المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صَوْتٌ مَا كَادَ يّخْرُجُ مِنْ لُجّةِ الْصّمتِ حتّى انْدَثَر ~


فارس
11-13-2016, 07:57 AM
تعالت الأصوات الفرحة والضحكات السعيدة فور دخول البائع المتجول إلى المنزل ، وما إن داعبت أصواتهم الصّاخبة مسامعها حتى فتحت عيناها بسرعة وقفزت بجسدها الصغير عن سريرها لتستقيم واقفة على الأرض ، وتنزع عنها كل ذرة نوم تشبّثت بها قبل أن تبعثر خطواتها في الغرفة حتى تصل إلى الباب ثم تهرع إلى غرفة المعيشة !
وقفت أمام الباب لثوانٍ تتأمل تقاطيعه والابتسامة تعانق شفتيها وهي تتخيل شكل اللعبة التي ستشتريها أو الثوب الجميل الذي ستنتقيه من كل الثياب ، ثم مدت يدها لتدفع الباب وتلج الغرفة والبسمة تغفو على شفتيها بينما تبعثر شتات نظراتها في المكان حيث اجتمعت عائلتها في الوسط ملتفين حول البائع وبضائعه الجذابة . اقتربت أكثر حتى تراءت لها شتى الأنواع من الألعاب منثورة على الأرض وأجمل الثياب معروضة أمامها إذ أمسكها البائع بيده ورفعها ليظهرها لهم بوضوح ، ورفعت يدها لتشير بسبابتها إلى ثوب رائع بين يدي البائع ثم أنزلتها بسرعة إلى الأرض لتوجهها إلى أحد الألعاب وتقول بصوتٍ عانقته اللهفة :- أبي أبي .. اشتري لي هذا الثوب وهذه اللعبة أيضاً !
صمتت تنتظر الرد ولكن لا شيء وكأنما صوتها يحاول الولوج إلى كوزٍ مجخًّّ لا ينفذ إليه شيءٌ من كلماتها ، وضاع صوتها بين الضجيج !
قطّبت حاجبيها والسخط يتسلل إلى ملامحها وهي تحدّق في والدها الذي انشغل مع أختها الصغيرة يلاطفها ويطلب منها أن تختار ما تريد ، ثم تقدّمت إليه بخطواتٍ مصّرة وهزّت كتفه بيدها آبيةً الاستسلام والصمت كالعادة لتقول بنبرة متطّلبة :- أبي .. انظر هنا أريدك أن تشتري لي ما اخترت !
ولم تكد تطبق شفتيها حتى التفت إليها والدها بغضب ثم قال وهو ينزع أناملها عن منكبه بسخط :- اغربي عن وجهي ولا تلمسينني مجدداً بيدكِ القذرة !
- لكن أبي .. أنـ .. وخفت صوتها حتى تلاشى تماماً وهي تراه يشيح بوجهه عنها بلا اكتراث وكأنها غير موجودة ، فازدحمت الدموع في مآقيها وكادت تندثر عندما التفتت عنهم لتطلق العنان لقدميها راكضة وجملة واحدة ترن برأسها وتدفع دموعها للتساقط أكثر كعقدٍ من لؤلؤ " أنا أيضاً إنسان .. أفلا يحقّ لي التمتع بجديد الملابس والألعاب" !