أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .

 

 



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-02-2015, 09:51 PM
اميرة عبد الدايم اميرة عبد الدايم غير متواجد حالياً
خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
المشاركات: 18,882
افتراضي فانظر كيف كان عاقبة الظالمين

عن أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" [متفق عليه].

معاني الألفاظ:

- إن الله ليملي للظالم: يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة.
- حتى إذا أخذه لم يفلته: يخلصه، والمعنى إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك.

أحكام فقهية ودروس مستفادة من الحديث:
1 - بيان معنى الظلم ووجه هذه الكلمة ونظائرها في القرآن الكريم.
2 - تحريم الظلم وبيان سوء عاقبة الظالمين.
3 - سعة رحمة رب العالمين بعباده وأنه يمهل ولا يهمل - سبحانه وتعالى-.
4 - على المرء المسلم أن يراجع نفسه وينظر إلى نتائج أعماله ويفكر في عواقبها.
5 - الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
6 - العاقل من اتعظ بغيره فليتأمل المرء وليفكر بأحوال من أهلكهم الله من الظلمة وأزال ملكهم، والقرى التي دمرت بسبب ظلمها.
7 - من أعجل الأمور عقوبة، ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.
الظلم، معناه، وجوهه ونظائره في القرآن الكريم:
الظلم وضع الشيء في غير موضعه وأخذ المرء ما ليس له، ومن ذلك قولهم: "من شابه أباه فما ظلم"، أي ما وضع الشبه في غير موضعه.
فكل مسيء ظالم، وتقول العرب للمسيء المفرط في الإساءة: هذا أظلم من حيّة، وأظلم من ذئب، لأن الحية لا تتخذ لنفسها بيتاً، بل تقصد كل بيت يصلح لها من بيوت الخشاش والهوام فيهرب أهله عنه ويخلونه لها خوفاً منها. ويقولون: هو أظلم من ورل، وذلك أن الورل يقبل على الحيات فيأكلها أكلاً ذريعاً، وكل شدة يلقاها ذو جحر من الحية تلقى مثل ذلك من الورل[1].
وما من يدٍ إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيُبلى بظالم
وذكر علماء التفسير أن الظلم في القرآن على ستة أوجه[2]: أحدها: الظلم بعينه، ومنه قوله - تعالى - في سورة البقرة: والله لا يحب الظالمين، وفي سورة النساء: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، وفيها: ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً، وفي سورة الأنبياء: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وفي سورة فصلت: وما ربك بظلام للعبيد، وفي سورة الشورى: إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم.
الثاني: الشرك، ومنه قوله - تعالى - في سورة الأنعام: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، وفي سورة الأعراف: فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين.
الثالث: النقص، ومنه قوله - تعالى - في سورة النساء: ألم ترَ إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا، وفي سورة الكهف: كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وفي سورة الأنبياء: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين.
الرابع: الجحد، ومنه قوله - تعالى - في سورة الأعراف: ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون، وفيها: ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين، وفي سورة الإسراء: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.
الخامس: السرقة، ومنه قوله - تعالى - في سورة المائدة: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم، فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم، أي من بعد سرقته. وفي سورة يوسف: من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين. يعني السارقين.
السادس: الإضرار بالنفس، ومنه قوله - تعالى - في سورة البقرة: وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وفي سورة الأعراف: وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وفي سورة هود: وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم.
أنواع الظلم:
تحدث القرآن الكريم عن الظلم وبين سوء عاقبة الظالمين في الدنيا والآخرة:
1 - ومن أسوأ أنواع الظلم الشرك بالله - تعالى -، فقد ترجم البخاري في صحيحه (باب ظلم دون ظلم) وذكر الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينا لم يظلم؟ فأنزل الله: إن الشرك لظلم عظيم[3].
فالشرك بالله من أعظم أنواع الظلم، لأن الله وحده - سبحانه - المستحق للعبودية والدعاء، وهو الخالق الرازق ألا له الخلق والأمر، قال - تعالى -: ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين [سورة يونس: 106].
2 - منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، قال - تعالى -: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [البقرة: 114].
والسعي في خرابها تخريباً حسياً أو تخريباً معنوياً بهدمها أو تقذيرها. أو منع الذاكرين لاسم الله فيها أو تخويفهم من ارتياد المساجد أو ملاحقة من يرتاد المساجد والتضييق عليهم أو الزام خطباء المساجد على نماذج معينة وأنواع محددة من الخطب فيها الثناء والمداهنة للسلطان، وغضب ومخالفة لشريعة الرحمن، وهذا هو حال كثير من بلاد الإسلام.
3 - تعدي حدود الله وعدم الالتزام بحكمه وشريعته: قال - تعالى -: تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [البقرة: 229]، وقال - تعالى -: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون [المائدة: 45]، ومن هذا القبيل كان صنيع بني إسرائيل حيث قال - سبحانه وتعالى-: فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون [الأعراف: 162]، وقال - تعالى -: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً [النساء: 160].
4 - الكذب على الله لإضلال الناس وكتمان شهادة الحق: قال - تعالى -: فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [الأنعام: 144]، وقال - تعالى -: أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أم نصارى، قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون [البقرة: 140].
5 - الإعراض عن آيات الله وعدم الاستجابة لها بعد التذكير بها: قال - تعالى -: فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون [الأنعام: 157]، وقال - تعالى -: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه، إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً [الكهف: 57].
6 - ظلم الناس في أموالهم وأنفسهم: قال - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا [النساء: 29 - 30].
ومن جملة أكل الأموال بالباطل والظلم والعدوان: الربا، والغش، والاحتكار، والسرقة، والغلول، والميسر، والرشوة، والغصب، والنهب.
وقال - تعالى -: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا [النساء: 10]، وقال - تعالى -: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً [الإسراء: 33].
وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله. التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"[4].
7 - هجر الداعية لقومه وعدم صبره عليهم والعمل على نجاتهم: وهذا النوع من الظلم قلما يقع التنبيه عليه، فإن بعض الدعاة يضيق صدره مما يصيبه من أذى قومه الذين يدعوهم إلى توحيد الله والتسليم بحكمه وأمره، فلا يصبر على أذاهم بل يكون قليل التحمل والصبر فيلجأ إلى طريق مسدود ويظن أنه أقرب الطرق التي توصله إلى أداء الأمانة المنوطة به، وهو اليأس من هدايتهم وعودتهم إلى الصراط المستقيم فيحكم عليهم بالكفر ويهجرهم. والحق الذي لا مرية فيه أن في قصة يونس - عليه السلام - المذكورة في سورة الأنبياء درساً وعبرة لكل داعية وعالم يدعو إلى دين الله - عز وجل -، قال - تعالى -: وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [الأنبياء: 87 - 88].
8 - وثمة نوع آخر من أنواع الظلم، هو طرد الفقراء والضعفاء من المؤمنين وإيذاء الدعاة الصالحين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، صغرت الدنيا في أعينهم فلم يمنعهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جور السلطان ولا إغراؤه، ولم تأخذهم في الله لومة لائم.
وفي التحذير من طرد المؤمنين قال - تعالى -: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجههه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين[5] [الأنعام: 52].
وأمره في آية أخرى بأن يصبر نفسه معهم ولا تعدو عيناه إلى أصحاب الجاه والمناصب الدنيوية وألا يطيع الكفرة بإبعاد المؤمنين، فقال - تعالى -: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا [الكهف: 28].
والذي طلبه كفار العرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرد المؤمنين الضعفاء هو مطلب الكفرة والجبابرة في كل عهد وحين. ففي عهد نوح - عليه السلام - طلبوا منه ذلك فأبى أن يستجيب لهم فقال - تعالى - عنه: وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون [هود: 29]. وقال - تعالى -: يا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون. ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين [هود: 30 - 31].
وفي عصرنا الحاضر يواجه العلماء والدعاة الذين لا يسيرون في فلك الحكام ولا يداهنونهم بل عزفوا عن الجاه والمناصب الدنيوية وجعلوا نصب أعينهم مرضاة الله - عز وجل - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخيرات واجتناب السيئات، يواجه هؤلاء من الأذى والطعن والهمز واللمز والتضييق والاتهام بما هم منه براء، ما يجعل كل ذي قلب سليم ومن هداه الله إلى الصراط المستقيم يعلم يقيناً أن هذه الفئة هم من ورثة الأنبياء كما قال ورقة ابن نوفل للنبي - صلى الله عليه وسلم - "ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي".
قال - تعالى -: وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون. أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين. وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم. وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [الأنعام: 112 - 117].
تحريم الظلم:
- عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"[6].
- وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عن الله تبارك و- تعالى - أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً فلا تظالموا"[7].
- وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"[8].

