المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجليس الصالح


فارس
03-14-2017, 12:08 AM
أَيْ بُنَيَّ، إن الحياة لا يستقيم عمودُها إلا بدين تعتقدُه، ومجتمع تألفه، وصديق تكسبه، فلا تعِشْ بمفردك؛ فالخلوة تقلقك، والتفرد يهلكك، والتشرد يضعفك.


لا تحلو الحياة إلا بصديق يناصحك ويرشدك، وجليس ينادمك ويضاحكك، وصاحب يُؤانسك ويسعدك، ونِدٍّ يعارضك ويجادلك؛ ليذهب عنك الكدر، ويقتل الملل، ويزيل الغم والضجر.


فلا تتضجر - بُنَي - إذا صدَّكَ الغير وخاصمك، لطمعٍ كان أو حسد أبغضك أو ظلمك، فاقبَلْ لتكون من أهل الخير والصبر؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس مَن يخالط الناس ويصبر على أذاهم).


إذا لم تكن الحياة سعيدةً إلا بهم، فاختر من كل قومٍ أفضلَهم، ومن كل عشيرة أطيبَهم، ومن كل أسرةٍ أدْينَهم وأتقاهم.


اسمع حديث الصادق المصدوق واهتدِ بهَدْيه، واتبع وصيتَه، فلقد قال عن الجليس: (مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكِير، فحامل المسك إما أن تَبْتاع منه أو تشتمَّ رائحة طيبة، ونافخ الكِير إما أن يؤذيَك أو تشتم منه رائحة منتنة).


• اختر جليسًا صالحًا تقيًّا كي يكون قائدَك إلى الخير، فلا تقام صلاة إلا وأمسك بيدك إليها، ولا باب من أبواب الخير إلا ودلَّك عليه، ولا صدقة إلا وأرشدك صوبَها، يُبعِد عنك الملذَّات الشيطانية، ويقرب إليك الطيبات الربانية، بهذا كلِّه يصير قرينًا في الدنيا وقرينًا في الآخرة.


أيْ بني، إن جليسَك بطريقته هذه يصبح نورك إلى صراط سوِي، مُزِيحَك من بلاء خفي.


• بكلامه تستقي علمًا وأدبًا وفقهًا، فقعودك معه راحة، وخروجك معه سعادة، وبُعدك عنه ندامة.


• يُذكِّرك بالله إذا نسيت، وبالرسول صلى الله عليه وسلم إذا سهَوْتَ، وبالخير إذا نَوَيْتَ، وبالكتاب إذا هجرتَ.


• صحبته من أجل الله، لا من أجل مالٍ يُطلب، ولا جاه يُرغَب، ولا مصلحة تُكسب.


• قريب في الشدائد، بعيدٌ في الموائد، ينصرك مظلومًا، ويدرؤك ظالمًا، كريم في لقاه، عظيم في تقاه.


• تراه في الفريضة إذا حَضرتْ، وفي المساجد إذا فُتحتْ، وفي الصلاة إذا كُتبتْ.


فحذارِ حذارِ بُنَي أن تتعلَّق بجليس السوء، فربما سايرتَه فصار سائقًا إلى الشر، فلا ملهى إلا وقادك إليه، ولا حرام إلا جرَّك نحوه، ولا شُبهة إلا وأوقعك فيها، ولا ملذَّة ممنوعة إلا ورماك بها، بهذه كلها يصبح قائدَك إلى النار.


فقد تستقي من كلامه غِيبةً، ومِن حديثه نَميمةً، يسبُّ هذا، ويلعن ذاك، مسامرته منتنة، والقعود معه حسرة، وخروجك معه ندامة، قربه منك شقاء، وبُعده عنك شفاء؛ فلا تسمع من لسانه ذكرًا، ولا على رسولك صلى الله عليه وسلم صلاة، ولا لكتابِ لله تلاوة، من الخير بعيد، وعن الحق شريد، وللجار مؤذٍ، وللأهل معادٍ، حاضر في الموائد، غائب في النوائب، يفرح لك بالمصيبة، ويتمنَّى لك الهلاك، يجرك للظلام، ويسقيك الحرام؛ هذه صفاتهم، فحذارِ بُني أن تقع فيما حذَّرك الله منه، ونهاك رسولُك صلى الله عليه وسلم عنه، فأنت مَن تبذر الصداقة وتسقي وصالها، وتجني ثمارها، فلك النفع وعليك الضرر، ومنك التضحية، وفيك أثرها، فلا تلومنَّ غيرك.