المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور العقل في الدين


امينة خالد
10-11-2015, 05:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإسلام دين الفطرة السوية، والحقيقة البينة، والعلم النافع، والعقل الناصع، فلا يمكن لإنسان سويٍّ منصف باحث عن الحقيقة، محب للعلم، معظم للعقل، يعرف الإسلام ثم لا يرضاه دينا، والمرء إن ولد بين أبوين مسلمين ولم تتلوث فطرته نشأ مؤمنا بالله تعالى، ولا يزال إيمانه في ازدياد ما ازداد من العلم النافع والعمل الصالح، ومثل هذا لا يعتريه شك أصلا وغاية ما يمكن أن يحصل معه إما وسوسة وإما شبهة، وعلاج الأولى وجواب الثانية يجده في كلام الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كلام الراسخين من أهل العلم، وأما من ولد بين أبوين كافرين فانحرفت فطرته عن الإسلام، فأفضل الطرق لدعوته للإسلام، وإيصال الحق والحقيقة إليه ومحاجته وإقناعه: هي الطرق المستفادة من الوحي كتابا وسنة، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 111062، ورقم: 18262.

وأما أن نسلك معه طريقة الفلاسفة من أمثال ديكارت الفرنسي الذي أثبت وجود نفسه عن طريق الشك فقال:أنا أشك فأنا أفكر، فأنا إذن موجود!! فمثل هذه الفلسفة إن وجدت بسبب الجمود الكنسي وانحراف العقائد وزيغ الأفهام، فقام الفلاسفة الأوربيون بالثورة على الكنيسة ونقض مسلماتها من خلال الاعتماد على العقل وإعلاء مكانته، فهذا له ما يبرره، أما في الإسلام فلا، فإنه دين يعلي من شأن العقل ويرفع من مكانته، ويخاطبه بالتكاليف الشرعية، ويجعله مناطا لها، ويجعل العلاقة بينه وبين الدين علاقة وفاق ووئام، فلا يمكن أن يتعارض صريح المعقول مع صحيح المنقول، فدور العقل في الدين: التفكر في النصوص وتدبر الوحي المعصوم، لا التحكم في النصوص ولا تحكيم العقل فيها، والحقيقة أن هذا من وسطية الإسلام في موضوع إعمال العقل ودوره، فلا هو يجعله أصلا توزن به أحكام الشرائع وأمور الإيمان، ولا أهمله وأغفله ولم يلتفت إليه، وقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا فقال: لما أعرض كثير من أرباب الكلام والحروف وأرباب العمل والصوت عن القرآن والإيمان تجدهم في العقل على طريق كثير من المتكلمة يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن، وكثير من المتصوفة يذمون العقل ويعيبونه ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة لا تحصل إلا مع عدمه ويقرون من الأمور بما يكذب به صريح العقل ... وكلا الطرفين مذموم، بل العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك، بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار، وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورا حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما قد يحصل للبهيمة، فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقا وهي باطل وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم، وقد يقترب من كل من الطائفتين بعض أهل الحديث تارة بعزل العقل عن محل ولايته، وتارة بمعارضة السنن به. اهـ.

وقال الدكتور عيسى عبده: إن الإسلام لا يفرض على القوة العاقلة في الإنسان حالة من الجمود والتعطيل، بل على العكس من ذلك، إنه يدعو إلى إعمال العقل حيث ينبغي له أن يعمل، ومجاله واسع في هذا الوجود المشهود في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وفيما خلق الله من شيء، أما أن يتطاول العقل ليحكم على القواعد الآمرة والناهية التي تحكم السلوك، أو يحاول أن يجيء من عنده بأسس نظرية يقيم عليها الحكم المعين فإذا انهارت هذه الأسس بقي الحكم معلقاً حتى يصل العقل إلى غيرها، نقول: أما هذا الذي يطيب لبعض الباحثين فهو عندنا إثم كبير. اهـ.

وأخيرا ننبه على خطورة فلسفة الشك الديكارتية، فمؤداها يؤول إلى فلسفة السفسطائيين القدامى، قال السفاريني في عقيدته: وكل معلوم بحس وحِجى ... فنكره جهل قبيح في الهجا.

قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه: كل شيء معلوم بالحس أو بالعقل فإن إنكاره جهل قبيح، ويسمى مثل هذا الإنكار مكابرة، وهذا يرد به على السوفسطائية، وهم الذين ينكرون الحقائق والمحسوسات، ويقولون: كل شيء فهو شك، وقال بعضهم: جزمك بأن كل شيء فهو شك، هو أيضاً شك، فإذا قلت: أنا أشك، قلنا: وهذا شك، إذا قلت: أنا أشك بأني أشك، قلنا أيضاً: وهذا شك، وهلم جرا، فهؤلاء ينكرون حتى الحقائق، حتى إنه يكلمك ويخاطبك، ويقول: أنا لا أدري هل أنا أنت أو أنت أنا؟! وهذا موجود، ويقال: إنهم إذا أرادوا النوم جميعاً ربطوا في رجل كل واحد خيطاً يخالف خيط الآخر حتى إذا صحا لا يغلط، ويظن نفسه رفيقه، وهذا شيء عجيب، ويذكر عنهم أشياء عجيبة غير ذلك، فنقول: هؤلاء لا شك قالوا قولاً قبيحاً، لأن هذا يؤدي إلى أن يشكوا حتى في الله وفي السموات وفي الأرضين، حتى في كل شيء، وهو كذلك، فهم يشكون في كل شيء، ثم إن بعضهم يقول: ما دمت جزمت بالشك فأنا شاك به، وحينئذٍ لا يمكن أن أصل إلى يقين أبداً، وكذلك الذي ينكر ما ثبت بالعقل، فإذا قيل له: كل حادث فلابد له من محدث، قال: لا أسلم بهذا، فنقول له: من القبيح أن تنكر شيئاً معلوماً بالضرورة من العقل، ويعتبر هذا منه مكابرة .. ولذلك فنحن نقول: إن الذين ينكرون المحسوسات جهال، وجهلهم قبيح، والذين ينكرون العقليات التي ليست وهميات أيضاً جهال، وجهلهم قبيح، وقد قلت: العقليات الصريحة دون الوهميات، لئلا يحتج علينا المعتزلة والأشاعرة والجهمية وغيرهم، الذين سلكوا تحكيم العقل في الأمور الغيبية، حتى في صفات الله، حيث قالوا: لا نقبل إلا ما أملت علينا عقولنا، فنقول: هذه العقول التي زعمتموها هي عقول وهمية وخيالات لا أصل لها، لأن العقل الصريح لا يمكن أن يناقض النقل الصحيح من الكتاب والسنة أبداً، وهذه قاعدة مطردة، ومعنى قولنا: العقل الصريح أي الخالص من دائين عظيمين، وهما: الشبهة والشهوة، ولا أعني شهوة الفرج، بل أعني شهوة الإرادة، فالشبهة ألا يكون عنده علم، والشهوة ألا يكون له إرادة صالحة، لأن كل الانحرافات عن الحق لا تخرج عن أحد هذين السببين. اهـ.
وقد سبق لنا بيان دور العقل مع النقل في الفتويين رقم: 39932، ورقم: 69219، والعلاقة بين العقل والفطرة في الفتوى رقم: 131838، وضابط إعمال العقل في الفتوى رقم: 126077، وأنه لا يمكن للدين الحق أن يخالف العقل في الفتوى رقم: 20458، وأن تحكيم العقل في أحكام الشرع زيغ وضلال في الفتوى رقم: 23028، والفرق بين الفلسفة وبين الفكر الإسلامي في الفتوى رقم: 15514.
الشبكة الاسلامية

