المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلطان العقل والعلم في الدين الإسلامي


فارس
11-13-2016, 07:14 AM
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحضُّ العقل حضاً وتدفعه دفعاً إلى أن يكشف أسرار الكون ويستغلَّ كل ذَرَّة من ذَرَّاته، وكل جزء من أجزائه، ليحقق ما وعده الله تعالى به، وما ندبه إليه في قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:13].


اقتضت إرادة الله تعالى إيجاد الإنسان في الأرض لينهض بعمارتها واستصلاحها على وجه يكفل له قيام نظام مستقر آمن مطمئن، ومن أجل ذلك كلَّفه سبحانه بتكاليف بدنيَّة كالصلاة والصوم وأخرى ماليَّة كالزكاة والصدقات، وجميع التكاليف الشرعيَّة لا يقصد بها الشارع سوى تهذيب النفس البشرية وتمكين المحبة والصلات الطيبة بين أفراد المجتمع لتزول الفوارق التي ينشأ عنها العداوة والبغضاء والتي تزعزع السلم الواجب تحققه بين الناس.

والمتدبر لبعض آي القرآن الكريم يبدو له وضوح تلك النظرية؛ فالله تعالى يخاطب رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، ويخاطب المؤمنين بقولهاضغط هنا لتكبير الصورهلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].

فليس لله تعالى حاجة فيما كلَّف به عباده أمراً أو نهياً فعلاً أو تركاً، فسلسلة التكاليف الإسلاميَّة تبدأ بالركن الأول وهو الإيمان الذي هو اعتقاد راسخ لا يشوبه شك، ولا يَعتريه ريب، وذلك الاعتقاد يتركَّز في توحيد مُبدع الكائنات وتنزيهه عن مُشابهة شيء من المخلوقات وينبني على هذا الإيمان بقية الأركان.

فالصلاة تتألَّف من خشوع وخضوع وشكر لله تعالى بجميع الجوارح على ما أنعم من النعم التي لا تُعدُّ ولا تحصى من سمعٍ وبَصر وعقل تميز به الإنسان عن جميع المخلوقات وبه سَخَّر ما حوله من الخلق وانتفع بما في الأرض والسماوات، ونال به التكريم من الله تعالى إذ يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) [الإسراء:70]، ولقد حدَّد القرآن الكريم الثمرة التي تؤتيها الصلاة والعاقبة التي يصل إليها المصلي والغاية التي يَنالها المتبتِّل القانت الراكع الساجد، فقال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وبعد هذا تأتي الزكاة التي توجب على الأغنياء حقاً للفقراء ليسود في المجتمع التآخي والمودة وتزول الفرقة والنفور وتخف وطأة الفقر عن المعدمين فإنَّ قوَّة الفقر تحمل على تفكير الفقراء في سلسلة من الجرائم وأنواع من الفوضى تكدر صفو المجتمع وقد تُودي ببنيانه.

ثم الصوم الذي يحبس النفس عما ترغب فيه من طعام وشراب واستمتاع، وفي تلك الحالة يحسُّ الصائم الغني مرارة هذا الحرمان فيعطف على أخيه الفقر، ومُراقبة الله ترك ما يحبه تقوي الصبر وتربي عنده قوة الإرادة التي تعينه في تصرفاته وتحمله على أن يصير قوَّة محصنة تنظر إلى ما ينفعها فتحصله ولو كان فيه تعب ومشقَّة وتبصر ما يضرها فتجتنبه، ولو كان في ذلك مُعاناة ومُقاساة، وفي نهاية التكاليف الإسلامية يأتي الحج وهو المؤتمر العام لجميع المسلمين يتوجَّهون إليه في كل عام يبحثون فيه مشاكلهم الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والخلقيَّة، وكل شأن تتطلبه الحياة، وقد حدَّد الشارع الثمرة المطلوبة من الحج بقوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) [الحج:26-27].

والناظر بالعين الفاحصة والعقل المستنير يرى أنَّ جميع التكاليف الإسلاميَّة إنَّما هي قواعد عمرانيَّة وأسس نظاميَّة قصد بها زوال المشاكل التي تتولَّد في المجتمع وتنبت في الجماعات نتيجة تعدد الأفراد وارتباط مصالحهم بعضها ببعض إذ لا يمكن لفرد في مجتمع راقٍ مُتحضِّر أن يَعيش في عُزلة عن غيره وأن يحصل على ما يحتاج إليه بدون معاملة غيره فهو في حاجة إلى موازين يَزِن بها تصرفاتِه ويحافظ بها على حقوقه، ويؤدي بها واجباته بلا ضرر يلحقه ولا إضرار بحقوق غيره من أعضاء المجتمع الذي يعيش به.

وقد بسط الإسلام للعقل سلطانه وأطلق للعلم حريَّته فلم يُلزم العقل دائرة ضيقة تصل به إلى الجمود والشلل؛ يتجلى ذلك المعنى بوضوح في قول الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46]. ويقول سبحانه: ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) [الرعد:19] أي: أصحاب العقول الراجحة..

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحضُّ العقل حضاً وتدفعه دفعاً إلى أن يكشف أسرار الكون ويستغلَّ كل ذَرَّة من ذَرَّاته، وكل جزء من أجزائه، ليحقق ما وعده الله تعالى به، وما ندبه إليه في قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:13].