المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لنجعل رمضان أجمل ..!


فارس
06-05-2017, 12:11 AM
في رمضان منح وفرص جسيمة، يُكرم الله بها عباده، من هذه المنح: تفتيح أبواب الجنان، وتغليق أبواب النيران، وسَلْسلة الشياطين.

ففي الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل رمضان ) ، فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جَهنَّم، وسُلْسِلَتِ الشياطين)).

قال الإمام القرطبي - بعد أن رجح حَمْلَ هذا الحديث على الظاهر -: فإن قيل: كيف نرى الشرورَ والمعاصيَ واقعةً في رمضان كثيرًا، فلو صُفِّدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصومَ الذي حُوفِظ على شروطه، ورُوعِيَتْ آدابه...والمقصود: تقليل الشرور منهم فيه، وهذا أمرٌ محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقلُّ من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم ألا يقع شرٌّ ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غيرَ الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية .

نعود إلى المِنَح العظيمة والفرص الجسيمة:
1- ((فُتِّحت أبواب الجنة))، وهذا معناه أن أبواب الجنة ليست مفتوحة طوال العام، وإنما في أوقات معينة فقط، مِن هذه الأوقات: شهرُ رمضان المكرم.
إنه أثَر عظيم رائع ينعكس على حياتنا اليومية بالسكينة والهدوء، والسعادة والأمل، والرِّضا واليقين.

2- ((وغُلِّقت أبواب جهنم))، وهذا يدل كذلك على أن أبواب النار ليست مغلقة طوال العام، وإنما في أوقات معينة فقط، منها: شهر رمضان المكرم.

3- ((وسُلْسِلَتِ الشياطين))، وسَلْسلتها تُعطي المسلم في رمضان حالة إيمانية مرتفعة، تُعِينه على طاعة الله؛ فقد تم حَبْسُ أشدِّ أعدائه عنه.

إن هذه المِنَح تمنحنا إحساسًا بأن هذا الأيام المقبلة أيامٌ عظيمة للغاية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بهذه الأيام.

كان إذا دخل رمضان قال لهم: ((إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خيرٌ مِن ألف شهر، مَن حُرِمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرَمُ خيرَها إلا محرومٌ)) .

تأمَّل قوله صلى الله عليه وسلم: ((قد حضركم))، يريد أن يقول: استعدوا له استعدادًا متميزًا، ادخُلوا عليه دخولًا متميزًا، اجعلوا أداءكم متميزًا؛ حتى يكون أجملَ رمضانَ.

حتى يكونَ أجمل رمضان، لا بد أن تضَعَ فيه أهدافًا:

الهدف الأول: أن تكون أهلًا لمغفرة الله:
فالله تعالى بكرَمِه ومَنِّه يريد أن يتوب علينا، يريد أن يغفر لنا؛ ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]؛ ولذلك منَّ الله علينا بالعطايا، ومنَحنا الأسباب التي بها يغفِرُ لنا، مِن هذه العطايا: صيامُ رمضان وقيامه.

كيف يكون صيامُنا وقيامنا إيمانًا واحتسابًا؟
ونجد الجواب في توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم لنا.
أما الصيام: ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام جُنَّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفُثْ ولا يفسُقْ، وإنِ امرؤ قاتَله أو شاتَمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده، لَخُلوفُ فمِ الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعَشْر أمثالها)).

فقَبول الصيام والفوز بثمرته يتوقف على أمرين:
الأول:أن يكون إرضاءً لله، وابتغاءً لمثوبته.
الثاني:أن يُعَلِّم صاحبَه الأخلاقَ والسلوك.
ولهذا أصدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيانًا راعبًا قائلًا: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا العطش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السَّهَر)) .

وأما القيام: فقد قال الله تعالى: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وسُئِلت عائشةُ رضي الله عنها عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم رمضان، فقالت: "ما كان رسولُ الله يَزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عَشْرة ركعةً، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حُسنِهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حُسنِهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا..)) .

إذًا، يكون الصيام إيمانًا واحتسابًا إذا حجَبك عن المعاصي، ومنَعك من الشر، وكان له أثر على سلوكك وخُلقك، ويكون القيام إيماناً واحتساباً إذا تلذَّذْتَ فيه بالقرآن، واستمتَعْتَ فيه بالوقوف بين يدَيِ الله..

وضَعْ نُصْبَ عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رغِم أنف رجُلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفَرَ له..)).

الهدف الثاني: أن تحصل التقوى.
حتى يحبك الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، حتى يكون الله معك: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، حتى يتقبل الله منك: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، حتى تدخُلَ الجنة: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 45، 46].


المتَّقون قوم التزموا بالصدق في القول والعمل؛ ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33].
المتَّقون قومٌ مُوفُون بعهودهم؛ ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76].

فاجعَلْ تَقْوى الله في رمضان هدفَك؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

الهدف الثالث: أن تُصلِح ذاتَ البَيْن.
مِن أكبر المشكلات التي يقع فيها كثير من المسلمين: الخِصام، والهَجْر، والتباغض، والتنافر، وذلك على مستوى الأُسَر والعائلات والجيران وزملاء الدراسة والعمل.

عمَل ضخم وهام يقوم به الشيطان الرجيم وأتباعُه مِن الجن والإنس: التفريق بين المسلمين، وإفسادُ ذات بَيْنِهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعَث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة، يجيء أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، فيُدْنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ))

فأسمى أماني الشيطان الرجيم وأتباعه من الجن والإنس: الإفسادُ في الأرض، والتفريق بين الناس، ومما يؤسَفُ له: أن الشيطان يجد من يستجيب له ويعاونه ويُسهل عليه مهمتَه بين المتشاحنين والمتباغضين.

وإصلاحُ ذاتِ البَيْن أثقلُ في الميزان يوم القيامة من كبار الأعمال الصالحة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((صلاحُ ذات البَيْن؛ فإن فساد البَيْن هي الحالقة))
فاجعَلْ مِن أهدافك في رمضان إصلاحَ ذات البَيْن.
ذات البين مع من تخاصمهم، وذات بين المتخاصمين ممن تعرفهم.

الهدف الرابع: أن تتقرب من الله.
فمَن كان الله قريبًا منه فليس ضده أحد، ومن كان الله بعيدًا عنه فكلُّ شيءٍ ضده، حتى الكلاب في الطرقات، والذُّباب في الهواء.

اجعَلْ شِعارَك في رمضان: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
ولكي تعرِفَ معنى القُرْبِ مِن الله وفضله وثمرته، تأمَّلْ هذا الحديث القدسي الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى قال: مَن عادَى لي وليًّا، فقد آذَنْتُه بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه)).

فإذا أردتَ أن تكون قريبًا من الله، فأولُ ما ينبغي أن تقوم به أن تؤدي فرائض الله، وإذا كنت تفعل ذلك في غير رمضان - وهذا هو الأصل - ففي رمضان جَمِّل الفرائض، وحسِّنْها، ثم زِدْها بأداء النوافل، وأكثِرْ منها، واعلم أن أعظم ما يقرِّبُ العبدَ من الله: الصلاة له، وذكره، وكلامُه.