أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .

 

 



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-15-2017, 01:46 AM
فارس فارس غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 37,047
افتراضي اولاد النـــــــــــار

اولاد النـــــــــــار
قصة قصيرة

طفلين !! ولدا ليس منذ زمن بعيد , احيانا يبدو لي بان اكبرهم هو الصغير او العكس!!! ومن بعيد عندما لا استطيع ان اميز احدهما عن الاخر يبدوان كطفلين افريقيين!!او اشقرين!! او احدهما على الاقل!!؟؟ لكنني متأكد تماما" بانهم من اطفال الحارة وانهم اخوين وهما يقطنان ذلك البيت ذو الباب الحديدي (الخشبي)؟؟, ذو اللون الاخضر او...او(الابيض)....(الزجاجي) لا ادري, ذلك الباب الذي يمتد الى الامام بتركيبة غريبة والذي يكاد يصل الى منتصف الزقاق الضيّق المؤدي الى الساحة الرملية , (الصيافة, كما كنا نسميها), وكأنه وجد اولا ومن ثم تم تركيب كل شيء على اساسة ,الجدران ,السقف ,ثم البناء المجاور ثم المجاور ثم الحارة وهكذا.......وشعرت لكم كنا نتمنى عندما كنا اطفالا"!!!؟؟ لو ان ابواب منازلنا كانت ممطوطة الى الامام لنصل بسرعة الى الصيافة او ان نحتمي بسرعة داخلة عندما كنا نفر هاربين بعد عراك مع اولاد الحارة الاكبر سنا"...غريب ؟؟؟هذه هي الصيافة مليئة بالحفر.....‹‹قالو تحتها بترول يا استاذ..بحر بترول.. وصار كل واحد يحفرها على كيفو يا استاذ››.. هكذا قال خلسةً ذلك الرجل الواقف بجانبي لا ادري ما اسمة؟؟.
المهم في الموضوع هو ان هذين الطفلين كانا مصابين بمرض نادر جدا ..جدا ..حتى يكاد ان لا احد يسمع به على الاطلاق يجعل من اجسامهم ذو حرارة عالية جدا حتى اذا هبت الريح على بشرتهما يتوقدان كالجمر !!!... لذلك كنا نسميهما... (أولاد النار).
اولاد النار كان يجب ان يذهبا الى مكان بارد جدا و ثلجي ك-الاسكا- مثلا, ليبقيا على قيد الحياة,لذلك فإنني لا ادري كيف اصبحت هذه مهمتي انا,والتي-على ما يبدو- بانها القيت على عاتقي من فرط شعوري تجاههما .لكنني دوما" اشعر بان لدي امرا يجب ان انجزه عاجلا لكن.. لا اذكر ما هو.. يا لا ذاكرتي التعيسة !!.
قبلت المهمة على ان ارافقهما ..وهكذا اصبحنا على متن الطائرة!!,تضيئ اشارة ربط احزمة الامان في الاعلى اربط لهما حزامهما ومن ثم حزامي,ينطلق صوت الكابتن عبر المذياع مُرحباً ومن ثم يعلن امرا" غريبا ..‹‹ايها السادة المسافرين اسعد الله اوقاتكم ...بعد ان كان اتجاه الرحلة شرقا نحو سيبيريا فقد تقرر تغير اتجاهنا غربا نحو الاسكا ؟؟!!››..لم يعجب هذا التغيير بعض المسافرين على متن الطائرة,الا انني شخصيا لم اشعر بان هناك اي فرق, فقد كانت مهمة ايصالهما الى مكان امن حيث يستطيعان العيش بسلام هو الامر الاهم حاليا" .
عندما نزلنا من الطائرة لم نجد ثلجا"؟؟؟ بل بالعكس كانت الصحراء ؟؟!!! حملت احدهما و الاخر مسكتة بيدي و اخذنا نعدو ..نعدو وراء مساحة ثلجية تلوح في الافق ..تنعم بالسلام ...لا ادري وكأنني كنت هنا قبلا ؟؟!!..وفعلا ...ومن بعيد بان بيت ابيض ذو باب ممطوط الى الامام , بيت ثلجي كبيوت سكان الاسكا!!! صرخت :‹‹ها قد وصلنا يا اولاد لا تخافوا من الحر..لقد وصلنا .. الحمد لله .. وصلنا››.
-‹‹وصلنا..لا تخافوا›› ..محاولا تشجيعهما..
فجأة.. بدأت اتعب ..ساقاي تلتويان تحت ثقل جسمي ..
اصبحت حركتي ابطئ ...وابطئ..
..انني مجهد تماما"..نظرت للبعيد..
ها هو البيت ..لماذا لا نستطيع الوصول؟؟..
وكأنه اصبح في اللانهاية....
سقطت...اوقعتهما ..لا ادري ما اوقعت !!...
احسست جداراً بوزن جبار يرقد على صدري؟؟!!!
انا لا اقوى على الحراك ...
‹‹اين انتما ؟؟›› صرخت...
نظرت حولي لم اجدهما ..
حزنت كثيرا ..!!!
ومن بعيد بجانب ذلك البيت ...رايتهما ..ها هما ....نظيفين....أبيضين.. يلوحان لي بأيدهم الصغيرة..
-‹‹لا تخف يا عمو لقد وصلنا ..شكرا لك ››.
بكيت. وانهارت عيناي بالدموع...ثبّتُ نظري تجاههما ..لا اريد ان اغمض عيني ..
لا اريد ان اغمض عينيي ...لا اريد
لا اريد ان افتح عيني.
يا الهي ..ماذا!!
صداع شديد ...احاول ان اتحرك الا انني لا استطيع فانا لا اشعر بجسدي .. عبثا "أحاول ان اتلمس الاشياء من حولي, لم استشعر سوى حائط ثقيل مطبق على صدري يشاطرني انفاسي بدء يوقظني رويدا رويدا ..انني اصحو ..اصحو...اصحو على واقع..على واقع بانني......... تحت الركام!!!

