المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوكل والاعتماد على الله ضرورة الحياة


فارس
06-15-2017, 01:28 AM
تنوعَت أساليب القرآن والحديث في دَعوة عِباد الله إلى وجوب الاعتماد عليه سبحانه في كلِّ المواطن، وعلى أيِّ حالٍ يكون الإنسان عليها؛ ففي موطن مواجهة تَهديد أعداء الله للمؤمنين يقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، فكان الجواب والجزاء: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174]، وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "حسبُنا الله ونِعم الوكيل؛ قالها إبراهيمُ حين أُلقي في النار، وقالها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حين قال لهم النَّاس: إنَّ الناس قد جمعوا لكم".
وحينما يواجِه المؤمنون تكذيبَ المكذِّبين وإعراضَ المعرضين عن الدعوة يعلِّمنا الله أن نقول: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، وفي موقف جِدال المشركين في عقيدتهم وإقامة الحجَّة عليهم يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38].
وفي موطن الرِّضا بقَدَر الله والصَّبر على قضائه، يوجِّهنا الله أن نقول: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
وفي كثير من الأحايين يبثُّ الشيطان في الإنسان عدَمَ الثِّقة بما عند الله من سَعة الرِّزق والبركة فيه، فيعلِّمنا الله أن نَدرأ عنَّا تلك السموم الشيطانيَّة بقوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

والتوكُّل على الله يَجب بالضرورة أن يكون نابعًا من إحساس الإنسان بضَعفه وعجزه في حياته؛ بحيث لا يمكن أن يقوم بواجباته إلَّا إذا ركن إلى الله جبَّارِ السموات والأرض، فيَعتمد على الله بشعورٍ فيَّاض، وقلبٍ خاشع منيبٍ مطمئن، ولسانٍ ذاكر يلهج بدعاء ربِّه سبحانه أن يَقبل اعتماده عليه.
ومن هنا نَجد الارتباط الوثيق بين الدعاء والتوكُّل؛ إذ إنَّ كِلَيهما متمِّمٌ للآخر، دالٌّ عليه؛ فالداعي معتمِد على الله متوكِّل عليه، والمتوكِّل لسانُ حاله يقول: حَسبي الله ونِعم الوكيل، ونِعم القويُّ المتين، الودود البَرُّ بعباده، يدعو ربَّه ولسانُ حاله يقول: لولا عَونُ الله وتأييدُه لَما استطعتُ القيامَ بأعباء حياتي.
ولذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم - وهو أَصدق المتوكلين - يَدعو اللهَ ويتوكَّل عليه في جميع مواقِفه؛ كان يدعو ربَّه عند نومه واستيقاظه، وإذا دخل بيته وإذا خرج، وعند الكرب والحزن والهمِّ، وعند لقاء العدوِّ، وعند ركوب الدابَّة، وعند السفر والرجوع منه، وعند رؤية الهلال، وعند تناول الطعام والشراب، وعند لبس الجديد، وعند اشتداد الرِّيح وسماع الرعد ونزول المطر.

وجملة القول: كان يَدعو اللهَ في جميع أوقاته، وعند ممارسة أعماله اليوميَّة، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالكتب المتخصصة في أذكاره صلى الله عليه وسلم؛ مثل "الكلِم الطيب"، و"الدعاء المأثور"، وغيرهما.
ولَمَّا كان الاعتماد على الله ضمن قواعد العقيدة الإسلاميَّة، رأينا القرآن يقرِّر أنَّ التوكُّل لا يجوز أن يكون على أحدٍ غير الله، ولو شرع الله التوكُّلَ على غيره لكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَولى بذلك؛ فهو أفضل الخلق عند الله، وفي ذلك يقول الله سبحانه في سورة الأنعام: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]، يقول الطبريُّ: "ولستَ عليهم بقيِّم تَقوم بأرزاقهم وأقواتِهم ولا بِحفظهم، فيما لم يُجعل إليك حفظُه من أمرهم"، وفي آخر سورة يونس: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108]، وغيره في القرآن كثير.

ولقد كان الاعتماد على الله والتوكُّل عليه دَيدَنَ الأنبياء والمرسلين؛ ففي سورة يونس: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ... ﴾ [يونس: 71]؛ الآية، وبيَّن ربُّنا عزَّ وجلَّ ما ذكره هود عليه السلام لقومه في سورة هود: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]، وما ذَكره شُعيب عليه السلام لقومه في سورة الأعراف: ﴿ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]، وقال الله عن موسى عليه السلام في سورة يونس: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]، وقال الله عن يعقوب عليه السلام في سورة يوسف: ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].