المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خصائص الإسلام وأسرار الوجود


فارس
12-31-2016, 12:02 AM
http://uploads.sedty.com/imagehosting/356192_1360253207.gif



خصائص الإسلام
الدعوة إلى البحث عن أسرار الوجود



الإسلام دين علم وعمل، وبحث ونظر، وتأمل واستنباط، فك العقول من إسارها، وأطلق الأفكار من عقالها؛ وأرسلها في الآفاق تتأمل، وتبحث، وتستنبط وتعلل، لم يوقفها من ذلك عند حد؛ ولم يحبسها دون غاية؛ ولم يحل بينها وبين الوقوف على أسرار الكون، ونواميس الوجود، بل دعاها إلى ذلك دعوة بغير هوادة؛ وكلفها إياه تكليفا دون تخيير. قال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101] ولا جرم أن هذه دعوة عامة إلى النظر في ملكوت السموات والأرض وما حوى العالم من شمس، وقمر؛ وكواكب، ونجوم، وأفلاك، وسحاب؛ وضباب؛ ورعود، وبروق، وأنداء، وأمطار؛ وبحار، وجبال، وغدران، وأنهار، وحب ونبات، وحيوان وجماد، إلى غير ذلك مما لا سبيل إلى إحصائه وعدّه.



وليس المراد بالنظر تلك النظرة الطائرة الحمقاء، التي لا تفيد علماً، ولا توقظ وجداناً، ولا تنبه ذهناً؛ ولكن النظرة الفاحصة الباحثة المدققة، التي تتغلغل إلى أعماق الشيء، وتبحث في أطوائه؛ وتدور في حناياه، لتقف بصاحبها مع كنهه، وتهديه إلى سره، وتجعله يلمس آثار قدرة الله فيه؛ وحكمته في إبداعه.



قال تعالى ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20] فهذه الآيات الكريمة تؤيد ما قدمته آنفا من أن المراد بالنظر التأمل والبحث والتلبث والتثبت للوقوف على النواميس التي بها رفعت السماء، ونصبت الجبال، وسطحت الأرض، وخلقت الإبل؛ إن في خلق الإبل لآية. أليس خلق الجمل موحياً إلى الإنسان فكرة اختراع الميزان الروماني. هذا الرأس الدقيق مع العنق الطويل يقاوم ذلك الجسم الكبير مع الحمل الثقيل.



وقال تعالى: ﴿ وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ * وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 33 - 40]. أليس التأمل في هذه الآيات البينات مما يدعو إلى دراسة علم الفلك أعنى دراسة الأجرام السماوية، ومعرفة حركاتها ومداراتها. وأحجامها وأبعادها. وقد انتفع الإنسان بهذا العلم في دينه ودنياه. عرف أن الشمس تشرق في البلاد الشرقية قبل أن تشرق في البلاد الغربية؛ فحل بذلك مسائل معقدة في المواريث. فلو أن متوارثين مات أحدهما مع شروق الشمس يوم الجمعة؛ رابع ربيع الثاني من سنة ما، في مكة المكرمة، ومات الآخر في الوقت نفسه، في الدار البيضاء (مراكش) ووكل إلينا النظر في قضيتهما بوراثة من مات في الغرب؛ لمن مات في الشرق، لأنه عاش بعده زمنا لا يقل عن ساعتين.



وقال تعالى ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4]. يريد الله سبحانه وتعالى أن يفتح الأذهان إلى هذا السر العجيب الذي أودعه الحبة. ذلك الجنين النباتي، الذي جعله يمتص من التربة ما يوائم حياته؛ فترى الحبتين تلقيان في مكان واحد؛ وتسقيان بماء واحد؛ وتحيط بهما بيئة واحدة؛ ثم تنبتان فإذا إحداهما شجرة تجود بالثمر الحلو، والفاكهة اللذيذة، وإذا الأخرى مرة الجنى؛ بغيضة الثمر. أليس التأمل في هذه الآية مما يوجه العقول إلى التأمل في الحب والنوى لمعرفة خواصها، والبحث في التربة للوقوف على سر تركيبها، والإحاطة بالعناصر التي تتألف منها، والعلم بما يوائم أصناف النبات المنوعة والاهتداء إلى علم الزراعة وطبقات الأرض (الجيولوجيا).