اتق دعوة المظلوم:
روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب"[9].
ثم ذكر البخاري الحديث بسياق اقتصر فيه على ما يناسب موضع الترجمة التي ترجمها بـ "باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم"[10].
- وعن أبي الدرداء قال: إياك ودعوات المظلوم فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار[11].
- وقال بعض الحكماء[12]: أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبها: سرعة ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: وحدثني سهل بن شنيف قال: رجعت مرة مع أحمد بن محمد بن مدبر[13] إلى داره فاستقبلته امرأة فقالت: أيها السيد نحن مائة عيِّل على فلان المتقبِّل وقد ضاع شمله لحبسه فاتق دعوة تعرج إلى الله منا فيك. فقال وهو يستهزئ: إذا عزمتم على هذا فليكن الدعاء في السَّحَر فإنه أنجع له. قال لي سهل: فارتعتُ من الكلمة فما مضى له شهر حتى تقلد محمد ابن هلال الخراج وصرفه عنه، واجتمعا عند أحمد بن طولون، فاهتدى محمد ابن هلال إلى مالم يظن أنه يقف عليه لأنه أول ما ناظره قال: رزق الخراج كذا وكذا، وأرزاق الدواوين المضافة إليه كذا وكذا، فهل قبضت جملة هذه الأرزاق؟
قال ابن المدبر: نعم! ما حضرني كتاب أمير المؤمنين بإطلاق جميع الرزق لك، لأنه يجوز أن يكون استعملك على جميع الأعمال برزق الخراج وحده. فانقطع إلى ابن المدبر وطالبه بالمال، فقال: ما يلزمني ورُدّ إلى يد محمد بن هلال، فألبس جُبّة كانت على بعض الساسة وأقيم في الطريق على كناسة وختمت الجبة في عنقه.
فكان أول من وافاه الامرأة التي قال لها: يكون دعاؤك في السّحَر هو أنجع له، فقالت: جزاك الله يا أبا الحسن خيراً، فقد نفعتنا بأكثر مما ضررتنا، لأننا جرّبنا ما أشرت به فوجدناه أنجع شيء يلتمس به، فبكى ومن حوله من الموكلين به وانصرفت المرأة داعية له[14].

