر في نفسه: إن هذا البدوي مجنون ولا يعرف قيمتها ولا أقول له شيئاً في ثمنها في هذا الوقت فإنه لو كان صاحب عقل ما قال وحق طرطوري والله إنها تساوي خزنة من الجواهر وأنا معي ثمنها ولكن إن طلب مني ما يريد أعطيته إياه ولو أخذ جميع مالي ثم التفت إلى البدوي وقال له: يا شيخ العرب طول بالك وقل لي ما لها من القماش عندك؟ فقال البدوي: وما تعمل قطاعة الجواري هذه القماش الله إن هذه العباءة التي هي ملفوفة فيها كثيرة عليها فقال له التاجر: عن إذنك أكشف عن وجهها وأقلبها كما يقلب الناس الجواري لأجل الاشتراء، فقال له البدوي: دونك ما تريد الله يحفظ شبابك فقلبها ظاهراً وباطناً فإن شئت فعرها من الثياب ثم انظرها وهي عريانة، فقال التاجر: معاذ الله أنا ما أنظر إلا وجهها ثم إن التاجر تقدم إليها وهو خجلان من حسنها وجمالها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر تقدم إلى نزهة الزمان وهو خجلان من حسنها وجلس إلى جانبها وقال لها: يا سيدتي ما اسمك؟ فقالت له: تسألني عن اسمي في هذا الزمان أو عن اسمي القديم؟ فقال لها: هل لك اسم جديد واسم قديم؟ قالت: نعم اسمي القديم نزهة الزمان واسمي الجديد غصة الزمان، فلما سمع التاجر منها هذا الكلام تغرغرت عيناه بالدموع وقال لها: هل لك أخ ضعيف؟ فقالت له: إي والله يا سيدي ولكن فرق الزمان بيني وبينه وهو مريض في بيت المقدس، فتحير عقل التاجر من عذوبة منطقها وقال في نفسه: لقد صدق البدوي في مقالته، ثم إن نزهة الزمان تذكرت أخاها ومرضه وغربته وفراقها عنه وهو ضعيف ولا تعلم ما وقع له وتذكرت ما جرى لها من هذا الأمر مع البدوي ومن بعدها عن أمها وأبيها ومملكتها فجرت دموعها على خدها وأرسلت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
حينـمـا قـد وقـاك إلـهـي أيها الراحل المقيم بـقـلـبـي ولك الله حيث أمـسـيت جـار حافظ من صروف دهر وخطب غبت فاستوحشت لقربك عينـي واستهلت مدامعي أي سـكـب ليت شعري بـأي ربـع وأرض أنت مستوطن بـدار وشـعـب إن يكن شـاربـاً لـمـاء حـياة حضر الورد فالمدامع شربـي أو شهدت الرقاد يوماً فجـمـر من سهاد بين الفراش وجنـبـي كل شيء إلا فـراقـك سـهـل عند قلبي وغيره غير صـعـب
فلما سمع التاجر ما قالته من الشعر بكى ومد يده ليمسح دموعها عن خدها فغطت وجهها وقالت له: حاشاك يا سيدي، ثم إن البدوي قعد ينظر إليها وهي تغطي وجهها من التاجر حيث أراد أن يمسح دمعها عن خدها فاعتقد أنها تمنعه من لتقليب فقام إليها يجري وكان معه مقود جمل فرفعه في يده وضربها به على أكتافها فجاءت الضربة قوية فانكبت بوجهها على الأرض فجاءت حصاة من الأرض في حاجبها فشقته فسال دمها على وجهها فصرخت صرخة عظيمة وغشي عليها وبكت وبكى التاجر معها فقال التاجر: لا بد أن أشتري هذه الجارية ولو بثقلها ذهباً وأريحها من هذا الظالم وصار التاجر يشتم البدوي وهي في غشيتها فلما أفاقت مسحت الدموع والدم عن وجهها وعصبت رأسها ورفعت طرفها إلى السماء وطلبت من مولاها بقلب حزين وأنشدت هذين البيتين: وارحـمة لـعــزيزة بالضيم قد صارت ذليلة تبكي بـدمـع هـاطـل وتقول ما في الوعد حيلة فلما فرغت من شعرها التفتت إلى التاجر وقالت له بصوت خفي: بالله لا تدعني عند هذا الظالم الذي لا يعرف الله تعالى، فإن بت هذه الليلة عنده قتلت نفسي بيدي فخلصني منه يخلصك الله مما تخاف في الدنيا والآخرة، فقام التاجر وقال للبدوي: يا شيخ العرب هذه ليست غرضك بعني إياها بما تريد. فقال البدوي: خذها وادفع ثمنها وإلا أروح بها إلى النجع وأتركها تلم وترعى الجمال. فقال التاجر: أعطيك خمسين ألف دينار، فقال البدوي: يفتح الله فقال التاجر: سبعين ألف دينار فقال البدوي: يفتح الله هذا ما هو رأس مالها لأنها أكلت عندي أقراص من الشعير بتسعين ألف دينار شعير ولكن أقول لك كلمة واحدة فإن لم ترض بها غمزت عليك والى دمشق فيأخذها منك قهراً فقال البدوي: تكلم فقال: بألف دينار فقال البدوي: بعتك إياها بهذا الثمن وأقدر أنني اشتريت بها ملحاً، فلما سمعه التاجر ضحك ومضى إلى منزله وأتى بالمال وقيضه إياه فأخذه البدوي وقال في نفسه: لا بد أن أذهب إلى القدس لعلي أجذ أخاها فأجيء به وأبيعه، ثم ركب وسافر إلى بيت المقدس فذهب إلى الخان وسأل عن أخيها فلم يجده. هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر التاجر ونزهة الزمان فإنه لما أخذها ألقى عليها شيئاً من ثيابه ومضى بها إلى منزله. