المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستغفار أحكامه وفضائله


فارس
11-10-2016, 06:55 AM
معنى الاستغفار وحقيقته:

الاستغفار معناه طلب المغفرة من الله بمحو الذنوب وستر العيوب، فهو مأخوذ من الغَفْر وهو الستر والتغطية، ولابد أن يصحبه إقلاع عن الذنوب والمعاصي، وأما الذي يقول: أستغفر الله بلسانه، وهو مقيم على المعاصي بأفعاله فهو كذاب لا ينفعه الاستغفار، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «استغفارك بلا إقلاع توبة الكذابين»، وقال آخر: «استغفارنا ذنب يحتاج إلى استغفار»، أي: أن من استغفر ولم يترك المعصية فاستغفاره ذنب يحتاج إلى استغفار

* أهميَّة الاستغفار:

للاستغفار أهمية كبيرة ومكانة عظيمة عند الله ـ سبحانه ـ لذا ذكره في مواضع كثيرة من كتابه، فقد وصف نفسه العلية بالغفار وبالعفوِّ وبالغفور، وبأنه أهل التقوى والمغفرة، فقال عز وجل: ﴿ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء:23] ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح:10] ، وقال: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه:82] ، وقال سبحانه: ﴿ فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء:149] ، وقال جل وعلا: ﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة ﴾ [المدَّثر:56] ، وأمر المؤمنين بالاستغفار وقص الله علينا عن أنبيائه أنهم كانوا ملازمين للاستغفار، ويدعون أقوامهم إليه ويحضُّونهم عليه، فَذَكَر عن الأبوين عليه السلام أنهما لما خالفا أمر الله عز وجل وأَزَلَّهُمَا الشيطان وأوقعهما فيما نهاهما الله عنه: ﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين ﴾ [الأعراف:23] ، وقال تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا ﴾ [نوح:28] ، وحث قومه على الاستغفار فقال: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح:10] ، وهود عليه السلام يقول لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ... ﴾ [هود:52] ، وإبراهيم الخليل عليه السلام يقول: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين ﴾ [الشعراء:82] ، وموسى عليه السلام يقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ [القصص:16] ، وداود عليه السلام يقول الله في شأنه: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب ﴾ [ص:24] .

وقد كان نبيُّنا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كثير الاستغفار، يعدُّ له أصحابه في المجلس الواحد مائة مرَّة: « رَبِّ اغْفِرْلِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » وفي رواية: « إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ »

وها هو أفضل الأمة وخيرها بعد نبينا محمد ﷺ أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ يسأل رسول الله ﷺ فيقول: يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: « قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ »

* شروط قبول الاستغفار:

إنَّ الاستغفار لا يقبل إلا إذا توافر فيه شرطان:

1 ـ صحة النية.

2 ـ التوجه بندم وعزم إلى الله تعالى مع الأدب معه.

ولا بد في الاستغفار ـ أيضا ـ من إقلاع صادق عن الذنب والمعصية، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون ﴾ [آل عمران:135] ، ففي هذه الآية أربع دلالات على أن المعصية كانت طارئة:

الدلالة الأولى: في قوله تعالى: ﴿ إِذَا فَعَلُواْ ﴾ في غفلة عن ذكر الله بدليل قوله بعد: ﴿ ذَكَرُواْ الله ﴾ .

الدلالة الثانية: بعد ذكر الله سارعوا بالاستغفار والتوبة بدليل «الفاء»
في قوله: ﴿ فَاسْتَغْفَرُواْ ﴾ .

الدلالة الثالثة: في قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ ﴾ أي أقلعوا عنها ولم يداوموا عليها.

الدلالة الرابعة: أنهم علموا أنها معصية بدليل قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُون ﴾ ، فالعبد إذا علم قبح ذنبه فندم واستغفر، غفر الله له مهما كان ذنبه عظيما فعفو الله أعظم ورحمته أوسع، قال جل وعلا: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء:110]

* فوائد الاستغفار:

ولتعلم ـ يا عبد الله! ـ أن للاستغفار فوائد عظيمة وثمرات طيبة علها أن تكون حافزا لك لكي تكثر من الاستغفار، فمن تلك الفوائد والثمرات:

1 ـ الاستغفار أمان من عذاب الله: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «قد كان فيكم أمانات» وذكر قوله سبحانه ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون ﴾ [الأنفال:33] ، وقال: «أمَّا النبي ﷺ فقد مضى، وأمَّا الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة».

2 ـ الاستغفار سبب لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين وإنبات الشجر وتوفر الماء: قال الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه رغب قومه في الاستغفار فقال: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح:10-12]

3 ـ الاستغفار تستنزل به الرحمة: قال تعالى عن صالح أنه قال لقومه: ﴿ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [النمل:46] .

4 ـ الاستغفار سبب لتيسير العلم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أقل أو أكثر حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل...».

5 ـ الاستغفار سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات: كما جاء في الحديث القدسي «... فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ »

* أوقات الاستغفار:

والاستغفار مشروع في كل وقت، لكن هناك أوقات وأحوال مخصوصة يكون للاستغفار مزية ومزيد فضل، فيستحب الاستغفار:

ـ بعد الفراغ من أداء العبادات ليكون كفارة لما يقع فيها من خلل أو تقصير، فشرع بعد الفراغ من الصلوات الخمس، فقد كان النبي ﷺ إذا سلم من الصلاة المفروضة يستغفر ثلاثا؛ لأن العبد عرضة لأن يقع منه نقص في صلاته بسبب غفلة أو سهو.

ـ شرع الاستغفار في ختام صلاة الليل، قال الله تعالى عن المتقين: ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون ﴾ [الذاريات:17-18] ، وقال تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار ﴾ [آل عمران:17] .

ـ شرع الاستغفار بعد الإفاضة من عرفات، قال جل وعلا: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم ﴾ [البقرة:199] .

ـ وشرع الاستغفار في ختام المجالس حيث أمر النبي ﷺ عندما يقوم العبد من المجلس أن يقول: « سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك »

ـ وشرع الاستغفار في ختام العمر، وفي حالة الكبر فقد قال الله تعالى لنبيه ﷺ عند اقتراب أجله: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ الله وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر:1-3] .