المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس وأحكام مع رمضان والصيام


فارس
06-10-2017, 02:08 AM
إن الصوم مدرسة فريدة تعالج قضية التقوى معالجة نفسية ميدانية، قال عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 1833].






والصوم مدرسة روحية عظيمة القدر، حيث يتجلى خلق الصبر في سلوك الصائم، فلا يجزع ولا يقلق ولا يقنط من رحمة الله.







يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله –: (المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الظمأ والجوع من حدتها، ويذكِّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب...).







والغزّال – رحمه الله – يقول: الصيام زكاة للنفس ورياضة للجسم وداع للبرِّ فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، في جوع الجسم صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة.







وغير خاف أن الصوم يعطي لجهاز الهضم راحة تامة، ويتيح للجسم الفرصة للتخلّص من السموم والفضلات المتراكمة.





ورد عن بعض السلف قوله رحمه الله: لقد خصّ الله – عز وجل – شهر الصيام شهر رمضان بخصائص عديدة منها: أنه سبحانه وتعالى جعله شهرًا مباركًا، وجعله شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وجعل فيه ليلة خير من ألف شهر، وجعل صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، وهو شهر المواساة، وهو شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.







وفي الصوم تتجلى المشاركة التامة بين الجميع الغني والفقير، فالجميع يشعر بألم الجوع ومرارة الحرمان.





وبلغة الاقتصاديين فإن هناك علاقة طردية بين شهر الصوم والاستهلاكالشره. والمرء يدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشعر دون مبرّر منطقي.







فالجميع يركض نحو دائِرة الاستهلاك المفرط، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكرًا مصحوبًا بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ومن خلال أكثر من وسيلة.







فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد، والأولاد يُلحِّون في مطالبهم الاستهلاكية، والمرء نفسه لديه حالة شراهة لشراء أيّ شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم.







وبلغة الإحصاءات والأرقام، فإنه في أحد الأعوام قدّر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في دولة عربية قريبة منا على سبيل المثال، بحوالي 20% أي أن هذه الدولة العربية الشقيقة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان، خمس استهلاكها السنوي كله، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس الباقية وقد كلّف رمضان في ذلك العام الخزانة حوالي 720 مليون دولار.







وللأسف، فليست الدول العربية والإسلامية الأخرى، بأقل من تلك الدولة استهلاكًا.





لذا، يمكن القوم وبصراحة أن هناك تبذيرًا وإسرافًا إلى حد السفه، فالكميات التي يتم شراؤها في الأيام العادية، يتم تجاوزها إلى أضعاف الأضعاف في شهر رمضان، على الرغم من أنه لا يحوي سوى وجبتين فقط!!.







ومن المعلوم من جهة أخرى أن من معاني الصوم أنه إمساك عن شهوة البطن، وبالمعنى الاقتصادي: تخفيض الإنفاق أو ترشيد الإنفاق بمعنى أدق.







فالإنفاق البذخي – إذن – في رمضان وغيره أمر لا يمكن أن يتسق مع وضعية مجتمعاتنا الإسلامية التي هي في الغالب مجتمعات نامية تتطلب المحافظة على كل جهد ومورد من الهدر والضياع.







إن ما نصنعه ونسلكه منهجًا وعادات وتقاليد وطقوس إن صحت العبارة هو في الحقيقة هدر لإمكانات مادية نمتلكها في غير موضعها، وهدر لقيم سامية طالبنا الدٍّين الإسلامي بالتمسك بها وهدر لسلوك قويم هو القناعة.







إن شهر الصوم فرصة ولا شك يتعلم فيها أفراد أمتنا عادة اقتصادية حميدة هي ترشيد الإنفاق. وهو أيضًا فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة، وفرصة لترتيب سُلّم الأولويات، وفرصة للتعرف على مستوى الفائض الممكن الذي ينبغي توجيهه إلى أغراض استثمارية.







إذن ما المطلوب؟





إن خطة شاملة لمواجهة الشراهة الاستهلاكية أصبحت مطلوبة في رمضان وغير رمضان. خاصة إن هذه الحالة من شراهة الاستهلاك المتنامية فينا، تنمّ عن المدى الهائل من التخلف السلوكي الذي تعيشه مجتمعاتنا الإسلامية.







والمتأمل لصناديق وأكياس القمامة وتلال النفايات، يرى أننا في حاجة ملحةٍ لإعادة النظر في قيمنا الاستهلاكية باتجاه تعديلها، لتصبح قيمًا إنتاجية أو قيمًا استهلاكية رشيدة.







ذلك لأنَّ الاستهلاك والإنفاق لهما أبعاد خطيرة تهدَّد حياتنا الاقتصادية وأمننا الوطني.





فهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة وأساليب الإنفاق البذخية؟!