المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التواضع تاج المروءة


فارس
06-06-2017, 01:15 AM
لحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد؛

الخطبة الأولى

يقول الله - تعالى -: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص 83)

إذا كان التكبر مرضاً نفسياً خبيثاً، يحمل صاحبه على العجب والغرور والتعاظم والاستعلاء، ويدمر الاخلاق والدين والاخرة، -كما بينا في درس سابق-، فإن نقيضه الإيجابي المحمود هو خلق التواضع، تلك الخصلة الفاضلة التي تدل على طهارة النفس من نزعات الكبر والتكبر والاستكبار، وتحمل المتواضع على خفض الجانب للناس بالتقدير والمحبة والمساواة، بريئاً من رذائل الحسد والكراهية، واذا كان المتكبر جافياً جاحداً للحق رافضاً له ولو تبين، فإن المتواضع يرضى بالحق وينصاع له ولأهله.

كذلك يكون المسلم المؤمن متواضعاً في غير مذلة ولا مهانة، يعرف قدر نفسه، فلا يجاوزه، ويعلم أنه عبد لله ناصيته بيده، والخلق كلهم عيال الله، فلا يبيح لنفسه إحساساً ولا سلوكاً من كبر أو عجب أو غرور، مهما ملكت يداه من متاع الدنيا الذي يفتتن به المتكبرون، لأنه يملك بالتواضع فضيلة كرامته الانسانية، ومقام الشرف في دينه وبين الناس. وقد قيل: " تاج المرء التواضع ".

تواضَع إذا نِلتَ في النّاس رفعةً *** فإن رفيعَ القومِ مَن يتواضَعُ

وقد حض الإسلام على التواضع، وهو من كريم أخلاق الايمان، ورغّب فيه وفي فضله وفضيلته وثوابه وأثنى على أهله، في آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية القولية والعملية، وإذا كان القرآن لم يذكر التواضع باللفظ الصريح، فقد أحال عليه في صفاته وفضائله بالأقوال والأفعال، ضمن توجيهاته الربانية وسيَر الانبياء والصالحين، وفي ذلك أسلوب تربوي بليغ ومؤثر، في الدلالة على التواضع مقروناً بالسلوك الديني والخلقي، وذلك كما في قوله - تعالى -تعليماً لرسوله الاكرم: (واخفِضْ جناحَك لمَن اتّبعَك منَ المؤمِنينَ) وقوله - سبحانه - في التواضع للوالدين: (واخفِضْ لهما جناحَ الذّلِّ من الرّحمةِ وقلْ ربِّ ارحمْهُما كما ربّياني صَغيرا) (الاسراء 24). فخفض الجناح تصوير بياني بليغ لمنتهى التواضع لطفاً ورحمةً وإحساناً.

ويبين كتاب الله فضائل التواضع وثوابه في آيات كثيرة، من ذلك أن سبيل الفلاح والنجاة يوم القيامة إنما هو لأهل التواضع