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:31 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر لما تسلم الجارية من البدوي وضع عليها شيئاً من ثيابه ومضى بها إلى منزله وألبسها أفخر الملبوس، ثم أخذها ونزل بها إلى السوق وأخذ لها مصاغاً ووضعه في بقجة من الأطلس ووضعها بين يديها وقال لها: هذا كله من أجلك ولا أريد منك إلا إذا طلعت بك إلى السلطان والي دمشق أن تعلميه بالثمن الذي اشتريتك به وإن كان قليلاً في ظفرك وإذا اشتراك مني فاذكري له ما فعلت معك واطلبي لي منه مرقوماً سلطانياً بالوصية علي لأذهب به إلى والده صاحب بغداد الملك عمر النعمان لأجل أن يمنع من يأخذ مني مسكاً على القماش أو غيره من جميع ما أجر فيه. فلما سمعت كلامه بكت وانتحبت فقال لها التاجر: يا سيدتي إني أراك كلما ذكرت لك بغداد تدمع عيناك ألك فيها أحد تحبينه؟ فإن كان تاجراً أو غيره فأخبريني فإني أعرف جميع ما فيها من التجار وغيرهم وإن أردت رسالة أنا أوصلها إليه، فقالت: والله ما لي معرفة تاجر ولا غيره وإنما معرفة بالملك عمر النعمان صاحب بغداد. فلما سمع التاجر كلامها ضحك وفرح فرحاً شديداً وقال في نفسه: والله إني وصلت إلى ما أريد، ثم قال لها: أنت عرضت عليه سابقاً؟ فقالت: لا بل تربيت أنا وبنته فكنت عزيزة عنده، ولي عنده حرمة كبيرة، فإن كان غرضك أن الملك النعمان يبلغك ما تريد فأتني بدواة وقرطاس فإني أكتب لك كتاباً فإذا دخلت مدينة بغداد فسلم الكتاب من يدك إلى يد الملك عمر النعمان وقل له إن جاريتك نزهة الزمان قد طرقتها صروف الليالي والأيام حتى بيعت من مكان إلى مكان وهي تقرئك السلام،وإذا سألك عني فأخبره أني عند نائب دمشق.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:32 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر تعجب من فصاحتها وازدادت عنده محبتها قال: ما أظن إلا أن الرجال لعبوا بعقلك وباعوك بالمال فهل تحفظين القرآن؟ قالت: نعم وأعرف الحكمة والطب ومقدمة المعرفة وشرح فصول بقراط لجالينوس الحكيم وشرحه أيضاً وقرأت التذكرة، وشرحت البرهان وطالعت مفردات ابن البيطار وتكلمت على القانون لابن سينا وحللت الرموز ووضعت الأشكال وتحدثت في الهندسة وأتقنت حكمة الأبدان وقرأت كتب الشافعية وقرأت الحديث والنحو وناظرت العلماء وتكلمت في سائر العلوم وألفت في علم البيان والمنطق والحساب والجدل والعرف الروحاني والميقات وفهمت هذه العلوم كلها. ثم قالت: ائتني بدواة وقرطاس حتى أكتب كتاباً يسليك في الأسفار ويغنيك عن مجلدات الأسفار. فلم اسمع التاجر منها هذا الكلام صاح: بخ بخ فيا سعد من تكونين في قصره. ثم أتاها بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أحضر التاجر ذلك بين يديها وقبل الأرض تعظيماً أخذت نزهة الزمان الدرج وتناولت القلم وكتبت في الدرج هذه الأبيات: ما بال نومي من عيني قد نـفـرا أأنت علمت طرفي بعدك السهر؟ وما لذكرك يذكي النار في كبـدي أهكذا كل صب للهـوى ذكـرا سقا الأيام مـا كـان أطـيبـهـا مضت ولم أقض من لذاتها وطرا أستعطف الريح إن الريح حامـلة إلى المتيم من أكتافكـم خـبـرا يشكو إليك محب قـل نـاصـره وللفراق خطوب تصدع الحجـرا ثم إنها لما فرغت من كتابة هذا الشعر كتبت بعده هذا الكلام وهي تقول: ممن استوى عليها الفكر وأنحلها السهر، فظلمتها لا تجد لها من أنوار ولا تعلم الليل من النهار وتتقلب على مراقد البيت وتكتحل بموارد الأرق، ولم تزل للنجوم رقيبة وللظلام نقيبة قد أذابها الفكر والنحول وشرح حالها