فانظر كيف كان عاقبة الظالمين:
مرتع الظلم وخيم وعاقبته سيئة وهو سبب تخريب الديار وقطع الأعمار وشقاء الأبناء والأحفاد.
ذكر الظلم في مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب الله المنزل أن الظلم يخرب الديار، فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله - عز وجل -: فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا[15].
وفي كتاب الله الكريم تحدثت الآيات الكثيرة عن هلاك كثير من القرى والأمم بسبب ظلمهم، وإن في ذكر بعض تلك الشواهد لعبرة وموعظة لأولى الألباب. قال - تعالى -: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون، فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين [الأعراف: 4 - 5]. وقال - تعالى -: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون، قالوا: يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين [الأنبياء: 11 - 15]. وقال - تعالى -: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون. وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير [الحج: 45 - 46].
وها أنذا أذكر لك أخباراً في هذه المقالة مما سمعناه أو قرأناه أو شاهدناه بعصرنا ورأيناه تبين حال وعاقبة من ظلم وعنف وحاد وجنف، قال - تعالى -: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين [النمل: 69].
ومن ذلك:
- أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك، فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز فقيل له: يا أمير المؤمنين أفرغت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم، وكان في مرض موته، فقال: أدخلوهم عليّ، فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكراً ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بني والله ما منعتكم حقاً هو لكم ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني.
قال: فلقد رأيت بعض ولده حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعني أعطاها لمن يغزو عليها. قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار، ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس[16].
- كان محمد بن عبد الملك الزيات[17] يسعى على المتوكل في أيام الواثق ويحرضه عليه فتغيرت عليه نيته حتى أدّاه ذلك إلى حبسه عند محمد بن عبد الملك. قال المتوكل[18]: في اليوم الذي تقدم في إدخاله إلى التنور الحديد لم يُمنَ أحد بمثل ما منيت به من ابن الزيات! ضيق علي محبسي، ومنعني مما اقتضته عادتي، وكنت قد ربيت وفرة فلم يطلق لي تنظيفها فكثرت الدواب فيها. وتأدى ذلك إلى والدتي فكتبت إلى الواثق رقعة فقال لمحمد بن عبد الملك: أطلق لجعفر طمّ شعره وتنظيف ثوبه وتطييبه، فانصرف كالمغيظ، وضرب الموكل بي وقال: تركت محبس جعفر شارعاً من الشوارع حتى سهل شكوى أمّه. ثم أمر بإخراجي فخرجت فوجدت أمارات الغضب في وجهه. فوقفت ساعة لا يرفع وجهه إلي، ثم قال: "نطع" فأوهمني أن الواثق أمر بضرب عنقي، فبُسط بين يديه، ثم أومى إلى الغلمان بإدخالي فيه، ولم اشك في القتل، ثم قال: "الحجّام" فقلت: أظنه يخلع أضراسي قبل قتلي، وأنا سائر في هذا قائم، فلما وافى الحجام، قال: احلق شعره، فأجلسني يحلق شعري، فآليت على نفسي أني لا أستبقيه لحظة إن ظفرت بالخلافة، فمات محمد بن عبد الملك بالتنور[19] في اليوم الثالث.
- طلب الظاهر بيبرس من الإمام النووي - رحمه الله - أن يصدر فتوى تبيح له أخذ أموال من الناس لمواجهة التتار، وصدّ خطرهم فامتنع النووي عن ذلك حتى ينفق الظاهر ما عنده، وإذا كان بعدها بحاجة لأخذ المال من الناس فسوف يفتيه، فقال الظاهر للنووي: اخرج من بلدي - دمشق - فخرج إلى بلده نوى إحدى قرى حوران، فغضب الناس لإخراج النووي وأهمهم أمره وقالوا للظاهر: هو من علمائنا وصلحائنا، فرسم بإرجاعه وقال: ارجع ولا أريد منك شيئاً، فقال النووي - رحمه الله -: والله لا أدخلها والظاهر فيها، فمات الظاهر بعد شهر.