وظيفة العقل في الإسلام


ليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتعتز به وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية.
وليس ثمة كتاب أطلق سراح العقل وغالي بقيمته وكرامته كالقرآن الكريم كتاب الإسلام بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له.
ولذلك نجد عبارات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة: 73] و لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: 24] و لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 98] ونحوها تتكرر عشرات المرات في السياق القرآني لتؤكد النهج القرآني الفريد في الدعوة إلى الإيمان وقيامه على احترام العقل.
ولقد أبرز الإسلام مظاهر تكريمه للعقل واهتمامه به في مواضع عدة نذكر منها.
أولا- قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي:
فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصباح عقله ويعتقد بل دعاه إلى إعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها وقد وجه الإسلام هذه الطاقة بتوجيهات عدة لتصل إلى ذلك:
1- فوجهها إلى التفكر والتدبر.
أ- في كتابه.
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ص: 29]
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: 82].
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24]
ثم يستثير العقل الإنساني ويتحداه أن يأتي بمثل هذا القرآن حتى إذا ما أدرك عجزه عرف أنه من عند الله قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود: 13] فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [الطور: 34].
ب- وفي مخلوقاته:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191] أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم: 8] أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17-20].
ثم يتحدى العقل بحواسه أن يجد خللاً في شيء منها ليزداد بعد عجزه إيماناً وتسليماً الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: 3-4].
ج- وفي تشريعاته.
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179] وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184].
فأمر بالتفكر في تلك التشريعات لتحري الحكمة فيها لأن الحياة لا تسير آلية بحيث تنطبق عليها القاعدة التشريعية إنطباقاً آلياً وإنما هناك مئات من الحالات للقاعدة الواحدة وما لم يكن الإنسان مدركاً للحكمة الكامنة وراء التشريع وفاهماً لترابط التشريعات في مجموعها فلن يتمكن من تطبيقها في تلك الحالات المختلفة التي تعرض للبشر في حياتهم الواقعية وقد عني الإسلام بإيقاظ العقل لتدبر هذه التشريعات ليستطيع تطبيقها على خير وجه (1) .
د- وفي أحوال الأمم الماضية وما أدت بهم المعاصي إليه.
قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام: 11] أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام: 6].
هـ- وفي الدنيا ونعيمها الزائل:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا [الكهف: 45].
وهذا التأمل والتدبر ليس هو المقصود لذاته وإنما ليؤدي ثمرة نافعة لا أعني بها فلسفة يتشدق بها الفلاسفة ويتبارون في إغماض الكلام فيها وإبهامه ثم لا ينتهون إلى شيء وإنما أعني بها الإصلاح... إصلاح القلب... إصلاح العقيدة... إصلاح الحياة في الأرض على منهج الدين الصحيح.
2- ووجه الإسلام الطاقة العقلية لمراقبة نظام الحياة الاجتماعية مراقبة توجيه وإصلاح لتسير الأمور على منهج صحيح وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [عمران: 104].
وحمل المسؤولية كحل فرد من أفراد المجتمع وهدده بالعقاب إذا علم ولم يصلح ولو كان صالحا في نفسه وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً [الأنفال: 25] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة: 78 – 79].
وقال صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (2) .
ثانياً:
ولم يقسر الإسلام بعد هذا العقل على الإيمان وإنما ترك له الخيار بين الإيمان والكفر لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة: 256] وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس: 99] فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21-22] فلم يكره الإسلام العقل على الإيمان.
ثالثاً:
وحرص على قيام العلاقة بين العبد وربه على الوضوح العقلي في العقيدة والشريعة وعدم تقييده له بعد اقتناعه وإيمانه بالرهبانية فلا رهبانية في الإسلام لما فيها من تقييد للعقل فضلاً عن الغرائز والحواس ولما فيها من تعطيل للطاقة والقوى البشرية والمخالفة لنظام الحياة مخالفة تقضي بالفناء على البشرية فيما لو اعتنق الناس الترهب والانعزال دينا.
رابعاً:
ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل نعيه على المقلدين الذين لا يعلمون أذهانهم وحذر من التقليد الأعمى والتعصب الأصم لنظريات واهية وآراء زائفة ناشئة عن الخرافات والأهواء وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة: 170] أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود: 87] فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ [هود: 109].
وأمر بالتثبث في كل أمر قبل الاعتقاد به واقتفائه وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6].
خامساً:
ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل أمره بالتعلم والحث على ذلك فكما أن نمو الجسم بالطعام فإن نمو العقل بالعلم إذ بهذا يكون الإيمان عن إدراك أوسع وفهم أعمق واقتناع أتم بل قرن سبحانه ذكر أولى العلم بذكره عز وجل وذكر ملائكته شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].
وجعل العلم مشاعا لأنه غذاء العقل الذي به ينمو إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 159-160].
لذا لم يعرف الإسلام "رجل الدين" الذي يحتكر علومه ويعطي صكوك الغفران ويملك التحليل والتحريم ولكنه يعرف فكرة "عالم الدين" الذي يرجع إليه لمعرفة حكم الله فيما اشتبه على الناس من أمور دينهم مستنداً إلى دليل معتبر شرعاً من غير إلزام إلا بحجة قطعية من كتاب أو سنة أو إجماع مسلم به.
سادساً:
ومن ذلك إسناده استنباط الأحكام فيما لا يوجد فيه نص من كتاب أو سنة أو إجماع إلى العقل وما حديث معاذ عنا ببعيد حين بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً قال: ((كيف تقضي يا معاذ؟ قال بكتاب الله قال: فإن لم تجد قال بسنة رسول الله قال فإن لم تجد قال اجتهد برأيي ولا آلو فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)) (3) فجعل من اجتهاد العقل أساساً للحكم وقاعدة للقضاء عند فقدان النص.
سابعاً:
ومنها الأمر بتكريمه والمحافظة عليه والنهي عن كل ما يؤثر في سيره أو يغطيه فضلاً عما يزيله.
فحرم ذلك شرب الخمر إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: 90] وحرم كل مسكر ((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام)) (4) . كل هذا حفاظاً على العقل وعلى بقائه.
وجعل الدية كاملة على من تسبب في إزالته عن آخره قال ابن قدامة "لا نعلم في هذا خلافاً وقد روي عن عمر وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم(( وفي العقل الدية )) (5) ولأنه أكبر المعاني قدراً وأعظم الحواس نفعاً فإن به يتميز من البهيمة ويعرف حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس" (6)
درر

__________________
اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي