المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سـر الشامـة ؟؟


فارس
11-02-2016, 07:55 AM
كانت المنية قد اقتربت منه ، فقد كان يتلوى على فراش الموت في انتظارها وفي تكل اللحظات الأخيرة قرر الرجل البنغالي الجنسية الاعـتـراف بـسـر حياته ، السر أخفاه في صدره سنوات طويلة ، السر الذي أتعبه إخفاؤه كثيراً وآلمه الاحـتـفـاظ بـه وحـده طـوال تـلـك الـسـنـيــن .


استدعى الرجل صديقه الذي كان يقيم معه ، وبدأ محاولات الحديث معه ، فبدأه لكنه لم ينه قبل انتهاء حياته ، ومات الرجل ومات معه سر علم الله وحده ما أثر ظهوره انتهائه ، كان للرجل البنغالي ولد وحيد ، وكان يعيش مع ابنه وصديقه في شقه هم الثلاثة ، صديقة أعزب بينما الرجل نفسه كانت له زوجة توفيت منذ زمان بعيد ، فبقى وحده مع ابنه ولم يتزوج ، حتى وافته المنية .

تولى صديق الرجل المتوفى أمر ولاية الولد ، وكان له من العمر وقتها يقارب أحد عشر عاما ، اعتنى به حيداً كما لو كان والده ، واصل تعليمه فن البيع والشراء كما لو كان يفعل أبوه ، كان الولد من صغره يعمل مع والده في بيع الأقمشة والسجاد ، هناك قرب بيت الله في مكة ، يستأنس بالحجاج والزوار ويسعد بخدمتهم وبخدمة الحرم الشريف تلك الحياة في مكة علمته اللغة العربية بشكل مقبول ، غير أن والده وصديق والده كانا يجيدانها ، وذلك بحكم المعيشة والشغل الذي يشتغلانه ، مضت بذلك السنوات وبلغ الولد ما يقارب أربعة عشر عاما وجاء هذا اليوم وبينما كان الصبي منشغلاً في بيع القماش وترتيبه ، اقتربت امرأة معتدلة السن وبدأت تتفقد القماش ، فبادر الصبي بسؤالها : كيف أخدمك سيدتي ؟ فأجابت المرأة وهي تنظر إليه : أبدا أنني فقط ابحث عن أشياء معقولة المظهر والسعر اشتريها هدايا لأهلي ، فأجاب الصبي : سأريك يا سيدتي ما هو حديث الوصول وحسن المظهر وجيد السعر ، وبدأ الصبي بعرض أنواع القماش الذي عنده ، يصفها بلغته العربية المتكسرة ، ويتهـذب فـي الـحـديث كبائع خبير ، بينما قضت المرأة تلم الفترة في تأمل فـي شـكـل الصبي الـذي يبد غريباً ، وبعدما انتهى الصبي من وصف أنواع القماش الذي عنده سأل السيدة : ماذا قررت الآن سيدتي ، أي نوع تريدين أن تشتري ؟ وبذلك اقتطع حبل أفكار السيدة ، التي كما بدا للصبي لم تكن تسمع أي شيء من الذي قاله ،،، فبادر الصبي مجدداً بالسؤال : سيدتي ، هل أنت بخير ؟ فأجابت السيدة : نعم فقال الصبي : إذن هلا اخبريني أي نوع تريدين ؟ فقالت السيدة وملامح غريبة ترتسم على وجهها : من أي البلاد أنت ؟ فأجابها الصبي : أنا بنغالي الجنسية ، ولكن لماذا

تسألين ؟ فقالت السيدة : اخـبـرني أولاً منذ متى وأـنت تـسـكـن مكة ؟ فقال الـصـبـي : مـنـذ أن بـدأت الحيـاة وأنـا أعـيـش هـنا ، لـكـن هـل ،

هناك شيء تريدين معرفته ؟ فقالت المرأة يستحيل أن تكون ولدت في مكة بل يستحيل أن تكون بنغالي الجنسية ، استنكر الصبي حديث المرأة حيث بدت غريبة الأطوار ، كما استغرب نظراتها ، فقال لها الصبي : ولماذا يستحيل ذلك ؟ فأجابت السيدة : أين والدك وأهلك ؟ فأجاب الصبي : لم أعرف من أهلي غير والدي ، وهو قد توفى منذ سنوات عدة وأنا أقيم مع صديقة الذي تولى رعايتي : فقالت المرأة راسمة ابتسامة خفيفة على وجهها : ذلك غير صحيح فوالدك حي يرزق وهو ليس بنغالي وأنت لست كذلك أيضاً ، وأنا من أهلك ألا تذكرني ؟ استغرب الصبي حديث المرأة وحسبها مجنونة ، فنسي أمر بيعها القماش واستدار عنها طالباً منها تركه وشأنه ، لكن السيدة أبت ذلك وواصلت حديثها الغريب : ألا تصدقني ؟ أنا أقول لك الحقيقة ، فـأنـا عمتك ألا تذكرني ؟ لم يعر الصبي السيدة أي اهتمام وواصل عـمـلـه عـنـدمـا اقـتـرب مـنـه بـعـض الـزبــائــن .