يطول، لا مساعد لها غير العبرات وأنشدت هذه الأبيات: ما غردت سحراً ورقـاء فـتـن إلا تحرك عندي قاتل الشـجـن ولا تأثر مشـتـاق بـه طـرب إلى الأحبة إلا ازددت في حزني أشكو الغرام إلى من ليس يرحمني كم فرق الوجد بين الروح والبدن ثم أفاضت دموع العين وكتبت أيضاً هذين البيتين: أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني وفرق المجربين الجفن والوسن كفى بجسمي نحولاً أنني دنـف لولا مخاطبتي إياك لم ترنـي وبعد ذلك كتبت في أسفل الدرج هذا من عند البعيدة عن الأهل والأوطان حزينة القلب والجنان نزهة الزمان، ثم طوت الظرف وناولته للتاجر فأخذه وقبله وعرف ما فيه ففرح وقال: سبحان من صورك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:33 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان كتبت الكتاب وناولته للتاجر أخذه وقرأه وعلم ما فيه فقال: سبحان من صورك وزاد في إكرامها وصار يلاطفها نهاره كله فلما أقبل الليل خرج إلى السوق وأتى بشيء فأطعمها إياه ثم أدخلها الحمام وأتى لها ببلانة وقال لها: إذا فرغت من غسل رأسها فألبسيها ثيابها ثم أرسلي أعلميني بذلك فقال: سمعاً وطاعة، ثم أحضر لها طعاماً وفاكهة وشمعاً وجعل ذلك على مصطبة الحمام فلما فرغت البلانة من تنظيفها ألبستها ثيابها، ولما خرجت من الحمام وجلست على مصطبة الحمام وجدت المائدة حاضرة فأكلت هي والبلانة من الطعام والفاكهة وتركت الباقي لحارسة الحمام ثم باتت إلى الصباح وبات التاجر منعزلاً عنها في مكان آخر.
فلما استيقظ من نومه أيقظ نزهة الزمان وأحضر لها قميصاً رفيعاً وكوفية بألف دينار وبدلة تركية مزركشة بالذهب، وخفاً مزركشاً بالذهب الأحمر مرصعاً بالدرر والجوهر وجعل في أذنيها حلقاً من اللؤلؤ بألف دينار وفوق صرتها وتلك القلادة فيها عشر أكر وتسعة أهلة كل هلال في وسطه فص من الياقوت وكل أكرة فيها فص البلخش وثمن تلك القلادة ثلاثة آلاف دينار فصارت الكسوة التي كساها إياها بجملة بليغة من المال، ثم أمرها التاجر بأن تتزين بأحسن الزينة ومشت ومشى التاجر قدامها فلما عاينها الناس بهتوا في حسنها وقالوا: تبارك الله أحسن الخالقين هنيئاً لمن كانت هذه عنده ومازال التاجر يمشي وهي تمشي خلفه حتى دخل على الملك شركان فلما دخل على الملك قبل الأرض بين يديه وقال: أيها الملك السعيد أتيت لك بهدية غريبة الأوصاف، عديمة النظر في هذا الزمان قد جمعت بين الحسن والإحسان، فقال له الملك: قصدي أن أراها عياناً فخرج التاجر وأتى بها حتى أوقفها قدامه فلما رآها الملك شركان حن الدم إلى الدم وكانت قد فارقته وهي صغيرة، ولم ينظرها لنه بعد مدة من ولادتها،سمع أن له أختاً تسمى نزهة الزمان وأخاً يسمى ضوء المكان فاغتاظ من أبيه غيظاً شديداً غيرة على المملكة كما تقدم ولما قدمها إليه التاجر، قال له: يا ملك الزمان إنها مع كونها بديعة الحسن والجمال، بحيث لا نظير لها في عصرها تعرف جميع العلوم الدينية والدنيوية والسياسية والرياضية فقال له الملك: خذ ثمنها مثل ما اشتريتها ودعها وتوجه إلى حال سبيلك. فقال له التاجر: سمعاً وطاعة ولكن اكتب لي مرقوماً لأني لا أدفع عشراً أبداً على تجارتي فقال الملك: إني أفعل لك ذلك ولكن أخبرني كم وزنت ثمنها؟ فقال: وزنت ثمنها ألف دينار وكسوتها بمائة ألف دينار فلما سمع ذلك قال: أنا أعطيك في ثمنها أكثر من ذلك ثم دعا بخازنداره وقال له: أعط هذا التاجر ثلثمائة ألف وعشرين ألف دينار، ثم إن شركان أحضر القضاة الأربعة وقال لهم: أشهدكم أني أعتقت جاريتي هذه وأريد أن أتزوجها فكتب القضاة حجة بأعناقها، ثم اكتبوا كتابي عليها ونثر المسك على رؤوس الحاضرين ذهباً كثيراً وصار الغلمان والخدم يلتقطون ما نثره عليهم الملك من الذهب، ثم إن الملك أمر بكتابة منشور إلى التاجر على طبق مراده من أنه لا يدفع على تجارته عشراً ولا يتعرض له أحد بسوء في سائر مملكته وبعد ذلك أمر له بخلعة سنية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.