وقال تعالى ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21] وكم في هذه الآية من أسرار فلو رجع الإنسان إلى نفسه؛ وتأمل في خلقه وتكوينه؛ لوقف على علم غزير، وسر خطير.



انظر كيف وضع الله الدماغ الذي هو أداة الشعور والتفكير والتذكر والخيال والحفظ وغيرها من القوى العقلية في علبة عظيمة صلبة صوناً له مما عسى أن يؤذيه، وهو العضو الهش الضعيف الرخو الذي لا يقاوم. وكيف وضع العينين في محجرين صلبين، وغطاهما بالأجفان والأهداب دفعاً لما قد يتعرضان إليه من أذى. وكيف وضع الأنف فوق الفم ليكون حارساً أميناً لا يسمح لطعام فاسد منتن أن يجتازه إلى الفم. وكيف وضع في الفم غدد اللعاب وزودها بالإحساس، فلا تكاد اللقمة تدخل في الفم حتى تفرز اللعاب لتنديتها وتبليلها لتنساغ في البلعوم في سهولة ويسر. وكيف جهز الجسم في مواضع شتى بغدد واقية تحول دون غزو الجراثيم له. وكيف زوده بقوة دفاع عظيمة، فلا تشوك الإنسان شوكة حتى تجتمع كرات الدم البيضاء حولها مكونة سياجا منيعاً بحول دون سريان الفساد في الجسم. وكيف جعل الأعضاء التي تقضي الفطرة بقصها أو تقليمها كالشعر والأظفار متمتعة بالحياة والنماء ولكنها خالية من الحس فلا يتألم الإنسان إذا قصت أو قلمت. ذلك تقدير العزيز العليم.



ولو رحت أسرد عليك وظائف القلب والرئتين والكبد والكليتين وغيرها من أعضاء الجسم لاحتجت إلى مقال آخر أو مقالات أكسرها على الكشف عن هذه الأسرار.



وقال تعالى ناعيا على الذين لا يفكرون في آياته ولا ينظرون فيما خلق الله في السموات والأرض ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105]. وقد اعتبرهم الله عمياً وصماً وبكما على الرغم ما جعل لهم من السمع والأبصار والألسنة لأنهم لم ينتفعوا بهذه الهبات التي خولَّهم الله.



أول ما يريد الله من دعوة الناس إلى البحث عن أسرار الوجود؛ والنظر في ملكوت السموات والأرض، أن يهديهم إلى معرفته تعالى معرفة صحيحة مؤسسة على النظر والبحث والتأمل لا على المحاكاة والتقليد والاحتذاء، وأن يوزعهم بالإيمان بالبعث الذي أورد له من الأدلة والبراهين في القرآن الكريم ما لو وجه إليه العاقل المنصف شيئا من عنايته لكان كافياً لاقتناعه بأن الساعة آتية لا ريب فيها؛ وأن الله يبعث من في القبور.



النظر والبحث في أسرار الكائنات يدفعان العاقل اللبيب دفعاً إلى الإيمان بالله واليوم الآخر. هذا الإيمان الذي تقوم عليه سعادة الجنس البشري وصلاح الحياة الدنيا فإذا علم الإنسان علم اليقين أن له خالقا قادراً يعلم السر والنجوى، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه سيلقاه يوم الجزاء، وأنه سيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، فلا جرم أنه يسلك الصراط السوي، ويؤدي حق ربه الأعلى، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ولا يؤذي أحداً، ولا يفكر في أذى، ولا يحدث نفسه بسوء. ولكن غفلة الناس عن النظر فيما دعاهم الله إلى النظر فيه، جعلت يقينهم ضعيفاً وإيمانهم منقوصاً، وهم من أجل هذا لا يتحرجون عن اقتراف المنكر، والتورط في الإثم ويحرصون على جمع المال لا يبالون من أين اكتسبوه.




ولو أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأطاعوا أمره؛ ووقفوا عند الحدود التي رسمها لهم لسعدوا في الدنيا والآخرة؛ ولكن أكثر الناس لا يعقلون.



وإذا كان النظر في ملكوت السموات والأرض يكفل للناس هذه السعادة التي لا سعادة بعدها، أفلا يكون كافلا لما دونها؟.



ألم يتعلم البشر النظام في الأعمال من نظام الشمس في شروقها وغروبها.



