أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .

 

 



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-13-2016, 08:02 AM
فارس فارس غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 37,047
افتراضي [ ذكريات تباع ] .. قصة قصيرة

"ذلك الحي؟"
أحسست في نظرتها لوما عندما استنشقت رائحة السخرية قد لفّحت سؤالي..
أعادت نظرها نحو المرآة وهي تكمل تسريح شعرها الأسود الخطافي، وقالت بتململ:
"أجل،ذلك الحي"
التفتت نحوي بحدة عندما أطلقت تنهيدة كدت أثقب حلقي لمرارتها، فدمعت عيناي وأنا أعلق:
"لا أظنني قادرة على العودة، لقد نسيت ذكرياتي هناك كمان نستني أركان ذلك المكان"

استرجعت في مخيلتي بقايا الحوار الذي دار بيني وبين أختي.. لم يجد النوم إلى جفني طريقا
فكانت تقلباتي بمثابة محاولات عابثة لمجرد طرد التفكير.. فإذا لم يأتني النوم، سأذهب إليه
لكن... لربما كان تعليم طفل الكلام مهمة أسهل من النوم..فنهظت عن السرير وخرجت إلىالشرفة متلحفة نسائم الليل وعبائر الزهور..

رفعت نظري نحو السماء فإذا بها كرقعة الشطرنج.. بحثت عن القمرعله يؤنس وحدتي فلم أجده
رغما عني، انفرجت شفتاي عن ابتسامة حبيسة
"مات الملك"
رغم زهو النجوم وتألقها، إلا أن غياب الملك كان له وقع كبير...أردت أن اجد في جماله مهربا
ألا ينعتونه بخليل العشاق؟ ألا يلقبونه براسم البسمة؟ أنى لي به الآن ليخفف عني ثقل هذه الذكريات التي تدفقت سيولا جارفة؟
أسندت ذراعي إلى سياج الشرفة.. أعمضت عيني ببطء كمن شاهد كابوسا ويرفض إكماله
وركبت قطار الماضي على سكة تقودني نحو ذلك الحي،الحي الذي أنساني طفولتي، الذي فيه زهقت بسمتي، الذي فيه جفت دمعتي...
تجولت بين حنايا الذكريات... تنشقت عبيرها المفقود...
عدت بقلبي نحو أركانٍ كنت قد نسيت تفريق نورها من ظلامها...
فهفا الفؤاد لملمس النسيم العبق برائحة عائلتي...
فتحت عيني فتراءت أمامي صور غفل عنها العقل وتألم لها القلب..
صورُ لبيت كان ذات يوم مرتعا للصغار والكبار،
اشتقت إلى هذا المكان بحلو بمره، بحفافه برطوبته،وحنت روحي لحنان أهل بيته..

فتحت باب البيت وخرجت... كان الحي مضاء.. ورغم الإضاءة كان عاتما..
سرت بخطى صامتة كحفيف أوراق الشجر مجيلة بصري في الأرجاء مستقبلة سيل الذكريات
انهالت علي صور الماضي كسيل جارف بحلوها ومرها، وأنى كان للمرارة مذاق عندما كنت فيحضن هذا الحي؟
جلست على كرسي كان قد توسط إحدى الحدائق العامة.. وظللت على حالي برهة أسترجعأزكى روائح المأكولات..
فمن هذا المجلس بالذات، كنت أحزر مأكولات كل بيت
ابتسمت لهذه الذكريات الطفولية.. ودمعت عيناي حنينا لهذا المكان الذي طردنا منه القدر ظلما
بسبب هذه الحرب اللعينة..بسبب الاستعماراللعين.. بسبب القلوب اللعينة
زُهقت في هذا الحي أرواح مظلومة، واضطهدت براءة بعمر الزهور..

واصلت تجوالي.. فترامت على مرآى عيناي سهول ارتدت سواد الليل
وامتدت حذاها رحاب ملونة بصرخات الأطفال الذين لم يملوا يوما من الركض واللعب على أرضها
حذوتُ حذو العصافير التي رغم ظلام الليل لم تفقد قدرتها على الغناء، وأنشدت بقلبي الحانا اعتدنا سماعها سابقا هنا وهناك
-حتى الالحان كانت سعيدة

خرجت هذه الكلمات بحرقة تناهز حرقة الام التي فقدت وليدها..
كل مشهد كان يذكرني بمدى السعادة والفرحة والمرح الذي لم يكن يعرف أهلنا غيره
كانت وجوه السكان تمنع الحزن عن قلوب الناظر إليها، فما بالك بابتساماتهم وما بالك بحنانهم!

انشرح صدري لهذا الكم الهائل من الذكريات.. لم تؤلمني بقدرما عززت حنيني
كانت حياتنا مثالية، مملوءة بالضحكات والقهقهات..
لم يشبها يوم الألم ولم يطرق على بابها دمع
حتى ذلك اليوم.. ذلك اليوم المشؤوم عندما أجبرتنا المدافع أن نبيع السعادة، ونبيع الحياة
كان صباحا كما كل صباح.. صرخات الاطفال نسمعها هنا وهناك
لكن صوتا دوى فاتكا بالضحكات.. صوت المدافع التي دمرت كل ما وقف في طريقها
عندما فتحت باب البيت لاتفقد الخارج، شاهدت أفضع المشاهد:
دماء مسكوبة، وجثث زرعت الارض زرعا..
الأمهات يحتضن أطفالهنا ويركضن إلى اللاوجهة
لم يعد احد يعرف طريقه من طريق عدوه
في بيتي، كان الأمر مماثلا..
كانت أمي قدجهزت الحقائب لنغادر.. فهي -ككل الأمهات- لم
تكن مستعدة لتضحي بأطفالها..
جرتني من يدي نحو القبو وهي تحمل أختى الصغيرة بيدها الأخرى
خرجنا من باب يؤدي إلى نفق لنجد أهل الحي -أومن تبقى منهم-فعادت السعادة إلى مقلتي
تركت أمي يدي، فبرأيها أنا بامان ما دمت بين أهلي
أسرعت نحو العم "فؤاد"وهو صديق مقرب لأبي وزميل له بالعمل..وسألته بقلق:

-أين عادل يا فؤاد؟؟

أطرق الرجل رأسه كأنما هو مذنب يوم إصدار حكمه..
وفي ذلك الوقت، كل ما تمكنت من فهمه وترجمته هي دمعة امي!!


عدت إلى الحاضر حيث الهدوء والسكينة.. استقمت قليلا في وقفتي باعثة بعض القوة في نفسي
ما ربحت من هذه الذكريات سوى الألم.. هذه الذكريات التي بعناها أشلاء أشلاء.
فأجبرنا الزمن على النسيان ومحى النسيان خطوط الألم..

عدت إلى فراشي فقد بدأ النعاس يداعب جفني
تسمر نظري على السقف وأنا افكر بمرارة:
-سنعود إلى ذلك المكان بعد كل الجهد الجهيد الذي بذلته لأنسى.. نسيته كما نساني، فذلك الحي استحال إلى دمار ولم يبقى فيه ركن واحد يحمل صورتي
قالوا سنعود ونبني حياتنا من جديد، لكن ما حياتي أنا من دون ذكرياتي؟
شقت حلقي تنهيدة كانت هي نقطة الختام قبل أن اغط في نومي
__________________
FARES
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:35 PM.