المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيت الشجرة (قصة قصيرة )


فارس
11-12-2016, 04:38 AM
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2104378&d=1449331708



أحب هذا النوع من الأصباح ، نافذة مفتوحة يلج منها ضوء الشمس باردًا لم يسخن بعد ، و هدوء نسبي يخيم في صالتنا العلوية المفتوحة ، تتسلل إليها رائحة الفطور من الدور السفلي . ألمح التلفاز آملة أن يعرض شيئا اختزن من قبل في طفولتي و لأنني ذكرت سالفة بأنه النوع المفضل من الأصبح فها هو يعرض فيلمًا كارتونيًا له في الذاكرة نصيب .
و لأن النفس تترف هذا الحال المحبب فلابد للمزاج أن يروق له التنعم بلحظة استذكار هادئة تأخذه إلى مخزن الذكريات اللطيفة الساذجة - و ها انا ذي أدون هذا الموقف تبعا لارتقاء مزاجي ذلك - .
أفلام فريدة من نوعها تعرض بطريقة ذهنية محرفة فأنا متأكدة من كون ذاكرتي البشرية أقل كفاءة من حفظ كل كلمة قد قيلت ، و مما سعد القلب بكنزه في تلك الخزنة كانت ذكرى شجرة وحيدة بمزرعة نخل تخص جد والدتي ، وحيدة بين أعمدة النخل المتشابهة كامرأة جعداء الشعر مسبلته بين ضفائر مرتبة متآنقة هوجاء الأفرع عشوائية و ربما تذكر أحدهم بأخطبوطٍ قلب على رأسه .
لم نر شجرة كتلك إلا في الأفلام و الكارتون و تبعا لذلك أردنا أن نرتبط بها بشكل من الأشكال و أصررنا على وضع علاقة واضحة تضمنا نحن الأطفال إليها فابتكرنا مجتمع " بيت الشجرة ".

مسحنا المزرعه لكل غرض قد يساعد في جعل تلك الشجرة فريدة أكثر مما هي عليه ، كنس البعض بالسعف التراب المحيط بها و البعض جلب من الحاجات ما ظنه مفيدًا كأكياس الشعير الفارغة التي استعملت سجاد نقعد فوقه، أو
كأسا زجاجيا وسخا نسي منذ دهور في المزرعه و استعملناه كناقل سقاية - رغم وجود مسلك مائي يصلها ، لكن مالذي يعرفه الأطفال عن السقاية ؟ - و غيرها من الخرداوات المنسية التي رأينا فيها فائدة قد تنفعنا .
و قد تكون المتعة في هذا الشقاء الذي نلعبه هو كما أشرت في السابق عائد للنفس التي صورتنا و نحن ها هنا مجتمعين عاملين كجزء من فيلم أو قصة ستعرض في التلفاز ، فكل يوم نختلق سالفة من الأسلاف و نتماشى مع السيناريو الارتجالي .
حاولنا مرة تسلقها كما شاهدنا أحدهم يفعل ذات مرة إذ أن بناء بيت عليها واقع لا توفره أيدينا عديمة الخبرة ، و رغم هذا فإن شعور اللذة المشبعة غمر أنفسنا الملولة فندير وجوهنا ناحية الشمس ثم نبحث عن زاوية قد تظهرنا بشكل جيد كما حدث في الفلم الفلاني ، إن اللعبة محاكاة في النهاية و المتعة تكمن في التقليد أما المضحك فهو علمي أن شكلي في جميع تلك اللحظات التي حسبتها أسطورية ما هي إلا بلاهة متجسدة و لو حدث أن التقطت لي صورة أو مشهدًا فيهما لأحرقتهما حرقا .
لم ترق اللعبة للكبار كما لم تفعل أي لعبة نصنعها في المزرعة ، و بعين الساردة الآن بإمكاني تفهم الأسباب المبهمة آن ذاك ، فمن قد يسعد بلعب طفله في ساحة عمل مزراع أجنبي أجير ؟
لكن العقول اليافعة لا تفقه بعد غرائز الحماية بشكل واضح كما يفعل أصحاب الخبرات و المعرفة ، و يسرني القول بأن المزارع كان به من الخلق و العقل الراجح ما منعه من أذيتنا طيلة اسغراقنا ذاك . لكن العامل لم يكن مصدر الأذى الوحيد ، كنا نؤذي بعضنا بعضا صدفة و قصدا ، مثلما حدث لنورة التي جُرحت هالة إحدى عينيها و لحقت بها رحمة الله فحالت دون انفقاء العين ، بكت هي و أصابنا الذعر لما ألم بها ، لكن ذلك الذعر تبدد بعد ساعات و استمرت الرابطة الغريبة لعدد من الشهور - و ربما تعدت السنة - و استمرت الإصابات الأقل شأنا باصطياد معظمنا في اليوم الواحد ، خدوش السقوط ، و ضربات الشجار ، حتى حل اليوم الذي نفذ فيه صبر الكبار و رؤوا أن اللعبة اخذت وقتا أطول مما يجب ، أطول مما توفره أعصابهم القلقة .
- هيا ! إلى البيت ! إن رأيت نفرًا واحدًا يتعدى خط السقاية حششت له ساقيه .
اذكر بأن صوت خالي لم يكن صراخا غاضبا ، كلا كان أقرب في قول هذه الجملة لتهديد مطلق ، تهديد جدي يخبرنا بأن صبره قد عيل و استنفذ ، لم ننطلق للمنزل الرئيس كما أمرنا .
وقفنا خلف خط السقاية على الاسمنت ننظر إلى العامل المأمور بإفساد ما جمعنا .
" بإمكانهم إبعادنا عنها ، لكنهم لن يبعدونها عنا "
لا أذكر الجملة تماما لكنها كانت من هذا القبيل ، قالتها ابنة خالي التي أظهرت دوما شيئا من اللامبالاة أثناء لعبنا .
كادت ضحكة أن تفتل من فمي . كان هذا هو مشهد النهاية ، و قد وعينا ذلك أنا و هي و من كان معنا شاهدا هناك . تأكدت حينها أنني لم أكن وحيدة و أن نظرتي كانت مشتركة و أنها لم تكن نظرتي وحدي بل "نظرتنا" .
ما زلت أجهل سبب ظهور الضحكة فجأة، في أحيان كثيرة أفضل التفكير في كونها دليل سعادة و فرح غمراني لمعرفة أن عهد تشاطرني مشاعري ، و جزء آخر يؤيد كونها ضحكة انتصار عليها حينما أدت دور اللامبالية بل و الساخرة منا حينما تحولت ذاتها لتنظم إلينا و تنزل من عليائها التي تسلقتها .


http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2104377&d=1449330998