ألم يتعلموا الهندسة من النحلة تتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، فتبرزها في أشكال سداسية متساوية الأضلاع والزوايا على الرغم من دقتها وصغر حجمها ألم يتعلموا الادخار من النمل التي تجمع في الصيف ما تحتاج إليه في الشتاء إذا اشتد البر فأعجزها عن مغادرة قريتها؟.



ألم يتعلموا مواراة موتاهم من الغراب الذي كان يبحث في الأرض ليري ابن آدم كيف يواري سوأة أخيه؟.



فالإنسان في حاجة ماسة إلى التأمل والبحث، وما ارتقى في سلم المدنية إلا بهذه الوسيلة منح الله جلت قدرته الحيوان غرائز يهتدي بوحيها في حياته ولكنه منح الإنسان عقلا، فلما أعمله سخرت له قوى العالم بأسرها. فقد سخر البخار، ثم سخر الكهرباء ثم اتخذ من الهواء مركباً ذلولا يجري بأمره حيث يشاء؛ وأخيراً سخر (الأثير) الذي ينقل له على أجنحته الخفية الأصوات والمرئيات من أقصى بقاع الأرض، وهو قابع في كسر بيته، جالس في عقر داره. فالإنسان بأعمال الفكر بلغ من الهيمنة على قوى الطبيعة حداً لم يكن يخطر له على قلب، ولا يهجس في خاطر.



ولكن الحيوان لم يزل حيث خلقه الله أول مرة، فالنحلة اليوم لا تمتاز من النحلة التي عاشرت أبا البشر. وأما الإنسان فكلما أعمل الفكر، تكشفت له نواح من الرقي لا تنتهي عند غاية.



وحسبك ما أوردت عليك من الآيات الكريمة لتقتنع بأن القرآن الكريم يدعو إلى البحث والنظر والتأمل، وإذا قرأت القرآن وتدبرت آياته وقفت على آيات كثيرة غير ما ذكرت لك تحض على هذا وتدعو إليه.



وكان الرسول عليه الصلاة والسلام حريصاً على أن ينفث في أصحابه روح البحث والتأمل ليكمل ثقافتهم، وليفتح بصائرهم على آفاق جديدة من النظر والتأمل.



روى البخاري بسنده المتصل عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم؛ حدثوني: ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله فاستحييت، فقالوا يا رسول الله أخبرنا ما هي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا".



إن نظرة في هذا الحديث تقفك على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب أن يثقف أصحابه ثقافة عقلية ذهنية فوق الثقافة الخلقية والدينية، وكان يحضهم على تثقيف عقولهم بإعمال الفكر والبحث والتأمل. فوضع لهم هذه الأحجية أو هذا اللغز ليروح عن أنفسهم، وليحملهم على التعمق في التفكير ليبحثوا ويقارنوا ويستنبطوا. فيا لها من ثقافة عالية! ولله هذا الرسول الكريم ما أحكمه ولله هذا المزاح البريء الذي يفيض بالحكمة والموعظة الحسنة يحدو أصحابه إلى البحث والتنافس في الوصول إلى الحق ويشبه المؤمن بالنخلة في استقامة الظاهر؛ ونقاء الباطن، وكثرة الفوائد، ودفع السيئة بالحسنة؛ فان النخلة ترجم بالأحجار فتساقط الثمار. ذلك إلى الرسوخ والثبات والتسامي والطموح إلى معالي الأمور.



وصفوة القول أن الإسلام دعا بكتابه؛ وعلى لسانه نبيه إلى البحث والنظر والتأمل في أسرار الوجود ليسوق الناس إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم، وليصلوا إلى الإيمان الصحيح من طريق البحث والنظر والتأمل. وليقفوا على أسرار الوجود فيسخروها لحاجتهم، ويستخدموها في منافعهم، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.



وإذا رجعت إلى ما يعتقده أهل الأديان الأخرى من أن الإيمان هبة سماوية لا بد للعقل فيها، وأن من العقائد الدينية ما يناقض أحكام العقل. تجلى لك كمال دينك ولاحت لك فضائل كتابك؛ فعضضت على دينك بالنواجذ، وبذلت النفس والمال في سبيل الدفاع عنه والذود عن حياضه، ومكافحة البدع والخرافات التي شوهت وجهه الجميل؛ وكادت تذهب ببهائه وجلاله. رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

http://uploads.sedty.com/imagehosting/356192_1354825351.gif