هذه بعض الأمثلة في بيان سوء عاقبة من ظلم وتجبر في القرون الخالية، وقد تكون العبرة أبلغ إذا ذكرنا مصارع الظلمة في عصرنا الحديث، وكيف انتقم الله منهم - سبحانه - إذا أخذ، فأخذ عزيز مقتدر.
- كان ذو الفقار علي بوتو حاكماً جباراً في باكستان ولم يك من المصلحين، وقد بلغ الظلم أوجه في عهده، وزج من العلماء وطلبة العلم والدعاة في السجون خلقاً يعدون بعشرات الألوف بل مئات الألوف، وظن أن الأمور قد استقرت في قبضته، فخرج على التلفاز يوماً يخاطب الشعب، وقد ضرب على الكرسي تحته، وقال: إذا بقي هذا تحتي - يعني كرسي الحكم - فكل شيء يهون، ولم يمض شهر واحد حتى قام ضده انقلاب عسكري، ثم أودع في السجن حتى شكلت له محكمة ثم حكم عليه بالإعدام فأعدم.
أيها القارئ اللبيب، أياً كان مقامك ومكانك، ليس هذا فحسب ما أحدثك عنه من شأن ذو الفقار علي بوتو، بل إن الانتقام وسوء العاقبة أدرك ذريته من بعده، فقد قتل أحد أولاده في فرنسا مسموماً، وقتل الآخر - مرتضى بوتو - في كراتشي من قبل دورية شرطة‍‍!! بعد أن مكث في سورية أكثر من أربعة عشر عاماً، وكان يعدُّ لاستلام حكم البلاد!!.
ولم يبق من عقب ذو الفقار من له شأن يذكر إلا ابنته بنظير التي كانت على خلاف شديد مع أمها وأخيها، وكانت موضع سخط واستنكار من قبل الشعب الباكستاني الذي يتكلم عن أفعالها وقبائحها أيام كانت طالبة في ديار الغرب.
فأعد قراءة الآية الكريمة الآتية وأنت تملك قلبك مستعيذاً بالله من نزغات "الشيطان": وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً [النساء: 9].
- ظهر أنور السادات على التلفاز مرة أيام كان حاكماً في مصر، بعد أن سجن كثيراً من العلماء والدعاة وطلبة العلم الذين أنكروا عليه معاهدة الصلح التي عقدها مع اليهود، ثم قال عن أحد العلماء الذين سجنهم [هو الشيخ أحمد المحلاوي] قال عنه "أهو مرمي في السجن زي الكلب" بهذه الحرفية، فخلع لهذه الكلمة قلوب كثير من الصالحين، ولكن ربك لا يغفل عما يعمل الظالمون، إنه - سبحانه - عزيز ذو انتقام، ولم يمض شهر واحد حتى قتل أنور السادات في أثناء عرض عسكري، وقد خرج على قومه يومئذ في زينته، فقتل وألقي وصدق عليه الوصف البذئ الذي وصف به الشيخ الذي سجنه، واختبأ كثير من حاشيته تحت المنصة، وأظن أن كثيراً من وسائل الأعلام تمتلك صورة لذلك المشهد.
ولا يتسع المقام لذكر المزيد من الأمثلة على من قصمهم الله وأحل بهم عاقبة بسبب ظلمهم وتجبرهم وطغيانهم والله عزيز ذو انتقام.
وإني إذ أقتصر على بعض الأمثلة فإني أؤكد لكل عاقل أن سنة الله - سبحانه - في خلقه أنه عزيز ذو انتقام، وأنه يمهل ولا يهمل، وما من جبار تعرض لأولياء الله وعباده الصالحين بالأذى إلا وقد جعل الله عاقبة أمره خسراً، ففي الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
وما من شخص أعز أولياء الله إلا وأعزه الله، ومكنّ له، وجازاه الجزاء الأوفى، فتأمل موقف محمد بن سعود - رحمه الله - الذي ناصر دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب[20]، فنصرهم الله، ومكنّ له ملكاً مضت عليه مئات السنين، ولكنه - سبحانه - يغير الخلق من حال إلى حال، فها نحن نسمع عن سجن للعلماء الصالحين، والدعاة العاملين وقد مضت عليه سنين وقد تضجر كثير من الخلق من شدة الظلم والضيق الذي يلاقونه ويعانونه، فوالله إن هذا لدليل الزوال، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن بلاد المسلمين اليوم قد ملئت ظلماً وجوراً، وأطلق الحكام على الشعوب عقال الظلم، وأهانوا الأكارم والأخيار، وملأوا السجون بدعاة الحق والعلماء الصالحين، ونشروا في الأرض الفساد، وشردوا كثيراً من الخلق في شتى البلاد.
ولقد قرأت رسالة[21] من زوجة أسير في سجون مصر، ما تمالكت - علم الله - أثناء قراءتها عيني من البكاء.
اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة.
اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهايته واجتمع طريده، اللهم فأتح له يداً من الحق حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره...