يا الهي ....
.نعم ..تذكرت الان ..تذكرت تماما ..... من انا!! اسمي ..عملي.. ولماذا جئت الى هنا........انني غريب تماما عن هنا , واذكر...... بانني قد ركبت سيارتي هذا الصباح واتيت بحكم عملي الى هنا ...مطمئنا زوجتي بان شيئا لن يحدث ... واذكر كيف كان هذا المحلل السياسي في راديو السيارة يتحدث عن ان حقيقة الصراع في بلدي هو صراع مصالح لدول كبرى ...صراع على النفط و الثروة ......
ركنت سيارتي بأقرب نقطة ونزلت, تقريبا صحيح من هنا. أخرجت من جيبي قصاصة ورق كنت قد كتبت عليها العنوان ... شارع كذا.... جانب كذا....شمالي ساحة الصيافة ...‹‹دير بالك الصيافة مليئة بالحفر التي صنعتها القذائف المتساقطة عليها››هكذا قال لي الرجل الذي استوقفته للاستدلال على العنوان. مشيت في طريقي ...احاول الاسراع تارة ومن ثم ابطئ فأصوات اطلاق النار الاتية من بعيد و التي حلت مكان اغاني فيروز الصباحية المنبعثة من محلات التجار عند الصباح الباكر ترسم في مخيلتك مئة صورة وصورة..من يقتل من ومن يطلق النار على من ؟؟
يجب ان اصل بسرعة الى وجهتي و اعود باكرا , تأكدت مرة اخرى من العنوان واعدت قصاصة الورق الى جيبي ..اسرعت قليلا وكذلك فعل المارة الاخرون بجانبي ,, الا ان اصوات اطلاق النار بدأت تسمع بوضوح اكثر فاكثر ...وفجأة ....دوى صوت انفجار كبير خلف الازقة المتراصة على مسافة قريبة ..ثم انفجار اخر بعد ثوان ..وانفجار اخر ...واخر...واطلاق النار الذي انهمر كالشتاء جعلنا نركض عشوائيا هنا وهناك ركضت عائدا الا انني لم اعرف طريق العودة .. ان معالم الازقة و الحارات التي مشيت فيها قبل دقائق قد تغيرت و دمرت ...

