أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .

 

 



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-03-2015, 06:06 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الثامنة والعشرون

تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الصين لما قال :
لا بد من شنقكم .
فعند ذلك تقدم المباشر إلى ملك الصين وقال : إن أذنت لي حكيت لك حكاية وقعت لي في تلك المدة قبل أن أجد هذا الأحدب وإن كانت أحب من حديثه تهب لنا أرواحنا .
فقال الملك : هات ما عندك .
فقال : اعلم أني كنت تلك الليلة الماضية عند جماعة عملوا ختمة وجمعوا الفقهاء فلما قرأوا المقرؤون وفرغوا مدوا السماط فمن جملة ما قدموا زرباجة فقدمنا لنأكل الزرباجة فتأخر واحد منا وامتنع عن الأكل منها فحلفنا عليه فأقسم أنه لا يأكل منها فشددنا عليه فقال :
لا تشددوا على فكفاني ما جرى لي من أكلها فأنشدت هذا البيت :
إذا صديق أنكرت جانـبـه ........ لم تعيني على فراقه الحيل
فلما فرغنا قلنا له : بالله ما سبب امتناعك عن الأكل من هذه الزرباجة ?
فقال : لأني لا آكل منها غلا إن غسلت يدي مائة وعشرون مرة .
فعند ذلك أمر صاحب الدعوى غلمانه فأتوا بالماء الذي طلبه فغسل يديه كما ذكر ، ثم تقدم وهو متكره وجلس ومد يده وهو مثل الخائف ووضع يده في الزرباجة وصار يأكل وهو متغصب ونحن نتعجب منه غاية التعجب ويده ترتعد فنصب إبهام يده فإذا هو مقطوع وهو يأكل بأربعة أصابع فقلنا له :
بالله عليك ما لإبهامك هكذا أهو خلقة الله أم أصابه حادث ?
فقال : يا إخواني أهو هذا الإبهام وحده ولكن إبهام الأخرى وكذلك رجلاي الاثنين ولكن انظروا .
ثم كشف إبهام يده الأخرى فوجدناها مثل اليمين وكذلك رجلاه بلا إبهامين .
فلما رأيناه كذلك ازددنا عجباً وقلنا له : ما بقي لنا صبر على حديثك ، والأخبار بسبب قطع إبهامي يديك ورجليك وسبب غسل يديك ، مائة وعشرون مرة .
فقال : اعلموا أن والدي كان تاجر من التجار الكبار وكان أكبر تجار مدينة بغداد في أيام الخليفة هارون الرشيد وكان مولعاً بشرب الخمر وسماع العود فلما مات لم يترك شيئاً فجهزته ، وقد عملت له ختمات وحزنت عليه أياماً وليالي ثم فتحت دكانه فما وجدته خلف إلا يسيراً ووجدت عليه ديوناً كثيرة فصبرت أصحاب الديون وطيبت خواطرهم وصرت أبيع وأشتري وأعطي من الجمعة أصحاب الديون ولا زلت على هذه الحالة إلى أن وفيت الديون وزدت على رأس مالي . فبينما أنا جالس يوماً من الأيام إذا رأيت صبية لم تر عيني أحسن منها عليها حلي وحلل فاخرة وهي راكبة بغلة وقدامها عبد وورائها عبد فأوقفت البغلة على رأس السوق ودخلت ورائها خادم ، وقال :
يا سيدتي اخرجي ولا تعلمي أحداً فتطلقي فينا النار .
ثم حجبها الخادم فلما نظرت إلى دكاكين التجار لم تجد أفخر من دكاني ، فلما وصلت إلى جهتي والخادم خلفها وصلت إلى دكاني وسلمت علي فما وجدت أحسن من حديثها ولا أعذب من كلامها ، ثم كشفت عن وجهها فنظرتها نظرة أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها ، وجعلت أكرر النظر إلى وجهها وأنشد :
جودي علي بزورة أحيا بـهـا ........ ها قد مددت إلى نوالك راحتي
فلما سمعت إنشادي أجابتني بهذه الأبيات :
عدمت فؤادي في الهوى أن سلاكم ........ فإن فـؤادي لا يحـب سـواكـم
وإن نظرت عيني إلى غير حسنكم ........ فلا سرها بعد العبـاد لـقـاكـم
حلفت يميناً لست أسلـوا هـواكـم ........ وقلبي حزين مغـرم بـهـواكـم
سقاني الهوى كأساً من الحب صافياً ........ فيا ليته لما سقـاني سـقـاكـم
خذوا رمقي حيث استقرت بكم نوى ........ وأين حللتم فادفنـوني حـداكـم
وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم ........ أنين عظامي عند رفـع نـداكـم
فلو قيل لي ماذا على الله تشتهـي ........ لقلت رضا الرحمن ثم رضـاكـم
فلما فرغت من شعرها قالت : يا فتى أعندك تفاصيل ملاح ?