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
[1] - انظر بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر 1/360.
[2] - انظر نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ص 426، لابن الجوزي.
[3] - صحيح البخاري، كتاب الإيمان.
[4] - صحيح مسلم، رقم الحديث: 2564.
[5] - انظر أضواء البيان للشنقيطي.
[6] - صحيح مسلم. كتاب البر والصلة والآداب، رقم الحديث: 2578.
[7] - صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، رقم الحديث: 2577.
[8] - متفق عليه، البخاري في كتاب المظالم، رقم الحديث: 2442، ومسلم، كتاب البر والصلة، رقم الحديث: 2580.
[9] - صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد إلى الفقراء حيث كانوا.
[10] - صحيح البخاري، كتاب المظالم.
[11] - سير أعلام النبلاء للذهبي 2/335.
[12] - بهجة المجالس وأنس الجالس لابن عبد البر 1/360.
[13] - كان عامل الخراج في مصر للدولة العباسية.
[14] - كتاب (المكافأة وحسن العقبى) ص 90، تأليف أحمد بن يوسف الكاتب، المتوفى سنة 340 هـ، عاصر الدولة الطولونية، ثم الأخشيدية، ترجم له العلامة محمود محمد شاكر كتاب (المكافأة)، ورجح أن يكون تاريخ ميلاده 240 هـ.
[15] - عيون ا لأخبار لابن قتيبة 1/77.
[16] - انظر السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 15، تحقيق بشير عيون.
[17] - محمد بن عبد الملك الزيات كان وزيراً في خلافة الواثق بن المعتصم.
[18] - هو جعفر بن المعتصم الملقب بالمتوكل على الله، تولى الخلافة بعد وفاة أخيه الواثق سنة 232 هـ، قام بحملة كاسحة ضد المعتزلة، وفي عهده أطلق سراح الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة - رحمه الله -.
[19] - كان محمد بن عبد الملك الزيات قد اتخذ تنوراً (موقداً) يعذب فيه من يتعمد عقوبتهم. انظر كتاب (المكافأة) تحقيق محمود محمد شاكر، ص 72.
[20] - انظر كتاب (محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه) تأليف مسعود الندوي.
[21] - انظر مجلة السنة، العدد السابع والستون، صفر 1418 هـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:25 PM.