انا اعدو الان لا أدري الى اين فقد تهت تماما..
لقد اصبحت الان طريدة للموت و كل ما انا علية في تلك اللحظات هو مجرد ردة فعل غريزية تسمى البقاءُ على قيد الحياة ......‹‹فلأتوقف قليلا"›› فكرت ...علني استطيع التقاط انفاسي...توقفت ..ثم اسندت ظهري على بقايا حائط مهدوم تنكشف من حولي الرؤيا قليلا من امتزاج الغبار بالدخان المتصاعد من احتراق الاشياء, تلك الاشياء التي كانت قبل قليل اجزاءً من حياة اناس تحمل قصصاً ..أجزاء من ماضي وحاضر كان قبل قليل فقط.. هنا ...
أحاول ان اشجع نفسي على المضي...
‹‹من هناك يبدو بان الطريق امن›› ... ‹‹سأنتظر قليلا بعد››.
بدأت اصوات اطلاق النار تبتعد شيئا فشيئا.
‹‹يبدو انني سأنجو..ان استطعت ان اشق طريقي الى هناك››....ولكن
و في انشغالي لأنجو بنفسي من بين النيران ..كان للقدر راي اخر ..كان للقدر صوت اخر ..فقريبا مني سمعت صوت بكاء ..بكاء لأطفال ..بكاء يصدر من خلف الحائط النصف مهدوم ورائي تماما ..التففت حول الانقاض ..و اذ بهما جالسين هناك ..طفلين ..التصقا ببعضهما خوفا ... اقتربت ..رفع احدهما راسة نحوي وضم أخاه الصغير الباكي ..خائفا ..اقتربت منهما اكثر..خاطبتهما..
‹‹لاتخافوا يا عمو لن اؤذيكما››.
‹‹تعالوا.. هيا بنا..›› ..محاولاً ان ابعدهما الى مكان اكثر امانا" ..
‹‹اين اهلكم ..اين تسكنان..››.
‹‹هيا بنا يا صغيراي...››.
ولكن عبثا احاول..
فعلى ما يبدو بان الخوف كان قد سلب منهما كل اتصال مع العالم من حولهما , هذا العالم الذي قسى فجأة لا يعلمان لماذا, ومن هو على وجه الارض الذي يستطيع ان يقول لهما لماذا....يئست من محاولة جعلهما يتحركان .. فجلست بجانبهما مسندا ظهري على الحائط ....ومرة لحظات...
تلك اللحظات التي تنعدم فيها ابعاد الحياة امام هذا المشهد الطفولي الممزق اربا ..تندمج وتتقلص ..تختصر كيانك كلة.. لست مهماً انت..نعم انت لست مهماً ابدا..ليس مهماً ابدا.. ما كنت او ما سوف تكون....في تلك اللحظات تصبح لكل الأشياء طعم اخر ..معنى اخر ...وتحس..... بان كل انفجار هو بالحقيقة ليس خارجاً بل بداخلك..كل انفجار يغتال شيء. يغتال قيمة...يغتال مبدأ..... لا قيمة الان لشعور جميل كان يملأ صدر طفل تودعه امة بقبلة وهو ذاهبٌ الى المدرسة ..فيطلق العنان لقدمية ..ويشعر بان العالم كلة يضحك له ..فيحس بانة سوف يعيش ..سوف يعيش الى الابد... ففي تلك اللحظات لن تقتل سوى براءة الطفولة في تلك اللحظات لن تطفئ سوى شموع الحياة ..ولن تصيب تلك الرصاصات سوى قلب طفل.... طفل بريء. ففي مكان ما.. قرر احد ما......قرر قتلنا !!!
..مرت دقائق ,,ثوان, ساعات ,,دهور ,,لست ادري!! و ها انا وطفلين محاصرين بين كل قذيفة و قذيفة تكتب لنا حياة جديدة..القيت براسي للخلف مستسلماً ...واغمضت عيناي .وفجأة!!!!