فقلت : يا سيدتي مملوكك فقير ، ولكن اصبري حتى تفتح التجار دكاكينهم وأجيء لك بما تريدينه .
ثم تحدثت أنا وإياها وأنا غارق في بحر محبتها تائه في عشقها ، حتى فتحت التجار دكاكينهم فقمت وأخذت لها جميع ما طلبته ، وكان ثمن ذلك خمسة آلاف درهم وناولت الخادم جميع ذلك فأخذه الخادم وذهبا إلى خارج السوق فقدموا لها البغلة فركبت ولم تذكر لي من أين هي واستحيت أن أذكر لها ذلك والتزمت الثمن للتجار ، وتكلفت خمسة آلاف درهم وجئت البيت وأنا سكران من محبتها ، فقدموا لي العشاء لأكلت لقمة وتذكرت حسنها وجمالها فأشغلني عن الأكل ، وأردت أن أنام فلم يجيئني نوم ولم أزل على هذه الحالة أسبوعاً وطالبتني التجار بأموالهم فصبرتهم أسبوعاً آخر ، فبعد الأسبوع أقبلت وهي على البغلة ومعها خادم وعبدان ، فلما رأيتها زال عني الفكر ونسيت ما كنت فيه وأقبلت تحدثني بحديثها الحسن ثم قالت :
هات الميزان وزن مالك .
فأعطتني ثمن ما أخذته بزيادة ، ثم انبسطت معي في الكلام فكدت أن أموت فرحاً وسروراً ثم قالت لي :
هل لك أنت زوجة ?
فقلت : لا ، إني لا أعرف امرأة .
ثم بكيت فقالت لي : مالك تبكي ?
فقلت : من شيء خطر ببالي .
ثم أني أخذت بعض دنانير وأعطيتها للخادم وسألته أن يتوسط في الأمر فضحك وقال :
هي عاشقة لك أكثر منك وما لها بالقماش حاجة وإنما هي لأجل محبتها لك فخاطبها بما تريد فإنها لا تخالفك فيما تقول .
فرأتني وأنا أعطي الخادم الدنانير فرجعت وجلست ثم قلت لها : تصدقي على مملوكك واسمحي له فيما يقول .
ثم حدثتها بما في خاطري فأعجبها ذلك وأجابتني وقالت : هذا الخادم يأتي برسالتي واعمل أنت بما يقول لك الخادم .
ثم قامت ومضت وقمت وسلمت التجار أموالهم وحصل لهم الربح ، إلا أنا فإنها حين ذهبت حصل لي الندم من انقطاع خبرها عني ولم أنم طول الليل .
فما كان إلا أيام قلائل وجاءني خادمها فأكرمته وسألته عنها ، فقال :
إنها مريضة .
فقلت للخادم : اشرح لي أمرها .
قال : إن هذه الصبية ربتها السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد وهي من جواريها ، وقد اشتهت على سيدتها الخروج والدخول فأذنت لها في ذلك فصارت تدخل وتخرج حتى صارت قهرمانة ، ثم أنها حدثت بك سيدتها وسألتها أن تزوجها بك ، فقالت سيدتها : لا أفعل حتى أنظر هذا الشاب فإن كان يشبهك زوجتك به ونحن نريد في هذه الساعة أن ندخل بك الدار فإن دخلت ولم يشعر بك أحد وصلت تزويجك إياها وإن انكشف أمرك ضربت رقبتك فماذا تقول ?
فقلت : نعم أروح معك وأصبر على الأمر الذي حدثتني به .
فقال لي الخادم : إذا كانت هذه الليلة فامض إلى المسجد الذي بنته السيدة زبيدة على الدجلة فصل فيه وبت هناك .
فقلت : حباً وكرامة .
فلما جاء وقت العشاء مضيت إلى المسجد وصليت وبت هناك .