https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:34 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك صرف جميع من عنده غير القضاة والتاجر وقال للقضاة: أريد أن تسمعوا من ألفاظ هذه الجارية ما يدل على علمها وأدبها من كل ما ادعاه التاجر لنتحقق صدق كلامه فقالوا: لا بأس من ذلك فأمر بإرخاء ستارة بينه هو ومن معه وبين الجارية ومن معها وصار جميع النساء اللاتي مع الجارية خلف الستارة يقبلن يديها ورجلها لما علموا أنها صارت زوجة الملك، ثم درن حولها وقمن بخدمتها وخففن ما عليها من الثياب وصرن ينظرن حسنها وجمالها وسمعت نساء الأمراء والوزراء أن الملك شركان اشترى جارية لا مثيل لها في الجمال والعلم والأدب وأنها حوت جميع العلوم وقد وزن ثمنها ثلثمائة وعشرين ألف دينار وأعتقها وكتب كتابه عليها وأحضر القضاة الأربعة لأجل امتحانها حتى ينظر كيف تجاوبهم عن أسئلتهم، فطلب النساء الإذن من أزواجهن ومضين إلى القصر الذي فيه نزهة الزمان.
فلما دخلن عليها وجدن الخدم وقوفاً بين يديها وحين رأت نساء الأمراء والوزراء داخلة عليها قامت إليهن وقابلتهن وقامت الجواري خلفها وتلقت النساء بالترحيب وصارت تتبسم في وجوههن فأخذت قلوبهن وأنزلتهن في مراتبهن كأنها تربت معهن فتعجبن من حسنها وجمالها وعقلها وأدبها وقلن لبعضهن، ما هذه جارية بل هي ملكة بنت ملك وصرن يعظمن قدرها وقلن لها: يا سيدتنا أضاءت بك بلدتنا وشرفت بلادنا ومملكتنا فالمملكة مملكتك، والقصر قصرك وكلنا جواريك فبالله لا تخلينا من إحسانك والنظر إلى حسنك فشكرتهن على ذلك هذا كله والستارة مرخاة بين نزهة الزمان ومن عندها من النساء وبين الملك شركان هو والقضاة الأربعة والتاجر ثم بعد ذلك ناداها الملك شركان، وقال لها: أيتها الجارية العزيزة في زمانها إن هذا التاجر قد وصفك بالعلم والأدب وادعى أنك تعرفين في جميع العلوم، حتى علم النحو فأسمعينا من كل باب طرقاً يسير. فلما سمعت كلامه قالت: سمعاً وطاعة أيها الملك الباب الأول في السياسات الملكية وما ينبغي لولاة الأمور الشرعية وما يلزمهم من قبل الأخلاق المرضية اعلم أيها الملك أن مقاصد الخلق منتهية إلى الدين والدنيا لأنه لا يتوصل أحد إلى الدين إلا بالدنيا فإن الدنيا نعم الطريق إلى الآخرة لأن الله تعالى جعل الدنيا للعباد كزاد المسافر إلى تحصيل المراد فينبغي لكل إنسان أن يتناول منها بقدر ما يوصله إلى الله ولا يتبع في ذلك نفسه وهواه، ولو تتناولها الناس بالعدل لانقطعت الخصومات ولكنهم تناولونها بالجور ومتابعة الهوى فتسبب عن انهماكهم عليها الخصومات فاحتاجوا إلى سلطان لأجل أينصف بينهم ويضبط أمورهم ولولا ردع الملك الناس عن بعضهم لغلب قويهم على ضعيفهم وقد اقل إزدشير: إن الدين والملك توأمان فالدين كنز والملك حارس وقد جلت الشرائع والعقول، على أنه يجب على الناس أن يتخذوا سلطاناً يدفع الظالم عن المظلوم، وينصف الضعيف من القوي ويكف بأس العاتي والباغي واعلم أيها الملك أنه على قدر حسن أخلاق السلطان يكون الزمان فإنه قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئان في الناس: إن صلحا صلح الناس وإن فسدا فسد الناس العلماء والأمراء. وقد قال بعض الحكماء الملوك الثلاثة: ملك ودين وملك محافظة على الحرمات وملك هوى فأما ملك الدين فإنه يلزم رعيته باتباع دينهم وينبغي أن يكون أدينهم لنه هو الذي يقتدي به في أمور الدين ويلزم الناس طاعته فيما أمر به موافقاً للأحكام الشرعية ولكنه ينزل السخط منزلة الراضي بسبب التسليم إلى الأقدار. وأما ملك المحافظة على الحرمات فإنه يقوم بأمور الدين والدنيا يلزم الناس باتباع الشرع والمحافظة على المروءة ويكون