‹‹ربيع يحب الاسكا* كثيرا›› تكلم الصبي بجانبي.
*ماء محلى و مجمَد يباع للأطفال.
فتحت عيني و ادرت براسي تجاهه ..متفاجئا"..
‹‹ربيع...اخاك››؟.
لم يجبني ,بل تابع باستنكار : ‹‹اخذ يبكي ويبكي يريد الاسكا , يا اللهي عندما يبدا بالبكاء لا يتوقف ابدا, قلت له بان الاشرار سوف يأتون ان استمريت بالبكاء››.
قال هذا ثم وضع راسة بين ركبتيه بعد ان نكز أخاه بكوعه محملا إياه سبب هذه الكارثة ..
وهكذا تكلما..
‹‹هل اتى الاشرار بسبب ربيع , اقصد بسبب بكاءة››؟.
‹‹نعم ..هكذا كانت امي تقول له دوماً››.
‹‹قال لي ابي بان الاسكا موجود في مدينة ثلجية بعيدة ..فيها كل الاسكا بالعالم هناك بطعم الفراولة و الموز ..وكل شيئ ›› هكذا قال ربيع باكيا
‹‹ارجوك يا عمو اوصلنا الى البيت, اريد امي, لا اريد الاسكا ..واللهي العظيم لن اطلب الاسكا مرة اخرى››.
تكلما وكنت استمع ... وحقا لم يعد لذلك الموت المتربص لنا خلف تلك الازقة المهدمة اية اهمية ..فقد زال الخوف...زال الخوف امام قصص الطفولة تلك تماما مثلما كان يفعل عندما كانت جدتي تنهي قصتها المخيفة بضحكة طويلة ساخرةً من خوفنا فنعلم حينها بان الحياة ليست هكذا وبان الاشرار قاطعي الرؤوس مسجونين هناك داخل قصة جدتي الى الابد...
وهنا الان لم يبقى من الاحياء في تلك الازقة القديمة سوى انا و حديث طفلين بريئين كانا في طريقهما الى السوق لشراء الاسكا ..طفلان يعيشان في ذلك البيت ذو الباب الممطوط قرب الصيافة حيث كنت انوي الوصول ...
‹‹انتظارنا هنا الى الأبد مستحيل››. قلت لنفسي..كان يجب ان نغادر تلك البقعة فلن يطول الوقت حتى تشتم رائحة الحياة ذئاب الموت تلك...
‹‹هيا يا صغيراي يجب ان نذهب››.
‹‹الى اين يا عمو›› قال ربيع بخوف.
‹‹الى منزليكما طبعاً ..امكما بانتظاركما ..هيا››.
حملت ربيع على كتفي ومَسكت أخاه من يده ..وها نحن الان نبتعد ..نركض ..وجهتنا ذلك البيت ..بيتهما بجانب الصيافة ,
‹‹هيا يا ربيع›› صرخت عاليا"..‹‹عندما نصل سوف اشتري لكما الاسكا››.
الا ان الموت ....والذي انهمر من السماء ....على شكل قذيفة سقطت على مقربة منا فانهار كل شيء ..
سقطتُ ..اوقعتهما.... وانطبقت السماء علينا دون رحمة..
وفي جحيم من الدمار ..
غفوت....غفوت للحظة ... حلمت ..حلما صغيرا...ثم صحوت !!! وها انا اجثم تحت الجدار الذي يزداد ثقلا شيئا فشيئا...
ملت براسي واذ بهما ما زالا يقبعان بجانبي .... ممددين.....ساكنين... جثتين صغيرتين .....محترقتين...عرفتهم تماما...في حلمي اسميتهما (اولاد النــــــــــــــــار)......
__________________
FARES
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:42 AM.