غادرت السيدة بعدما شعرت بأن الصبي ر يصدقها لكنها عادت في اليوم التالي مع رجل ، وتوجه الاثنان حيث الـصـبـي الـذي اسـتـاء من عودة المرأة ، لاعتقاده بجنونها أو رغبتها في الاستهزاء به ، لكن الرجل كان موقفه مختلفاً فهو ما أن رأى الصبي حتى احتضنه وبدأ بتقبيله والـبـكـاء بصوت مسموع ، بينما الصبي هادئ يجهل ما يدور حوله ، فسأله الرجل : مـا أسـم والـدك ؟ فأجاب الصبي بأسمه فقال الرجل : إذن انه هو ، ومع من تقيم ؟ فقال الصبي وقـد أصابه بعض التـوتـر : صديق والـدي ، فقال الرجـل خذني إليه .


اتجه الثلاثة إلى الرجل البنغالي الذي يعيش مع الصبي ، وسأله الرجل على انفراد : أخبرني الحقيقة أنت تعلم أكيد ماضي أبن صديقك ، اخبرني هل هو فعلاً ابن صديقك البنغالي ؟ وقل الحقيقة وإلا فأنك ستتعرض للمحاكمة طالما صديقك متوفى ، وستصبح متهماً في قضية الاختطاف ، ومع كثير من التردد و التوتر أجاب البنغالي قائلاً : ليس لي علم بأي شيء سوى ما قاله لي صديقي قبل وفاته فهو ذكر فقط بأن حبه الذي تولد مع السنين تجاه الصبي جعله يفكر بضمان مستقبله قبل أن يموت ، فقد ذكر أنه قد سرق الطفل من مزرعة كان يعمل فيها حتى يصبح له الولد عوناً وسنداً في وحدته ، لكنه لم يتمكن من أخباري باقي القصة ولم يخبرني من هم أهل الولد الحقيقيون ، إذ وافته المنية قبل أن يتمكن من الحديث ، لذا لم أفتح ذلك الموضوع بعد ذلك مع الصبي لأنه لن يفيده في أي شيء غير الحسرة و الألم ، كان ذلك الرجل هو والد الصبي ، البنغالي الذي لم يكن بنغالياً في الأصل فقد سرقه خادم المزرعة التي كان يملكها الرجل ولم يكن عمر الولد وقتها يزيد على خمس سنوات ، لذا لم يتمكن من تذكر ماضيه ، فقد سرقه البنغالي وسافر به إلى مكة ليعمل في التجارة معه ، حيث لم يكن قادراً على إنجاب الأولاد وهـو راغـب فـي ذلـك وتـمـكـن بـطـريـقـة مـعـيـنـــة ، مـن إعـطـاء الـصـبـي الـجـنـسـيـة الـبـنـغـالـيـة وأسـمـه .

عرف الصبي حقيقة أصله ، ومع أن ذلك كان في صالحه ، إلا استيعاب ذلك لم يكن سهلاً ، سافر الرجل وأخته وأبنه البنغالي إلى بلادهم وهناك استقبلت الأم الولد مع شكله غير المقبول ولهجته المتعثرة وهيئته الفقيرة ، استقبلته في أحضانها وبكت بكاء سنوات طويلة من الحرمان ، لكنها قبل أن تشرع في ذلك كله كانت خائفة تقف بعيداً ، تخشى أن تصدق وتسعد وتحرم من تلك السعادة كما حرمت منها قبلا وطلبت من زوجها أن يخلع قميص الصبي ، لترى تلك الشامة التي ولدته بها على ظهره ليطمئن قلبها ، ففعل الزوج وتأكد من وجودها ، وكانت الـفـرحـة عظيمة بعـد ذلك وبعـد سنوات من ألـم الفـراق وأمل اللقاء .

ولا زالت العائلة في إجراءات إعادة أسم الولد وجنسيته الحقيقية ، وتحيا لحظات من السعادة لا يـدركـهــا إلا مـــن يـحـيـا لـه مـيــــت .