جامعاً بين العلم والسيف فمن ذاع عما سطر القلم زلت به القدم فيقوم اعوجاجه بحد الحسام وينشر العدل في جميع الأنام. وأما ملك الهوى فلا يدين له إلا اتباع هواه ولم يخش سطوة مولاه الذي ولاه فمآل ملكه إلى لدمار ونهاية عنوه إلى دار البوار. وقالت الحكماء: الملك يحتاج إلى كثير من الناس وهم محتاجون إلى واحد ولأجل ذلك وجب أن يكون عارفاً باختلافهم، ليرد اختلافهم إلى أوقاتهم ويعمهم بعدله وبغمرهم بفضله واعلم أيها الملك أن إزدشير وهو الثالث من ملوك الفرس قد ملك الأقاليم جميعاً وقسمها على أربعة أقسام وجعل له من أجل ذلك أربعة خواتم لكل قسم خاتم، الأول خاتم البحر والشرطة والمحاماة وكتب عليه بالنيابات، الثاني خاتم الخراج وجباية الأموال وكتب عليه العمارة الثالث وكتب عليه الرخاء، الرابع خاتم المظالم وكتب عليه العدل واستمرت هذه الرسوم في الفرس إلى أن ظهر الإسلام وكتب كسرى لابنه وهو في جيشه: بل توسعن على جيشك فيستغنوا عنك، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:35 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنها قالت: كسرى كتب لابنه وهو في جيشه: لا توسعن على جيشك فيستغنوا عنك ولا تضيق عليهم فيضجروا منك وأعطهم عطاءاً مقتصداً وامنحهم منحاً جميلاً ووسع عليهم في الرخاء ولا تضيق عليهم في الشدة. وروي أن أعرابياً جاء إلى المنصور وقال له: ارجع كلبك يتبعك فغضب المنصور من الأعرابي لما سمع منه هذا الكلام فقال له أبو العباس الطوسي: أخشى أن يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويتركك فسكن غيظ المنصور وعلم أنها كلمة لا تخطيء وأمر للأعرابي بعطية واعلم أيها الملك أنه كتب عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز بن مروان حين وجهه إلى مصر: تفقد كتابك وحجابك فإن الثابت يخبرك عنه كتابك والترسيم تعرفك به حجابك والخارج من عندك يعرفك بجيشك. وكان عمر بن الخطاب إذا استخدم خادماً شرط عليه أربعة شروط: أن لا يركب البرازين وأن لا يلبس الثياب النفيسة وأن لا يأكل من القيء وأن لا يؤخر الصلاة عن وقتها وقيل: لا مال أجود من العقل ولا عقل كالتدبير والحزم ولا حزم كالتقوى ولا قربة كحسن الخلق ولا ميزان كالأدب ولا فائدة كالتوفيق ولا تجارة كالعمل الصالح ولا ربح كثواب الله ولا ورع كالوقوف عند حدود السنة ولا علم كالتفكر ولا عبادة كالفرائض ولا إيمان كالحياة ولا حسب كالتواضع ولا شرف كالعلم فاحفظ الرأس وماحوى والبطن وما وعى واذكر الموت والبلا. وقال الإمام علي رضي الله عنه: اتقوا أشرار النساء وكونوا منهن على حذر ولا تشاورهن في أمر ولا تطيعوهن في معروف حتى لا يطمعن في المنكر، وقال: من ترك الاقتصاد حار عقله. وقال عمر رضي الله عنه: النساء ثلاث: امرأة مسلمة نقية ودود تعين بعلها على الدهر ولا تعين الدهر على بعلها،وأخرى تراد للولد لا تزيد على ذلك، وأخرى يجعلها الله غلاً في عنق من يشاء، والرجال أيضاً ثلاثة: رجل عاقل إذا أقبل على رأيه، وآخر أعقل منه وهو من إذا نزل به أمر لا يعرف عاقبته فيأتي ذوي الرأي فينزل عن آرائهم، وآخر حائر، لا يعلم رشداً ولا يطيع مرشداً والعدل لا بد منه في كل الأشياء، حتى أن الجواري يحتجن إلى العدل وضربوا لذلك مثلاً قطاع الطرق، المقيمين على ظلم الناس فإنهم لو يتناصفوا فيما بينهم، ويستعملوا الواجب فيما يقسمونه لاختل نظامهم وبالجملة فسيد مكارم الأخلاق الكرام وحسن الخلق وما أحسن قول الشاعر: ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وكونك إياه عـلـيك يسـير وقال آخر: ففي الحلم إتقان وفي العفـو هـيبة وفي الصدق منجاة لمن كان صادقاً ومن يلتمس حسن الثناء بـمـالـه يكن بالندى