المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حبيبي .. أبقني قريبة


فارس
08-20-2016, 02:10 PM
لا أطلب منك اكثير... أريد أن ابقى بجانبك فقط

امسح حبات العرق المتجمعة على جبينك

أحضن حزنك .... ليضيع في أحضاني

أبعد التعب عن يومك

حبيبي


لا أرغب الا بمسح هذه الدمعة المختفية عن الاخرين

لو تعلم كم اكرهها .. فهي تجرحني أنا

حبيبي

فقط .... فقط.... ابقني قريبة


دخل إلى منزله وقد انحنت كتفاه وعقد حاجباه من شدة التفكير، لماذا يبدو كل شيء قاتماً إلى هذه الدرجة ؟؟ متطلبات عائلته التي لا تنتهي ، تعقيدات عمله المتجددة كالطاقة التي لا تنضب ، وظروف زواجه ... آهٍ من زواجه الحلو المر ، .. لذيذ وموجع .. ممتع ومؤلم ... كان حلم حياته أن تصبح هند سيدة منزله ... لكنه لم يتوقع أن تكون أمنياته سبب تعاسته ، كل تعقيدات يومه لا تعد شيئاً أمام اللحظات التي يقضيها في منزله وزوجته قريبة منه ولكنها في أبعد بقاع الأرض عنه !! متقاربان بالجسد متباعدان بالروح ... تسارعت أنفاسه بألم جعل صدره يتمزق قهراً وهو يتذكر كلماتها ليلة زفافهما :
- أتوسل إليك ابتعد عني فأنا لا أطيق مجرد فكرة أن تلمسني !
أغلق الباب بعنف لم يقصده فذكرياته ذهبت بالبقية القليلة الباقية من تماسك أعصابه، تفاجأ بها تخرج من غرفتها مهرولة وهي تسأله بلهفة :
- هل هناك ما يزعجك ؟؟!!
ارتفعت عيناه الناعستان نحوها وقد غطاهما بمسحة من الجفاء والقسوة والجمود ورمقها بنظرة جعلت قلبها يتحول إلى جليد قبل أن يهملها كالمعتاد ولا يرد سؤالها وكأنها لم تتكلم أصلاً، همست من جديد وهي ترى ظهره في مواجهتها بعد أن تجاوزها كي يدخل غرفته المنفصلة عن غرفتها :
- ألم يحن الوقت كي تتجاوز عن أخطائي ونبدأ حياتنا من جديد ؟؟
كانت مبادرة مفاجئة منها أن تتطرق لموضوع زواجهما بهذا الوضوح ، توقف في مكانه قبل أن يلتفت ليرمقها بنظرة فارغة ، قتلتها ، فعيناه المشهورتان بدفئهما وحنانهما لم يعد فيهما سوى القسوة والفراغ والألم ... ألم هي سببه ، ربما ليست الوحيدة في ابتكار ما يؤلمه لكنها الوحيدة القادرة على رؤية هذا الظلام الحالك في نظراته ، ذلك الألم الذي يلتف ببراعة بحرير من اللاشيء والفراغ وربما الابتسام عندما يتكلم مع أي شخص ، لكنها رغم ذلك تراه بوضوح في عينيه وفي كل نظرة يصوبها نحوها ، ترى حزناً وألماً و خيبات من الأمل ، تعرف جازمة أنها كانت أقوى هذه الخيباب وليست آخرها ، فمسؤولياته الكثيرة التي تنهال بقوة فوق رأسه جعلته أشبه بآلة متحركة لا تلقي بالاً للكم الهائل من خيبات الأمل التي تمر بها ... نظراته أرسلت حمماً من الحزن وتأنيب الضمير في أوصالها خاصة عندما سألها :
- وهل تعتقديني مجرد غلام تعاقبينه متى شئت وتلوحين له بلعبة جديدة يحبها متى شئت ؟؟؟
فاجأتها قسوته التي لم تعتادها منه ، كانت تظن أن حبه لها من المسلمات ، شيء أكيد لابد من تواجده دائماً في حياتها .. عاطفة غير قابلة للاضمحلال أو التضاؤل .. فعلاً كانت تعتقد أنها متى قررت أنها مستعدة لترميم ما بينهما فسيكون هو أكثر من مستعد كي يهرول نحوها بذراعين مفتوحتين ، لكن التغير الساحق في نظرات عينيه وفي تعامله معها جعلها توقن أن خسارتها أعظم مما تصورت ، فقط لو أنه يسمح لها بالاقتراب منه كي يتفاهما حول كل شيء ، لكنه يعزل نفسه بقوة عظيمة عنها !