فلما كان وقت السحر رأيت الخادمين قد أقبلا في زورق ومعهما صناديق فارغة فأدخلوها في المسجد وانصرفوا وتأخر واحد منهما فتأملته وإذا هو الذي كان واسطة بيني وبينها فبعد ساعة صعدت علينا الجارية صاحبتي فلما أقبلت قمت إليها وعانقتها فقبلتني وبكت وتحدثنا ساعة فأخذتني ووضعتني في صندوق وأغلقته علي ولم أشعر إلا وأنا في دار الخليفة وجاؤوا إلي بشيء كثير من الأمتعة بحيث يساوي خمسين ألف درهم ثم رأيت عشرين جارية أخرى وهن نهد أبكار وبينهن الست زبيدة وهي لم تقدر على المشي مما عليها من الحلي والحلل فلما أقبلت تفرقت الجواري من حواليها فأتيت إليها وقبلت الأرض بين يديها فأشارت لي بالجلوس فجلست بين يديها ثم شرعت تسألني عن حالي وعن نسبي فأجبتها عن كل ما سألتني عنه ففرحت وقالت :
والله ما خابت تربيتنا في هذه الجارية .
ثم قالت لي : اعلم أن هذه الجارية عندنا بمنزلة ولد الصلب وهي وديعة الله عندك .
فقبلت الأرض قدامها ورضيت بزواجي إياها ثم أمرتني أن أقيم عندهم عشرة أيام فأقمت عندهم هذه المدة وأنا لا أدري من هي الجارية إلا أن بعض الوصائف تأتيني بالغداء والعشاء لأجل الخدمة ، وبعد هذه المدة استأذنت السيدة زبيدة زوجها أمير المؤمنين في زواج جاريتها فأذن لها وأمر لها بعشرة آلاف دينار فأرسلت السيدة زبيدة إلى القاضي والشهود وكتبوا كتابي عليها وبعد ذلك عملوا الحلويات والأطعمة الفاخرة وفرقوا على سائر البيوت ومكثوا على هذا الحال عشرة أيام أخر وبعد العشرين يوماً أدخلوا الجارية الحمام لأجل الدخول بها ثم أنهم قدموا سفرة فيها طعام من جملته خافقية زرباجة محشوة بالسكر وعليها ماء ورد ممسك وفيها أصناف الدجاج المحمرة وغيره من سائر الألوان مما يدهش العقول فوالله حين حضرت المائدة ما أمهلت نفسي حتى نزلت على الزرباجة وأكلت منها بحسب الكفاية ومسحت يدي ونسيت أن أغسلها ومكثت جالساً إلى أن دخل الظلام وأوقدت الشموع ، وأقبلت المغنيات بالدفوف ولم يزالوا يجلون العروسة وينقطون بالذهب حتى طافت القصر كله وبعد ذلك أقبلوا علي ونزعوا ما عليها من الملبوس . فلما خارت بها في الفراش وعانقتها وأنا لم أصدق بوصالها شمت في يدي رائحة الزرباجة فلما شمت الرائحة صرخت فنزل لها الجواري من كل جانب فارتجفت ولم أعلم ما الخبر فقالت الجواري :
ما لك يا أختنا ?
فقالت لهن : أخرجوا هذا المجنون فأنا أحسب أنه عاقل .
فقلت لها : وما الذي ظهر لك من جنوني ?
فقالت : يا مجنون لأي شيء أكلت من الزرباجة ولم تغسل يدك فوالله لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-03-2015, 06:10 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة التاسعة والعشرون


تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للشاب :
لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك .
ثم تناولت من جانبها سوطاً ونزلت به على ظهري ثم على مقاعدي حتى غبت عن الوجود من كثرة الضرب ثم إنها قالت للجواري :
خذوه وامضوا به إلى متولي ليقطع يده التي أكل بها الزرباجة ، ولم يغسلها .
فلما سمعت ذلك قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله أتقطع يدي من أجل أكل الزرباجة وعدم غسلي إياها .
فدخلن عليها الجواري ، وقلن لها : يا أختنا لا تؤاخذيه بفعله هذه المرة .
فقالت : والله لا بد أن أقطع شيئاً من أطرافه .
ثم راحت وغابت عني عشرة أيام ولم أرها إلا بعد عشرة أيام ثم أقبلت علي وقالت لي : يا أسود الوجه أنا لا أصلح لك فكيف تأكل الزرباجة ولم تغسل يدك .
ثم صاحت على الجواري فكتفوني وأخذت موساً ماضياً وقطعت إبهامي يدي وإبهامي ورجلي كما ترون يا جماعة فغشي علي ، ثم ذرت علي بالذرور فانقطع الدم وقلت في نفسي :
لا آكل الزرباجة ما بقيت حتى أغسل يدي أربعين مرة بالإشنان وأربعين مرة بالسعد وأربعين مرة بالصابون فأخذت علي ميثاقاً أني لا آكل الزرباجة حتى أغسل يدي كما ذكرت لكم فلما جئتم بهذه الزرباجة تغير لوني وقلت في نفسي : هذا سبب ابهامي يدي ورجلي ، فلما غصبتم علي قلت : لا بد أن أوفي بما حلفت .