في حلبة المجد سابقـا ثم إن نزهة الزمان تكلمت في سياسة الملوك حتى قال الحاضرون: ما رأينا أحداً تكلم في باب السياسة مثل هذه الجارية فلعلها تسمعنا شيئاً من غير هذا الباب فسمعت نزهة الزمان ما قالوه وفهمته، فقالت: وأما باب الأدب فإنه واسع المجال لأنه مجمع الكمال، فقد اتفق أن بني تميم وفدوا على معاوية ومعهم الأحنف بن قيس فدخل حاجب معاوية عليه ليستأذنه لهم في الدخول فقال: يا أمير المؤمنين أن أهل العراق يريدون الدخول عليك ليحدثوا معك فاسمع حديثهم، فقال معاوية: انظر من بالباب، فقال: بنو تميم قال: ليدخلوا، فدخلوا ومعهم الأحنف بن قيس، فقال له معاوية: اقرب مني يا أبا بحر بحيث أسمع كلامك ثم قال: يا أبا بحر كيف رأيك لي؟ قال: يا أمير المؤمنين فرق الشعر وقص الشارب وقلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة وأدم السواك فإن فيه اثنين وسبعين فضيلة وغسل الجمعة كفارة لما بين الجمعتين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:36 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنها قالت: إن الأحنف بن قيس قال لمعاوية لما سأله: وأدم السواك فإن فيه اثنين وسبعين فضيلة وغسل الجمعة كفارة لما بين الجمعتين قال له معاوية: كيف رأيك لنفسك؟ قال: أوطئ قدمي على الأرض وأنقلهم على تمهل وأراعيها بعيني، قال: كيف رأيك إذا دخلت على نفر من قومك دون الأمراء؟ قال: أطرق حياء وأبدأ بالسلام وأدع ما لا يعنيني وأقل الكلام. قال: كيف رأيك إذا دخلت على نظرائك؟ قال: استمع لهم إذا قالوا ولا أجول عليهم إذا جالوا. قال: كيف رأيك إذا دخلت على أمرائك؟ قال: أسلم من غير إشارة وأنتظر الإجابة فإن قربوني قربت وإن بعدوني بعدت قال: كيف رأيك مع زوجتك؟ قال: اعفني من هذا يا أمير المؤمنين قال: أقسمت عليك أن تخبرني قال: أحسن الخلق وأظهر العشرة وأوسع النفقة فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج. قال: فما رأيك إذا أردت أن تجامعها؟ قال: أكلمها حتى تطيب نفسها وألثمها حتى تطرب فإن كان الذي تعلم طرحتها على ظهرها وإن استقرت النطفة في قرارها قلت: اللهم اجعلها مباركة ولا تجعلها شقية وصورها أحسن تصوير ثم أقوم عنها إلى الوضوء فأفيض الماء على يدي ثم أصبه على جسدي ثم أحمد الله على ما أعطاني من النعم. فقال معاوية: أحسنت في الجواب فقل حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تتق الله في الرعية وتعدل بينهم بالسوية ثم نهض قائماً من مجلس معاوية فلما ولى قال معاوية لو لم يكن بالعراق إلا هذا لكفى ثم إن نزهة الزمان قالت: وهذه النبذة من جملة باب الأدب واعلم أيها الملك أنه كان معيقب عادلاً على بيت المال، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:36 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان، قالت: واعلم أيها الملك أنه كان معيقب عاملاً على بيت المال في خلافة عمر بن الخطاب فاتفق أنه رأى بن عمر يوماً فأعطاه درهماً من بيت المال قال معيقب: وبعد أن أعطيته الدرهم انصرفت إلى بيتي فبينما أن أجالس وإذا برسول عمر جاءني فذهبت معه وتوجهت إليه فإذا الدرهم في يده وقال لي: ويحك يا معيقب أني قد وجدت في نفسك شيئاً قلتك يا أمير المؤمنين، قال: إنك تخاصم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهم يوم القيامة، وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري كتاباً مضمونه: إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس الذي لهم واحمل ما بقي ففعل فلما أعطوا عثمان الخلافة كتب إلى أبي موسى ذلك ففعل، وجاء زياد معه وضع الخراج بين يدي عثمان جاء راشد فأخذ منه درهماً فبكى زياد فقال عثمان: ما يبكيك؟ قال: أتيت عمر بن الخطاب بمثل ذلك أخذ ابنه فأمر بنزعه من يده وابنك أخذ فلم أر أحداً ينزعه منه أو يقول له شيئاً، فقال عثمان: وأين نلقى مثل عمرو. روى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرجت مع عمر ذات ليلة حتى أشرفنا على نار تضرم فقال: يا أسلم إني أحسب هؤلاء ركبا أضربهم البرد، فانطلق بنا إليهم فخرجنا حتى أتينا إليهم فإذا امرأة توقد ناراً تحت قدر ومعها صبيان يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم أصحاب الضوء وكره أن يقول أصحاب النار ما بالكم؟ قالت: اضربنا البرد والليل قال: فما بال هؤلاء يضاغون؟ قالت: من الجوع قال: فما هذا القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به وإن عمر بن الخطاب ليسأله الله يوم القيامة قال: وما يدري عمر بحالهم؟ قالت: كيف يتولى أمور الناس ويغفل عنهم؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:37 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد قال أسلم: فأقبل عمر علي وقال: انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الصرف فأخرج عدلاً فيه دقيق وإناء فيه شحم ثم قال: حملني هذا فقلت: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين فقال: أتحمل عن وزري يوم القيامة؟ فحملته إياه وخرجنا نهرول حتى ألقينا ذلك العدل عندها ثم أخرج من الدقيق شيئاً وجعل يقول للمرأة: زددي إلي، وكان ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ وأخذ مقدار من الشحم فرماه فيه ثم قال: أطعميهم وأنا أبرد لهم ولم يزالوا كذلك حتى أكلوا وشبعوا وترك الباقي عندها ثم أقبل علي وقال: يا أسلم إني رأيت الجوع أبكاهم فأحببت أن لا أنصرف، حتى يتبين لي سب الضوء الذي رأيته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.






https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:38 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت: قيل أن عمر مر براع مملوك فابتاعه شاة فقال له: إنها ليست لي فقال: أنت القصد فاشتراه ثم أعتقه وقال: اللهم كما رزقتني العتق الأصغر ارزقني العتق الأكبر، وقيل أن عمر بن الخطاب يطعم الحليب للخدم، ويأكل اللبن ويكسوهم الغليظ ويلبس الخشن ويعطي الناس حقوقهم ويزيد في عطائهم وأعطى رجلاً أربعة آلاف درهم وزده ألفاً فقيل: أما تزيد ابنك كما ردت هذا؟ قال: أتيت والده يوم أحد وقال الحسن: أتى عمر بمال كثير فأتته حفصة وقالت له: يا أمير المؤمنين حق قرابتك فقال: يا حفصة إنما أوصى الله بحق قرابتي من مالي وأما مال المسلمين فلا يا حفصة قد أرضيت قومك وأغضبت أباك فقامت تجر ذيلها. وقال ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة من السنين أن يريني أبي حتى رأيته يمسح العرق عن جبينه فقلت له: ماحالك يا والدي؟ فقال: لولا رحمة ربي لهلك أبوك. قالت نزهة الزمان: اسمع ايها الملك السعيد الفصل الثاني من الباب الثاني وهو باب الأدب والفضائل وما ذكر فيه من أخبار التابعين والصالحين. قال الحسن البصري: لا تخرج نفس آدم عن الدنيا إلا وهو يتأسف على ثلاثة أشياء: عدم تمتعه بما سمع، وعدم إدراكه لما أملى، وعدم استعداده بكثرة الزاد لما هو قادم عليه. وقيل لسفيان: هل يكون الرجل زاهد وله مال؟ قال: نعم إذا كان متى صبر ومتى أعطى شكر، وقيل لما حضرت عبد الله بن شداد الوفاة أحضر ولده محمد فأوصاه وقال له: يا بني إني لأرى داعي الموت قد دعاني فاتق ربك في السر والعلانية واشكر الله على ما أنعم واصدق في الحديث، فالشكر يؤذن بازدياد النعم والتقوى خير زاد في الميعاد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.








