أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .

 

 



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-12-2016, 04:38 AM
فارس فارس غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 37,047
افتراضي بيت الشجرة (قصة قصيرة )






أحب هذا النوع من الأصباح ، نافذة مفتوحة يلج منها ضوء الشمس باردًا لم يسخن بعد ، و هدوء نسبي يخيم في صالتنا العلوية المفتوحة ، تتسلل إليها رائحة الفطور من الدور السفلي . ألمح التلفاز آملة أن يعرض شيئا اختزن من قبل في طفولتي و لأنني ذكرت سالفة بأنه النوع المفضل من الأصبح فها هو يعرض فيلمًا كارتونيًا له في الذاكرة نصيب .
و لأن النفس تترف هذا الحال المحبب فلابد للمزاج أن يروق له التنعم بلحظة استذكار هادئة تأخذه إلى مخزن الذكريات اللطيفة الساذجة - و ها انا ذي أدون هذا الموقف تبعا لارتقاء مزاجي ذلك - .
أفلام فريدة من نوعها تعرض بطريقة ذهنية محرفة فأنا متأكدة من كون ذاكرتي البشرية أقل كفاءة من حفظ كل كلمة قد قيلت ، و مما سعد القلب بكنزه في تلك الخزنة كانت ذكرى شجرة وحيدة بمزرعة نخل تخص جد والدتي ، وحيدة بين أعمدة النخل المتشابهة كامرأة جعداء الشعر مسبلته بين ضفائر مرتبة متآنقة هوجاء الأفرع عشوائية و ربما تذكر أحدهم بأخطبوطٍ قلب على رأسه .
لم نر شجرة كتلك إلا في الأفلام و الكارتون و تبعا لذلك أردنا أن نرتبط بها بشكل من الأشكال و أصررنا على وضع علاقة واضحة تضمنا نحن الأطفال إليها فابتكرنا مجتمع " بيت الشجرة ".

مسحنا المزرعه لكل غرض قد يساعد في جعل تلك الشجرة فريدة أكثر مما هي عليه ، كنس البعض بالسعف التراب المحيط بها و البعض جلب من الحاجات ما ظنه مفيدًا كأكياس الشعير الفارغة التي استعملت سجاد نقعد فوقه، أو
كأسا زجاجيا وسخا نسي منذ دهور في المزرعه و استعملناه كناقل سقاية - رغم وجود مسلك مائي يصلها ، لكن مالذي يعرفه الأطفال عن السقاية ؟ - و غيرها من الخرداوات المنسية التي رأينا فيها فائدة قد تنفعنا .
و قد تكون المتعة في هذا الشقاء الذي نلعبه هو كما أشرت في السابق عائد للنفس التي صورتنا و نحن ها هنا مجتمعين عاملين كجزء من فيلم أو قصة ستعرض في التلفاز ، فكل يوم نختلق سالفة من الأسلاف و نتماشى مع السيناريو الارتجالي .
حاولنا مرة تسلقها كما شاهدنا أحدهم يفعل ذات مرة إذ أن بناء بيت عليها واقع لا توفره أيدينا عديمة الخبرة ، و رغم هذا فإن شعور اللذة المشبعة غمر أنفسنا الملولة فندير وجوهنا ناحية الشمس ثم نبحث عن زاوية قد تظهرنا بشكل جيد كما حدث في الفلم الفلاني ، إن اللعبة محاكاة في النهاية و المتعة تكمن في التقليد أما المضحك فهو علمي أن شكلي في جميع تلك اللحظات التي حسبتها أسطورية ما هي إلا بلاهة متجسدة و لو حدث أن التقطت لي صورة أو مشهدًا فيهما لأحرقتهما حرقا .
لم ترق اللعبة للكبار كما لم تفعل أي لعبة نصنعها في المزرعة ، و بعين الساردة الآن بإمكاني تفهم الأسباب المبهمة آن ذاك ، فمن قد يسعد بلعب طفله في ساحة عمل مزراع أجنبي أجير ؟
لكن العقول اليافعة لا تفقه بعد غرائز الحماية بشكل واضح كما يفعل أصحاب الخبرات و المعرفة ، و يسرني القول بأن المزارع كان به من الخلق و العقل الراجح ما منعه من أذيتنا طيلة اسغراقنا ذاك . لكن العامل لم يكن مصدر الأذى الوحيد ، كنا نؤذي بعضنا بعضا صدفة و قصدا ، مثلما حدث لنورة التي جُرحت هالة إحدى عينيها و لحقت بها رحمة الله فحالت دون انفقاء العين ، بكت هي و أصابنا الذعر لما ألم بها ، لكن ذلك الذعر تبدد بعد ساعات و استمرت الرابطة الغريبة لعدد من الشهور - و ربما تعدت السنة - و استمرت الإصابات الأقل شأنا باصطياد معظمنا في اليوم الواحد ، خدوش السقوط ، و ضربات الشجار ، حتى حل اليوم الذي نفذ فيه صبر الكبار و رؤوا أن اللعبة اخذت وقتا أطول مما يجب ، أطول مما توفره أعصابهم القلقة .
- هيا ! إلى البيت ! إن رأيت نفرًا واحدًا يتعدى خط السقاية حششت له ساقيه .
اذكر بأن صوت خالي لم يكن صراخا غاضبا ، كلا كان أقرب في قول هذه الجملة لتهديد مطلق ، تهديد جدي يخبرنا بأن صبره قد عيل و استنفذ ، لم ننطلق للمنزل الرئيس كما أمرنا .
وقفنا خلف خط السقاية على الاسمنت ننظر إلى العامل المأمور بإفساد ما جمعنا .
" بإمكانهم إبعادنا عنها ، لكنهم لن يبعدونها عنا "
لا أذكر الجملة تماما لكنها كانت من هذا القبيل ، قالتها ابنة خالي التي أظهرت دوما شيئا من اللامبالاة أثناء لعبنا .
كادت ضحكة أن تفتل من فمي . كان هذا هو مشهد النهاية ، و قد وعينا ذلك أنا و هي و من كان معنا شاهدا هناك . تأكدت حينها أنني لم أكن وحيدة و أن نظرتي كانت مشتركة و أنها لم تكن نظرتي وحدي بل "نظرتنا" .
ما زلت أجهل سبب ظهور الضحكة فجأة،
في أحيان كثيرة أفضل التفكير في كونها دليل سعادة و فرح غمراني لمعرفة أن عهد تشاطرني مشاعري ، و جزء آخر يؤيد كونها ضحكة انتصار عليها حينما أدت دور اللامبالية بل و الساخرة منا حينما تحولت ذاتها لتنظم إلينا و تنزل من عليائها التي تسلقتها .



__________________
FARES
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:52 PM.