فقلت له والجماعة حاضرون : ما حصل لك بعد ذلك ?
قال : فلما حلفت لها طاب قلبها ونمت أنا وإياها وأقمنا مدة على هذا الحال وبعد تلك المدة قالت :
إن أهل دار الخلافة لا يعلمون بما حصل بيني وبينك فيها وما دخلها أجنبي غيرك وما دخلت فيها إلا بعناية السيدة زبيدة .
ثم أعطتني خمسين ألف دينار وقالت : خذ هذه الدنانير واخرج واشتر لنا بها داراً فسيحة .
فخرجت واشتريت داراً فسيحة مليحة ونقلت جميع ما عندها من النعم وما ادخرته من الأموال والقماش والتحف إلى هذه الدار التي اشتريتها فهذا سبب قطع إبهامي .
فأكلنا وانصرفنا وبعد ذلك جرى لي مع الأحدب ما جرى وهذا جميع حديثي والسلام .
فقال الملك : ما هذا بأعذب من حديث الأحدب بل حديث الأحدب أعذب من ذلك ولا بد صلبكم جميعاً .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-03-2015, 06:11 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الثلاثين

تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال :
لابد من صلبكم جميعاً .
فتقدم اليهودي وقبل الأرض وقال : يا ملك الزمان أنا أحدثك بحديث أعذب من حديث الأحدب .
فقال له ملك الصين : هات ما عندك .
فقال : أعجب ما جرى في زمن شبابي أني كنت في الشام وتعلمت منه صنعة فعملت فيها ، فبينما أنا أعمل في صنعتي يوماً من الأيام ، إذا تأتي مملوك من بيت الصاحب بدمشق ، فخرجت له وتوجهت معه إلى منزل الصاحب فدخلت فرأيت في صدر الإيوان سريراً من المرمر بصفائح الذهب وعليه مريض راقد وهو شاب لم ير أحسن منه في زمانه فقعدت عند رأسه ووعدت له بالشفاء فأشار إليه بعينيه فقلت له :
يا سيدي ناولني يدك .
فأخرج لي يده اليسرى فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي : يا الله العجب أن هذا الشاب مليح ومن بيت كبير وليس عنده أدب إن هذا هو العجب .
ثم جسست مفاصله وكتبت له ورقة ومكثت أتردد عليه مدة عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر قال الشاب :
هل لك أنت نتفرج في الغرفة ?
فقلت : نعم فأمر العبيد أن يطلعوا الفراش إلى فوق وأمرهم أن يشووا خروقاً وأن يأتوا إلينا بفاكهة ففعل العبيد ما أمرهم به وأتوا بالفاكهة فأكلنا وأكل هو بيده الشمال .
فقلت له : حدثني بحديثك .
فقال لي : يا حكيم الزمان اسمع حكاية ما جرى لي ، اعلم أنني من أولاد الموصل وكان لي والد قد توفي أبوه وخلف عشرة أولاد ذكور من جملتهم والدي وكان أكبرهم فكبروا كلهم وتزوجوا ورزق والدي بي وأما إخوته التسعة فلم يرزقوا بأولاد فكبرت أنا وصرت بين أعمامي وهم فرحون بي فرحاً شديداً ، فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال وكنت ذات يوم مع والدي في جامع الموصل وكان اليوم يوم جمعة فصلينا الجمعة وخرج الناس جميعاً وأما والدي وأعمامي فإنهم قعدوا يتحدثون في عجائب البلاد وغرائب المدن إلى أن ذكروا مصر فقال بعض أعمامي :
إن المسافرين يقولون : ما على وجه الأرض أحسن من مصر ونيلها ، ثم أنهم أخذوا يصفون مصر ونيلها ، فلما فرغوا من كلامهم وسمعت أنا هذه الأوصاف التي في مصر صار بالي مشغولاً بها ثم انصرفوا وتوجه كل واحد منهم إلى منزله .
فبت تلك الليلة لم يأتني نوم من شغفي بها ولم يطب لي أكل ولا شرب فلما كان بعد أيام قلائل تجهز أعمامي إلى مصر فبكيت على والدي لأجل الذهاب معهم حتى جهز لي متجراً ومضيت معهم وقال لهم :
لا تدعوه يدخل مصر بل اتركوه في دمشق لبيع متجره فيها .