https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:39 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبد الله بن شداد يوصي ولده بأن خير زاد في الميعاد كما قال بعضهم: ولست ارى السعادة جمع مال ولكن التقي هو الـسـعـيد وتقوى الله خـير زاد حـقـاً وعند الله تلقـى مـا تـريد ثم قالت نزهة الزمان: ليسمع الملك هذه النكت من الفصل الثاني من الباب الأول، قيل لها: وما هي؟ قالت: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جاء لأهل بيته فأخذ ما بأيديهم ووضعه في بيت المال ففزعت بنو أميه إلى عمته فاطمة بنت مروان فأرسلت إليه قائلة: إنه لا بد من لقائك، ثم أتته ليلاً فأنزلها عن دابتها فلما أخذت مجلسها قال لها: يا عمة أنت أولى بالكلام لأن الحاجة لك فأخبرني عن مرادك فقالت: يا أمير المؤمنين أنت أولى بالكلام ورأيك يستكشف ما يخفي عن الأفهام فقال عمر ابن عبد العزيز: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلمً رحمة للعالمين وعذاباً لقوم آخرين ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)

اميرة عبد الدايم
10-18-2015, 12:40 PM
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت: فقال عمر بن عبد العزيز: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وعذاباً لقوم آخرين ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه وترك للناس نهراً يروي عطاشهم، ثم قال أبو بكر خليفة بعده فأجرى النهر مجراه وعمل ما يرضي الله، ثم قام عمر بعد أبي بكر فعمل خير أعمال الأبرار واجتهد اجتهاداً ما يقدر أحد على مثله، فلما قام عثمان اشتق من النهر نهراً ثم ولى معاوية فاشتق منه يزيد وبنو مروان كعبد الملك والوليد وسليمان حتى آل الأمر إلي فأحببت أن أرد النهر إلى ما كان عليه فقالت: قد أردت كلامك ومذكراتك فقط فإن كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئاً ورجعت إلى بني أمية فقالت لهم: ذوقوا عاقبة أمركم بتزويجكم إلى عمر بن الخطاب.
وقيل لما حضر عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع أولاده حوله فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين كيف تترك أولادك فقراء وأنت راعيهم، فما يمنعك أحد في حياتك في أن تعطيهم من بيت المال ما يغنيهم وهذا أولى من أن ترجعه إلى الوالي بعدك؟ فنظر إلى مسلمة نظرة مغضب متعجب ثم قال: يا مسلمة منعتهم أيام حياتي فكيف أشقى بهم في مماتي؟ إن أولادي ما بين رجلين إما مطيع لله تعلى فالله يصلح شأنه وإما عاص فما كنت لأعينه على معصيته، يا مسلمة إني حضرت وإياك حين دفن بعض بني مروان فحملتني عيني فرأيته في المنام أفضى إلي أمر من أمور الله عز وجل فهالني وراعني فعاهدت الله أن لا أعمل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك مدة حياتي وأرجو أن أفضي إلى عفو ربي، قال مسلمة: بقي رجل حضرت دفنه فلما فرغت من دفنه حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم في روضة فيها أنهار جارية وعليه ثياب بيض فأقبل علي وقال: يا مسلمة لمثل هذا فليعمل العاملون ونحو هذا كثير. وقال بعض الثقات: كنت أحلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز فمررت براع فرأيت مع غنمه ذئباً أو ذئاباً فظننت أنها كلابه ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك فقلت له: ماذا تصنع بهذه الكلاب؟ فقال: إنها ليست كلاباً بل هي ذئاب فقلت: هل ذئاب في غنم لم تضرها؟ فقال: إذا أصلح الرأس صلح الجسد. وخطب عمر بن عبد العزيز على منبر من طين فحمد الله وأثنى عليه، ثم تكلم بثلاث كلمات فقال: أيها الناس أصلحوا أسراركم لتصلح علانيتكم لإخوانكم وتكفوا أمر دنياكم واعلموا أن الرجل ليس بينه وبين آدم رجل حي في الموتى، مات عبد الملك ومن قبله ويموت عمر ومن بعده، فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين لو علمنا أنك متكئاً لتقعد عليه قليلاً فقال: أخاف أن يكون في عنقي منه يوم القيامة، ثم شهق شهقة فخر مغشياً. فقالت فاطمة: يا مريم يا مزاحم يا فلان انظروا هذا الرجل فجاءت فاطمة تصب عليه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا فتذكرت مصرعك بين يدي الله عز وجل للموت وتخليك عن الدنيا وفراقك لنا فذاك الذي أبكانا فقال: حسبك يا فاطمة فلقد أبلغت، ثم أراد القيام فنهض ثم سقط فضمته فاطمة إليها وقالت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك كلنا. ثم إن نزهة الزمان قالت لأخيها شركان وللقضاة الأربعة تتمة الفصل الثاني من الباب الأول. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc (https://s.yimg.com/lo/api/res/1.2/tz92qTigK4pgqW42HSNpuA--/YXBwaWQ9bWti/http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQrp-u9rR_yLObLxQeByp56U22kVuwcU2cc7EdvpDW0ve9FQYWc)