راقبته يبتعد عنها كي يختفي في غرفته موصداً الباب خلفه بقوة ضايقتها، يا الله كيف ستحل هذه المعضلة التي باتت تخنقها ؟ فـ " زَيْد " هو ابن عمها ، عاشا في منطقة واحدة، وكانت عائلتيهما كثيرتي الالتقاء سوية ، عرفته منذ نعومة أظافرها ، ولم ترى فيه سوى أخاً قوياً ومعيناً لا يستهان به .. اليد التي تعرف متى تمتد لتربت على كتفها مشيعة جوّاً من الاطمئنان في أفكارها!
المفاجأة كانت عندما تقدم أحد شباب عائلة معروفة لطلب يدها ، فإذا بزيد يعلن أنه يريد هند له ، ولن يقبل أن تتزوج سواه ، والدها وافق طبعاً لأنه يرى في زيد زوجاً منشوداً لأي فتاة في عمر هند ، لكن الأخيرة التي كانت تصغره بعشرة أعوام شعرت وكأنهم يقولون لها أن ستزف لأخيها الأكبر !!
اعترضت مراراً وتكراراً ، لكن والديها اعتبرا كلامها مجرد خزعبلات ستتخلص منها مع الوقت ، وعندما تزف لزيد ستعرف معنى الحب الحقيقي ، ولم يلقيا بالاً لحالة هند العصبية التي أثرت فيها نفسياً وجسدياً حتى جاء يوم الزفاف ، ولم ترتسم على محياها سوى ابتسامة واحدة أبقتها جامدة وثابتة طوال الحفل ، وما إن اختلى بها زيد كزوجة له حتى جاء انفجارها عنيفاً وهي تهرب منه وكأن عفاريت العالم الآخر كلها في مطاردتها وصرخت كالموتورة في وجهه :
- لا تلمسني .. وإلا سأتقيّأ !
النظرة التي ارتسمت على وجهه لا يمكنها أن تنساها يوماً كان كمن تلقى لكمة عنيفة على وجهه ، شحب لونه حتى ابيّض ، واخشوشن صوته لدرجة الجفاء ، وتجمدت أطرافه كتمثال قبل أن يسألها وهولا يصدق أذنيه :
- أرجو عفوك ؟؟ هلا أعدت ما قلته لتوّك ؟؟!!
عندها قالت له جملتها التي تعرف تماماً أنها حفرت في قلبه وروحه ، كلماتٌ ترى خيالها كل يوم وكل لحظة في عينيه ونظراته نحوها ، كلمات لا تعرف كيف لم تختر أفضل منها ، مازالت تذكر كيف صرخت فيه وهي تكاد يغمى عليها من شدة الارتجاف:
- أتوسل إليك ابتعد عني فأنا لا أطيق مجرد فكرة أن تلمسني !
بعد هذه الكلمات اقترب منها وأمسكها من عنقها وكأنه على وشك أن يخنقها ، وسألها بصوت يحترق :
- أكنت ملكاً لأحدٍ سواي كي تمنعيني أن ألمسك؟
جحظت عيناها وهي تستوعب ما يعنيه بسؤاله ، دفعته بقوة ولكن دون جدوى فيداه أمسكت بكتفيها وكأنه سيحطمهما وهو يعتصرهما بعنف جنوني ، قالت له وهي تتوسله أن يتفهمها :
- كيف تفكر بي على هذا النحو ، أنا يا زيد ؟؟ أنا تسألني إن كنتُ ملكاً لرجل ؟؟!!
أسلوبها أربكه وجعله يفلتها وهو يمرر أنامله في شعره بعجز وسألها بيأس :
- لم أقصد ما فهمتِ ، وإنما عنيت أكان قلبك ملكاً لأحد كي تشمئزي من فكرة ملامستي لك !
أجابته بقوة :
- لا قلباً ولا جسداً ولا حتى فكراً !!
التفت نحوها وسألها بعذاب أظهر ضعفاً في عواطفه تراه للمرة الأولى في حياتها، زيد الصامد كالجبال ، المشتعل كالنيران ، تراه ضعيفاً وبلا روح وكأنها هزمته شرّ هزيمة ، خرج صوته هامساً وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة :
- إذاً لماذا ؟؟!!
كانت عيناه تحترق ، مخلفة رماداً طمس الشعاع القوي الذي ينبعث في نظراته عادة ، شعاع من الثقة والأنفة والاعتداد بالنفس ، رأته ينطفئ كما لو كان شمعة ما عادت تجد الأكسجين الكافي كي تبقى مشتعلة ، عرفت أنها ذبحته من الوريد إلى الوريد حتى قبل أن تقول له :