ثم سافرنا وودعت والدي وخرجنا من الموصل وما زلنا مسافرين إلى أن وصلنا إلى حلب فأقمنا بها أياماً ثم سافرنا إلى أن وصلنا دمشق فرأيناها مدينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار كأنها جنة فيها كل فاكهة فنزلنا في بعض الخانات واستمر بها أعمامي حتى باعوا واشتروا وباعوا بضاعتي فربح الدرهم خمسة دراهم ففرحت بالربح ثم تركني أعمامي وتوجهوا إلى مصر .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-03-2015, 06:12 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الواحدة والثلاثين

تكملة حكاية الخياط والأحدب
واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم




قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما تركوه أعمامه وتوجهوا إلى مصر قال : مكثت بعدهم وسكنت في قاعة مليحة البنيان يعجر عن وصفها اللسان أجرتها كل شهر بدينارين وصرت أتلذذ بالمآكل والمشارب حتى صرفت المال الذي كان معي فبينما أنا قاعد على باب القاعة يوماً من الأيام وإذا بصبية أقبلت علي وهي لابسة أفخر الملابس وما رأت عيني أفخر منها فعزمت عليها فما قصرت بل صارت داخل الباب فلما دخلت ظفرت بها وفرحت بدخولها فرددت الباب علي وعليها وكشفت عن وجهها وقلعت إزارها فوجدتها بديعة الجمال فتمكن حبها من قلبي فقمت وجئت بسفرة من أطيب المأكول والفاكهة وما يحتاج عليه المقام وأكلنا ولعبنا وبعد اللعب شربنا حتى سكرنا ثم نمت معها في أطيب ليلة إلى الصباح ، وبعد ذلك أعطيتها عشرة دنانير فحلفت أنها لا تأخذ الدنانير مني ثم قالت :
يا حبيبي انتظرني بعد ثلاثة أيام وقت المغرب أكون عندك وهيء لنا بهذه الدنانير مثل هذا .
وأعطتني هي عشرة دنانير وودعتني وانصرفت فأخذت عقلي معها .
فلما مضت الأيام الثلاثة أتت وعليها من المزركش أو الحلي والحلل أعظم مما كان عليها أولاً وكنت هيأت لها ما يليق بالمقام قبل أن تحضر فأكلنا وشربنا ونمنا مثل العادة إلى الصباح ثم أعطتني عشرة دنانير وواعدتني بعد ثلاثة أيام أنها تحضر عندي فهيأت لها ما يليق بالمقام وبعد ثلاثة أيام حضرت في قماش أعظم من الأول والثاني ثم قالت لي :
يا سيدي هل أنا مليحة ?
فقلت : أي والله .
فقالت : هل تأذن لي أن أجيء معي بصبية أحسن مني وأصغر سناً مني حتى تلعب معنا ونضحك وإياها فإنها سألتني أن تخرج معي وتبيت معنا لنضحك وإياها .
ثم أعطتني عشرين ديناراً وقالت لي : زد لنا المقام لأجل الصبية التي تأتي معي .
ثم إنها ودعتني وانصرفت ، فلما كان اليوم الرابع جهزت لها ما يليق بالمقام على العادة فلما كان بعد المغرب وإذا بها قد أتت ومعها واحدة ملفوفة بإزار فدخلتا وجلستا ففرحت وأوقدت الشموع واستقبلتهما بالفرح والسرور فقامتا ونزعتا ما عليهما من الثياب ، وكشفت الصبية الجديدة عن وجهها فرأيتها كالبدر في تمامه فلم أر أحسن منها فقمت وقدمت لهما الأكل والشرب فأكلنا وشربنا وصرت أقبل الصبية الجديدة وأملأ لها القدح وأشرب معها فغارت الصبية الأولى في الباطن ثم قالت :
بالله إن هذه الصبية مليحة أما هي أظرف مني ?
فقلت : أي والله .
قالت : خاطري أن تنام معها .
قلت : على رأسي وعيني .
