أهلًا و سهلًا بكـ يشرفنا تسجيلك و مشاركتك معنا .
#1
|
||||
|
||||
يوسفُ أنا ..
عند ميلادي ... سمعتُ الناس حولي ... يضحكون . قال أبي : "سيكون هذا الطفل ذا شأن عظيم . غداً سيكبرُ ... سوف يملأ البيتَ نعيماً ... سيزيح الهم عني ... ويكون ... ذا حديثٍ طيبٍ ... وغداً تروْن .". كل ذلك قد سمعتْ ... ثم قالت جدتي : "عله المهدي يكون.". حملتني امرأةٌ ... لا أدري من كانت . ولكني شممت روائحاً غربية من ثوبها . أخبروني أنها كانت معلمة الكبار . قد أحبوها كثيرا . وأحبتهم كثيرا . قالت لأمي يومذاك : "لا ترضعيه عزيزتي حتى يصيح عليه أن يطلب الرزق صغيرا ... حتى يكونَ ... كادحاً ... وغداً ترين". رسموا طريقاً ملؤه النعماءُ... والخير الوفير . ملؤهُ دعةٌ ... ورزقٌ ... وسكون . ثم سموْه طريقي . أحببت أن أمضي وحيداً ... مطلقاً من كل قيد . أردت أن أختار حتى الأقرباء . لكنها الدنيا تضيم الأبرياء . ثم جاءتني ــ تهز الأرض ــ أقدارُ السماء . وقفت أمامي ... ملأتني رهبةً ... صفعتني ... ثم قالت : "أنت مخلوقٌ ... لكي تبقي شقيا ... لن تنعم ... لن تكون غداً ثريا .". نظرت في الأقدار ... واسترحمتُ ... رددت "رحماكِ" ... مليا . أخبرتها أني صبيٌّ ... يتمني ... أن يعين الفقراء . عندها حزنت كثيراً ... ثم قالت في جمود : "ليتني أسطيعُ أن أعطيك شيئا". يا لها من كلماتٍ ... أحزنتني ... أوجمتني ... جعلتني أذرف الدمع حميا . أدخلتني في متاهات القنوط . جعلتني أتمني أن أموت ... فأفارق الدنيا .... فراقاً أبديا . ما أصدقَ الأقدارَ ... لم أخلَقْ ... لكي أبقي سعيدا . كل يومٍ من أيامي ... فيه أُصلى بابتلاءاتٍ جديدة . موت أبي ... وانطلاق الحزنِ ... مُذ ذاك الأوان . كثرةُ الآلامِ ... أهوالٌ عديدة . كل عمري ... صار ناراً تتلظي . كل يومٍ ... وأنا بصدود الدهرِ أحظي . صار حظي ... مثل حظ الكافرِ ... من جنة الله الفريدة . أي يومٍ يزدريني ... كلما أرفع يمناي ... يخفضها ... "يميني" . لكنني ما زلت أرفعها ... عناداً ... جبروتاً ... إعتداداً بأبي ... وبأمي ... وشموخاً ... كبرياءً عربيا . لن أجعل الأيام تأخذني وضيعا . سأصارع اليأس كثيراً ... لن أطيعه . سأزيل القهر ما زلت قويا . سأميت البؤس ... ما زلت فتيا . ما زلتُ ذا عقلٍ حكيمٍ ... يزن الدنيا ... وذا نفسٍ صبية . أحس ذاكَ ... نبضاً فيَّ ... ليس ما قالوا ... هراء ... فإذا كنت شقيا ... فلا ضيرَ من كوني شقيا ... لكنما ... سأكون وصماً في قلوب الفقراء .
__________________
|
|
|