المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل أفعال الكافر الحسنة تكون سببا لتخفيف العذاب عنه في الآخرة ؟


فارس
11-13-2016, 07:17 AM
سائلة تقول : سؤال يراودني كثيرا ودائما أفكر فيه وأتمنى أن أجد الإجابة الشافية .
الذين ماتوا وهم ليسوا مسلمين وكانوا يفعلون الخير ، يساعدون المحتاجين والمرضى ولا يؤذون الناس ، هل هذه الأعمال تشفع لهم في الآخرة ؟

وهل سيخفف عنهم العذاب بالمقارنة مع غير المسلمين الذين ماتوا وكانوا مجرمين وظالمين وقساة القلوب ؟

والداي ماتا وكانا نصرانيين ، كانا طيببين يساعدان الناس ويفعلان الخير ، هل أفعالهم الحسنة هذه تكون سببا لتخفيف العذاب عنهم في الآخرة ؟
أفتونا شيخنا الفاضل وفقكم الله وزادكم علما وسدادا ..


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

جاء النصّ في أن الله لا يَظلِم أحدا شيئا ، حتى ولو كان كافِرا .
قال عليه الصلاة والسلام : إن الله لا يَظْلِم مُؤمِنًا حسنة ، يُعطَى بها في الدنيا ويُجزَى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيُطعَم بِحسنات ما عَمِل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضَى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزَى بها . رواه مسلم .

والْكَافِر يُجَازَى في الدُّنيا ، ولَيْس لَه في الآخِرَة مِن نَصِيب .
ومِن صُوَر مُجَازَاة الكُفَّار في الدُّنيا :
1 - سَعَة الرِّزْق ، فـ " لَيس ضِيق الرِّزق هَوَانا ، ولا سَعَة الرِّزق فَضِيلَة " ، كما قال القرطبي .
2 – كَثْرَة الْمَال والْوَلَد ، وقَد قَال الله تَعالى عن الكَافِر : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا) .
3 – الثَّنَاء الْحَسَن ، وهَذا مِمَّا يَطلُبه أهْل الدُّنيا . ففي حَدِيث عائشة : قالت : قلت: يا رسول الله ! ابن جُدْعَان كان في الْجَاهِلِيَّة يَصِل الرَّحِم ، ويُطْعِم الْمِسْكِين ؛ فهل ذاك نافِعه ؟ قال : لا يَنْفَعه ، إنه لم يَقُل يَوْمًا رَبّ اغْفِر لي خَطيئتي يَوْم الدِّين . رواه مسلم .
فابْنُ جُدْعان نَال مَا أرَاد مِن حُسْن الثَّنَاء ، ولَيس لَه في الآخِرَة مِن نَصِيب ، ومِثْله مَا يَقْع للمُرَائين يَوْم القِيَامَة ، فَهم أوَّل مَن تُسَعَّر بِهم النَّار ، حيث يُقال لِكُلّ وَاحِد منهم: فَعَلْت لِيُقال : كَذا وكذا . فَقَد قِيل ، وهذا معنى الحديث الذي رواه مسلم في شأن أوّل مَن تُسعّر بهم النار يوم القيامة .
4 – مَا يَكُون في الدُّنيا مِن تَمَكُّن الكُفَّار مِن الصِّنَاعَات ، ونَحْو ذلك مِمَّا انْتَفَع النَّاس به ، وتُسخَّر لهم به كثير مِن أمور الدنيا .
5 – السَّلامَة مِن الآفَات ، فإنَّ هَذا نَوْع مُجَازَاة ، وهو مَفْهُوم قَوله صلى الله عليه وسلم : " مَن يُرِد الله به خَيرًا يُصِب مِنْه " . رواه البخاري .
فالذي لم يُرِد الله بِه خَيْرًا لا يُصِيب مِنه في الدُّنيا ، فلا يُكَفَّر عنه مِن سَيِّئَاته ، ولا يُجَازَى في الآخِرَة بِحَسَنَاتِه ؛ لأنَّها لم تُقبَل مِنه .
إلى غير ذلك مِن صُوَر الْمُجَازَاة ، إلاَّ أنَّ هَذا لا يَكُون لِكُلّ كَافِر ، بل لِمَن شَاء الله أن يُجَازِيَه بذلك ، ومَن لم يَشأ الله مُجَازَاته ، فلا يَخْلُو مِن حالَيْن :
إمَّا أن يُخَفَّف عنه يَوْم القِيَامَة مُقَابِل مَا عَمِل مِن مَعْرُوف وحَسَن في الدُّنيا ، وهذا مِثل مَا وَقَع لأبي طَالب ، فإنه حَمَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وذَبّ عنه ، فَخُفِّف عنه بِشَفَاعَة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو في ضَحْضَاح مِن نار . كما في الصحيحين .
وإمَّا أنه ليس له حَسَنَات في الدُّنيا ، فلا يَكون له ما يُجزَى به .

فقد يُخفّف مِن عذاب الآخرة عن بعض الكفار مِن باب الْمُجازاة على ما عَمِل مِن خير في الدنيا .
وما يُجدَي عنه تخفيف العذاب شيئا ، وأهوَن أهل النار عذابا يَنتعل بِنَعلَين مِن نار ، يغلي دِماغه مِن حرارة نَعْلَيه، كما في الصحيحين ، ما يرى أن أحدًا أشدّ منه عذابا ، وإنه لأهونهم عذابا