- زيد أنا لا أراك سوى أخٍ لي لا أكثر ولا أقل !
بعد كلماتها هذه انطفئ بصيص الأمل الوحيد الذي كانت تراه مازال يلوح في عينيه ... وانطفئ بصيص الأمل الذي كانت ستكسبه لإنقاذ زواجها بدل هذه الحالة التي يعيشانها حالياً !!
عاشا ما يقارب السنة أخوين فعلياً، لكن دون أي علاقة روحية ولا فكرية كما كانا من قبل عندما كانت تراه أخاً لها فعلاً.. حرمت نفسها جميع امتيازات الزوجة ، وحرمها هو جميع امتيازات الأخت والصديقة التي كانتها له من قبل ..
اتفق معها أن يكونا زوجين أمام العائلة فقط ، كي لا يفتحا باباً للمشاكل بين العائلتين ، فلطالما كان الأخوين " والدها ووالده " مترابطان يعلاقة فريدة ، وانفصال زيد عن هند قد يسبب كارثة تقضي على تفاهم والديهما ، لكنه بعد فترة من الزواج أخبرها أنه قد يدبر لانفصال منطقي بعد سنة من ارتباطهما .. لكنه لم يكن يعلم أنها بعدما عاشت معه في منزل واحد وعرفته كرجل ، وراقبته في قيامه وقعوده ، في ذهابه وإيابه ، في غضبه وفي هدوئه .. باتت تريد هذا الرجل أن يكون قريباً منها ، صارت تريد أن تكون الأقرب إلى قلبه ، والأعلى درجة عنده ، تمنت أن يحبها أكثر مما كان يفعل ، فهي لم تعد تراه أخاً لها ، وشعورها بالملكية والغيرة نحوه صار أبعد ما يكون عن الأخوة !
لم تكن تعرف كيف مرت الأيام، فهي تكاد لا تصدق أن الأسبوع القادم سيصادف فيه الذكرى الأولى لزواجهما.. كانت الأيام تمر متشابهة و كأنها لا تنقضي... فكيف عدّت ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً ؟؟
استيقظت من تأملاتها وهي تراه خارجاً من غرفته ، ارتفع حاجباه باستغراب وهو يراها على وقفتها وكأنها لم تتزحزح ، ارتبكت من نظراته واحمرت وجنتاها وهي تشعر بالإحراج والارتباك ! نظرته ازدادت عمقاً وهو يرى ارتباكها ، لكنه لم يلبث أن استعاد جموده و هو يقول لها :
- العائلة مجتمعة في منزل والدي ، سنذهب لتناول الغداء هناك ، سأنتظرك في الخارج ريثما تبدلين ملابسك !
فاجأها بكلامه وهي التي قضت ساعتين في طهي ما لاحظت أنه يحبه .. فلم يكن يقول لها ما يحب وما يكره من الطعام ، لكنها كانت تراقبه حتى لاحظت ما يفضله ، وطهت اليوم الطعام الذي يحبه ، لكنه سيذهب ليتناول طعام والدته .. كما في معظم الأحيان ، قالت في محاولة بسيطة :
- لكنني طهوت اليوم ، سيفسد الطعام إن لم نتناوله ، ما رأيك لو ذهبنا بعد أن نتناول الغداء هنا ؟!
استدار ينظر إليها بلمحة غضب بسيطة ، لكنها أخافتها ، فهي لم تقل له ما يغضب ، قال لها باشمئزاز :
- وهل تعتقدين أنني سأترك ما صنعته والدتي كي أتناول محاولاتك الفاشلة في الطهو ؟؟ شكراً لعرضك السخي ولكنني أفضل أن أتناول غدائي في منزل عائلتي .. هل تريدين القدوم أم لا ؟؟
آلمها بحديثه عن طعامها بهذه الطريقة المحرجة و نازعتها رغبة بأن تقول له لا ، لكنها ستجني على نفسها بجلوسها وحيدة طوال فترة بعد الظهر ، فيكفيها ما تعانيه من وحدة صباحاً لأنه منعها من العمل ، ويقنن عليها بزيارات صديقاتها وحتى والدتها وكأنه ينتقم منها بأسلوبه الخاص ، فلا هو ضد عمل المرأة ولا هو يكره زيارتها لعائلتها ، إلا أنه كان يبحث عن طريقة يضايقها بها ! لذلك زمّت شفتيها قهراً وضيقاً قبل أن تتركه كي تدخل إلى غرفتها وتبدل ملابسها ..