ثم قامت وفرشت لنا فقمت ونمت مع الصبية الجديدة إلى وقت الصبح فلما أصبحت وجدت يدي ملوثة بدم فتحت عيني فوجدت الشمس قد طلعت فنبهت الصبية فتدحرج رأسها عن بطنها فظننت أنها فعلت ذلك من غيرتها منها ففكرت ساعة ثم قمت قلعت ثيابي وحفرت في القاعة ووضعت الصبية ورددت التراب وأعدت الرخام كما كان ورفعت المخدة فوجدت تحتها العقد الذي كان في عنق تلك الصبية فأخذته وتأملته وبكيت ساعة ثم أقمت يومين وفي اليوم الثالث دخلت الحمام وغيرت أثوابي وأنا ما معي شيء من الدراهم فجئت يوماً إلى السوق فوسوس لي الشيطان لأجل إنفاذ القدر فأخذت عقد الجوهر وتوجهت به إلى السوق وناولته للدلال فقام لي وأجلسني بجانبه وصبر حتى عمر السوق وأخذه الدلال ونادى عليه خفية وأنا لا أعلم وإذا بالعقد مثمن بلغ ثمنه ألفي دينار فجاءني الدلال وقال لي :
إن هذا العقد نحاس مصنوع بصنعة الإفرنج وقد وصل ثمنه إلى ألف درهم . فقالت له : نعم كنا صنعناه بصنعة الإفرنج لواحدة نضحك عليها به وورثتها زوجتي فرأينا بيعه ، فرح واقبض الألف .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-04-2015, 07:12 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الثانية والثلاثين

تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
وبداية حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للدلال :
اقبض الألف درهم .
وسمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له :
إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار .
فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال :
ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت :
أنا سرقته .
ولم أقل إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها ، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي ورجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة :
حيثما جرى لك هذا فاخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام .
فقلت له : يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً .
قال : نعم .
ومضى وتركني ، فبقيت قاعد أبكي وأقول : كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري غلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت :
ما الخبر ?
فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي :
إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها .
وقالوا : إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته .
فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة ، والله لابد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني ، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال :
أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه ? إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له :
أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك .
ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال :
يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد ?
فقلت : يا مولاي إني أقول لك الحق .
ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه .
فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي :
اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات ، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت :
لا اعلم لها خبر .
ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول :
والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت .
وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي .
فقلت له : الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا .
فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش .
فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً ، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى .
فقال ملك الصين : ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة .
قال : يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم .
فعند ذلك تقدم الخياط وقال : اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك ، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا له ، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له : ما سبب دخولك وخروجك ?
فقال : بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد .
فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال :
كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين .
ثم التفتنا إليه وقلنا له : إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب : يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر .
فقلنا : بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه .
فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب ، ثم قال الشاب : اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها الله تعالى بولد غيري .
فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل ، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني .
فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها ، ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً ، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي ، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي :
قل لي خبرك ?
فحكيت لها حكايتي .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-04-2015, 07:13 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الثالثة والثلاثون

تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما حكى للعجوز حكايته قالت له :
يا ولدي إن هذه بنت قاضي بغداد وعليها الحجر والموضع الذي رأيتها فيه هو طبقتها وأبوها له هالة في أسفل وهي وحدها وأنا كثيراً ما أدخل عندهم ولا تعرف وصالها إلا مني فشد حيلك .
فتجلدت وقويت نفسي حين سمعت حديثها وفرح أهلي في ذلك اليوم وأصبحت متماسك الأعضاء مرتجياً تمام الصحة ، ثم مضت العجوز ورجعت ووجهها متغيراً فقالت :
يا ولدي لا تسأل عما جرى منها ، لما قلت لها ذلك فإنها قالت لي : إن لم تسكتي يا عجوز النحس عن هذا الكلام لأفعلن بك ما تستحقينه ولا بد أن أرجع إليها ثاني مرة .
فلما سمعت ذلك منها ازددت مرضاً على مرضي ، فلما كان بعد أيام أتت العجوز وقالت : يا ولدي أريد منك البشارة .
فلما سمعت ذلك منها ردت روحي إلى جسمي وقلت لها : لك عندي كل خير .
فقالت : إني ذهبت بالأمس إلى تلك الصبية ، فلما نظرتني وأنا منكسرة الخاطر باكية العين .
قالت : يا خالتي أراك ضيقة الصدر .
فلما قالت لي ذلك بكيت وقلت لها : يا ابنتي وسيدتي إني أتيتك بالأمس من عند فتى يهواك وهو مشرف على الموت من أجلك .
فقالت لي وقد رق قلبها : ومن يكون هذا الفتى الذي تذكرينه ?
قلت : هو ولدي وثمرة فؤادي ورآك من الطاقة من أيام مضت وأنت تسقين زرعك ورأى وجهك فهام بك عشقاً وأنا أول مرة أعلمته بما جرى لي معك فزاد مرضه ولزم الوساد وما هو إلا ميت ولا محالة .
فقالت وقد اصفر لونها : هل هذا كله من أجلي ?
قلت : إي والله فماذا تأمرين ?
قالت : أمضي إليه وأقرئيه مني السلام وأخبريه أن عندي أضعاف ما عنده فإذا كان يوم الجمعة قبل الصلاة يجيء إلى الدار وأنا أقول افتحوا له الباب وأطلعه عندي وأجتمع أنا وإياه ساعة ويرجع قبل مجيء والدي من الصلاة .
فلما سمعت كلام العجوز زال ما كنت أجده من الألم واستراح قلبي ودفعت إليها ما كان علي من الثياب وانصرفت وقالت لي :
طيب قلبك .
فقلت لها : لم يبق فيه شيء من الألم .
وتباشر أهل بيتي وأصحابي بعافيتي ، ولم أزل كذلك إلى يوم الجمعة وإذ بعجوز دخلت علي وسألتني عن حالي فأخبرتها أني بخير وعافية ثم لبست ثيابي وتعطرت ومكثت أنظر الناس يذهبون إلى الصلاة حتى أمضي إليها فقالت لي العجوز :
إن معك الوقت اتساعاً زائداً فلو مضيت إلى الحمام وأزلت شعرك لا سيما من أثر المرض لكان في ذلك صلاحك .
فقلت لها : إن هذا هو الرأي الصواب لكن أحلق رأسي أولاً ، ثم أدخل الحمام .
أرسلت إلى المزن ليحلق لي رأسي وقلت للغلام :
امض إلى السوق وائتني بمزين يكون عاقلاً قليل الفضول لا يصدع رأسي بكثرة كلامه .
فمضى الغلام وأتى بهذا الشيخ فلما دخل سلم علي فرددت : عليك السلام .
فقال : أذهب الله غمك وهمك والبؤس والأحزان عنك .
فقلت له : تقبل الله منك .
فقال : أبشر يا سيدي فقد جاءتك العافية أتريد تقصير شعرك أو إخراج دم فإنه ورد عن ابن عباس أنه قال : من قصر شعره يوم الجمعة صرف الله عنه سبعين داء وروي أيضاً أنه قال : من أحتجم يوم الجمعة ، فإنه يأمن ذهاب البصر وكثرة المرض .
فقلت له : دع عنك هذا الهذيان وقم في هذه الساعة احلق لي رأسي ، فإني رجل ضعيف .
فقام ومد يده وأخرج منديلاً وفتحه ، وإذا فيه اصطرلاب وهو سبع صفائح فأخذه ومضى إلى وسط الدار ورفع رأسه إلى شعاع الشمس ونظر ملياً وقال لي :
اعلم أنه مضى من يومنا هذا وهو يوم الجمعة ، وهو عاشر صفر سنة ثلاث وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وطالعه بمقتضى ما أوجبه علم الحساب المريخ سبع درج وستة دقائق واتفق أنه يدل على أن حلق الشعر جيد جداً ، ودل عندي على أنك تريد الإقبال على شخص وهو مسعود لكن بعده كلام يقع وشيء لا أذكره لك .
فقلت له : لقد أضجرتني وأزهقت روحي وفولت علي ، وأنا ما طلبتك إلا لتحلق رأسي ولا تطل علي الكلام .
فقال : والله لو علمت حقيقة الأمر لطلبت مني زيادة البيان وأنا أشير عليك أنك تعمل اليوم بالذي أمرك به ، بمقتضى حساب الكواكب وكان سبيلك أن تحمد الله ولا تخافني ، فإني ناصح لك وشفيق عليك وأود أن أكون في خدمتك سنة كاملة وتقوم بحقي ولا أريد منك أجرة على ذلك .
فلما سمعت ذلك منه قلت له : إنك قاتلي في هذا اليوم ، ولا محالة .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .




رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-04-2015, 07:14 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي الليلة الرابعة والثلاثين

تكملة حكاية مزين بغداد


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال له :
إنك قاتلي في هذا اليوم .
فقال : يا سيدي أنا الذي تسميني الناس الصامت لقلة كلامي دون إخوتي لأن أخي الكبير اسمه البقبوق والثاني الهدار والثالث بقبق والرابع اسمه الكوز الأصوني والخامس اسمعها العشار والسادس اسمه شقالق والسابع اسمه الصامت وهو أنا .
فلما زاد علي هذا المزين بالكلام رأيت أن مرارتي انفطرت ، وقلت للغلام : أعطه ربع دينار وخله ينصرف عني لوجه الله ، فلا حاجة إلى حلاقة رأسي .
