عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-16-2015, 03:04 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي

ومن تأمل في معاني الصبر ومواطنه علم أنه يتخلّل كل أحوال المؤمن، كالنُّسُغ الذي يسري في كل خلية من خلايا البدن، وهو ما نجده في كتاب الله - تعالى -المعجِز الذي صوّر الصبر ممازجاً لكل موقف وتصرّف للمؤمن،
ونقف أمام ثلاثة نماذج من ذلك في القرآن الكريم:


وذلك أن وفاءهم بعهدهم والتزامهم بالميثاق وصلة ما أمر الله به أن يوصل... كله صبر، أو إن روحه هو الصبر.



وفي سورة الإنسان كذلك ترد صفات الأبرار: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً... )
وهنا أيضاً لم يرد ذكر الصبر في صفاتهم لكنه كان المقارِن والممازِج لكل هذه الصفات، أو كان الحافزَ لها والحافظ، بل الروح فيها، ولذلك كان الصبر سبب جزائهم العظيم: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً).

ولأن للصبر هذه المكانة العالية كان الأجر عليه بغير حساب، وكان خُلقَ الأنبياء، وكان البلاء لا يكاد ينفكّ عن الأنبياء والأمثل فالأمثل، ونحن نورد هنا بعض النصوص الشريفة التي تزيدنا نوراً وهدى:

قال - تعالى -:
(الم * أحسِب الناسُ أن يُترَكوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتَنون * ولقد فتنّا الذين من قبلهم فلَيعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين)


وقال - سبحانه -: (ومن الناس من يقول آمنّا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولُنّ إنّا كنّا معكم أَوَليس الله بأعلمَ بما في صدور العالمين)


وقال: (ما كان الله لِيذَرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يَميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليُطلعكم على الغيب... )


وقال:
(إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله. وتلك الأيام نداولها بين الناس ولِيعلمَ الله الذين آمنوا ويتخذَ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسِبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلمِ الله الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين)


وقال:
(فاصبر إن وعد الله حقٌّ ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون)


ومن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - نقتطف هذه الدرر:

(( لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)).
رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود.

(( ومن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْه الله. وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ من الصبر)).
رواه البخاري ومسلم.

(( ... والصلاة نورٌ، والصدقة برهان، والصبر ضياء...))
رواه مسلم.

(( ما يصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ [أي مرض] ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكةُ يُشاكُها إلا كفّرَ الله بها من خطاياه)).
رواه البخاري ومسلم.

ومما يُنسَب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:

اصبرْ على مَضَضِ الإدلاج في السَّحَرِ *** وفي الرّواح إلى الطاعات في البكر

إنّي رأيتُ، وفي الأيام تجربةٌ *** للصبر عاقبةً محمودةَ الأثَرِ

وقلَّ من جدَّ في أمرٍ يؤمّله *** واستصحب الصبرَ إلا فاز بالظفرِ

ومما قاله الحكماء:

- الإنسان من غير صبر سراجٌ من غير زيت.

- حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر.

- لولا ثمرات الصبر ما نجح معلم في تبليغ رسالته، وما أكبَّ عالم على كتاب، ولا سهرتْ أمّ على راحة وليدها، ولا تكبّد أب مشقة البحث عن لقمة العيش، وما أمر آمر بمعروف وهو يعلم ما يصيبه من أذى الناس.


في سورة الرعد (الآيات 19 24) يصف الله - تعالى -أولي الألباب بعدد من الصفات العليا: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصِلون ما أمر الله به أن يوصَل ويخشَون ربّهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنةِ السيئةَ أولئك لهم عقبى الدار) وقد كان من بين هذه الصفات أنهم (صبروا ابتغاء وجه ربهم) ولكن الآية الأخيرة تبين أن ما نالوه من عقبى الدار إنما كان نتيجة الصبر: (سلامٌ عليكم بما صبرتموفي سورة الفرقان (الآيات 63 77) تأتي صفات عباد الرحمن فإذا هم (يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. والذين يبيتون لربهم سجّداً وقياماً... ) إلى غير ذلك من الصفات المثلى، وليس من بينها الصبر، ولكن الآيات تُختَم بقوله - سبحانه -: (أولئك يُجزَون الغرفة بما صبروا ويُلقَّون فيها تحية وسلاماً) فكيف استحقوا هذا الجزاء على الصبر ولم يُذكر الصبر في صفاتهم؟! إن الصبر هو الخلق الملازم لكل صفة من صفاتهم، فهم أبداً صابرون: صابرون على قيام الليل وعلى ضبط إنفاقهم بين الإسراف والتقتير، وعلى كل ما امتدحهم الله - تعالى -عليه.العنكبوت: 1 - 3.العنكبوت: 10.آل عمران: 179.آل عمران: 140 142.سورة الروم: 60.
  • |

رد مع اقتباس