فقال المزين حين سمع كلامي مع الغلام : يا مولاي ، ما أظنك تعرف بمنزلتي فإن يدي تقع رأس الملوك والأمراء والوزراء والحكماء والفضلاء ، وفي مثلي قال الشاعر :
جميع الصنائع مثل العقود ........ وهذا المزين در السلـوك
فيعلو على كل ذي حكـمة ........ وتحت يديه رؤوس الملوك
فقلت : دع ما لا يعنيك فقد ضيقت صدري وأشلت خاطري .
فقال : أظنك مستعجلاً ?
فقلت له : نعم .
فقال : تمهل على نفسك ، فإن العجلة من الشيطان وهي تورث الندامة والحرمان وقد قال عليه الصلاة والسلام : خير الأمور ما كان فيه تأن وأنا والله رأبني أمرك فأشتهي أن تعرفني ما الذي أنت مستعجل من أجله ولعله خير فإني أخشى أن يكون شيئاً غير ذلك وقد بقي من الوقت ثلاث ساعات .
ثم غضب ورمى الموس من يده وأخذ الاصطرلاب ومضى إلى الشمس ووقف حصة مديدة وعاد وقال :
قد بقي لوقت الصلاة ثلاث ساعات لا تزيد ولا تنقص .
فقلت له : بالله عليك ، اسكت عني فقد فتت كبدي .
فأخذ الموس وسنه كما فعل أولاً وحلق بعض رأسي وقال : أنا مهموم من عجلتك فلو أطلعتني على سببها لكان خيراً لك لأنك تعلم أن والدك ما كان يفعل شيئاً إلا بمشورتي .
فلما علمت أن مالي منه خلاص قلت في نفسي قد جاء وقت الصلاة وأريد أن أمضي قبل أن تخرج الناس من الصلاة فإن تأخرت ساعة لا أدري أين السبيل إلى الدخول إليها فقلت :
أوجز ودع عنك هذا الكلام والفضول فإني أريد أن أمضي إلى دعوة عند أصحابي .
فلما سمع ذكر الدعوة قال : يومك يوم مبارك علي لقد كنت البارحة حلفت علي جماعة من أصدقائي ونسيت أن أجهز لهم شيئاً يأكلونه وفي هذه الساعة تذكرت ذلك وافضيحتاه منهم .
فقلت له : لا تهتم بهذا الأمر بعد تعريفك أنني اليوم في دعوة فكل ما في داري من طعام وشراب لك إن أنجزت أمري ، وعجلت حلاقة رأسي .
فقال : جزاك الله خيراً صف لي ما عندك لأضيافي حتى أعرفه ?
فقلت : عندي خمسة أوان من الطعام وعشر دجاجات محمرات وخروف مشوي .
فقال : أحضرها لي حتى أنظرها .
فأحضرت له جميع ذلك فلما عاينه ، قال : بقي لله درك ما كرم نفسك لكن بقي الشراب .
فقلت له : عندي .
قال : أحضره .
فأحضرته له ، قال : لله درك ما أكرم نفسك لكن بقي البخور الطيب .
فأحضرت له درجاً فيه نداً وعوداً وعنبر ومسك يساوي خمسين ديناراً وكان الوقت قد ضاق حتى صار مثل صدري فقلت له :
خذ هذا واحلق لي جميع رأسي بحياة محمد .
فقال المزين : والله ما آخذه حتى أرى جميع ما فيه .
فأمرت الغلام ففتح له الدرج فرمى المزين الصطرلاب من يده وجلس على الأرض يقلب الطيب والبخور والعود الذي في الدرج حتى كادت روحي أن تفارق جسمي ثم تقدم وأخذ الموسى وحلق من رأسه شيئاً يسيراً وقال :
والله يا ولدي ما أدري كيف أشكرك وأشكر والدك لأن دعوتي اليوم كلها من بعض فضلك وإحسانك وليس عندي من يستحق ذلك وإنما عندي زيتون الحمامي وصليع الفسخاني وعوكل الفوال وعكرشة البقال ، وحميد الزبال وعكارش اللبان ، ولكل هؤلاء رقصة يرقصها .
فضحكت عن قلب مشحون بالغيظ وقلت له : أقض شغلي وأسير أنا في أمان الله تعالى وتمضي أنت إلى أصحابك فإنهم منتظرون قدومك .
فقال : ما طلبت إلا أن أعاشك بهؤلاء القوام فإنهم من أولاد الناس الذين ما فيهم فضولي ولو رأيتهم مرة واحدة لتركت جميع أصحابك .
فقلت : نعم الله سرورك بهم ولا بد أن أحضرهم عندي يوماً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .



رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:40 AM.